تخمين زمن المطالعة:1 الدقيقة
42-ما يجب فيه الخمس أرباح المکاسب
الخلاصة : فنقول ومن الله التوفيق والهداية: ان المسألة غير معنونةفيکلمات کثير من الاصحاب ولعل عدم التعرض لها کان لوضوح عدم عدّ رأس المال من المؤنة عندهم أو لامر آخر.
نعم صرح المحقق النراقيفيالمستندفياحکام المؤنة بانه ليس من المؤنة عن الضياع والعقار والمواشي للانتفاع بمنافعها ولو لمؤنة السنة، ولا رأس مال تجارته لعدم التبادر وصحة السلب ولعدم الاضطرار بها ولا اللزوم والحاجة الى رقباتهافيذلک العام للمؤنة فيه.
ومن الغنائم للمحقق القمي: «الظاهر ان تتميم رأس المال لمن احتاج اليهفيالمعاش من المؤنة کاشتراء الفيعة لاجل المستغل» بعد ان حکم بعدم کون رأس المال من المؤنة بلا اشکال، وظاهر التفصيل بين صورة الحاجة وعدمها لمؤنة سنته.
وعن رسالة شيخنا الاعظم ـ قدس سره ـ موافقة ما ذکره صاحب الغنائم فيعده من رأس المال اذا احتاج اليهفيسنته، بل وزاد عليه انتفاعه بمنافعهفيالسنين الاتية.
واختار هذا المسلک ـ اعني عدم وجوب الخمس اذا احتاج اليه لمؤنة سنته ـ غير واحد من اعلام المحشين على العروة بعد ان احتاط المحقق اليزدي فيه بوجوب الخمس فيه.
اقول: وتحقيق الحال فيه ان يقال: ان المسألة ذات صور مختلفة لکل منها حکمه.
1ـ قد تجعل الارباح الحاصلة من السنين السابقة رأس مال للسنة الحاضرة، أو من السنة الحاضرة للسنين المقبلة.
فهذا مما لا اشکالفيتعلق الخمس بها سواء احتاج الى هذا في السنة المقبلة بحيث لم يمکنه الاکتساب بدونه ام لا؟ فان المفروض انه زائد على مؤنة سنة الربح فيجب فيه الخمس حتى لو احتاج اليهفينفقتهفياليوم الاتي بعد السنة.
2ـ اذا جعلت ارباح السنة رأس مال لتلک السنة وهذا على اقسام:
تارة يمکنه الاعاشة بدونه ويکون اخذ رأس المال لتوسعة منافعه من غير ان يکون محتاجا الى هذه التوسعة، وهذا أيضاً مما لا اشکالفيتعلق الخمس به.
واخرى يمکنه الاعاشة بدون ذلک ولکن يکون کسبه دون شأنه فمقتضى شأنه ان لا يکون مثلا عاملا بسيطا بل لا بد ان يکون له رأس مال يکتسب به ويکون المبلغ الموجود بحيث لو أدى خمسه لم يقدر على ما ذکر، فهذا يعد من المؤنة لما عرفت من ان المؤنة هي جميع ما يصرفه الانسان فيما يحتاج في حاجات حياته حتى ما يتعلق بحفظ شؤونه ومکانته.
وثالثة ما اذا احتاج اليها لمؤنة سنته أو لتتميمها مثل ما اذا حصل لهفيستة اشهر من سنته ارباح من طريق العمل باليد ولکنفيباقي السنة لا يوجد له هذا العمل ولابد له ان يجعل تلک الارباح رأس مال أو آلات حتى يتمکن من تحصيل مؤنتهفيالباقي من سنته بل وفي مابعدها من السنة المقبلة، فهل هذا مما يتعلق به الخمس ام لا؟
وعمدة دليل القائلين بوجوب الخمس فيها (فتوى أو احتياطا) هو انصراف لفظ المؤنة منها، لانها ظاهرة فيما يصرف عينها فعلا أو يکون من قبيل الفرش والدار وغيرها مما ينتفع بهافيعيشه وحياته لا ما يستفاد منه لتحصيل الربح.
هذا ولکن يمکن الجواب عنه بانه وان فرض صحة هذا الانصراف بالاعتبار المذکور، ولکن يمکن الغاء الخصوصية عنها بعد کونه مما يحتاج اليهفيحياته ولو بالواسطة، واي فرق بين ما يحتاج اليه بدون الواسطة أو يحتاج اليه بسبب انه سبب للمؤنة؟
بل يمکن ان يقال بصدق عنوان المؤنة لها، وان هذا الا مثل ما اذا احتاج الى لبن الشاة أو البقرة ولا يحصل الا بابتياع شاة أو بقرة، أو احتاج الى غرس اشجار للانتفاع بثمرتها ولا يمکن الوصول الى الثمرة بدونها، فهل يشک احدفيکون البقرة أو الشجرة من المؤنة وان کان يبقى عينها وينتفع بثمرتها؟
وکذلک ما تداولفيايامنا من الحاجة الى رهن الدار بمبلغ کثير أوالاستيجار بقيمة قليلة بشرط قرض هذا المبلغ، فان هذا المبلغ وان کان يبقى عنه ولکنه يعد من المؤنة ولا يتعلق به الخمس، فکذلک رأس المال في محل الکلام وان ابيت الا عن عدم صدق المؤنة على رأس المال وان احتاج اليه، ففي الغاء الخصوصيّة عنها بما عرفت غنى وکفاية.
الثانية: المؤنة على اقسام، قسم منها يصرف عينه ولا يبقى کالمأکول والمشروب، وقسم منها ينتفع بمنافعه ويبقى عينه کالدار والمرکب والاواني والسجاد وشبهها، وهي على اقسام:
1ـ قسم منها لا يبقى بعد مضي السنة کبعض الالبسة ولا کلام فيها.
2ـ قسم يبقى بعد ذلک ولا خمس فيه اذا احتاج اليهفيالمستقبل، وذلک لاطلاقات روايات استثناء المؤنة مع کون کثير من افرادها مما يبقى بعد السنة، اضف الى ذلک استقرار السيرة عليهفيجميع الاعصار والامصار.
3ـ قسم منها يبقى ولکن يستغني عنه بعد السنة کالاشياء التي اشتراها للحج مثلا ثم حج واستغنى منه، أو حلي المرأة بعد کبر سنها واستغنائها عنها، وغير ذلک مما يختص بمکان أو زمان أو ظروف خاص، وسيأتي الکلام فيها ان شاء الله عند ذکر المصنف لها (في المسألة 67).
4ـ قسم منها يکون من نوع غال يبقى سنين کثيرة لا يحتاج بقاؤها الى مثل تلک السنين، مثلا اذا کان هناک أواني تبقى مئات السنين وأواني تبقى مدة حياته وکانت الأولى غالية جدا فاشتراها، يشکل استثنائها من الخمس (لا اقل بالنسبة الى ما زاد على الفرد المتعارف) وذلک لانصراف الاطلاقات من مثله.
5ـ قسم منها يحتاج اليهفيبعض الأوقات فقط ويمکن استيجارها حينئذ وکان متعارفا بين الناس کالظروف ووالسجاد لمجالس العرس وشبهها فاشتراها وادخرها، يشکل استثناؤها من المؤنة اللهم الاّ اذا کان متعارفا ومن شؤونه.
اما اذا کان الاشتراء والاستيجار کلاهما متعارفين وداخلينفيشؤونه کما هو کذلکفيالدار فله اختيار اي واحد منهما، ففي الاستيجار يکون مالا لاجارة مستثنى وفي الاشتراء يکون الثمن کذلک والوجه ظاهر.
6ـ اذا کان الدار وسيعا جدا له غرف کثيرة لا يحتاج اليهافيالحال والمستقبل القريب، کان الزائد عما يحتاج اليه خارجا عن المؤنة ويحتسبفيرأس السنة ويؤدي عنها الخمس، والوجه فيه أيضاً ظاهر.
الثالثة: اذا کان له أموال بعضها مما يتعلق به الخمس کارباح سنته، وبعضها مما لا يتعلق کالارث، أو تعلق به واداها کالارباح السابقة، فهل تؤخذ المؤنة من الأول، أو الثاني، أو يوزع عليهما بالنسبة، أو هو بالخيار من اي واحد اخذ؟ فان اخذها من الأول فلا خمس فيها.
وقد حکىفيالمسألة اقوال ثلاثة:
1ـ ما عن الاردبيليفيمجمع الفائدة من وجوب الاخذ من الاموال التي لا يتعلق بها الخمس قال: «الظاهر ان اعتبار المؤنة من الارباح مثلا على تقدير عدمها من غيرها فلو کان عنده ما يمون به من الاموال التي تصرف في المؤنة عادة فالظاهر عدم اعتبارها مما فيه الخمس بل يجب الخمس من الکل ، لانه احوط ولعموم ادلة الخمس وثبوت اعتبار المؤنة عند الحاجة اليها، ولانه قد يؤول الى عدم الخمسفياموال کثيرةويحتمل التقسيط ولکنه غير مفهوم من الاخبار الا انه احوط بالنسبة الى اخراجها من الارباح بالکلية (انتهى ملخصا)»
2ـ احتسابهما من کليهما بالنسبة کما قالفيالمسالک:
«لو کان له مال آخر لا خمس فيه فالمؤنة مأخوذة منهفيوجه، ومن الارباحفيآخر، والأول احوط، والاعدل احتسابهما بالنسبة».
3ـ ما اختاره کاشف الغطاء من احتسابه عن الربح المکتسب فقط حيث قال: «ويحتسب من الربح المکتسب دون غيره على اصح الاقوال».
وظاهر هذه العبارة احتسابها عن ارباح السنة وان صرف غيرهافيالمؤنة عملا، فيوضع عنها مقدارها عند محاسبتهافيرأس السنة.
ويظهر من المحقق الهمدانيفيمصباح الفقيه، کون القول الثالث هو المشهور بين من تعرض للمسألة وانها ظاهر کل من عبر عن عنوان المسألة بما يفضل من الارباح عن مؤنة سنته.
واختاره المحدث البحرانيفيالحدائق أيضاً.
واختاره أيضاً صاحب الجواهرفيرسالته نجاة العباد فقال: «لو کان عنده مال آخر لا خمس فيه، فالاقوى اخراج المؤنة من الربح دونه خاصة.
4ـ ويمکن ابداء قول رابعفيالمسألة وهو انه تابع لصرفها خارجا، فلو اخذها من ارباح السنة تحسب منها، ولو اخذ من مال ادى خمسه تحسب منه، ولو وزعها کان المقدار الذي اخذه من ارباح السنة يوضع من تلک الارباح عند المحاسبة رأس السنة.
5ـ وهنا احتمال خامس وهو محاسبة ما کان عنده موجودا من قبل من دار ونحوه من المؤنة بان يضع من ارباح السنة بمقدارها، فان کان له دار من ارث ابيه يساوي مأة الف درهم واستفادفيتلک السنة بهذا المقدار لم يجب عليه خمس لانه يحسب مقداره من المؤنة، کما اشار اليهفينجاة العباد وان لم يقبله، فقال:
«نعم الظاهر عدم احتساب ما عنده من دار أو عبد ونحوهما مما هو من المؤنة مع عدمه، من الربح بل يقوى ذلک فيمن قام غير بمؤنته لوجوب أو تبرع وکذا ما بقي من مؤنة السنة الماضية مما کان مبنيا على الدوام کالدار».
وعمدة ما يمکن ان يستدل به للقول المنسوب الى المشهور اعني القول الثالث، هو قوله(ع): «الخمس بعد المؤنة» الواردةفيروايات عديدة بناء على ان ظاهره هو البعديةفيالمحاسبة لافيالاخراج، نظير قوله تعالىفيآيات سهام الارث: «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصي بِها اَوْ دَيْنٍ» فان المراد ليس منه اخراج الوصية والدين أولا من ناحية الزمان بل من ناحية المحاسبة، فلو کانت وصيته تتعلق بامر متاخرفيالوجود يجوز للوراث اخذ سهامهم بعد محاسبة الوصية ومقدارها، وکذلک الدين لو اخّر اخراجها بسبب جاز اخذ الوراث سهامهم، ففي المقام أيضاً يقال ان المراد البعديةفيالمحاسبة فيخرج مقدار المؤنة عن الارباح ولو صرف مالا آخر فيها.
ويؤيد ذلک بل يدل عليه ما مر سابقا من ان استثناء المؤنة يمکن ان يکون من باب التخصص لا التخصيص، لعدم صدق الربح اذا اشتغل بنفسه بکسب ولم ينتفع الا بمقدار مؤنة سنته، وان هو من هذه الجهة الا کالعمال التي يستأجرهم لامور تجارته وزراعته وينقص اجورهم من ارباح السنة وليس هو نفسه اقل من اجير يستأجره.
ولکن ذلک انما يصحفيخصوص ما اذا اشتغل هو بنفسه بالاکتساب، اما لو کان له دار مثلا أو ضيعة من ارث ابيه وآجرها وانتفع بثمنها من دون أن يعمل فيها أو وهبه بعض اصدقاؤه هبة (بناء على وجوب الخمس في الهبة).
فهذا دليل أخص من المدعى، اللهم الا ان يقال: ان الغالب من القسم الأول ولاحظه الشارعفيحکمه فتامل.
وعمدة الدليل على القول الأول الذي ذهب اليه المحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة هو اطلاقات ادلة الخمس المقتصرفيتخصيصها بالنسبة الى المؤنة فيصورة الحاجة اليها، واما کونه احوط، وکذلک کون القول الثالث، سببا لعدم الخمسفياموال کثيرة مع عدم الاحتياج الى صرفها اصلا کمافياکابر التجار، (وقد عرفت الاستدلال بهمافيکلام المحقق الاردبيلي) فهو مما لا يعتمد عليه لان الاصل هو البراءة، والثاني مجرد استبعاد کالقول بالتقسيط الواردفيکلام المسالک والمدارک لکونه اعدل، فانه مجرد استحسان لا يمکن الاعتماد عليه.
هذا ويمکن دفع الاطلاقات بما مر من ظهور قوله: «بعد المؤنة» في تقييدها باخراج المؤنة عند المحاسبة وظهور القيد مقدم.
ويمکن الذهاب الى القول الرابع نظرا الى ان اخراج المؤنة بمعنى الصرف فلو لم يصرف منها تعلق به الخمس، ولکن القول الثالث اقوى.
ولا وجه للاحتمال الخامس وهو اردءُ الوجوهفيالمسألة.
واما الوجه الثاني فقد عرفت ان غاية ما يدل عليه هو قاعدة العدل، ولم تثبت هذه القاعدةفيالمقام لاسيما مع ملاحظة شمول العمومات التي عرفتها للمقام.
ومما يمکن الاستدلال به على المطلوب هو رواية علي بن محمد بن الشجاع النيشابوري وغيرها مما وردفيباب الضياع، فان ظاهرها اخذ المؤنة بالنسبة الى السنة الاتية عن محصول ضيعته وهو ستّون کرا من الطعام، فان هذا هو المعمول بالنسبة الى الضياع بخلاف التجارات والمکاسب التي تنفع شيئا فشيئا کل يوم فتؤخذ المؤنة منها.
وان شئت قلت: اخذ المؤنة مما فضل له من ضيعته اما ما يعادل ما صرفه في السنة الماضية، أو ما يعادل مؤنة السنة الماضية التي انفقها من مال آخر، أو ما يعادل مؤنة السنة اللاحقة کما هو المتداول بين اهل الزراعات. وعلى کل حال يکون استثناؤه بمعنى اخراج ما يعادله، وان کان عنده مال آخر (کما هو الغالب ولا اقل انه کثير) وحينئذ يقوى الاعتماد على القول الثالث.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
لا يوجد تعليق