حول اختلاف الزوجین فی الدخول

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
انوار الفقاهة - کتاب النکاح-3
المقام الأوّل: مقام الثبوت إبراء المرأة الصداق قبل الدخول


حول اختلاف الزوجین فی الدخول
(مسألة 17) : الدخول الذی یستقرّ به تمام المهر هو مطلق الوطء ولو دبراً. وإذا اختلف الزوجان بعد ما طلّقها، فادّعت وقوع المواقعة وأنکرها، فالقول قوله بیمینه، وله أن یدفع الیمین عن نفسه بإقامة البیّنة على العدم إن أمکن، کما إذا ادّعت المواقعة قبلاً وکانت بکراً وعنده بیّنة على بقاء بکارتها.
 
حول اختلاف الزوجین فی الدخول
أقول: فی المسألة فروع ثلاثة:
الأوّل: استقرار المهر بمطلق الدخول ولو دبراً.
الثانی: أنّه عند اختلافهما فی مطلق الدخول، فالقول قول الزوج بیمینه.
الثالث: أنّه یجوز للزوج إقامة البیّنة على العدم.
ونزید هنا فرعاً رابعاً لم یذکره المصنّف ـ رضوان الله علیه ـ مع أنّه من أهمّ الفروع التی ذکرها الأصحاب هنا: وهو أنّه هل تکفی الخلوة وإرخاء الستر فی قبول قولها بالدخول، أم لا؟
أمّا الفرع الأوّل: فقد ادّعی الإجماع على کفایته ولو دبراً; قال فی «کشف اللثام»: «إذا دخل الزوج ـ ویتحقّق بالوطء قبلا، أو دبراً، لا بما یقوم مقامه; من إنزال بغیر إیلاج، أو لمس عورة، أو نظر إلیها، أو قُبلة، کما قاله أبو علیّ ولابالخلوة، کما سیأتی ـ استقرّ استحقاق المرأة کمال المهر بالإجماع والنصوص»(1).
والظاهر أنّ دعوى الإجماع على جمیع ما ذکره.
وقال فی «الحدائق»: «لا خلاف بین الأصحاب فی أنّ الوطء الموجب للغسل، موجب لاستقرار ملک جمیع المهر المسمّى فی العقد»(2). إذا انضمّ ذلک إلى ما ذکروه فی باب غسل الجنابة، من دعوى إجماع الأصحاب ـ بل إجماع المسلمین ـ على وجوب الغسل فیه(3).
وقال فی «الجواهر» فی المقام: «المشهور بین الأصحاب شهرة عظیمة، أنّ الدخول الموجب للمهر هو الوطء قبلا، أو دبراً»(4).
والظاهر أنّ دعواه الشهرة على ذلک، فی مقابل القول بکفایة الخلوة فی وجوب المهر الذی حکی عن بعض أصحابنا، ولذا ذکر بعده: «فلا یجب بالخلوة...وقیل: یجب».
وکیفما کان: یمکن الاستدلال للعموم باُمور:
الأوّل: الإجماع المدّعى، وفیه تأمّل.
الثانی: إطلاق «المسّ» فی قوله تعالى: (مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ)(5)، بعد العلم بأنّه لیس المراد منه مطلق المسّ، بل ادّعی الإجماع على أنّ المراد منه الوطء.
وفیه: أنّ هذا الإجماع أیضاً ـ على فرض ثبوته ـ مدرکی.
الثالث: طوائف متعدّدة من الأخبار، وهی العمدة فی المقام:
منها: ما دلّ على أنّ مطلق الإیلاج موجب لاستقرار المهر، مثل ما عن داود بن سرحان، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «إذا أولجه فقد وجب الغسل، والجلد، والرجم، ووجب المهر»(6).
وهی بإطلاقها تشمل محلّ البحث.
ومنها: ما دلّ على کفایة مطلق الإدخال، مثل ما عن محمّد بن مسلم، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل والمرأة، متى یجب علیهما الغسل؟ قال: «إذا أدخله وجب الغسل، والمهر، والرجم»(7).
وهی أیضاً مطلقة.
ومنها: ما دلّ على کفایة مطلق الوقاع، مثل ما عن یونس بن یعقوب، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن رجل تزوّج امرأة، فأغلق باباً، وأرخى ستراً، ولمس وقبّل، ثمّ طلّقها، أیوجب علیه الصداق؟ قال: «لا یوجب الصداق إلاّ الوقاع»(8).وهو أیضاً عامّ.
والحاصل: أنّ هذه التعبیرات الثلاث: «الإدخال» و«الإیلاج» و«الوقاع» ـ التی وردت فی هذه الروایات وفی روایات اُخرى، وبهذا المضمون یطّلع علیهاالمتتبّع ـ مطلقة شاملة لکلا نوعی الوطء، ولا دلیل على حصرها فی القبل فقط.
وقد یتوهّم دلالة قوله(علیه السلام) فی روایة حفص بن البختری وفی غیرها: «إذا التقى الختانان وجب المهر، والعدّة،والغسل»(9)، على الشمول لکلانوعی الوطء.
ولکنّه توهّم باطل; للعلم بأنّ الختان یختصّ بقبلها، ولا معنى للختان فی الدبر، وقد کانت العرب تختن المرأة بقطع عضو صغیر فوق الفرج، فالتقاء الختانین بمعنى التقاء محلّهما، وفالاستدلال به بعنوان المعارض أولى.
ولعلّ الخطأ نشأ من عبارة «الجواهر» حیث استدلّ بهذه الروایة فی عداد الروایات الدالّة على قول المشهور، غفلة عن أنّه إنّما استدلّ بها لنفی کفایة الخلوة وإرخاء الستر، لا لتعمیم الوطء وشموله للقبل والدبر; فإنّ مفهوم قوله: «إذا التقى الختانان...» عدم وجوب الغسل وکمال المهر بمجرّد الخلوة، فلا دخل له بما
نحن فیه.
وهناک روایة اُخرى تدلّ على حکم المسألة بإلغاء الخصوصیة، أو بما هو من قبیل القیاس المنصوص العلّة; وهی مرسلة حفص بن سُوقة، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام)عن الرجل، یأتی أهله من خلفها؟ قال: «هو أحد المأتیین; فیه الغسل»(10).
فإنّ قوله(علیه السلام): «هو أحد المأتیین» کتعلیل عامّ یشمل المقام أیضاً.
وکیفما کان: یمکن الجواب عن الاستدلال بالعناوین الثلاثة المذکورة:
فأوّلا: بأنّها منصرفة إلى ما هو المتعارف; وهو الوطء فی القبل، ولذا قال فی «العروة» ـ فی مسألة «عدم جواز ترک وطء الزوجة أکثر من أربعة أشهر» ـ ما لفظه: «وفی کفایة الوطء فی الدبر إشکال، کما مرّ، وکذا الإدخال بدون الإنزال; لانصراف الخبر إلى الوطء المتعارف، وهو مع الإنزال»(11); أی هو فی القُبُل مع الإنزال. ووافقه کثیر من المحشّین.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بالفرق بین المقامین; فإنّ غرض الزوجة لا یحصل غالباً بالوطء فی غیر القبل.
ویؤیّد عدم الانصراف، أنّهم صرّحوا بعدم الفرق بینهما فی أبواب الحدود، ونسبه فی «الجواهر» إلى المشهور، بل إلى عدم الخلاف(12). اللهمّ إلاّ أن یقال فی باب الزنا من جهة الأولویة.
وثانیاً: بما مرّ من روایات التقاء الختانین; وأنّها موجب للغسل والمهر.
وفیه: أنّه لا مفهوم له، ولاسیّما وأنّه ورد مورد الغالب، وقد اختاروا فی باب المفاهیم من الاُصول، عدم المفهوم للأوصاف الغالبیة، کیف والمقام من باب مفهوم اللقب؟!
وثالثاً: بما دلّ على أنّه «لا یوجب المهر إلاّ الوقاع فی الفرج»(13)، بناءً على أنّ «الفرج» ظاهر فی القُبُل.
ولکن صرّح کثیر من أرباب اللغة وفقهائنا بأنّ «الفرج» له معنى عامّ یشمل کلا الأمرین; ففی «المصباح» و«القاموس» و«مجمع البحرین»: «أنّه أعمّ» وعن المرتضى و«السرائر»: أنّه لا خلاف فیه بین أهل اللغة»(14)، هذا.
وفی الکتاب العزیز قوله تعالى: (وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)(15) وهو وأشباهه یدلّ على أنّ «الفرج» یطلق على آلة الرجولیة أیضاً، فکیف بالدُبُر؟!
فقد تحصّل ممّا ذکرنا: أنّ الحقّ ما ذهب إلیه المشهور; من استقرار کمال المهر بالدخول فی الدُبُر أیضاً، وکیف یمکن أن یقال: إدخاله مرّة فی القُبُل یوجب کمال المهر، وإدخاله عشر مرّات فی غیره، لا یوجب إلاّ النصف فی فرض المهر، ولا یوجب شیئاً عند عدم فرض المهر؟!
حول ختان النساء: هل یستحبّ الختان فی النساء ـ ویسمّى بالخفض ـ أم لا؟
لا شکّ فی استحباب ختان الرجل. وأمّا المرأة فقد ادّعی استحباب ختانها، بل ادّعى فی «الجواهر» قیام الإجماع علیه بقسمیه(16).
وإنّما تعرّضنا لهذه المسألة بمناسبة بعض الروایات السابقة، ولأجل ما یتکلّم فیه الیوم، ویعدّه البعض أمراً سیّئاً، مع عدم ذکر المصنّف(قدس سره) لها فیما یأتی من أحکام الأولاد.
قال فی «المسالک»: «یستحبّ خفض الجواری والنساء، ولیس بواجب إجماعاً; روى عبدالله بن سِنان، عن الصادق(علیه السلام) قال: «ختان الغلام من السنّة، وخفض الجاریة من السنّة...»(17).
ولکن سیأتی أنّ الصحیح فی الحدیث: «لیس من السنّة».
وقال فی «الریاض»: «خفض الجواری وختانهنّ مستحبّ شرعاً بلاخلاف، وهو الحجّة، مع المسامحة فی أدلّة السنن، دون النصوص; لتصریحها بأنّه لیس من السنّة»(18).
وهذا دلیل على تضعیفه لروایات الاستحباب.
وقال ابن قدامة فی «المغنی»: «ویشرع الختان فی حقّ النساء، قال أبوعبدالله: وحدیث النبی(صلى الله علیه وآله)«إذا التقى الختانان وجب الغسل» لما فیه بیان أنّ النساءکنّ یختتنّ...»(19).
لکن روایات الباب مختلفة:
فطائفة منها: تدلّ على أنّ ختان المرأة لیس من السنّة، ولا من المستحبّ:
مثل ما رواه أبو بصیر ـ یعنی المرادی ـ قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الجاریة تسبى من أرض الشرک، فتسلم، فیطلب لها من یخفضها، فلا یقدر على امرأة، فقال: «أمّا السنّة فالختان على الرجال، ولیس على النساء»(20).
ومثل ما عن عبدالله بن سِنان، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «ختان الغلام من السنّة، وخفض الجاریة لیس من السنّة»(21).
یظهر منهما: أنّ ختان المرأة لیس واجباً، ولا مستحبّاً; فإنّ السنّة عامّة تشملهما.
ومثل ما عن مسعدة بن صدقة، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «خفض النساء مکرمة، ولیس من السنّة، ولا شیئاً واجباً، وأیّ شیء أفضل من المکرمة؟!»(22).
وهذا کالصریح فی عدم استحبابه، وأنّ المکرمة أمر وراء الوجوب والاستحباب، وهی مکرمة عرفیة; لما فیها من بعض الفوائد والآثار التی توجب ازدیاد حسنها.
ومثل ما عن معاویة بن عمّار، عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی قول سارة ـ : «اللهمّ لا تؤاخذنی بما صنعت بهاجر» ـ : «إنّها کانت خفضتها; لتخرج من یمینها بذلک»(23).
وهذا الحدیث یدلّ على أنّه لم یکن حسناً عندها، وإلاّ لم تستغفر منه.
إلاّ أن یقال: کان ذلک لإجبارها هاجر علیه، وهو بعید.
مضافاً إلى أنّ قوله(علیه السلام): «لتخرج من یمینها بذلک» کأنّه إمضاء لما جعلت على نفسها بالیمین، مع أنّ یمینها کان باطلاً.
ویظهر من غیر واحدة من الروایات، أنّ خفض الجواری کان معروفاً عند العرب قبل الإسلام، مثل ما رواه القطب الراوندی فی «لبّ اللباب» ولم یبایع النبی(صلى الله علیه وآله)أحداً من النساء إلاّ مختونة(24).
وطائفة اُخرى: یستدلّ بها على الاستحباب:
منها: ما رواه محمّد بن مسلم، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «لمّا هاجرت النساء إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) هاجرت فیهنّ امرأة یقال لها: اُمّ حبیب، وکانت خافضة تخفض الجواری، فلمّا رآها رسول الله(صلى الله علیه وآله) قال لها: یا اُمّ حبیب، العمل الذی کان فی یدک هو فی یدک الیوم؟ قالت: نعم یا رسول الله، إلاّ أن یکون حراماً فتنهانی عنه، قال: بل حلال...» ثمّ أمرها بعدم استئصال العضو الخاصّ الذی یقطع عند الختان(25).
ویمکن أن یقال: إنّ غایة ما یستفاد من هذا الحدیث أنّه أمر مباح. ویستفاد من ذیله أنّ له أثراً فی جمال وجه المرأة.
ومنها: روایات عدیدة تدلّ على أنّ الختان مکرمة للنساء، مثل ما رواه عبدالله بن سِنان، عن أبی عبدالله(علیه السلام) قال: «الختان سنّة للرجال، ومکرمة فی النساء»(26).
ومثلها ما فی «العیون» عن الفضل بن شاذان، عن الرضا(علیه السلام): أنّه کتب إلى المأمون: «والختان سنّة واجبة للرجال، ومکرمة للنساء»(27).
ومثلها أیضاً روایات اُخرى رواها فی «المستدرک» أو وردت فى بعض کتب العامّة، مثل «المغنی» لابن قدامة فی العنوان السابق.
وهذه الروایات غیر صریحة فی استحباب خفض الجواری; بقرینة ما رواه مسعدة بن صدقة; وأنّه لیس من الواجب، ولا السنّة، بل إنّه مکرمة، وقد مرّ آنفاً، فیستفاد منها أنّ المکرمة أمر وراء الحکم بالوجوب والاستحباب، ولعلّها عبارة عمّا یوجب کرامة المرأة وجمالها، وقد مرّ فی غیر واحد من أحادیث الباب، أنّ الخفض له أثر فی الجمال، فحینئذ یشکل الحکم باستحبابه. وحیث کانت الشهرة أوإجماع الأصحاب، مستندة إلى هذه الروایات، لذا لا یمکن الحکم بالاستحباب بالاستناد إلیها.
ومنها: ما مرّ فی غیر واحدة من روایات الباب 54 من أبواب مهور «الوسائل» من أنّه: «إذا التقى الختانان وجب الغسل و...» فهی تدلّ على استحبابه.
وفیه: أنّ غایة ما یستفاد منها هو الجواز، وأمّا الاستحباب فلا، فالقول باستحباب خفض الجواری مشکل.
فتحصّل من جمیع ما ذکرنا: أنّه لا دلیل یعتدّ به على استحباب خفض الجواری وختان النساء; إلاّ الإجماع الجاری على لسان القوم، فإنّ غایة ما یستفاد من روایات الباب هو جوازه، فإنّ العمدة فیها روایات المکرمة، وقد عرفت أنّ المراد منها ـ بقرینة الروایات المانعة ـ هی المکرمة العرفیة وما فیها من بعض الآثار الحسنة، کإشراق الوجه، وشبهه ممّا یوجب ازدیاد حسنها.
وأمّا الإجماع، فهو ـ على الظاهر ـ مبنیّ على الظهور البدوی لهذه الروایات، مع التسامح فی أدلّة السنن. مضافاً إلى أنّ کثیراً من الفقهاء لم یتعرّضوا لحکمه أصلا، وقد تصفّحنا کتبهم ـ بمعونة الکومپیوتر ـ فلم نجد فی أکثر من ألف کتاب فقهی إلاّ زهاء عشرین کتاباً فقهیاً تعرّض للمسألة.
ومن أحسن ما ذکر فی المسألة، ما أفاده المحقّق القمّی فی «جامع الشتات» ظفرنا علیه بعد الفراغ عن المسألة، قال: «وأمّا السؤال عن خفض الجواری فلاخلاف فی استحبابه، وعدم ظهور الخلاف یکفی; للمسامحة فی السنن وإن کان الأخبار لیست بصریحة فی الاستحباب، بل فی بعضها نفی کونه من السنّة»(28).
هذا کلّه فی جانب حکم المسألة.
وأمّا موضوعها، فالذی یظهر من الأخبار: أنّ المراد بختان المرأة وخفضها، هو أخذ شیء قلیل من النواة التی هی فوق فرجها، لا قطعها من أصلها، کما ورد فی ذیل حدیث محمّد بن مسلم الحاکی لقول رسول الله(صلى الله علیه وآله): لاُمّ حبیب «یا اُمّ حبیب، إذا أنت فعلت فلا تنهکی، ولا تستأصلی، وأشمّی; فإنّه أشرق للوجه، وأحظى عند الزوج»(29).
قال فی «النهایة»: «أشمّی، ولا تنهکی» شبّه القطع الیسیر بإشمام الرائحة، والنهک بالمبالغة; أی اقطعی بعض النواة، ولا تستأصلیها»(30) أی لا تقطعیها من أصلها، بل اقطعی شیئاً قلیلا منها.
وقال وهبة الزحیلی فی کتابه «الفقه الإسلامی وأدلّته»: «والختان فی المرأة قطع أدنى جزء من الجلدة التی فی أعلى الفرج»(31).
وقد یقال: إنّ علیها جلدة رقیقة یؤخذ منها، ویکشف عنها، کما یکشف رأس الآلة فی ختان الرجل، وهذا أمر بسیط.
وعلى کلّ حال فقد تبیّن ممّا ذکرنا: أنّ أصل الحکم غیر ثابت، وأنّ موضوعه بسیط جدّاً، فالذین یناقشون فی هذا الحکم الإسلامی فی عصرنا ـ بما یکون سبباً لإغواء الشباب، وإلقاء الشبهات ـ لم یعرفوا أصل الحکم، ولا موضوعه، والله العالم.
فلنرجع إلى ما کنّا فیه من فروع المسألة 17 من مسائل المهور:
الفرعان الثانی والثالث: لو اختلف الزوجان بعد الطلاق; فادّعت المرأة المواقعة طلباً لکمال المهر، وأنکر الزوج حتّى یؤدّی نصفه، فالقول قول الزوج بیمینه; لأنّه منکر، والیمین على من أنکر، وهذا واضح.
ولو امتنع الزوج عن الیمین، وأقام البیّنة على عدم الدخول ـ کما إذا شهدت الشاهدات من النساء ببقاء البکارة ـ وادّعت المرأة المواقعة فی القبل، فظاهر جماعة ممّن تعرّض للمسألة، أنّها تکفی فی نفی دعوى الزوجة; لأنّها أقوى من الیمین قطعاً، قال فی «الشرائع»: «إذا خلا بالزوجة فادّعت المواقعة، فإن أمکن الزوج إقامة البیّنة... فلا کلام»(32).
وعقّبه فی «الجواهر» بقوله: «فی بطلان دعواها حینئذ من غیر یمین»(33).
وکلامهما وإن کان فی المسألة الآتیة; أی الخلوة، ولکن یستفاد منه محلّ الکلام بطریق أولى.
وقد یناقش فی ذلک باُمور:
الأوّل: أنّه قد یقال: إنّ ظاهر قوله(علیه السلام): «البیّنة على المدّعی، والیمین على من أنکر»(34)اختصاص البیّنة بالمدّعی، فلا یجوز للمنکر إقامتها.
ولکن یجاب عنه: بأنّ ذلک إنّما هو لتسهیل الأمر علیه، لا منعه عن ذلک.
الثانی: أنّه یجوز للزوجة أن لا تقبل منه إلاّ الیمین; لأنّ إقامة البیّنة علیها یحتاج إلى رؤیة النساء فرجها، وهی حرام، مضافاً إلى ما فیها من المشقّة على الزوجة; لحیائها من ذلک، والزوج له طریق إلى بلوغ مناه; وهو الحلف، فلماذا یعدل عنه؟!
واُجیب عنه: بأنّه مثل نظر الطبیب، بل یظهر من الروایات الواردة فی أبواب العیوب، جواز نظرهنّ إلى ذلک(35).
والإنصاف: أنّ قیاس ما نحن فیه بمسألة الطبیب أو أبواب العیوب، قیاس مع الفارق; لأنّ الضرورة اقتضت هناک، ولا ضرورة هنا. نعم قد تقتضی الضرورة ذلک فی المسألة الآتیة; بناءً على کون الخلوة دلیلا على المواقعة.
الثالث: أنّه قد یقال کما عن «کشف اللثام»: «بأنّ التقاء الختانین لا یوجب زوال البکارة»(36).
وفیه: أنّه فرد نادر.
الرابع: أنّ البکارة قد لا تزول ولو مع الدخول التامّ; لأنّ نوعاً منها کذلک.
وفیه: أنّه فرد نادر جدّاً أیضاً، ولذا ورد فی بعض الأحادیث فی أبواب الحدود، التعبیر عن البکارة بـ«خاتم إلهی» فی کلام أمیرالمؤمنین(علیه السلام)(37).
فقد تلخّص من جمیع ما ذکرنا: أنّ إلزام الزوجة بقبول البیّنة من الزوج وترک الیمین، لا یخلو من إشکال.
نعم، فی المسألة الآتیة یجوز ذلک على بعض الأقوال، کما یجوز ذلک فیما إذا کانت البیّنة على ما لا یحتاج إلى النظر المحرّم، کما إذا أقام البیّنة على کون الزوج غائباً من حین العقد إلى زمن الطلاق، والله العالم.
الفرع الرابع: ما ذکره الأصحاب، وقد فات من المصنّف(رحمه الله) وهو أنّه هل یجب تمام المهر بالخلوة وإرخاء الستر، أم لا؟
فیه أقوال; قال فی «المسالک»: «واختلفوا فی أنّه هل یقوم غیر الوطء من مقدّماته ـ کالخلوة ـ مقامه فی ذلک؟ على أقوال منشأهااختلاف الأخبار فی ذلک:
فذهب الأکثر إلى عدمه; وأنّ الخلوة وباقی المقدّمات لا تکفی فی إیجاب المهر.
وذهب جماعة من المتقدّمین إلى أنّ الخلوة، توجب المهر ظاهراً; حیث لا یثبت شرعاً عدم الدخول، وأمّا باطناً فلا یستقرّ المهر جمیعه إلاّ بالدخول.
وأطلق بعضهم ـ کالصدوق ـ وجوبه بمجرّد الخلوة.
وأضاف ابن الجنید إلى الجماع إنزال الماء بغیر إیلاج، ولمس العورة، والنظر إلیها، والقبلة متلذّذاً».
ثمّ قال: «المعتمد الأوّل»(38) انتهى.
فهذه مذاهب وأقوال أربعة: عدم کفایة الخلوة، وکفایتها، والتفصیل بین مقام الثبوت والإثبات ففی الأوّل لا یکفی وفی الثانی یکفی، وکفایة الخلوة، مع إضافة إنزال الماء، ولمس العورة، وشبهه.
وقال شیخ الطائفة فی «الخلاف» ما ملخّصه: اختلف الناس فیه على ثلاثة مذاهب:
الأوّل: أنّ وجود الخلوة وعدمها سیّان، وهو ظاهر روایات أصحابنا، وبه قال فی الصحابة ابن عبّاس، وابن مسعود، وفی التابعین الشعبی، وابن سیرین، وفی الفقهاء الشافعی، وأبو ثور.
الثانی: أنّ الخلوة کالدخول، وبه قال قوم من أصحابنا، وروی ذلک عن علیّ(علیه السلام)وبه قال عمر بن الخطّاب، وابن عمر، وفی التابعین الزُهری، وفی الفقهاء الأوزاعی، وأبو حنیفة وأصحابه، والشافعی فی القدیم.
الثالث: أنّه إن کانت الخلوة تامّة فالقول قول من یدّعی الدخول، وبه قال مالک بن أنس، وإن لم تکن تامّة فلا، کما إذا خلا بها فی بیت أبیها; ما لم تزل حشمة(39).
فمع القول الأخیر تکون الأقوال فی المسألة خمسة، هذا.
ولکن بعض هذه الأقوال ناظر إلى مقام الثبوت; وذلک فیما إذا علمنا علماً قطعیاً أنّه لم یتحقّق دخول فی الخلوة، بل کان مجرّد الخلوة، وبعضها ناظر إلى مقام الإثبات; والشکّ فی أنّه مع الخلوة وقع الدخول، أم لا؟ فاللازم التکلّم فی مقامین: مقام الثبوت، ومقام الإثبات.


(1). کشف اللثام 7 : 446.
(2). الحدائق الناضرة 24 : 505.
(3). راجع جواهر الکلام 3 : 32.
(4). جواهر الکلام 31 : 75.
(5). البقرة (2): 236.
(6). وسائل الشیعة 21 : 320، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 54، الحدیث 5.
(7). وسائل الشیعة 21 : 320، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 54، الحدیث 9.
(8). وسائل الشیعة 21 : 321، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 55، الحدیث 1.
(9). وسائل الشیعة 21 : 319، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 54، الحدیث 4.
(10). وسائل الشیعة 2 : 200، کتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12، الحدیث 1.
(11). العروة الوثقى 5 : 507 ـ 508.
(12). راجع جواهر الکلام 41 : 260.
(13). وسائل الشیعة 21 : 320، کتاب النکاح، أبواب المهور، الباب 54، الحدیث 6.
(14). راجع جواهر الکلام 20 : 351 ـ 352.
(15). المؤمنون (23): 5.
(16). جواهر الکلام 31 : 262.
(17). مسالک الأفهام 8 : 405.
(18). ریاض المسائل 10 : 508.
(19). المغنی، ابن قدامة 1 : 71.
(20). وسائل الشیعة 21 : 440، کتاب النکاح، أبواب أحکام الأولاد، الباب 56، الحدیث 1.
(21). وسائل الشیعة 21 : 441، کتاب النکاح، أبواب أحکام الأولاد، الباب 56، الحدیث 2.
(22). وسائل الشیعة 21 : 441، کتاب النکاح، أبواب أحکام الأولاد، الباب 56، الحدیث 3.
(23). وسائل الشیعة 21 : 443، کتاب النکاح، أبواب أحکام الأولاد، الباب 58، الحدیث 3.
(24). مستدرک الوسائل 15 : 152، کتاب النکاح، أبواب أحکام الأولاد، الباب 42، الحدیث 4.
(25). وسائل الشیعة 17 : 129، کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، الباب 18، الحدیث 1.
(26). وسائل الشیعة 21 : 442، کتاب النکاح، أبواب أحکام الأولاد، الباب 58، الحدیث 1.
(27). وسائل الشیعة 21 : 437، کتاب النکاح، أبواب أحکام الأولاد، الباب 52، الحدیث 9.
(28). جامع الشتات 4 : 614.
(29). وسائل الشیعة 17 : 129، کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، الباب 18، الحدیث 1.
(30). النهایة، ابن الأثیر 2 : 503.
(31). الفقه الإسلامی وأدلّته 1 : 461.
(32). شرائع الإسلام 2 : 555.
(33). جواهر الکلام 31 : 141.
(34). مستدرک الوسائل 17: 368، کتاب القضاء، أبواب کیفیة الحکم، الباب 4، الحدیث 4.
(35). راجع مستدرک الوسائل 17 : 367، کتاب القضاء، أبواب کیفیة الحکم، الباب 4، الحدیث 1 و2 والباب 15، الحدیث 2 و3 و4; وسائل الشیعة 21 : 216، کتاب النکاح، أبواب العیوب، الباب 4 و15. )منه دام ظلّه(
(36). کشف اللثام 7 : 483.
(37). وسائل الشیعة 28 : 124، کتاب الحدود، أبواب حدّ الزنا، الباب 25، الحدیث 1.
(38). مسالک الأفهام 8 : 225 ـ 226.
(39). الخلاف 4 : 396، المسألة 42.

 

المقام الأوّل: مقام الثبوت إبراء المرأة الصداق قبل الدخول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma