الحکمة من وجود المشاکل والبلایا

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
2. أقسام سورة الصافّات لماذا کل هذه الأقسام؟


سؤال: ما هی الحکمة من وجود کل هذه المشاکل والآلام والأتعاب التی یعیشها الإنسان فی حرکة الحیاة الفردیة والاجتماعیة؟ وماذا تحمل المآسی والآلام کالزلالزل والأعاصیر کإعصار کاترین وریتا، الأمراض العسیرة العلاج، والصواعق، والحوادث الأخرى التی تصیب الإنسان والمجتمع البشری وتزید من معاناته وآلامه؟
الجواب: إنّ لهذه البلایا والمشاکل حِکم وفوائد عدیدة نشیر هنا إلى أهمها:
 
1. إیقاظ الإنسان من نوم الغفلة
لو لم تکن هذه المشاکل والأزمات فإنّ أغلب الناس یعیشون فی دوامة من الغفلة واللامبالاة، ویترکون الله والدین والعبادة فی زاویة النسیان، ومن هذه الجهة سوف یتعرضون لأخطار مهلکة(1)، ونرى أنّ البشر بالرغم من وجود هذه المشاکل والمآزق فالکثیر منهم یعیش الغفلة واللامبالاة أیضاً، فلو لم تکن هذه المشاکل والآلام فکیف یکون حال البشر حینئذ من حیث سیطرة الغفلة على وعیه ومشاعره وفکره؟
إنّ الإنسان عندما یرى من بعید المعیشة الرغیدة لبعض الناس فیما ینفتحون علیه من رحاب الدنیا والنعیم، فیتصور أنّ هؤلاء غارقون فی الرفاه والنعمة والراحة، ولا یواجهون أیّة مشکلة، ولکن عندما یدخل إلى عمق حیاتهم وفی تفاصیلها الدقیقة یجدهم یواجهون مشاکل عدیدة بحیث إنّه لا یجد فی نفسه استعداداً لیعیش مثلهم فی رفاهیة ونعمة مع تلک المشاکل والأتعاب التی یواجهونها فی حرکة الحیاة.
ومن المناسب أن نستعرض هذه الحکایة:
یحکى أنّ رجلاً فقیراً کان یعیش إلى جوار شخص ثری، یملک جمیع وسائل الرفاهیة والنعمة والحیاة السعیدة، فعندما کان هذا الشخص الفقیر یرى جاره یعیش حیاة مترفة ولم یکن یعلم بمشکلاته، کان یتحسر على تلک الحیاة وذلک النعیم، إلى أنّ صادف أن دعاه الثری فی مناسبة إلى ضیافته لیتناول العشاء عنده، وکان هذا الفقیر ینتظر مثل هذه الدعوة الحاسمة وکان یحسب لها الساعات والدقائق، إلى أن حان الوقت فطرق باب جاره الثری ففتحت الباب ودخل إلى باحة الدار فتعجب من جمال الحدیقة الکبیرة هناک وفیها أنواع الأشجار المثمرة والورود الزاهرة وکأنّها الجنّة بنعیمها وصفائها، وکان ینظر بحسرة إلى کل هذه الأزهار والأشجار والسیارات الفخمة الواقفة فی الباحة الواسعة، ثم إنّه توجه إلى غرفة الطعام فرأى ما لذ وطاب من أنواع الأطعمة اللذیذة والموائد المصفوفة والکراسی الثمینة والصالة الکبیرة وما فیها من آثاث فخم وأنیق، کان کل ذلک مهیأ ومرتباً لقدوم الضیوف المحترمین، وهکذا شرع الضیوف الکثیرون بتناول الطعام وکان صاحب الدار جالساً مع الضیوف، فأمر بإتیانه بطعامه الخاص، فتعجب الفقیر عندما سمع ذلک وأخذته حالة من الحیرة والذهول إذ رأى صاحب الدار لا یتناول من هذه الأطعمة المتنوعة اللذیذة، فربّما کان هناک ما هو أفضل منها وألذ یختص به صاحب الدار، وفجأة شاهد الخادم یحمل بیده طبقاً فیه قطعة من الخبز الیابس ووضعه أمام صاحب الدار، عندما دقق الفقیر النظر إلى ذلک الصحن وفرک عینیه لیتأکد أنّه یرى الحقیقة بدون لبس وغموض، نعم فهذا الثری کان مصاباً بمرض السکر وأوصاه الطبیب بالامتناع من تناول جمیع الأغذیة اللذیذة والمتنوعة، فکان نصیبه من المائدة اللذیذة النظر والتحسر فقط والقناعة بتلک القطعة من الخبر الیابس، وقبل أن ینتهی من تناول هذا الرغیف حان وقت تزریق اُبرة «الأنسولین» له، فجاءوا به إلى غرفة أخرى لتزریقه، فعندما رأى ذلک الفقیر ما یتحمله هذا الثری من معاناة وألم ومرض شکر الله تعالى على نعمة الصحة والسلامة التی یعیشها هو، ومنذ ذلک الحین لم یتحسر على معیشة جاره ورفاه حاله، لأنّه رأى أنّه غیر مستعد لأن یفقد سلامته وصحته یوماً واحداً فی مقابل کل ذلک النعیم والترف.
النتیجة أنّ الحیاة لا تخلو من مشاکل وأتعاب ومعاناة ولا ینبغی أن یطلب الإنسان حیاة فارغة من المشاکل وخالیة من المعاناة بل ینبغی علیه قبول هذه الحقیقة، وهی (لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ فِی کَبَد) ولابدّ له من توفیق حالته وتطبیع نفسه مع تلک المشکلات والتواصل مع الظروف الصعبة التی یفرضها الواقع ویتعلم کیفیة مواجهتها والتغلب علیها.
ویعتبر «التهامی» من شعراء العرب المبدعین وقد أورد العلاّمة الأمینی(رحمه الله) من أشعاره فی کتاب «شهداء الفضیلة» وهذا الشاعر المبدع والمقتدر کان له ولد یحبّه کثیراً ولکنّ هذا الولد فارق الحیاة فی شبابه فرثاه التهامی بقصیدة من أجود ما قیل فی الرثاء، ومطلعها:
حکم المنیة فی البریة جاری *** ما هذه الدنیا بدار قرار
طبعت على کدر وأنت تریدها *** صفواً على الأقدار والأقذار...
فالإنسان الذی یبحث فی الدنیا عن حیاة فارغة من الهموم وبعیدة عن حالات التعب والمشقّة، فحاله حال الإنسان الذی قذف بنفسه فی المسبح وأخذ یبحث عن قبس من نار تحت الماء!
إنّ هذا الشاعر الفذ وجد هذه الحقیقة التی أشارت إلیها الآیة الشریفة بکل وجوده وفی عمق روحه وأنشدها وصاغها فی قوالب شعریة.
النتیجة، أنّ هذه الحیاة مقترنة بالمشاکل وأنواع الصعوبات والمصائب، ولا ینبغی للإنسان أن یطلب حیاة خالیة من الصعوبات وبعیدة عن أجواء المشاکل والمصائب، بل ینبغی مواجهة هذه المشاکل والتعاطی مع الأزمات والصعوبات ومعرفة کیفیة التغلب علیها وتجاوزها، فالمشکلات والمعضلات تمنح الإنسان رؤیة عمیقة وتوقظه من نوم الغفلة.
 
2. تقویة جسم الإنسان وروحه
إنّ الأشخاص الذین یتحرکون فی حیاتهم لطلب الراحة واللذة لا یحصلون على شیء ولا یصلون إلى مرتبة متفوقة لا فی الدنیا ولا فی الآخرة.
ولکنّ الأشخاص الذین عجنتهم المشاکل وطحنتهم المصاعب فإنّهم یعیشون القوة فی الصبر والنباهة فی الفکر والعزیمة فی الإرادة، وکما یقول أمیرالمؤمنین(علیه السلام): «أَلاَ وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِیَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَ الرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوْداً، وَ النَّبَاتَاتِ الْبَدَوِیَّةَ أَقْوَى وُقُودَاً وَ أَبْطَأُ خَمُوداً»(2).
3. ما یصنعه الإنسان من المشکلات؟
إنّ الکثیر من المشکلات والأزمات التی نواجهها ونعیشها فی حیاتنا الفردیة والاجتماعیة هی من افرازات أعمالنا ومن نتائج تصرفاتنا الخاطئة، والقرآن الکریم فی الآیة 79 من سورة النساء یقول:
(مَا أَصَابَکَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَکَ مِنْ سَیِّئَة فَمِنْ نَفْسِکَ).
وبما أنّ الله تعالى هیأ الأرضیة المناسبة لیتحرک الإنسان فی خط الخیر والعمل الصالح والانفتاح على واقع السعادة، فمن هذه الجهة تنسب هذه الحسنات والخیرات إلى الله تعالى، وبما أنّ المشاکل والصعوبات تعتبر نتیجة لسوء اختیارنا وسوء تعاملنا مع الواقع والحیاة، ولذلک فإنّها تنسب إلینا من هذه الجهة، مثلاً الشخص الذی یتحرک على مستوى العمل والکسب بدون مشورة من أحد وبدون دراسة واعیة لتفاصیل الموضوع، فبعد مدّة وبسبب عدم خبرته فی هذا العمل قد یواجه مشاکل عدیدة وقد یضطر إلى الإعراض عنه بعد الإفلاس والفشل، فربّما یعترض هذا الإنسان على سوء حظه وعدم توفیقه فی الحیاة والمعیشة، ولکنّ مشکلة هذا الشخص ناشئة من سوء تدبیره وخطأ تفکیره ولا ینبغی أن یلوم أحداً سوى نفسه.
إنّ أحد البلایا التی تصیب المجتمعات البشریة، ولا سیما فی المناطق التی تقع فی خط الزلازل، یتمثّل فی المشاکل والمصائب الناشئة من الزلزلة فیما تخلّفه من خسائر فی الأرواح والأموال والممتلکات، فزلزلة واحدة وقعت فی مدینة بم فی ایران قبل عدّة سنوات ذهب ضحیتها 40 ألف شخص ولحدّ الآن وبعد مرور عدّة
سنوات فإنّ آثار تلک الزلزلة لا زالت مشهودة فی تلک المنطقة، ومثل هذه الزلزلة وربّما أشدّ قوة منها وقعت فی بلاد الیابان ولکن الخسائر فی الأرواح کانت لا تتجاوز عدد الأصابع، وذلک أنّ الیابانیین أخذوا العدّة وأخذوا یبنون عماراتهم وبیوتهم بشکل مقاوم للزلزلة، ولکننا فی بلدنا، ومع کثرة المؤتمرات وما ینفق فیها من أموال غیر ضروریة وکثرة أسفار المسؤولین إلى الخارج، إلاّ أننا لم نفکر فی إنفاق وصرف بعض هذه الأموال لتقویة المبانی والبیوت فی ایران، ومن الطبیعی أن نشاهد کل هذه الخسائر فی الأرواح والممتلکات بحدوث زلزلة هنا وهناک، ویقال إنّ زلزلة ستصیب طهران قریباً، فلو وقعت مثل هذه الزلزلة لا سمح الله فماذا ستخلّف من خسائر عظیمة وأضرار فادحة؟
النتیجة، أنّ بعض البلایا والمشاکل یمکن للإنسان تفادیها وتجاوزها، ولکن الإنسان ربّما یقع فی الکثیر من المشاکل والصعوبات بسوء تدبیره وضیق اُفقه.
 
4. نتائج الذنوب
إنّ القرآن الکریم یؤکد هذه الحقیقة، وکذلک ما تفیده معطیات الحوادث التاریخیة والتجارب الخارجیة، وهی أنّ بعض المشاکل والبلایا التی یواجهها الإنسان فی حیاته هی نتیجة الذنوب والمعاصی، التی یقیرفها الإنسان فی حرکة الحیاة والواقع، ونستعرض هنا عدّة موارد من الآیات القرآنیة الشریفة التی تشیر إلى هذه الحقیقة الحاسمة:
أ) یقول القرآن الکریم فی الآیة 30 من سورة الشورى:
(وَمَا أَصَابَکُمْ مِّنْ مُّصِیبَة فَبِمَا کَسَبَتْ أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُو عَنْ کَثِیر).
وطبقاً لهذه الآیة الشریفة فإنّ الله تعالى یسمح لبعض نتائج الذنوب والمعاصی أن تصیبنا فی هذه الدنیا کعقوبة على بعض مااجترحته أیدینا من سیئات وآثام لا جمیعها.
ب) ویقول فی الآیة 36 من سورة الروم أیضاً:
(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ إِذَا هُمْ یَقْنَطُونَ).
فعندما تقع حادثة معینة فی حیاة الإنسان، ینبغی علیه أن یعود إلى الماضی ویفکّر فی أعماله وتصرفاته ویدرسها من موقع العمق ویبحث فی تفاصیلها وأبعادها، فسیجد أنّ هذه الحادثة وقعت نتیجة ارتکابه لعمل خاطیء وسلوک منحرف، وبالتالی کانت هذه الواقعة والمصیبة نتیجة لما قدمت یداه.
ج) ویقول تعالى فی الآیة 49 من سورة المائدة المبارکة:
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا یُرِیدُ اللهُ أَنْ یُصِیبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ کَثِیراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ).
إنّ هذه العقوبات مترتبة على ما ارتکبه الإنسان من أخطاء وذنوب، وأحیاناً تکون بصورة بلایا طبیعیة، وأحیاناً أخرى بشکل سلب التوفیق فی حرکة المعیشة والحیاة، وثالثة تتجلى فی حالة من قساوة القلب، وهناک أشکال أخرى من هذه العقوبات، وقد رأیت بعض الحجاج، الذین جاءوا إلى بیت الله الحرام لأول مرّة، إلاّ أنّهم لم یشعروا بلذة روحیة وبارتیاح نفسی اطلاقاً، فهذا السفر المعنوی لم یؤثر فیهم أدنى تأثیر فی عملیة التغییر فی المحتوى الداخلی وفیما یخلّفه من معطیات إیجابیة وبرکات معنویة على روح الإنسان وقلبه، لماذا؟ لأنّ هؤلاء کانوا یعیشون حالة من قساوة القلب لفرط الذنوب التی اجترحوها فلم یشعروا بتغییر روحی ومعنوی فی عمق وجودهم ولم ینتفعوا بهذه العبادة المهمّة.
 
5. العودة إلى الله
إنّ الله تعالى أحیاناً یصیب عباده بالبلایا والمصائب من موقع شمول رحمته ولطفه بهم ولینیبوا إلیه ویتضرعوا إلیه، ونقرأ هذه الحقیقة فی الآیة 94 من سورة الأعراف:
(وَمَا أَرْسَلْنَا فِی قَرْیَة مِّنْ نَّبِىّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ یَضَّرَّعُونَ).
وهذه الحقیقة هی ما یعبر عنها علماء الکلام والعقائد بقاعدة اللطف، أی أنّ الله تعالى ومن أجل هدایة الإنسان وتحریکه فی خط الإیمان والعمل الصالح وسلوک الصراط المستقیم یهییء المقدمات لهذا السلوک المعنوی، فیما یقرره من بلایا تصیب هذا الإنسان الحائر فی أجواء الغفلة والمادة.
وقد ورد فی الروایات الإسلامیة أنّ الناس قُبیل ظهور الإمام صاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشریف) سیبتلون بمشاکل عظیمة وبلایا فادحة ومؤلمة بحیث إنّهم یعیشون الیأس وانقطاع الأمل من کل شیء(3). حتى ینتبه الناس إلى أنّ عالم الأسباب عالم صغیر وتافه ویلتجأوا إلى مسبب الأسباب، فلو أنّه أراد تأدیب أقوى قوة عاتیة فی هذا العالم فإنّها برغم تقدمها الصناعی والعلمی وتطورها فی مجالات أخرى، فإنّها ستکون عاجزة عن مواجهة إعصار کاترینا وریتا، وتقف عاجزة تماماً أمام هذا الإعصار کإنسان ما قبل التاریخ.
أجل، إنّ الله تعالى قد یبتلی البشر بمثل هذه البلایا لیعودوا إلى رشدهم وینیبوا إلیه ویتسلحوا بسلاح الإیمان والتقوى والتوکّل.
 
6. البلایا الامتحانیة
إنّ الإنسان فی حالاته العادیة ربّما یدعی ادعاءات کثیرة جزافاً، على سبیل المثال یقول: إذا حدثت الحرب فسوف أبذل نفسی ومالی، ولکن عندما وقعت حرب الثمان سنوات فإنّها میزت بین الشبّان المخلصین والمضحین وبین هؤلاء المدعین الفارغین، فالأشخاص الذین لم یستطیعوا الحضور فی ساحات القتال فی جبهات الحرب، فإنّهم بذلوا من أموالهم وإمکاناتهم، وکان هناک مدّعون لم یتحرکوا فی خط الجهاد والبذل والتضحیة اطلاقاً، وفضلوا البقاء فی أجواء الضلالة وحبّ الدنیا والأنانیة المقیتة.
وهذه الحقیقة نستوحیها من الآیة الشریفة 155 من سورة البقرة حیث تقول:
(وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَىْء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْص مِنْ الاَْمْوَالِ وَالاَْنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِینَ).
أجل، فإنّ إحدى فوائد وأسباب البلایا والمصاعب التی یواجهها الإنسان فی حیاته هی غربلة الأفراد وتمحیص الإنسان فی مسیرة الحیاة من خلال ما یواجهه من تحدیات وظروف صعبة.
 
7. المشاکل الظاهریة والنعمة الواقعیة
وبعض المشکلات ربّما تکون فی الظاهر بلاءً ومصیبة، إلاّ أنّها فی الواقع نعمة ورحمة، ولکن الإنسان وبسبب سوء تفکیره وضیق اُفقه لا یرى هذه النعمة نعمة بل یراها نقمة، کما هو حال الطفل الذی تفطمه اُمه عن الرضاع، فاللبن للطفل الرضیع یمثّل کل شیء له فهو الغذاء والدواء والماء، وکذلک یستقی بواسطته العواطف والمشاعر اللطیفة من اُمّه، الخلاصة أنّ اللبن یمثّل الغذاء المادی والمعنوی للطفل، ولکنّ هذه الاُم تمنعه من هذا اللبن بعد مدّة ویساعدها فی ذلک أبوه وأحیاناً تضع الاُم مادة مرّة على حلمة ثدیها حتى یمتنع الطفل من الرضاع ویترک لبنها، فهذا الطفل الرضیع لو کان قادراً على التکلّم والافصاح عن رغبته لقال: أیّتها الاُم القاسیة والعدیمة الرحمة! لماذا تحرمیننی من اللبن الذی یمثّل جمیع حیاتی ووجودی؟ ولکنّه لا یعلم أنّ عمل الاُم والأب فی منعه عن اللبن یصب فی صالحه، لأنّه لولا هذا المنع لما تجاوز هذا الطفل مرحلة الرضاع ولما تسنى له السیر فی خط التکامل، وعلیه فإنّ هذا العمل یمثّل نعمة للطفل وإن کانت فی ظاهرها تعتبر مشکلة کبیرة له.
ویحدثنا القرآن الکریم فی الآیة 216 من سورة البقرة عن هذه الحقیقة ویقول:
(کُتِبَ عَلَیْکُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ کُرْهٌ لَکُمْ وَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئاً وَهُوَ خَیْرٌ لَکُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَکُمْ وَاللهُ یَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
بنبغی علینا أن نسأل الله تعالى أن یمنحنا القدرة لتشخیص المصاعب من المواهب وتمییز النقم من النعم.
 


(1) . یقول الله تعالى فی الآیة 41 من سورة الروم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَیْدِى النَّاسِ لِیُذِیقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ).
إنّ مثل هذه المشاکل البلایا تعطف نظر الإنسان إلى الله تعالى، وتوقظه من نوم الغفلة، فهی فی الواقع لیست ببلایا بل رحمة ونعمة من الله تعالى للإنسان. کما أنّ الدواء مرّ فی الظاهر ولکنه فی الحقیقة عامل شفاء المریض وسلامته.
(2) . نهج البلاغة، الخطبة 45 .
(3) . أصول الکافی، ج 1، کتاب الحجّة، باب التمحیص والامتحان، ح 3 و 6.

 

2. أقسام سورة الصافّات لماذا کل هذه الأقسام؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma