معطیات الأقسام الخمسة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
التفسیر الثانی: المجاهدون فی سبیل الله ما هو المقسم له؟


إنّ أول ما یستوحى من هذه الأقسام المذکورة هو: أیّها الإنسان! إنّ الله تعالى قادر على خلق کل هذه المجامیع من الملائکة مع وظائف مختلفة، هو القادر على إعادة الحیاة بعد الموت وبعث الناس فی یوم القیامة للحساب.
وبعبارة أخرى، إنّ الرسالة الأولى لهذه الأقسام، أنّ قدرة الله تعالى مطلقة وسیطرته کاملة على جمیع أجزاء عالم الوجود، فهو القادر على کل شیء ومن ذلک إحیاء الأموات، وأنّ مسألة المعاد لیست مسألة غریبة وعجیبة عن دائرة قدرة الله المطلقة، ومثل هذا الموضوع ورد فی آیات عدیدة من القرآن الکریم، ومن ذلک ما ورد فی الآیات الأخیرة من سورة یس، وذلک عندما جاء أعرابی من البادیة إلى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وبیده عظماً رمیماً وأخذ یفتّه أمام رسول الله(صلى الله علیه وآله)ویلقی بفتاته إلى الأرض ثم خاطب النبی وقال: من یحیی هذه العظام مرّة ثانیة؟
فأجابه الله تعالى فی القرآن الکریم مخاطباً النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله):
(قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِکُلِّ خَلْق عَلِیمٌ)(1).
ألیس الذی خلق السماوات والأرض بقادر على أن یخلق مثل أفراد البشر من التراب؟ إنّ الله تعالى ومن أجل خلق الکائنات لا یحتاج إلى مقدمات وتهیئة بعض الوسائل والأسباب، بل إذا أراد أن یخلق شیئاً فیکفی أن یقول له «کن»: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ)(2).
وعلیه فلا شک فی أنّ قدرة الله تعالى مهیمنة على کل شیء وهو المالک والحاکم على کل شیء فی عالم الوجود، وکل شیء یعود بالنهایة إلیه، فلا ینبغی الشک فی قدرة الله تعالى.
النتیجة، أنّ أول مفهوم نستوحیه من هذه الأقسام الخمسة، التذکیر بقدرة الله تعالى على جمیع الأشیاء ومنها المعاد.
الرسالة الثانیة التی نستوحیها من هذه الأقسام، الالتفات لمسألة الموت وقبض الروح حیث یرید الله تعالى من خلال هذه الأقسام تقویة إیمان الناس فیما یتصل بمسألة الموت، حتى یتحوّل هذا الإیمان بالموت إلى عنصر تربوی مهم فی حیاة الإنسان فیما یجسده من مرحلة خطیرة وعقبة کؤود، فالإنسان یجب علیه أن یقبل ویذعن لهذه الظاهرة الحسّاسة جدّاً وهذا المنعطف الخطیر الذی یسمى الموت. وأمّا ما یتداوله الناس من کلمات مثل «نعوذ بالله» و«دفع الله الموت عنکم» و«لا سمح الله» فهی لیست سوى تعارفات ومجاملات، وأحیاناً یعیش الإنسان الغفلة عن هذه الحقیقة الحاسمة، فالموت یمثّل حقیقة لا تقبل الإنکار، وسوف تحلّ علینا شئنا أم أبینا، عاجلاً أم آجلاً.
إنّ الناس فی حال الموت على قسمین: فبعض یواجه الموت والملائکة الموکلین بقبض روحه من موقع الخصومة والغضب والتمرد، ویجد صعوبة فی تلک اللحظة الحاسمة کما أشارت إلى ذلک الآیة الأولى من الآیات مورد البحث، والبعض الآخر یواجه الموت و الملائکة الموکلین به من موقع السرور والتسلیم واللطف، کما أشارت إلیه الآیة الثانیة.
وقد وردت آیات کریمة فی القرآن تؤید ما ذهبنا إلیه آنفاً، ومن ذلک ما ورد فی الآیة 27 من سورة (محمّد) فی کیفیة قبض أرواح المجرمین حیث ترسم الآیة الشریفة صورة رهیبة لتلک الحالة:
(فَکَیْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِکَةُ یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ).
وبالنسبة لکیفیة قبض أرواح المؤمنین، تقول الآیة 32 من سورة النحل:
(الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِکَةُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلاَمٌ عَلَیْکُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
الحقیقة أنّ الموت لیس ممّا یستوحش منه ولا أمر یستبطن الخوف والرعب والهلع، بل إنّ أعمالنا هی سبب الوحشة والخوف، والمستقبل المظلم الذی بنیناه بأیدینا هو الذی یحوّل ظاهرة الموت إلى قضیة مخوفة وموحشة حیث یستغرق الإنسان فی الجانب المغلق منها، فلو کان المستقبل زاهراً فمرحباً بالموت.
یقول الإمام علی فی الخطبة الخامسة من نهج البلاغة، فی شکواه من الانهزامیین من أتباعه:
«فَإِنْ أَقُلْ یَقُولُوا: حَرَصَ عَلَى الْمُلْکِ، وَ إِنْ أَسْکُتْ یَقُولُوا: جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ هَیْهَاتَ بَعْدَ اللَّتَیَّا وَ الَّتی».
ثمّ أنّ الإمام علیّاً(علیه السلام) بیّن للحاضرین عقیدته للموت وقال:
«وَ اللّهِ لاَبْنُ أَبی طَالِب آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطَّفْلِ بِثَدْیِ أُمه».
ما ألطف هذا التشبیه، وما أبلغ هذا البیان، لأنّ جمیع کیان الطفل ووجوده مرتبط بلبن اُمّه، حتى الحبّ والمودة وسائر العواطف الإنسانیة تنتقل إلى الطفل من خلال لبن الاُمّ، ومن هنا فالأطفال المحرومون من لبن الاُمّ یواجهون نقصاً فی عواطفهم الإنسانیة، وعندما تضع الاُمّ ثدیها فی فم الطفل فکأنّها أعطته جمیع الدنیا، وعندما ینفصل منها فیبکی بجمیع وجوده وکأنّما فقد جمیع ما فی الدنیا.
وبهذا الحال فإنّ الموت بالنسبة لعلی بن أبی طالب(علیه السلام) لذیذ إلى درجة أنّه أحبّ من ثدی الأُم بالنسبة للطفل الرضیع!
هذا النوع من الرؤیة للموت یعود لخلفیات الأعمال الصالحة ورؤیته لمستقبل مشرق بعد الموت.
فی معرکة أحد، وهی المعرکة الوحیدة التی خسر فیها المسلمون، تحوّل النصر الأولی فی هذه المعرکة، وبسبب تقصیر بعض المجاهدین الإنسان وتخلفهم عن أوامر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، إلى هزیمة مرّة، وکانت حصیلة هذه الهزیمة استشهاد سبعین رجلاً، من جنود الإسلام، ومنهم حمزة سید الشهداء(علیه السلام)الذی قتل أشنع قتلة ومثّل به وشق بطنه وأخرج کبده، بل إنّهم قصدوا أکل کبده «ولم یوفقوا لذلک بلطف الله ورعایته» وقطعوا اُذنه وأنفه، والآن عندما یزور المسافر المدینة المنورة ویتوجه لزیارة مرقد حمزة سید الشهداء(علیه السلام) ویتصور تلک الواقعة على رغم مرور مئات سنین على تلک الواقعة، فإنّه یحسّ بامتعاض نفسه وقلبه ویتألم لتلک المعاملة القاسیة التی تعاملوا بها مع هذا الشهید العظیم.
وبعد انتهاء الحرب وعودة الکفّار والمشرکین إلى مکّة، فإنّ الإمام علیّاً(علیه السلام) هو الشخص الوحید الذی بقی یدافع عن النبی(صلى الله علیه وآله) إلى آخر لحظة، ولکنه أصیب بحالة من الغم والحزن بعد انتهاء المعرکة، فقال له رسول الله(صلى الله علیه وآله): یا علی لماذا أراک حزیناً؟
فقال علی(علیه السلام): وکیف لا أحزن فی حین أنّ حمزة وسائر الشهداء نالوا مقام الشهادة وحرمت أنا منها. أی أنّ الإمام علیّاً(علیه السلام) لیس فقط لا یخاف من الموت بل یفرح بالموت ویحزن لأنّه حرم من الشهادة.
فقال له رسول الله: «أَبْشِرْ فَاِنَّ الشَّهـادَةَ مِنْ وَرائِکَ»(3).
ثم قال له(صلى الله علیه وآله): یا علی! کیف صبرک على الموت إذا أتاک؟
فقال الإمام علی(علیه السلام): ما هذا موطن الصبر بل موطن الشکر.
هذا نمط من الرؤیة للموت، وطبعاً تمثّل هذه الرؤیة أفضل ما یتصوره الإنسان عن الموت بحیث إنّه ینفتح على الموت ویستقبله باطمئنان قلب.
أمّا الشخص المتلوث بالأعمال السیئة ویرى أنّ صحیفة أعماله سوداء ولیس لدیه زاد لذلک العالم، ویعیش التعلق الشدید بالدنیا وزخارفها فإنّه لا یستطیع تحمل الموت بیسر، وربّما یمتد به النزع لساعات طوال بل لأیام عدیدة. ویحکى أنّ شخصأ بقی مدّة طویلة فی حال الاحتضار، ولم تطاوعه نفسه لقبول الموت وتسلیم الروح، حتى أنّه لم یکن مستعداً لأداء الشهادتین، وقد آثار ذلک عجب الحاضرین، وبعد مدّة سمعوا هذا المحتضر یتمتم بشفتیه فأصاخوا أسماعهم لکلامه فإذا هو یقول:
«آتونی بذلک الکیس!»
فتعجب الحاضرون وتساءلوا فیما بینهم: ماذا یعنی بالکیس، وأین هو؟
فقالت زوجته: «کیس ملىء بالسکک الذهبیة وهو موجود أسفل السریر، وکان زوجی یعیش العلاقة الشدیدة بهذا الذهب».
فجاءوا إلیه بالکیس ووضعوه على صدره، فأسلم الروح دون أن ینطق بالشهادتین.
یقول الإمام علی(علیه السلام) فی خطبة همّام:
«وَلَوْلاَ الاَْجَلُ الَّذی کَتَبَ اللهُ عَلَیْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْواحَهُمْ فِی أَجْسادِهِمْ طَرْفَةَ عَیْن، شَوْقاً إِلَى الثَّوابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقابِ»(4).
أجل، فإنّ أرواح هؤلاء المتقین لا تمکث فی أبدانهم لحظة واحدة شوقاً إلى الثواب الذی ینتظرهم فی الجنّة وخوفاً من العقاب.
فی أحد الأیّام جاءنی شاب بهی الطلعة فی حرم السیدة المعصومة(علیها السلام)فی قم، وطلب منی أن أدعو له بالشهادة، فقلت له: أسأل الله تعالى لی ولک العمر الطویل مع التوفیق للعبادة والإخلاص وأن یکون آخر عمرنا الشهادة فی سبیل الله. فقال: ادعو لی بالشهادة فی حال الشباب لأنّ الشهادة فی مرحلة الشباب لها طعم آخر.
هذه هی ثمار شجرة الإیمان والتقوى، ومثل هؤلاء الشباب الغیورین کنوز البلاد وذخیرة المجتمع فی حال بروز الأخطار وظهور المشکلات، ومثل هذا الشاب أفضل بکثیر من آلاف الشبّان الملوثین بالمعاصی والانحرافات والأعمال السیئة، ویسعى الأعداء بجمیع إمکاناتهم وقدراتهم إلى اضلال هؤلاء الشبّان وإبعادهم عن المسیر فی خط الرسالة والمسؤولیة والإیمان.
ولو نجحوا فی سلب عنصر الإیمان من قلوب هؤلاء الشبّان، فإنّ الدین والبلاد الإسلامیة تتعرض للخطر، وإذا نجحنا فی تقویة عناصر الإیمان والخیر فی قلوب هؤلاء الأفراد ونجحنا فی اخراجهم من أجواء الغفلة واللامبالاة، إلى أجواء المسؤولیة والرسالة والانفتاح على الله، فلا شک فی أنّ قوى الشر والظلام ستندحر وتنسحب من المیدان.
 


(1) . سورة یس، الآیة 79 .
(2) . سورة یس، الآیة 82 .
(3) . بحار الأنوار، ج 32، ص 241 و ج 41، ص 7 .
(4) . نهج البلاغة، الخطبة 193 .

 

التفسیر الثانی: المجاهدون فی سبیل الله ما هو المقسم له؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma