بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله الطاهرين، لا سيما بقية الله المنتظر ارواحنا فداه ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
النکتة الخامسة من نکات مبحث استحباب النکاح
کان البحث فيمسألة استحباب النکاح وقد وصلنا الى النکتة الخامسة في هذا المبحث وهي حول ما ذکره صاحب الجواهر (قده) من أن النکاح فيه شئ من العبادة حيث قال في المجلد 29 الصفحة 133 (لا ريب في أن الاحتياط لا ينبغي ترکه خصوصاً في النکاح الذي فيه شوب من العبادات المتلقاة في الشارع، والاصل تحريم الفرج الى أن يثبت سبب الحل شرعاً).
فالاصل هو فساد کل نکاح في مورد الشک إلا ما خرج بالدليل. ثم إن السؤال في المقام هو: إن النکاح من أي نوع من العبادات هو؟ فهل هو من العبادات بالمعنى الاخص أو من العبادات بالمعنى الاعم؟
حيث أن العبادات على قسمين:
1 ـ عبادات بالمعنى الاخص، وهي التي يشترط في صحتها قصد القربة، کالصلاة والصيام والحج والوضوء والتيمم.
2 ـ عبادات بالمعنى الاعم، وهي التي يشترط في ترتب الثواب عليها قصد القربة، وهذه تشمل تمام الاوامر التوصلية الواجبة والمستحبة، کما في تطهير المسجد من النجاسة وأداء الدين اللذين هما من الواجبات، وکما في النکاح وإطعام الطعام اللذين هما من المستحبات، فإتيان هذه الاعمال من دون قصد القربة لا إشکال فيه وتکون هذه الاعمال صحيحة، إلا انه إذا اريد تحصيل الثواب عليها فلابد من قصد القربة، فتطهير الثوب لأجل الصلاة مثلاً من التوصليات ويصح تطهيره بلا قصد للقربة، إلا أنه مع قصد القربة به يترتب عليه الثواب.
والنکاح من أي هذين القسمين هو؟
اما العبادات بالمعنى الاخص فليس هو منها حتماً إذ لا يشترط في صحته قصد القربة، بل لم يقل بذلک احد من فقهاء الشيعة والسنة فلو أن شاباً أراد أن يتزوج فإن زواجه يکون صحيحاً سواء قصد به القربة أو قصد به إشباع اللذة. نعم لو أراد تحصيل الثواب بزواجه فإن عليه حينئذ أن يقصد القربة به، فهو إذاً من العبادات بالمعنى الاعم. وهذا لا ينحصر بالنکاح کما قلنا، بل جميع الاوامر التوصلية الامر فيها کذلک، أي يشترط في ترتب الثواب عليها أن تقصد القربة بها.
وأبواب المعاملات أيضاً کذلک، فلو أن شخصاً خرج من بيته قاصداً مکان علمه وقصد بذلک القربة فإنه يحصل على ثواب بلا إشکال، بشرط أن يکون العمل حلالاً. إذاً لا فرق بين النکاح والبيع والتجارة.
إذن لماذا يقولون أن النکاح فيه شوب من العبادة طالما أن ذلک لا ينحصر به، وما هي الخصوصية في النکاح حتى خصّ بهذه العبارة؟
الجواب
ان النکاح والطلاق هما من الامور التوقيفية، فهما يشبهان العبادة من هذه الناحية، وليسا من المعاملات التي هي من الامور العقلائية التي تکون ممضاة من الشارع، توضيح ذلک:
هناک سلسلة عقود کالبيع والتجارة والمضاربة والمساقاة وغيرها کانت ولا زالت موجودة بين العقلاء، فأتى الشارع المقدس وأمضى هذه العقود بأن قال تارة {أوفوا بالعقود}، وأخرى بأن سکت ولم يردع عنها، ففي کل مورد نشک في شرعية عقد وعدم شرعيته فإننا نرجع الى سيرة العقلاء لنرى أنهم ماذا يقولون فيه، فإذا رأينا أيضاً أن الشارع المقدس لم يردع عن هذه السيرة فإننا نستفيد حينئذ شرعية هذا العقد. فهل النکاح کذلک؟ يعني هل أن کل نکاح متعارف لدى العقلاء نحکم بصحته شرعاً فيما لو سکت عنه الشارع؟ کلا بل لابدّ من وصول دليل شرعي خاص على صحته، والطلاق أيضاً من هذا القبيل. مع أن النکاح والطلاق کانا موجودين عند العقلاء قبل الاسلام کالبيع والاجارة وغيرهما، فلماذا اختلف الحکم فيهما إذن؟ يعني النکاح والطلاق من الامور التوقيفية وتجرى فيهما أصالة الفساد ولا يحکم بصحتهما إلا بدليل خاص، بينما البيع والاجارة وغيرهما من الامور العقلائية التي يکفي فيها الامضاء وسکوت الشارع ولا يحتاج فيها الى دليل خاص، فلماذا کان الامر کذلک؟
السبب في ذلک هو أن الشارع المقدس قد تصرف کثيراً في النکاح، فغير فيه الکثير، فأضاف قيوداً وعدل أخرى، فافترق بذلک عن النکاحالموجود لدى العقلاء. وهذا بخلاف البيع أو الاجارة. ففي النکاح مثلاً المحرمات النسبية کثيرة جداً وکذا المحرمات الرضاعية والسببية، وهناک شرائط للمهر، وأيضاً شرائط للعيوب الموجبة للفسخ. فالشارع المقدس قد نظم النکاح من جديد وعدّل في کثير من قيوده وأضاف اليها أخرى، ولذا أصبح شبيهاً بالعبادات التوقيفية ولم تکن فيه جنبة إمضائية، ولذا فنحن لا يمکننا أن نحکم بصحة نکاح شرعاً لمجرد انه صحيح عند العقلاء، فنکاح ابنة العم مثلاً صحيح عند العقلاء ولا يمکننا الاعتماد على سکوت الشارع عن ذلک بل لابد أن نصل الى دليل شرعي يدل على الصحة کما في قوله تعالى {واحل لکم ما وراء ذلکم} النساء 24 ـ، وذلک لأن النکاح ليس شبيهاً للعقود الامضائية بل هو شبيه للعبادات التوقيفية. وعلى ذلک لابد من الاحتياط في مباحث النکاح کما ذکر صاحب الجواهر (ره)، حيث تکون اصالة الفساد هي الحاکمة ولا يمکن الخروج عنها إلا بدليل شرعي ولا يکفي سکوت الشارع عما هو موجود عند العقلاء.
والطلاق أيضاً کذلک حيث ان الشارع قد نظمه من جديد، فکانت له شرائط کثيرة وشرائط للعدة وموانع أيضاً عديدة، بينما هذه الامور غير موجودة في عرف العقلاء، فلا يمکن استفادة صحة طلاق متعارف عند العقلاء من سکوت الشارع عنه.
وأما بقية أبواب المعاملات فيکفي فيها سکوت الشارع وإمضائه للحکم بصحة ما هو متعارف لدى العقلاء.
الى هنا تنتهي هذه المسألة، وبعد هذا أرى من اللازم أن أقرأ لکم المسألة الاولى من مسائل تحرير الوسيلة، وهي وإن کانت سهلة بحسب الظاهر إلا أنفيها فوائد اجتماعية کثيرة، حيث انها تبين مع المسألة الثانية رأي الشارع في شرائط الزوج والزوجة، هذه المسألة المهمة جداً بالنسبة لشبابنا وفتياتنا، والمسألة هي:
المسألة الاولى من تحرير الوسيلة
يقول الامام (قده): (مما ينبغي أن يهتم به الانسان النظر في صفات منيريد تزويجها فعن النبي صلى الله عليه وآله) وهذا الحديث موجود في وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب مقدمات النکاح الحديث الثاني (اختاروا لنطفکم فإن الخال أحد الضجيعين) والضجيع هنا بمعنى المصاحب، فيقال: من يصاحب الانسان فهو ضجيعه، وأيضاً يقال للمجامع في باب النکاح ضجيع، وکذلک يقال للمدفونين في قبر واحد ضجيعين کما في زيارة أمير المؤمنين(ع): وعلى ضجيعيک آدم ونوح.
ومعنى هذا الحديث هو أنک إذا أردت الزواج من امرأة لا تعرف اخلاقها لأنک لم تعاشرها بسبب عفتها أو تحجبها مثلاً فانظر الى أخلاق أخيها إن کنت من أصحابه أو اسأل عنه فإنک بذلک تعرف أخلاق وطبائع اخته، بإعتبار التشابه بين جيناتهما الوراثية، وهناک مثل بين عوام الناس يقول: انظر الأخ وخذ الأخت، وذلک لأنهما مثلاً تربيا في عائلة واحدة وفي محيط واحد فبينهما نقاط تشابه کثيرة.
اذاً هذه الرواية تعتبر أن انتخاب الزوجة من الامور اللازمة وأيضاً تعين الطريق لذلک، وهو ما ذکر من النظر الى اخلاق وأحوال وطبائع الاخ. وفي الواقع هذه الرواية تشير الى ما يقوله علماء النفس في ايامنا حول أصل الوراثة. (وفي خبرٍ آخر: تخيّروا لنطفکم فإن الابناء تشبه الاخوال) ولئن کان ثمة إبهام في الحديث السابق فإن هذا الحديث يزيله ويوضح المراد فيه. ومعناه هو ما ذکرناه.
وهذا الحديث لم نجده أصلاً بهذه العبارة في ما بين ايدينا من مصادر وکتب، إلا اننا وجدنا شبيهاً له في کتاب کنز العمال من کتب أهل السنة، الحديث رقم 44557، وفيه: تخيّروا لنطفکم فإن النساء يلدن أشباهإخوانهن.
(وعن مولانا الصادق عليه السلام لبعض أصحابه حين قال: قد هممت أن اتزوج: "انظر اين تضع نفسک ومن تشرکه في مالک وتطلعه على دينک وسرّک) وفي الحديثين السابقين کان الکلام عن الولد وأما هنا فهو عن الزوجة شريکة الحياة (فإن کنت لابد فاعلاً فبکراً تنسب الى الخير وحسن الخلق") أي اختر فتاة بکراً من عائلة معروفة بالخير وحسن الخلق. وهذا الحديث موجود في الوسائل الباب 6 من ابواب مقدمات النکاح الحديث الاول.
فهذا الحديث يذکر بعداً من ابعاد الزواج بينما الحديثان السابقان يذکران بعداً آخراً (وعنه عليه السلام) يعني عن الامام الصادق (ع) (إنما المرأة قلادة، فانظر ما تتقلد) فاسعى الى ان تکون زينة لک لا شيئاً عليک، واسعى الى ان تکون سبباً لراحتک وافتخارک في المجتمع لا سبباً لشقائک (وليس للمرأة خطر) أي قيمة (لا لصالحتهنّ ولا لطالحتهن) فصالحتهن قيمة الى درجة لا يمکن معها جعل قيمة لها، وطالحتهن قليلة القيمة الى درجة کأنه لا قيمة لها (فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة، هي خير من الذهب والفضة، وأما طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خير منها) بإعتبار ان التراب فيه برکات کثيرة. وهذا بعد ثالث من ابعاد الزواج.
فالبعد الاول هو: الولد، والبعد الثاني هو: شريک الحياة ومخزن الاسرار، والبعد الثالث هو: قيمة الزوجة الصالحة أو الطالحة.
هذا کله بالنسبة لصفات النساء فيما إذا اراد الرجل ان يختار زوجة له، وهناک ايضاً صفات للرجال فيما إذا ارادت المرأة أو وليها ان يختار زوجاً لها، ويقول الامام (قده) في هذا المجال: (وکما ينبغي للرجل ان ينظر فيمن يختارها للتزويج کذلک ينبغي ذلک للمرأة وأوليائها بالنسبة الى الرجل، فعن مولانا الرضا عن آبائه (ع) عن رسول الله (ص) أنه قال: النکاح رق، فإذا أنکح أحدکم وليدته فقد أرقها، فلينظر أحدکم لمن يرق کريمته) والمقصود من الرقية في هذا الحديث هو أن الزواج يحدد للمرأة من حريتها بإعتبار أنه يحمّلها مسؤوليات ثقيلة. فلابد إذن للمرأة أو لأوليائها من ملاحظة احوال الزوج وطبائعه واخلاقه لأن ابنتهم سوف تکون رفيقة له وفي اسره. وهذا الحديث هو الحديث الثامن من الباب الثامن والعشرين من ابواب مقدمات النکاح من الوسائل.
إذن ينبغي مراعاة الموازين وملاحظتها في کل من طرفي الزوج والزوجة، وللاسف في زماننا لا يدقق بشکل کافٍ في هذه المسائل ويکتفي بملاحظة بعض المسائل السطحية في الزواج، وهذا ما يسبب تلاشي عائلات کثيرة وتفرقها بسرعة.
وصلى الله علىسيدنا محمد وآله الطاهرين.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله الطاهرين، لا سيما بقية الله المنتظر ارواحنا فداه ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
قال ابي عبدالله (عليه السلام)
النَّظَرُ إِلَى الْکَعْبَةِ عِبَادَةٌ، وَ النَّظَرُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ عِبَادَةٌ، وَ النَّظَرُ إِلَى الاِْمَامِ عِبَادَةٌ.
نگاه به کعبه عبادت است، نگاه به پدر و مادر عبادت است، و نگاه به ]چهره[ امام عبادت است.
کافى: 4/240/50
لا يوجد تعليق