حُبُک، المعجزة العلمیة للقرآن!

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
لماذا القسم بالسماء؟ 16. قسم سورة الذاریات


إنّ الله تعالى یقسم فی هذه الآیات الکریمة بالسماء وکونها ذات خصوصیة معینة، ومن هذه الجهة فهذا القسم یعتبر قسماً جدیداً، لأنّه بالرغم من أنّ الآیات السابقة أقسمت بالسماء، ولکن فی هذه السورة أقسمت الآیة بـ «السماء ذات الحبک».
«حُبُک» جمع «حِباک» بمعنى التعرج والانکسار، ویتبیّن المقصود من ذلک من خلال الأمثلة التالیة:
1. عندما یهب نسیم ملائم على المناطق الرملیة، فإنّ الرمل فیها یکون متعرجاً بخطوط منظمة وجمیلة.
2. لو وقفنا على ساحل بحر وهبّ نسیم لطیف على سطح البحر، فبسبب هذا النسیم تتحرک میاه البحر وتغدو بشکل تموجات وتعرجات منظمة وجمیلة.
3. الأشخاص الذین یملکون شَعراً طویلاً وعلى شکل متعرج وذو انحناءات جمیلة وتعرجات لطیفة، ونفهم من کل ذلک أنّ «حبک» بمعنى التعرجات والالتواءات فی الشیء.
وبعد أن تبیّن معنى الحبک، نأتی إلى بیان المعجزة العلمیة للقرآن فی هذه الآیة الشریفة، وبدایة ینبغی لفهم المقصود من الآیة من طرح رأی عوام الناس ثم علماء الهیئة والفلک فی عصر نزول القرآن فیما یتصل بالسماء.
کان الناس فی عصر رسول الله(صلى الله علیه وآله)یعتقدون بأن السماء کالقبة المستدیرة التی لا تبعد عنّا سوى عدّة کیلومترات، وأنّ النجوم بمثابة الأقراص الفضیة المثبتة فی سقف السماء، وأنّ حجم القمر والشمس بمقدار صحن الطعام لا أکثر، وهما أیضاً ملتصقان بسقف السماء، أضف إلى ذلک أنّ کلاً من النجوم والقمر والشمس لا تتحرک حرکة مستقلة وذاتیة، بل إنّها تتحرک وفقاً لحرکة السماء.
وأمّا علماء ذلک الزمان فکلهم کانوا یعتقدون بنظریة بطلیموس. النظریة التی کانت سائدة فی جمیع الأوساط العلمیة والفلکیة فی العالم إلى ما قبل أربعمائة عام وقد تمّ إثبات بطلانها بواسطة غالیلو، وطبقاً لهذه النظریة فإنّ المسافة بین الأرض والنجوم لا تتجاوز عدّة مئات کیلومترات «أی ثانیة ضوئیة واحدة»، وأنّ السماء تتشکل من کرات زجاجیة على شکل طبقات کما فی طبقات البصل، وهی: ناهید، عطارد، بلوتون، الزهرة وسائر الکرات الأخرى، وکل واحدة منها تحیط بالأخرى کما فی قشرة البصل، وأمّا النجوم فهی متناثرة بین اطباقها، وطبعاً مع هذا الفارق وهو أنّ هذه الکرات تتحرک حرکة مستقلة وتدور فی مداراتها.
ولکنّ مکتشفات العلوم الحدیثة عن السماء والنجوم ففی غایة العجب، وقد اضطر علماء عصرنا لتعیین المسافة بین النجوم إلى إبداع مقیاس یختلف عن مقاییسنا الأرضیة، وذلک أنّهم قرروا اتخاذ سرعة الضوء لتعین مسافة الأجرام السماویة، ویتحرک الضوء بسرعة 300 ألف کیلومتر فی الثانیة، بمعنى أنّه فی هذه المدّة القصیرة یدور حول الأرض سبعة مرات، وفی الدقیقة الواحدة یقطع 18 ملیون کیلومتر، وفی الساعة الواحدة ملیار وثمانین ملیون کیلومتراً، وفی الیوم الواحد 000/000/920/25 کیلومتراً، وفی السنة الواحدة 000/000/800/459/9 کیلومتراً، ومع هذا المقیاس الجدید فالمسافة التی تفصل بیننا وبین بعض النجوم تبلغ ملیون سنة ضوئیة! أی أنّ الضوء المنبعث منها یستغرق ملیون سنة حتى یصلنا، وربّما یصلنا ضوؤها وتکون قد انثرت وتلاشت قبل ذلک بآلاف السنین.
إنّ علماء الفلک والنجوم ذکروا فی تحقیقاتهم أنّ بعض النجوم یصلنا ضوؤها على بعد ملیار سنة ضوئیة، والحقیقة أنّ هذه الأعداد والأرقام مذهلة، والملفت للنظر أنّ هذه الحقائق هی ما توصل إلیها العلم المعاصر وربّما یتوصل إلى حقائق أعجب من ذلک من خلال تقدم العلوم وتطور الأجهزة والتقنیة.
ومع الالتفات إلى ما ذکر نتوجه الآن إلى القرآن الکریم، فالقرآن نزل فی محیط الجزیرة العربیة، وفی أجواء ثقافیة مختلفة حیث کان الناس یتصورون حینذاک تصورات غارقة فی الخیال عن السماوات والنجوم، وکذلک علماء ذلک العصر، بینما یقول القرآن الکریم عن خلق السماوات والأرض:
(لَخَلْقُ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ أَکْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَعْلَمُونَ)(1).
وبالنسبة للآیة مورد البحث، والتی نعتقد بأنّها من المعجزات العلمیة للقرآن الکریم، فعلماء النجوم رصدوا بالمراصد القویة جدّاً، والتی یبلغ قطر عدستها عدّة أمتار، والموضوعة فی أماکن مرتفعة من سطح الکرة الأرضیة، رصدوا نجوماً ومجرات کثیرة جدّاً (المجرة هی مجموعة من النجوم التی تشکل حلقة کاملة فی دورانها وکل واحد منها یحتوی على ملایین النجوم، ومجرتنا، أی مجرّة درب التبانة، تحتوی على مائتی ملیار نجمة) فعندما نرى هذه التصاویر الرهیبة من المجرات فی آفاق السماء نتذکر قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُکِ)لأنّ التعرجات والتموجات فی هذه المجرات جلیة وواضحة تماماً.
والعجیب أنّ نجوم هذه المجرات تأخذ أشکالاً متعرجة جمیلة وخلاّبة، وهذه من معجزات القرآن العلمیة التی ذکرها القرآن قبل 1400 سنة واتضح معناها فی هذا العصر.
 


(1) . سورة غافر، الآیة 57 .

 

لماذا القسم بالسماء؟ 16. قسم سورة الذاریات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma