احدها: اخراجه واعطاؤه بيد الحاکم الشرعي ثم استقراضه منه وهو في الحقيقة هذا مصداق لاداء الخمس، والاستقراض عن الحاکم الشرعي يوجب اشتغال ذمته باموال بيت المال وارباب الخمس، وهو امر آخر، ولکن لا يجوز ذلک للحاکم الا اذا اقتضت المصالح، کما اذا کان المال المتعلق به الخمس من الاعراض وتبديلها الى النقود يحتاج الى زمان، أو کان المالک لا يستطيع اداء الخمس مرة واحدة ويريد اداءه نجوما، أو کان يقدر على ذلک ولکن نفسه تأبى عنه بحسب المال، أو لغير ذلک من الاسباب ولا يمکن للحاکم استيفاء حق ارباب الخمس الا من هذا الطريق.
ثانيها: المصالحة مع الحاکم بمعنى مصالحة الخمس الموجودفيالمال مع مبلغ خاصفيذمته، بان يقول له صالحتک هذا المقدار من الخمس مثلا مأة مَنٍّ مِنَ الحنطة بمأة دينارفيذمتک ويقبله المالک، وهذا أيضاً منوط بالمصلحة، وهذا هو ما ذکرهفيالعروة، وفي هاتين الصورتين تکون منافع المالفيالمستقبل له.
ثالثها: اجازة الحاکم الشرعي لهفيالتصرف فيه والاتجار به، لکن يکون سهم ارباب الخمس من المنافع لهم کما لا يخفى.
هذا وقد ذکرفيالعروة بعد الحکم بجواز تصرف المالک بعد المصالحة مع الحاکم الشرعي بانه: «لو فرض تجدد مؤن لهفياثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح انکشف فساد الصلح».
ومفهوم هذا الکلام غير معلوم ـ کما اشار اليه کثير من المحشين ـ فانه لوکانفياثناء الحول، فهو غير محتاجفيتصرفاته الى المصالحة مع الحاکم الشرعي لجواز تصرف المالک قبل انقضاء السنةفيامواله کيفما کان والمنافع الحاصلة له کما عرفت آنفا، وان کان بعد مضي الحول لم يکن معنى لقوله: «لو فرض تجدد المؤن لهفياثناء الحول».
اما احتمال کشف وجود مؤنفيالحول الماضي مثل بعض ديونه الذي لم يظهر له من قبل ثم علم بها فهو أيضاً بعيد جدا عن سياق کلامه، والأولى ان يقال انه سهو من قلمه الشريف ـ قدس الله سره ـ.
* * *
المسألة الثامنة عشرة (79 من العروة): قد عرفت انه يجوز له تعجيل اخراج خمس الربح اذا حصل لهفياثناء السنة، ولا يجب التأخير الى آخرها (لما عرفت من انه من قبيل الواجب الموسع ويتضيق بعد تمام السنة) فان التأخير من باب الارفاق کما مر.
وقد فرع على ذلکفيالعروة بانه: «لو اخرجه بعد تقدير المؤنة بما يظنه فبان بعد ذلک عدم کفاية الربح لتجدد مؤن لم يکن يظنها (کما اذا مرض مرضا شديدا يحتاج الى مصارف کثيرة أو خربت دارهفيزلزلة وشبهها) کشف ذلک عن عدم صحته خمسا».
ثم فصلفيجواز رجوعه بين ما اذا کانت العين باقية فله الرجوع لان ذلک کشف عن عدم صحته خمسا، وما اذا کانت تالفة فلا يجوز (لان المستحق کان مغرورا من هذه الجهة لا يجوز رجوع المالک اليه) الافيصورة واحدة وهو ما اذا کان المستحق عالما بالحال (يعني کان عالما بامکان تجدد بعض المؤن للمالک بحيث يکشف عن عدم کون هذا المال خمسا) فان الظاهر ضمانهفيهذه الصورة (هذا تمام کلامه مع توضيح منا).
لکن صرحفيالمسالک بانه: «لو عجل الاخراج فزادت المؤنة لم يرجع بها على المستحق مع عدم علمه بالحال وتلف العين وفي جواز رجوعه عليه مع بقاء العين أو علمه بالحال نظر وقد تقدم مثلهفيالزکاة الا ان عدم الرجوع هنا مطلقا متوجه».
اختاره صاحب الجواهر حيث قال: «بل (لا يجوز الرجوع) مع العلم وبقاء العينفيوجه قوي».
وعن شيخنا الاعظم الانصاري أيضاً انه حکم بعدم جواز الرجوع مطلقا، فلا تسوغ له المطالبة مع بقاء العين فضلا عن التلف (على ما حکاه عنهفيمستند العروة).
اقول: اما وجه جواز الرجوعفيصورة بقاء العين وفي صورة تلفه اذا لم يکن المستحق مغرورا لکونه عالما بالحال، فهو ان وجوب الخمس عليه کان مشروطا بشرط متأخر وهو عدم تجدد مؤن له والمفروض ان هذا الشرط لم يحصل فلا يصح خمسا، وبعبارة اخرى کان وجوب الخمس عليه مراعى بعدم ذلک.
واما وجه عدم جواز الرجوع فهو ان الخمس واجب عليه مطلقا وجوبا موسعا وليس مشروطا بشرط متأخر ولا مراعى بشيء لعدم الدليل عليه، غاية الامر انه لو لم يخرجه وبقي فيماله ثم تجدد له مؤن جاز له صرفه فيها، وهذا هو مقتضى الوجوب الموسع، فما اخرجه قبل تجددها فهو مصداق للواجب، وبعد التجدد لم يکن الموضوع باقيا، وفي الواقع جواز تأخير الخمس ارفاق لا انه مشروط بشيء.
ولکن يرد عليه ان ظاهر الادلة ان المؤنة المستثناة هي مؤنة مجموع السنة بقرينة ما مرفيمبحث اعتبار السنة، فالواجب من أول الامر مشروط ومقيد به، فانظر الى قوله(ع): «اذا امکنهم بعد مؤنتهم» فان ظاهره اشتراط الوجوب من أول الامر بما زاد على المؤنة، وکذا قوله(ع): «الخمس بعد المؤنة»، واما الارفاق والوجوب الموسع فانما هو بالنسبة الى ما يزيد ربحه على مؤنة مجموع سنته، فانه لا يجب عليه اخراج الخمس فورا وله ابقاؤه احتياطا لبعض ما لا يعلم به من المؤن المتجددة، فمن لم تقم ارباحه بمؤنة سنته لم يکن الخمس واجبا عليه موسعا ولا مضيقا، فالحکم من هذه الناحية مشروط بحسب ظاهر الادلة.
المسألة التاسعة عشرة (80 من العروة): اذا اشترى شيئاً بالربح قبل اخراج الخمس لا يجوز له التصرف فيه، لما عرفت من عدم صحة البيع بالنسبة الى سهم ارباب الخمس، فلو کان جارية لم يجز وطؤها وان کان لباسا لم تصح الصلوة فيه بناء على بطلان الصلوةفيالمغصوب، وکذا اذا کان دارا أو ارضا، وحرم اکله لو کان مأکولا والحرمة هنا وضعية وتکليفية کما هو ظاهر، ولذا توصلنافيالمسألة 87 بطرق التخلص للمالک من هذا الامر اذا لم تسمح له الظروف باداء الخمس فورا.
نعم على القول بکون الخمسفيالمال من قبيل الکلي فيالمعين جاز له التصرفات والبيوع ما دام مقداره موجودا ـ سواء قصد اداءه منه ام لم يقصد ـ فما ذکرهفيالعروة من اشتراط القصد على مبناه فهو مما لا وجه له، واما على المختار فلا يجوز مطلقا.
بل لازم القول بتعلق الخمس بمالية المال أيضاً جوازه، لان المالية محفوظةفيالجنس المشترى بعد مساواتهما من هذه الناحية والمفروض عدم تعلق الخمس بالخصوصيات.
ان قلت: ان الميزانفيالمالية هو النقود فلا يجوز تبديله الا بها.
قلنا: هذا ممنوع لان النقود انما هي المقياس للمالية لا الملاک لها وفرق بين المقياس والملاک، فالطول مثلافيجميع الاشياء موجود وان کان مقياسه الاثار وکذا الوزن، وان کان مقياسه خصوص الوزنة الخاصة وهو ظاهر.
هذا وقد ذکرفيالعروة انه: لو بقي منه بمقدار الخمسفييده وکان قاصدا لاخراجه منه جاز وصح، (انتهى) وهذا الکلام مضافا الى ما أوردنا عليه سابقا من الاشکالات ممنوع بان الجواز ان کان بمعنى الحکم التکليفي هنا کان مقيدا بعدم منافاته لفورية وجوب اداء الخمس بعد مضي السنة والا فلا يجوز ـ کما لا يخفى ـ اللهم الا ان يقال ان الحکم هنا حيثي ، اي جاز من حيث التصرففيالبعض.
المسألة العشرون (81 من العروة): قد مر ان مصارف الحج الواجب والمستحب وسائر الزيارات تعد من مؤنة السنة، انما الکلامفيان المدار على وقت انشاء السفر فان کان انشاؤهفيعام الربح فمصارفه من مؤنته ـ ذهابا وايابا ـ وان تم الحولفياثناء السفر فلا يجب اخراج خمس ما صرفهفيالعام الاتي فيالاياب وغيره، أو المقدار على زمان المصرف فما صرفهفيعام الربح يکون من مؤنته وما صرفه بعد العام فلا بل يجب فيه الخمس؟
ويجري مثل هذافيغير الاسفار أيضاً احيانا مما يطلب مصارف تدريجية.
والظاهر ان دليله على ما ذکره هو عد الجميع عرفا من مؤنة هذه السنة، ولکن الانصاف انه ليس کذلک کما ذکره اعلام المحشين من المعاصرين ومن قارب عصرنا.
والحقفيالمسألة التفصيل فان هذه المصارف على اقسام:
1ـ ما يعطيه للحکومة أو مدير القافلة من النقود لجميع مصارف الحج بحيث لا يمکنه الحج بدون اعطاء هذه النقود من قبل، أو يمکنه ذلک ولکن الارفق بحاله ان لا يتصدى بنفسه لامر المصرف بل يکون داخلافيبعض القوافل أو الکاروانات التي تأخذ جميع الاجرة من قبل.
فهذا مما لا ينبغي عده عرفا من مصارف العام الذي فيه انشاء السفر، بل قد عرفت سابقا انه لو احتاج للحج أو بعض الزيارات ان يؤدي مصارفه من قبل بسنةٍ أو سنتين أيضاً يعد من مصارف سنة الاداء.
فهذا لا اشکالفيعدم تعلق الخمس بالنسبة الى ما يحاذي مصارف بعد مضي السنة.
2ـ ما يشتريه من المراکب أو الملابس بل وثوبي الاحرام والخيام مثلا التي يحتاج اليهافيعرفات ومنى وان وقع حجه بعد مضي السنة، بان کان رأس سنة خمسه أول ذي الحجة وکان انشاء السفر مع اعداد هذه الامور من ذي القعدة، هذا أيضاً لا يتعلق به الخمس لصدق المؤنة عليه عرفا، اللهم الا اذا امکنه تحصيل هذه الامور فيما بعد بسهولة.
3ـ ما يصرف تدريجا کالطعام والکراء للسيارات والمساکن ذهابا وايابا وکان صرف هذه الامور بيده لا بيد الکاروان وشبهه، والحق ان المؤنة هو خصوص ما صرفهفيعام الربح، اما الزائد والباقي يعد من مؤنة العام المقبل ولا وجه لعد الجميع من مؤنة عام الربح وان کان هذا مما لابد منه.
وهکذا الامر اذا سافر لبعض حوائجه فکان ذهابهفيعام الربح وعودهفيالعام الثاني، فما صرفهفيالذهاب يعد من مؤنة هذا العام وما يصرففيالعود من مصارف العام المقبل، وان اخذ بطاقة الذهاب والايابفيعام الربح الا اذا کانت لا تباع الا مرجّعا.
وقد يکون الامرفيسائر الامور التدريجية مثل بناء الدار کذلک، فان کان لابد له من اعطاء کل نقوده من قبل بما يسمى الکنترات لم يجب عليه الخمس وان تهدم بعض البناء أو الاصلاح بعد ذلک بل وان تهدم جميعه بان اخذ منه النقود وجعلهفيالنوبة.
اما ان امکنه اعطاء النقود تدريجا ولکن اعطاه دفعة للفرار عن الخمس أو بغير هذا القصد لم يجز له، بل وجب عليه خمس المصارف التي تکون بعد مضي السنة الى غير ذلک من الامثلة.
* * *
المسألة الحادية والعشرون (82 من العروة): لو جعل الغوص أو المعدن مکسبا له هل يجب عليه خمس واحد بعنوان الفائدة أو يجب عليه خمسان، خمس من حيث المعدن أو الغوص ولا يعتبر فيه استثناء المؤنة، وخمس آخر من حيث الکسب ويستثني منه المؤنة.
صرحفيالعروة بوجوب خمس واحد ووافقه المحشون فيما رأينا، منهم قالفيمستند العروة خلاف لجماعة حيث ذهبوا الى تعدد الخمس نظرا الى تعدد العنوان. انتهى.
هذا ولکن لم نعثر على هذه الجماعة باعيانهم،کيف کان فاللازم أولاً الرجوع الى القواعد والعمومات الأولية وملاحظة مقتضاها، ثم ملاحظة ما ورد فيبعض الروايات الخاصة و ادلة اخرى.
اما الأول فانه وان کان قد يدعي ان لازم تعدد العنوان تعدد المعنون وتعدد الاسباب يوجب تعدد المسبب على القاعدة لاستدعاء کل سبب مسببا خاصا به، ولکن الظاهر ان جميع عناوين الخمس تندرجفيعنوان الغنيمة والفائدة، کما يدل أو يشعر به قوله(ع): «ليس الخمس الافيالغنائم خاصة» وتدل عليه الرواية المفسرة للغنيمة بانها «الافادة يوما بيوم» وکذا عطف الفوائد على الغنائمفيصحيحة علي بن مهزيار.
الظاهرفيعطف التفسير، فکل واحد من العناوين الخمسة للخمس، أو اکثرها احد مصاديق هذا العنوان الجامع.
ولا ينافي ذلک اختلاف مصاديقهافيبعض الاحکام الخاصة ـ کالفورية ـ فيغير ارباح المکاسب والوجوب الموسع فيها، کذا استثناء مؤنة الشخص من الاخير دون غيره.
هذا مضافا الى انه لو کان الواجب خمسينفيالمعدن والغوص وغنائم الحرب لبانفياخبارهم(ع) وفي سيرة اصحابهم مع انا لم نسمع اخذ الخمسين من احد، نعم صرحوا بوجوب الخمسينفيمسألة المال المختلط بالحرام (ذکره المصنففيالمسألة 36 وتعرضنا له هنا) ولکن قد عرفت هناک ان وجوب الخمسفيالمال المختلط ليس من جهة دخولهفيالمنافع والفوائد، لعدم منفعة هناک بل انما هو من باب المصالحة والتخليصفيالاموال المشترکة کما لا يخفى فراجع.
اضف اليه ما وردفيرواية تحف العقول عن الرضا(ع) فيکتابه الى المأمون، قال: «والخمس من جميع المال مرة واحدة».
واضف الى ذلک ما وردفيرواية ابي سيار حيث استفاد 400 الف درهم من الغوص، فاخذ خمسه ثمانين الف درهم واهداه الى ابي عبدالله(ع) مع ان الغوص کان کسبا له ظاهرا فلم ينکر عليه الامام(ع) بان الواجب عليک انما هو خمسان.
بل الظاهر ان قول المحقق اليزدي فيالعروة من فرض المسألة فيما اذا جعل الغوص أو المعدن مکسبا له لا وجه له، فان خمس ارباح المکاسب انما يترتب على مطلق الفائدة ـ سواء جعله کسبا له أو لم يجعله کسبا له ـ ومن هنا يمکن التمسک للمسألة بکثير من الروايات الواردةفيباب خمس المعدن والغوص، فان الراوي اذا سأل عنه وقال(ع) فيه خمس، الظاهرفيالخمس الواحد علم منه عدم وجوب غير هذا الخمس (لا سيمافيمثل ما روي من وجدان رجل رکازا ـ اي معدنا ـ على عهد امير المؤمنين(ع) وانه عليه السلام لم يأخذ منه الا الخمس).
ان قلت: هذا کله ليسفيمقام البيان الا من حيث المعدن والغوص.
قلنا: لکن لو کان هناک خمسان بعنوانين، وجبت الاشارة اليه بعد عدم انفکاکهما وغفلة العامة من مثله.
والمسألة بحمد الله من الواضحات.
ولو شکفي
لا يوجد تعليق