14 . الضجّة فی الشام

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطیاتها
15 . فی قصر یزید13 . منازل فی الطریق

وبعد أن مرّوا بأسرى أهل البیت(علیهم السلام) فی القرى والمدن ومعهم رؤوس الشهداء وصلوا إلى بلاد الشام، وعندما وصلوا على مقربة من دمشق (عاصمة الحکومة الأمویة) خرج الناس للتفرج على بنات الرسالة، ولما نظرت اُم کلثوم، قالت لشمر:

لی إلیک حاجة.

قال: ما حاجتک یا بنت علیّ؟

قالت: أن تسلک بنا طریقاً قلیل النظّارة وتأمر حاملی الرؤوس بأن یبعدوا الرؤوس عن أوساط النساء لینشغل الناس بالنظر إلى الرؤوس، فقد خزینا من کثرة النظر إلینا.

فعمل شمر بعکس ذلک وأمر بالرؤوس فحملت بین النساء وسلک بهنّ طریقاً کثیر النظارة بین دقّ الطبول والدفوف والناس یهنیء بعضهم بعضاً.

وفی الیوم الأول من شهر صفر(1) وصلت قافلة الأسرى إلى دمشق من «باب الساعات»(2)، وهو محل اجتماع الناس، حیث أبقوا الأسرى فی ذلک المکان اثنتاعشرة ساعة والناس یهنیء بعضهم بعضاً وکلّ یصافح الآخر وأکفّهم مخضوبة بالحنّاء بین أصوات الطبول والدفوف(3).

وکان یزید قد جلس فی مکان من قصره مشرف على «جیرون» (مکان قریب من المسجد الأموی)، ینظر إلى قافلة الأسرى ورؤوس الشهداء، وفی ذلک الوقت سمع نعیب الغراب فتشاءم من ذلک، فأنشد یقول:

لَمّا بَدَتْ تِلْکَ الْحُمُولُ وَأَشْرَقَتْ *** تِلْکَ الرُّؤُوسُ عَلى رُبى جیرُونِ

نَعِبَ الْغُرابُ فَقُلْتُ: صِحْ أَوْ لا تَصِحْ *** فَقَدِ اقْتَضَیْتُ مِنَ الرَّسُولِ دُیُونی(4)

وهذا من أوضح الدلائل والوثائق المهمّة على عدم إیمان یزید و بنی اُمیّة بالإسلام والمقدسات الإسلامیة .

یقول السید ابن طاووس: لما دخلت قافلة الأسرى إلى مدینة الشام، أقاموا على باب المسجد الجامع حیث تقام السبایا(5).

وفی هذه الأثناء جاء شیخ ودنا من نساء الحسین(علیه السلام) وعیاله وهم فی ذلک الوضع، فقال: «الحمد لله الذی قتلکم وأهلککم وأراح البلاد من رجالکم وأمکن أمیرالمؤمنین یزید منکم».

فقال له علیّ بن الحسین(علیهما السلام): «یا شَیْخُ! هَلْ قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ».

قال الشیخ: نعم.

قال الإمام(علیه السلام): «فَهَلْ عَرَفْتَ هذِهِ الآیَةَ: (قُلْ لاَ أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ اَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبى)(6)».

قال الشیخ: نعم، قد قرأت ذلک.

فقال الامام(علیه السلام): «فَنَحْنُ الْقُرْبى یا شَیْخُ».

ثم أضاف الإمام: «هل قرأت هذه الآیة: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبى)(7)؟».

قال الشیخ: نعم، قد قرأت ذلک.

قال الإمام زین العابدین(علیه السلام): «فَنَحْنُ الْقُرْبى یا شَیْخُ».

ثم قال الإمام(علیه السلام): «هل قرأت هذه الآیة: (إِنَّمَا یُریدُ اللهَ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهیراً)»(8).

قال الشیخ: نعم، قد قرأت هذه الآیة.

فقال الإمام(علیه السلام): «فَنَحْنُ أهْلُ الْبَیْتِ الَّذینَ خَصَّنا بِآیَةِ الطَّهارَةِ یا شَیْخُ».

قال الراوی: فبقی الشیخ ساکتاً نادماً على ما تکلّم به وقال: باللهِ إنّکُم هُم؟

فقال الإمام زین العابدین(علیه السلام): «تَاللهِ إنّا لَنحنُ هُم مِنْ غَیرِ شکٍّ وحَقِّ جَدِّنا رسُولِ اللهِ إنّا لَنحنُ هُم».

فبکى الشیخ ورمى عمامته ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: «اللّهمّ إنّا نبرأُ إلیکَ مِن عدوّ آل مُحمّد مِن الجنّ والإنس»».

ثمّ قال للإمام(علیه السلام): «هَل لِی مِنْ تَوبة؟».

فقال الإمام(علیه السلام): «نعم، إن تُبتَ تابَ اللهُ عَلیکَ وَأَنتَ مَعنا».

فقال الشیخ: أنا تَائبٌ، فبلغ یزید بن معاویة حدیث الشیخ فأمر به فقتل!(9)

عندما اعتنق أهل الشام فی بدایة الأمر الإسلام، عاشوا تحت ظلّ حکومة بنی اُمیة، فالوالی الأول على الشام هو یزید بن أبی سفیان، ومن بعده أصبح أخوه معاویة بن أبی سفیان والیاً على الشام، وقد استمرت ولایة وحکومة معاویة على الشام أربعین سنة، وبذلک أبعدوا أهل الشام عن الإسلام الحقیقی وأظهروا لهم الإسلام الذی یتّفق مع طموحاتهم، فقد طرح معاویة نفسه بعنوان «خال المؤمنین» و«کاتب الوحی»، أمّا یزید فهو الوارث لمثل هذه الحکومة ولذلک لا غرابة فی أن یتحدث هذا الشیخ الشامی بمثل هذا الکلام، ولکن بعد أن تبیّن له الأمر من خلال کلمات الإمام زین العابدین(علیه السلام)اهتدى إلى الصراط المستقیم واستشهد فی سبیل عقیدته.

وعلى أیّة حال فإنّ أوضاع الشام والجوّ المهیمن على أهالی تلک المنطقة کان صعباً جدّاً على أهل البیت إلى درجة أنّ الإمام زین العابدین وأهل البیت(علیهم السلام) کانوا یعیشون أشدّ حالات المشقّة والحرج والضیق، وقد روی أنّ الإمام علیّ بن الحسین(علیه السلام)أنشد یقول:

فَیالَیْتَ لَمْ أَنْظُرْ دِمَشْقاً وَلَمْ أَکُنْ *** یَرانی یَزیدُ فِى الْبِلادِ أَسِیرَهُ(10)


1 . ذکر فی «کامل البهائی» (تألیف عماد الدین الطبری الشیعی) و «الآثار الباقیة»، لأبی ریحان البیرونی و«المصباح» للکفعمی أنّ یوم ورود قافلة الأسرى إلى الشام، یوم الأول من شهر صفر. (مقتل الحسین، المقرّم، ص 348).
2 . السبب فی هذه التسمیة (باب الساعات)، أنّهم صنعوا تماثیل من نحاس لبعض الطیور والحیوانات ووضعوها هناک بشکل یتمّ من خلاله تشخیص الوقت والساعة، وفی «مقتل الحسین» للخوارزمی أنّ قافلة السبایا دخلت من باب «توما» التی بقیت آثارها لحدّ الآن. (مقتل الحسین، المقرّم، ص 348).
3 . الملهوف (اللهوف)، ص 210 (مع اختلاف یسیر) ; مقتل الحسین، المقرّم، ص 347-348.
4. مقتل الحسین، المقرّم، ص 348 .
5. الملهوف (اللهوف)، ص 210 .
6. سورة الشورى، الآیة 23 .
7. سورة الأنفال، الآیة 41.
8 . سورة الأحزاب، الآیة 33.
9 . بحارالأنوار، ج 45، ص 129. وردت هذه الواقعة فی الملهوف (اللهوف)، ص 211-212; الاحتجاج، ج 2، ص 120-122 مع اختلاف یسیر.
10. مدینة المعاجز، ج 4، ص 110 .

 

15 . فی قصر یزید13 . منازل فی الطریق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma