والحاصل: ان المستحق فيهما واحد بحسب الصفات ما عدا کون احدهما هاشميا دون الاخر، فهذا هو المستفاد من مجموع ادلة تشريع الخمس.
ثالثها: ما يظهر من غير واحد من روايات الباب، فقد روى حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح(ع) قال: «وانما جعل هذا الخمس لهم دون مساکين الناس وابناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها لهم لقرابتهم برسول الله فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به وفي موضع آخر منه وجعلللفقراء قرابة الرّسول(ص) نصف الخمس فاغناهم به من صدقات الناس فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة الرّسول(ص) الا وقد استغنى فلا فقير».
ومرسلة احمد بن محمد رفع الحديث الى ان قال: «فهو (اي الامام) يعطيهم على قدر کفايتهم فان فضل من ذلک شيء فهو له وان نقص عنهم ولم يکفهم اتمه لهم من عنده».
وهاتان الروايتان وان کانتا ضعيفتي السند ولکن يمکن اخراجهما کمؤيدفيالمسألة، کما يمکن تأييدها بان اليتيم اذا کان له اب ينفق عليه مؤنته ولم يکن لنفسه مال کان محروما، فکيف لا يحرم الان وهو صاحب الالاف والالوف من الاموال بعد موت والده، مضافا الى انه لا معنى لاعطاء الهاشمي الغني السوي من هذا المال فيؤخذ من افرادفي اقل حد الغنى ويعطي اناساً فياکثر حد منه، کما لا يخفى.
واستدل للقول الثاني باطلاق الآية وغيرها تارة، وجعله مقابلا للمساکين اخرى، لانه لو کان الفقر معتبرافياليتيم کان داخلافيعنوان المساکين فلا يحتاج الى افراده بالذکر ولم يکن قسما مستقلا برأسه.
ويمکن الجواب عن الأول بانصرافها قطعا عن الاغنياء لا سيما بعد الارتکاز العقلائي بان وضع والضرائب انما هو لتأييد الحکومة ومصارفها أو دعم المستضعفين لا غير، واما اخذها من بعض الافراد واعطائها لمن هو اغنى منهم من دون ان يکونوا جناحا للحکومة وشبه ذلک مما لا يعهد (ولو کان العمل من الظالمين خلاف ذلک).
والحاصل: ان وزان الخمس والزکاة وزان الضرائب الحافظة للمجتمع أو جماعة المستضعفين، واعطاء الاغنياء من اهل بيته ـ عليهم السلام ـ من سهم الخمس لا يعد کرامة للنبي(ص) لو لم يکن ضد کرامةفيانظار اهل العرف.
ومن الثاني بان تخصيص اليتامى بالذکر، من بين الفقراء انما هو للاهتمام بشأنهم کما وقع ذلکفيالکتاب العزيز، فقد صرح باسمهم وأوصى لهم کرارا مع انهم داخلونفيالمساکين کما هو ظاهر.
3ـ ابناء السبيل: هذا کله بالنسبة الى اليتامى اما ابناء السبيل، انما اطلق عليهم هذا العنوان لانقطاعهم عن القوم والعشيرة والاباء والاخوة فکانهم ليسوا الا ابناء للطريق والسبيل، وهل يعتبر فيهم الحاجةفيبلد التسليم وان لم يکونوا فقراءفيبلادهم؟
قالفيمصباح الفقيهفيشرح کلام المحققفيالشرايع: «ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر بل الحاجةفيبلد التسليم ولو کان غنيافيبلده».
ما نصه: «بلا شبهة وبلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المنتهى دعوى الاجماع عليه».
ولکنفيالجواهر: «بل ربما استظهر من اطلاق بعضهم عدم اعتبار الفقر فيه عدم اعتبار هذه الحاجة فيه أيضاً فيعطي وان کان غير محتاج بل لعله کان يکون صريح السرائر ولکن اعترف الشهيدفيروضته بان ظاهرهم عدم الخلاففياشتراط ذلک فيه».
اقول: الانصاف انه لا ينبغي الاشکالفياعتبار الحاجةفيبلد التسليم، اما أولا: فلان جعله قرينا للمساکين والايتام الذين عرفت اعتبار الفقر فيهم قرينة قوية على انه انما يعطي بسبب حاجته وفقرهفيبلد التسليم ولو کان غنيافيبلده، بل اطلاق ابن السبيل عليه أيضاً يشهد بذلک، فانه لا يطلق هذا العنوان على کل مسافر خرج من بلده الى بلد آخر بل على من انقطع عن امواله وامکانياته ولم يبق له صلة الا بالطريق والسبيل.
وثانيا: ما عرفت من الارتکاز العقلائي فيوضع الضرائب والماليات وانه لا وجه عندهم لاعطاء المسافرين الاغنياء من اموال الناس، فهذا الارتکاز سبب لانصراف الاذهان من اطلاق ابناء السبيل الى المحتاجين.
وثالثا: ما عرفت ان مسألة البدلية من الزکاةفيامر المستحقين للخمس وقد صرحوا فيباب الزکاة باعتبار الحاجةفيبلد التسليم وبانه لا خلاف ولا اشکال فيه، ومن المعلوم ان ابناء السبيل من بني هاشم انما يعطون من الخمس ما يعطى غيرهم من الزکاة.
ورابعا: قد مرفيرواية حماد بن عيسى التصريح بانه جعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس، فاغناهم به عن صدقات الناس (الى آخر ما ورد فيها من التصريح مرة بعد مرة بذلک).
وکذا قوله(ع) فيمرسلة احمد بن محمد فهو يعطيهم ـ اي الاصناف الثلاثة ـ على قدر کفايتهم الخ وهذا أيضاً صريح فيما ذکر کما لا يخفى.
وبالجملة لا ينبغي الاشکالفياعتبار الفقر فيهم بهذا المعنى، ومن هنا يظهر عدم جواز التمسک بالاطلاقات ولا بانه لماذا جعلفيمقابل المساکين لعين ما مرّ انفاًفياليتامى.
وهناک مسائل اخرىفيهذا الباب قد اشرنا اليهافيابواب الزکاة ونشير هنا اليها اجمالا.
منها: ان لا يکون قادرا على الاستقراض أو بيع بعض ما لا يحتاج اليه بالفعل کالات الزينة والالبسة الزائدة والدليل عليه هو انصراف الاطلاقات من مثله، فانه لا يقال انه المنقطعفيالطريق بل قد يکون له الاف درهم من هذا الطريق.
ومنها: انه لو زاد شيء منها فهل يملک أو يجب رده الى بيت المال؟
الظاهر هو الثاني ، لان المفروض ان المال باق وهو حاضرفيوطنه.
ومنها: انه يجعل مقدار الحاجة ملکا له أو يمکن جعله قرضا؟ ظاهر الادله هو الأول وان کان استقراضه من بيت المال أيضاً مما لا مانع له فتأمل.
ومنها: ان الحاجة لا بد ان تکون من ناحية السفر، فلو کان فقيرافيبلده ثم سافر واحتاجفيالسفر کاحتياجهفيالحضر، لابد ان يعطي من سهم الفقراء لا ابناء السبيل.
ومنها: ان يکون سفرهفيغير معصية لان اعطائه من الخمس کرامة له والعاصي بسفره کالسارق والقاطع للطريق، ومن يسافر لقتل مؤمن لا يستحق مثل هذه الکرامة.
وان شئت قلت: انهم قد ذکروا اعتبار هذا الشرطفيباب الزکاة وتسالموا عليه فکيف يمکن ترکه هنا مع انک قد عرفت ان الخمس من ناحية المصرف، وشرائطهفيالمسکين واليتيم وابن السبيل واحد.
والعجيب من المحقق اليزدي حيث شرطفيباب الزکاة «ان لا يکون سفرهفيمعصية وقال هنا لا فرق ان يکون سفرهفيطاعة أو معصية» مع انهما کما عرفت من باب واحد ولذا خالفه جميع المحشين فيما رأينا من کلماتهم هنا، وهم بين من احتاط بعدم اعطاء العاصي بسفره ومن افتى به، ويدل عليه مضافا الى ما مر من انصراف الاطلاقات، ما رواه علي بن ابراهيمفيتفسيره عن العالم(ع): «ان ابن السبيل ابناء الطريق الذين يکونونفيالاسفارفيطاعة الله فيقطع عليهم ويذهب مالهم فعلى الامام ان يردهم الى أوطانهم من مال الصدقات».
وهي وان کانت مرسلة الا ان اسناده القطعي من علي بن ابراهيم الى الامام عليه السلام لو لم يوجب حجته قطعا فلا اقل من جعله مؤيدا قويا، ومن الواضح ان لحن الرواية يکون على نحو لا يفترق فيه الخمس والزکاة فانه بصدد تفسير عنوان ابن السبيل.
والمراد من طاعة الله فيها ان لا يکونفيمعصيته، والا لا اشکالفيکفاية کون السفر مباحا.
وقد صرح بعض اعلام المعاصرينفيحاشيته بعدم کون نفسه أيضاًفيمعصيته على الاحوط.(انتهى) والظاهر ان المراد به عدم اشتغاله بالمعاصي فيسفره وان کان نفس السفرفيالطاعة کمن سافر للزيارة أو تجارة مباحة ولکن اشتغلفيسفره ـ نعوذ بالله ـ بشرب الخمور والغناء والقمار وغير ذلک، ولکن الانصاف ان اعتبار ذلک يشکل فهمه من الادلة ـ کما لا يخفى ـ الا اذا اعتبرنا العدالة أو عدم التجاهر بالفسق فيما يأتي وهو امر آخر.
4ـ العدالة: هل يعتبرفيمستحقي الخمس؟
قال المحققفيالشرايع: «والعدالة لا تعتبر على الاظهر».
وذکر صاحب المدارکفيشرحه: «ان هذا مذهب الاصحاب لا اعلم فيه مخالفا تمسکا باطلاق الکتاب والسنة. والقول باعتبار العدالة هنا مجهول القائل ولا ريبفيضعفه».
وقال المحقق الهمداني بعد نقل کلام الشرايع: «ربما يستشعر من عبارة المتن حيث جعله اظهر ولم يرسله ارسال المسلمات وجود الخلاف فيه ولعله لم يقصد بهذا التعبير الاشارة الى الخلاف بل نبه بذلک على استناد الحکم الى ظواهر الادلة ثم صرحفيذيل عبارته بعدم معروفية القائل بالاشتراط».
وقالفيالرياض: «ولا تعتبر العدالة هنا بلا خلاف اجده».
ثم قال: «نعم ربما يظهر من الشرايع وجود مخالففيالمسألة وفي المدارک انه مجهول اقول ولعله المرتضى فانه وان لم يصرح باعتبارها هنا لکنه اعتبرهافيالزکاة مستدلا بما يجري هنا».
وصرح صاحب الجواهر قدس سره أيضاًفيشرح کلام الشرايع عدم وجدانه الخلاففيالمسألة، لکن قد يوهم مافيالمتن الخلاف فيه بل لعله المرتضى لما حکي عنه من اعتبارهافيالزکاة مستندا لما يشمل المقام من النهي کتابا وسنة عن معونة الفساق والعصاة.
اقول: قد ورد التصريح باعتبار العدالةفيباب الزکاةفيکلمات غير واحد من اساطين الفقه منهم الشيخ الطوسي قدس سرهفيالخلاففيالمسألة 3 من مسائل کتاب قسمة الصدقات بل قال: «ان الظاهر من مذهب اصحابنا ان زکاة الاموال لا تعطى الا العدول من اهل الولاية دون الفساق منهم».
وادعىفيالغنية أيضاً الاجماع عليه وذکرفيالمبسوط أيضاً اعتبار العدالة کمافيالمختلف. (الصفحة 182)
ومقتضى اتحاد باب الخمس والزکاةفي أوصاف المستحقين جريان الحکمفيالمقام ولکنه ضعيف هنا وهناک، فان غاية ما يمکن الاستناد اليه لاثبات اشتراط هذه الصفة امور:
أولها: ما عرفت من استدلال المرتضى رحمه الله بالمنع عن اعانة الفاسقين کتابا وسنة.
وفيه: ان الحرام هو اعانتهم ولو کان اعطاء الزکاة اعانة للفاسقفيفسقه وعصيانه امکن القول به، ولکن محل الکلام عام مثلا زيد فاسق لارتکابه الغيبة والکذب ولکنه فقير تعطيه من الزکاة لسد جوعه وکسوته ومسکنه واين هذا من الاعانة على الاثم.
ان قلت: قد ورد النهي فيرواية صفوان المعروفة عن اکراء الابل لسلطان الجور حتى للحج.
قلت: اجيب عنه بان حرمته ليست من باب الاعانة على الاثم فان الحج ليس اثما، بل من باب تقوية شوکة الظالمين فکل ما يوجب تقوية شوکتهم ولو کان بالحضورفيمجالسهم الدينية ونشر الکتب العلمية التي نشروها کان حراما، مضافا الى ما فيه من تحريم حب بقائهم حتى يرجعوا عن الحج ويعطوا کرائهم واين هذا مما نحن فيه؟
ثانيها: مافيزکاة الخلاف من ان دليلنا طريق الاحتياط.
وفيه: انه لا وجه للرجوع اليه بعد اطلاقات الادلة، فان الاطلاق دليل لفظي من قبيل الامارات ولا مجال للاحتياط الذي هو من الاصول العملية معه.
ثالثها: ما وردفيرواية داود الصرمي قال: «سألته عن شارب الخمر يعطى من الزکاة شيئاَ؟ قال: لا» وداود وان کان مجهولا ولکن يمکن جبر ضعف سند الحديث بعمل المشهور به بل ادعى الاجماع على اعتبار العدالة فتأمل.
هذا ولکن لا يدل الا على حرمان شارب الخمر، غايته جواز التعدي منه الى سائر الکبائر العظيمة لا مطلقا.
رابعها: ما وردفيامر تقسيم الزکاةفيرواية ابي خديجة عن ابي عبدالله(ع) وفيها: «فليقسمهافيقوم ليس بهم بأس اعفاء عن المسألة» نظرا الى ان عدم البأس بهم دليل على عدم ارتکابهم المعاصي فهو ظاهرفيالعدالة.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
ثانيها: ما عرفت من ظهور ادلة البدلية فانا وان لم نقل باتحاد الحکمين الزکاة والخمس من جميع الجهات، ولکن الانصاف ان المستحق من السادة هو من کان مستحقا للزکاة لولا کونه هاشميا، فاذا حرم بهذا السبب عن الصدقات والزکوات، استحق الخمس.
لا يوجد تعليق