شرح وتفسیر المقسم له

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
مرآة العبرة! الأقسام الأربعة


إن جمیع الأقسام المذکورة إنّما هی لبیان هذه الحقیقة، وهی: أیّها الإنسان أنت أیضاً تعیش حالة التغیر والتحوّل طیلة عمرک، کما أن الکائنات الأخرى تندرج ضمن هذا القانون، أمّا الوحید الذی یتعالى على التغیر والتبدل، فهو الذات المقدّسة الأزلیة والأبدیة.
إنّ هذه التغیرات والتحوّلات فی عالم الوجود والکائنات الحیّة تبدأ فی دائرة الإنسان منذ تشکل النطفة فی رحم الاُم وتحوّلها إلى جنین، وتستمر بعد الولادة إلى حین الوفاة، وهذا القانون لا یختص بالإنسان بل یستوعب فی دائرته جمیع الموجوات فی العالم سوى الذات المقدّسة. ومن أجل توضیح هذا المفهوم نرى من الضروری معرفة المقصود من «طبق» و«لترکبنّ» فبالرغم من أنّ المفسّرین اهتموا بتفسیر کلمة «طبق» فقط، ولم یبحثوا فی معنى وتفسیر الکلمة الثانیة بالتفصیل، فلذلک نسعى لبیان المقصود من هاتین الکلمتین.
أمّا «طبق» فیتضمن معانی متعددة:
1. الطبق بمعنى طبقة.
2. قد یأتی بمعنى الصحن والإناء المسطح.
3. ویأتی بمعنى الحالات المختلفة للإنسان، وفی هذه الآیة الشریفة، المعنى الثالث هو المقصود، أی حالات الإنسان المتغیرة والمتحرکة فی واقع الحیاة(1).
وقد راقب بعض العلماء حالات الإنسان منذ لحظة تشکیل نطفته وأول أجزاء بدنه، وإلى لحظة الوفاة، فشاهدوا أربعین حالة مختلفة للإنسان، واللافت أنّ اللغة العربیة تتضمن فی مفرداتها أسماء 37 من هذه الحالات الأربعین، وهذا یدلّ على سعة دائرة المفردات العربیة وقوتها، ولهذا نزل القرآن الکریم باللغة العربیة، وقد أشار فی سیاق آیاته إلى عشرة موارد من هذه الـ 37 حالة الواردة فی اللغة العربیة.
1. النطفة 2. العلقة 3. المضغة 4. العظام 5. اللحم النابت على العظام (کسونا العظام لحماً) 6. «خلق آخر» (حیث یتمّ نفخ الروح فیه فی هذه المرحلة) 7. مرحلة الجنین الکامل المستعد للولادة والخروج من الرحم 8. الولید (وهو الطفل بعد ولادته من بطن أمه) 9. الرضیع 10. الفطیم (وهو الطفل الذی یفطم من حلیب اُمّه). ثم أشار القرآن فی آیاته الکریمة إلى مرحلة الطفولة، والصبا، والشباب، والرجولة الکاملة، والکهولة، والشیخوخة، والعجز، وفی النهایة الموت والفناء، والخلاصة إنّ الإنسان یعیش حالة التغیر والتحوّل من مرحلة إلى أخرى، ومضافاً إلى هذه الأربعین مرحلة فی حیاة الإنسان فهناک تحولات فرعیة أیضاً، لأنّ الإنسان یعیش تارةً حالة الفقر، وأخرى الغنى والثراء، وتارة یکون فرحاً وأخرى حزیناً، وأحیاناً سالماً وأخرى سقیماً، وأحیاناً عزیزاً وأخرى ذلیلاً، وأحیاناً موفقاً فی أعماله وأخرى یعیش الإحباط والفشل، تارة یکون قائداً ورئیساً وأخرى مرؤوساً إلى غیر ذلک من الحالات الثانویة المتفرّعة على تلک الحالات الأصلیة والتی تقترن بدورها بحالات کثیرة مختلفة فی حیاة الإنسان.
النتیجة، أنّ «طبق» له معان مختلفة، ولکن فی هذه الآیة یراد به حالة، وعلیه فإنّ الآیة الشریفة تتحدّث عن حالات الإنسان المختلفة.
وأمّا «لترکبنّ»: فتعنی أنّ الإنسان یرکب فی حرکة الحیاة تلک الحالات المختلفة والمتغیرة، وبعبارة أخرى إنّ الحالات المختلفة لحیاة الإنسان تشبه المراکب المختلفة التی یرکبها الإنسان فی واقع الحیاة.
وتوضیح ذلک: إنّ الوسائل النقلیة فی قدیم الزمان لیست مثل الوسائل التی یرکبها الإنسان المعاصر، فأهم وسیلة نقلیة کانت فی الماضی، الخیل، حیث کانت الحکومات تستخدم هذه الوسیلة لنقل الأخبار من المدن والبلدان البعیدة فی ما یسمى بالبرید، وتعمل هذه الخیل على إیصال الخبر بسرعة إلى المکان المقصود وبمدّة قصیرة، وفی أثناء الطریق کانت هناک نقاط للبرید یستبدل صاحب البرید جواده بجواد آخر لکی یستطیع إیصال الرسالة أسرع إلى المکان المعیّن، وهکذا یستمر فی طریقه بالمرور بمنازل متعددة للبرید ویتمّ إیصال الرسالة بسرعة.
هنا یقول القرآن الکریم: «أیّها الإنسان! أنت مثل هذا البرید تعیش التبدل والتغیر دائماً وتستبدل مرکبک باستمرار، وفی کل منزل من هذه المنازل الأربعین ترکب مرکباً جدیداً وتستمر فی سیرک وحرکتک نحو الله تعالى، فإذا کنت فی هذه الحالة تعیش السلامة والصحة والقدرة فلا ینبغی لک أن تغتر أو یصیبک الزهو لأنّک سریعاً ما تنزل من هذا المرکب وترکب بدله مرکب الضعف والعجز واهتزاز القدرات وضعف القابلیات، وإذا کنت الآن راکباً مرکب المرض والوهن فلا ینبغی أن تیأس أو تشعر بالإحباط فلعل الله تعالى یشملک بلطفه وعنایته وترکب سریعاً مرکب الصحة والسلامة، ولو کنت راکباً مرکب الأمن والسعة فعلیک أن تؤدی شکر هذه النعمة أو نعمة الشباب التی تعیشها.
فی سنوات الحرب المفروضة بین العراق وایران، وعندما کان جیش صدام یقصف المدن الإیرانیة والأهالی العزل بالصواریخ البعیدة المدى فإنّ الکثیر من أهالی هذه المدن والمناطق کانوا یلتجئون إلى القرى والقصبات والجبال النائیة، وبعض هذه المدن کانت تخلو من السکان إلى درجة أنّها تشبه مدینة الأشباح والأرواح، أی، أنّ الخوف وعدم الأمن قدوصل إلى درجة أنّ بعض الناس
لا یتجرأون على المکث طویلاً فی الحمام خوفاً من إصابة المکان بصاروخ أو قذیفة ویقتلون فی الحمام فی حالة العری الکامل. ومن هنا یجب على الإنسان أن یعرف قدر هذه النعم والمواهب الإلهیّة العظیمة، لأنّه لا یعلم متى سیفقدها وإلى متى تبقى عنده، فالمتغیرات التی یفرضها الواقع لا تجعل الإنسان یطمئن إلى ما عنده.
 


(1). وقد أشرنا فی التفسیر الأمثل، ذیل الآیة المذکورة، إلى خمس حالات من حالات الإنسان المختلفة. فراجع.
مرآة العبرة! الأقسام الأربعة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma