جریان الاستصحاب فی الأقسام الأربعة وعدمه

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
طریق الوصول إلى مهمّات علم الاُصول ج2
8 . استصحاب الاُمور التدریجیّة7 . استصحاب الکلّی

أمّا القسم الأوّل: فلا إشکال فی جریان استصحاب الکلّی فیه، کما یجری استصحاب الفرد فیه أیضاً.
ولکن الکلام فی أنّ استصحاب الفرد هل یغنی عن استصحاب الکلّی أو لا؟
والصحیح کفایة استصحاب الفرد عن استصحاب الکلّی، وذلک من جهة اتّحاد الکلّی مع فرده، فیکفی استصحاب الفرد لترتّب جمیع آثار الکلّی، وهذا ما ذهب إلیه أکثر المحقّقین.
وعلیه فلا ثمرة لاستصحاب الکلّی فی هذا القسم; لأنّ الکلّی لا یکون مفترقاً عن فرده، لما ثبت فی محلّه من اتّحاد الکلّی الطبیعی مع أفراده، وأنّ وجود الطبیعی عین وجود أفراده، وحینئذ آثار الکلّی تترتّب أیضاً على فرده، فمن تیقّن بالجنابة ثمّ شکّ فی الطهارة عنها یستصحب بقاء الجنابة ویرتّب علیها عدم المکث فی المسجد، الذی هو من آثار فرد الجنابة وعدم صحّة صلاته الذی هو من آثار مطلق الحدث، ولا حاجة إلى استصحاب کلّی الحدث.
أمّا القسم الثانی: فقد ذهب أکثر المحقّقین إلى جریانه، لکن فی خصوص ما إذا لم یکن أثر الکلّی مبایناً مع أثر الفرد والخصوصیّات الفردیّة، کما إذا علمنا إجمالا بنجاسة الثوب ولم نعلم أنه دم أو بول، حیث إنّ أثر النجاسة بالدم وجوب الغسل مرّة وأثر النجاسة بالبول وجوب الغسل مرّتین فیجری استصحاب بقاء النجاسة بعد الغسل مرّة ویجب الغسل مرّة اُخرى.
وأمّا إذا کان أثر الکلّی مبایناً مع أثر الفرد کما فی مثال البول والمنی; حیث إنّ أثر البول وجوب الوضوء وأثر المنی وجوب الغسل وهما أثران متباینان، ففی هذه الصورة لا تصل النوبة إلى استصحاب کلّی الحدث لإثبات وجوب الوضوء والغسل معاً، بل تجری قاعدة الاحتیاط والاشتغال لإثبات وجوب رعایة کلا الأثرین.
نعم یمکن أن یقال: إنّ هذا النوع من الاستصحاب لیس من مصادیق استصحاب الکلّی، بل إنّه فی الواقع من قبیل استصحاب الفرد المبهم، وإن شئت قلت: یجری استصحاب الفرد المبهم ویترتّب نفس ما یترتّب على استصحاب الکلّی، ففی مثال العصفور والغراب مثلا نشیر إلى ذلک الفرد من الطائر المبهم الذی دخل الدار فی ساعة کذا ورآه بعینه من دون معرفة حاله، ویستصحب شخص ذلک الفرد المبهم، ولعلّ مراد القائلین بالکلّی أیضاً ذلک.
ثمّ إنّه قد اُورد على هذا القسم من استصحاب الکلّی بوجوه، أهمّها وجهان:
1. إنّ من شرائط حجّیة الاستصحاب وحدة القضیّة المتیقّنة والمشکوکة، أی تعلّق الیقین والشکّ بشیء واحد، وهذا فی المقام غیر حاصل، لأنّ وجود الکلّی ضمن أحد أفراده غیر وجوده ضمن فرد آخر، فإنّ نسبة الکلّی إلى أفراده نسبة الآباء إلى الأبناء، لا نسبة أب واحد إلى أبناء متعدّدین، وحینئذ یصیر الاستصحاب من قبیل استصحاب الفرد المردّد، وهو غیر حجّة.
ویمکن الجواب عنه، بما مرّ من أنّ هذا القسم من الکلّی راجع فی الحقیقة إلى استصحاب الفرد، أی استصحاب تلک الحصّه الخاصّة المتیقّنة وإن کان بعض خصوصیاتها مبهمة، فالطائر الذی دخل الدار فی ساعة کذا بعینه موجود الآن وإن شککنا فی أنّه کان غراباً أو عصفوراً لظلمة أو شبهها.
2. ما سمّیت بالشبهة العبائیة، وحاصلها: أنّه لو علمنا بإصابة النجاسة أحد طرفی العباءة من الأیمن أو الأیسر ثمّ طهّرنا الطرف الأیمن فطهارته تورث الشکّ فی بقاء النجاسة فی العباءة، لاحتمال أن تکون النجاسة المعلومة قد أصابت الطرف الأیسر فیجری فیه استصحاب بقاء النجاسة.
فإذا لاقت الید مثلا الطرف الأیسر کانت محکومة بالطهارة ـ لأنّ ملاقی بعض الأطراف طاهر ـ أمّا إذا لاقت بعد ذلک الطرف الأیمن وجب الحکم بنجاستها مع أنّ الأیمن طاهر على المفروض، وذلک لأنّ النجاسة فی العباءة باقیة بحکم الاستصحاب ولیست خارجة عن الطرفین، وقد لاقت الید کلیهما، فلا محیص عن القول بنجاسة الید بعد إصابة الطرف الطاهر، وهذا من العجائب، فلابدّ من رفع الید عن استصحاب النجاسة الذی هو من قبیل استصحاب الکلیّ القسم الثانی.
وقد اُجیب عن الشبهة بوجوه والصحیح منها أن یقال: إنّ مثل هذا الاستصحاب لیس من قبیل استصحاب القسم الثانی، لأنّه عبارة عن استصحاب فرد واحد مجهول الصفات، أی الفرد المبهم المتیقّن وجوده فی الخارج، وهذا الفرد فی ما نحن فیه مردّد بین فردین خارجیین، فهو نظیر ما إذا علمنا بنجاسة أحد الإناءین ثمّ علمنا بإنعدام أحدهما ولا نعلم هل المعدوم هو الإناء النجس أو الإناء الطاهر؟ فلا إشکال فی عدم جواز استصحاب نجاسة کلّی أحدهما فی مثل ذلک، لتبدّل الموضوع الناشئ من انعدام أحدهما فی الخارج.
فإنّ المفروض فی ما نحن فیه أنّ أحد الطرفین صار طاهراً قطعاً، فتبدّل عنوان «هما» بـ «هو» فلیس المتیقّن نجاسة کلّی أحدهما بل المتیقّن نجاسة الفرد المردّد بین ما صار طاهراً یقیناً وبین ما هو مشکوک النجاسة، فهو من قبیل استصحاب الفرد المردّد الذی لا إشکال فی عدم جریانه فی أمثال المقام لتبدّل الموضوع.
أمّا استصحاب القسم الثالث: فالمشهور عدم حجّیته وفصّل الشیخ الأعظم الأنصاری(رحمه الله) بین ما إذا احتمل وجود الفرد الآخر مقارناً لخروج الفرد الأوّل، وما إذا احتمل وجوده مقارناً لوجود الفرد الأوّل، فهو حجّة فی الثانی دون الأوّل(1).
والصحیح هو القول الأوّل، ودلیله ظاهر; لاعتبار وحدة متعلّق الیقین والشکّ فی الاستصحاب; أی لزوم اتّحاد القضیّة المتیقّنة والقضیّة المشکوکة، وهی مفقودة فی المقام; لأنّ متعلّق الیقین فیه إنّما هو وجود الإنسان ضمن زید، والحال أنّ المشکوک هو وجود الإنسان ضمن عمرو، وقد ثبت فی محلّه أنّ وجود الکلّی الطبیعی فی الخارج یکون متعدّداً بتعدّد أفراده وإن کان متّحداً معها فی الذهن، ولا إشکال فی أنّ المستصحب فی ما نحن فیه إنّما هو وجود الکلّی فی الخارج لا الموجود فی الذهن.
وحکم الشیخ الأعظم(رحمه الله) بجریان الاستصحاب فی ما إذا وقع الشکّ فی وجود فرد آخر مقارن لوجود الفرد الأوّل لاحتمال کون الثابت فی الآن اللاحق هو عین الموجود سابقاً، فیتردّد الکلّی المعلوم سابقاً بین أن یکون وجوده الخارجی علىنحو لا یرتفع بارتفاع الفرد المعلوم ارتفاعه وأن یکون على نحو یرتفع بارتفاع ذلک الفرد، فالشکّ إنّما هو فی مقدار استعداد ذلک الکلّی، واستصحاب عدم حدوث الفرد المشکوک لا یثبت تعیین استعداد الکلّی.
فحاصل کلامه: أنّه فی القسم الأوّل یحتمل أن یکون الثابت فی الآن اللاحق هو عین الموجود سابقاً بخلاف القسم الثانی فلا یحتمل فیه ذلک، فیجری الاستصحاب فی الأوّل دون الثانی.
ویمکن أن یجاب عنه: بأنّ المتیقّن إنّما هو وجود کلّی الإنسان ضمن وجود زید، وأمّا المشکوک فهو وجود کلّی الإنسان ضمن عمرو، فالموضوع المستصحب على کلّ حال لیس واحداً لأنّ وجود الطبیعی فی ضمن فرد غیر وجوده فی ضمن فرد آخر.
أمّا القسم الرابع من الاستصحاب الکلّی: فالحقّ عدم جریان الاستصحاب فیه وذلک لأنّه یرجع إلى التمسّک بعموم «لا تنقض» فی الشبهة المصداقیّة، لأنّه یحتمل أن یکون رفع الید عن الیقین السابق من قبیل نقض الیقین بالیقین فإنّ احتمال انطباق هذا الأثر على الجنابة المعلوم ارتفاعها مساوق لاحتمال تحقّق الیقین بارتفاع الجنابة الحادثة عند حدوث هذا الأثر.
إن قلت: لا معنى للشکّ فی تحقّق الیقین وعدمه، لأنّ الیقین من الصفات النفسانیّة الّتی لا یمکن تطرّق الشکّ إلیها فإمّا یعلم بوجوده فی عالم النفس أو یعلم بعدمه.
قلت: إنّ متعلّق حکم الشارع بالإبقاء نفس الجنابة الخارجیّة الحاصلة عند وجود هذا الأثر، وإنّما اُخذ عنوان «الجنابة الحاصلة عند وجود الأثر» للاشارة إلى الموجود الخارجی، وإلاّ فلا دخل لهذا العنوان فی الحکم الشرعی بلا إشکال، فلو علم بارتفاع الجنابة الخارجیّة ـ بأیّ عنوان کان وبأیّة إشارة فرضت ـ فقد حصلت الغایة وهو الیقین بارتفاع الجنابة وکان رفع الید عن المتیقّن السابق من قبیل نقض الیقین بالیقین فاحتمال انطباق عنوان المتیقّن فی المقام على الجنابة المعلوم ارتفاعها یوجب احتمال کون رفع الید عنه من قبیل نقض الیقین بالیقین فلا یصحّ التمسّک بعموم «لا تنقض» لإثبات بقائها.
والحاصل: أنّ الیقین والشکّ وإن کانا من الاُمور النفسانیّة الّتی لا یمکن الشکّ فی تحقّقها، ولکن الکلام هنا فی متعلّق الیقین، فقد یکون العنوان الذی اُخذ فی متعلّقه منطبقاً على عنوان آخر فی الخارج، ومجرّد هذا الاحتمال یوجب احتمال تحقّق الیقین بارتفاع الجنابة فی المثال ولو بعنوان آخر، فالشکّ إنّما هو فی انطباق العنوانین اللذین تعلّق بهما الشکّ والیقین، فتأمّل فإنّه دقیق.


1. فرائد الاُصول، ج 3، ص 196.
8 . استصحاب الاُمور التدریجیّة7 . استصحاب الکلّی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma