ثم یشیر الإمام فی هذه الخطبة إلى قصّة أخیه عقیل(1) وقال:
«وَ اللّهِ لَقَدْ رَأَیْتُ عَقِیلاً وَ قَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتََماحَنِی مِنْ بُرِّکُمْ صَاعاً، وَ رَأَیْتُ صِبْیَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ، غُبْرَ الاَْلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ، کَأَنَّما سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ، وَ عَاوَدَنِی مُؤَکِّداً، وَ کَرَّرَ عَلَیَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَیْتُ إِلَیْهِ سَمْعِی، فَظَنَّ أَنِّی أَبِیعُهُ دِینِی، وَ أَتَّبِعُ قِیَادَهُ مُفَارِقاً طَرِیقَتِی، فَأَحْمَیْتُ لَهُ حَدِیدَةً، ثُمَّ أَدْنَیْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِیَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِیجَ ذِی دَنَف مِنْ أَلَمِهَا، وَ کادَ أَنْ یَحْتَرِقَ مِنْ مِیْسَمِهَا، فَقُلْتُ لَهُ: ثَکِلَتْکَ الثَّوَاکِلُ، یَا عَقِیلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِیدَة أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَ تَجُرُّنِی إِلَى نَار سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ! أتَئِنُّ مِنَ الاَْذَى وَ لاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً؟!»(2).
وهنا تثار هذه النقطة وهی: کیف یتعامل الإمام علی(علیه السلام) مع الآخرین بهذه الشدّة؟ إنّ إیمان الإمام لا یسمح له أن یعطی طعاماً ولو قلیلاً إلى أخیه الفقیر والمحتاج وهو وعیاله خلافاً للضوابط والأحکام، ولکن تعال وانظر إلى زعماء العالم من أهل الدنیا وصناع القرار فی البلدان المختلفة وما یرتکبونه من مخالفات وفیما یأخذونه من رشوات وتلاعب بالمقدرات بحیث أخجلوا البشریة من أفعالهم وانحطاطهم، وانظر إلى البون الشاسع بین هذا الإمام(علیه السلام) وبین هؤلاء.