هذا هو المعروف والمشهور بين الاصحاب، ولکن حکي الخلاف فيه عن السيد المرتضى وابن حمزة ولکنفيکون الثاني اعني ابن حمزة ـ قدس سره ـ مخالفا کلام، فان صاحب الجواهر قال: «ان فيما حضرني من نسخة الوسيلة موافقة المشهور ويؤيده نسبة غير واحد من الاصحاب الخلاف الىالسيد المرتضى خاصة».
هذا ولکن صاحب الحدائق قدس سره اسند الخلاففيالمسألة الى جماعة کثيرة من الاصحاب نظرا الى ما ذکروهفيالابواب الاخر واليک نص عبارته:
«والاصحاب لم ينقلوا الخلاف هنا الا عن السيد ـ رحمه الله ـ وابن حمزة مع ان شيخنا الشهيد الثاني فيشرح المسالکفيبحث ميراث أولاد الأولاد نقله عن المرتضى وابن ادريس ومعين الدين المصري.
ونقلهفيبحث الوقف على الأولاد عن الشيخ المفيد والقاضي وابن ادريس».
ثم قال: «ونقل بعض افاضل العجمفيرسالة صنفهافيهذه المسألة واختار فيها مذهب السيد، هذا القول أيضاً عن القطب الراوندي والفضل الشاذان.
ونقله المقدادفيکتاب الميراث من کتابه کنز العرفان عن الراوندي والشيخ المحقق احمد بن المتوج البحراني الذي کثيرا ما يعبر عنه بالمعاصر.
ونقلهفيالرسالة المشار اليها عن ابن ابي عقيل وابي الصلاح والشيخ الطوسي فيالخلاف وابن الجنيد وابن زهرةفيالغنية.
ونقل عن المحقق المولى احمد الاردبيلي الميل اليه أيضاً.
وهو مختار المحقق المدقق المولى العماد مير محمد باقر الداماد ولهفيالمسألة رسالة جيدة قد وقفت عليها.
واختاره أيضاً المحقق المولى محمد صالح المازندراني فيشرح الاصول والسيد المحدث نعمة الله الجزائري وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبدالله بن صالح البحراني».
ثم قال صاحب الحدائقفيادامة کلامه:
«وانت خبير بان جملة من هؤلاء المذکورين وان لم يصرحوافيمسألة الخمس بما نقلناه عن السيد المرتضى ـ رضي الله عنه ـ الا انهمفيمسائل الميراث والوقف ونحوها لما صرحوا بان ولد البنت ولد حقيقة اقتضى ذلک اجراء حکم الولد الحقيقي عليهفيجميع الاحکام التي من جملتها جواز اخذ الخمس وتحريم اخذ الزکاة ثم نقل عباراتهم تفصيلافيتلک الابواب» (انتهى محل الحاجة من کلامه).
اقول: قد وقع الخلط هنا بين مسألتين (کما اشار اليه کثير من الاعلام):
احدهما: صدق الولد حقيقة على ولد البنت وهو مما لا ريب فيه عرفا وشرعا، فان الأولاد والاسباط تکون من الجانبين من ناحية الاب والام، ويشهد له ان احکام النکاح والارث المترتبة على النسب جارية فيهما بلا خلاف فيها بين علماء الاسلام، والسرّ فيه ان تکوّن الولد يکون من ناحية الاب والام، وقد ثبت اليوم انه لولا الترکيب بين خلية من الرجل المسماة بالاسبرماتوزوئيد وخلية من المرأة وهي المسماة بالبويضة لم تنعقد النطفةفيالرحم.
نعم قد کان هناک فکر جاهلي يتجسمفيشعرهم المعروف:
بنـونــا بنـو ابنـائنـا و بنـاتنـا بنـوهن ابنـاء الـرجال الابــاعد
الذي يخالف العقل والنقل من الکتاب والسنة، ولنعم ما قال سيدنا الاستاذ العلامة المحقق البروجردي فيما حکى عنهفيمحاضراته (زبدة المقال): «انه هل يمکن التمسک بقول شاعر مجهول هويته فيرد به على کتاب الله وسنة رسوله، وهل هذا الا کدفع ما حکم به العقل السليم بتخيلات شعرية».
وقوله «کتاب الله» اشارة الى ما وردفيقوله تعالى اشارة الى ابراهيم الخليل على نبينا وآله وعليه السلام: «وَمِنْ ذُرّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَاَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَکَذَلِکَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ وَزَکَرِيَّا وَيَحْيَى وَعيسَى وَاِلْيَاسَ کُلُّ مِنَ الصَّالِحِينَ»
فان عيسى(ع) لا يکون من ذرية ابراهيم(ع) الا من قبل الام، وقوله «سنة رسول الله» اشارة الى احکام الارث والمناکح الثابتة بالسنة.
والظاهر ان العرب الجاهلي ومن تبعهم بعد ظهور الاسلام کانوا يعتقدون ان الام لا تکون الا وعاء لحفظ النطفة الحاصلة من الاب کما تکون الارض وعاء لحفظ البذور وتنميتها، کما يقول شاعرهم.
وانما امهات الناس أوعية مستودعات وللاحساب آباء.
وقد اخذ بهذه الفکرة جمع من اعداء اهل البيت المنکرين لفضائلهم حيث کان من مفاخرهم العظيمة انهم ابناء رسول الله (ص) ويراهم الناسفيهذا الموقف، فخالفهم المعاندون وقالوا انکم منتسبون الى رسول الله (ص) من ناحية الام اي الزهراء المرضية (سلام الله عليها) وولد البنت ليس ولدا حقيقة فاجابوهم بالکتاب والسنة والدلائل الظاهرة.
فهذا الحکم اعني کون ولد البنت ولدا حقيقة حکم واضح يعرفه کل مسلم بلا ريب، وکان انکار ذلک مسألة سياسية جاهلية من ناحية الخلفاء الجائرين واذنابهم دفعا لائمة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ عن حقهم الذي جعل الله تعالى لهم.
ثانيتهما: ان حکم الخمس يجري على أولاد هاشم اي کل من ينتسب اليه شرعا وعرفا من طريق الولادة أو خصوص من ينتسب اليه بالابوة فقط، ومدعى الاصحابفيالمقام هو الثاني لقيام دليل خاص فيه لا انکار صدق البنوة.
والشاهد القوي على ذلک نفس ما ذکره صاحب الحدائق (واتعب نفسه الزکية فيه لتأييد مذهبه والحال انه دليل على خلاف مذهبه) انهم صرحوافيالابواب الاخر من الفقه بعموم الحکم، ولکن قصروا هنا على خصوص من ينتسب بالابوة فهذا دليل واضح على کون الحکمفيالمقام لدليل خاص.
وصاحب الحدائق وجماعة اخرى حيث تخيلوا ان المسألتين من واد واحد قالوا بالعموم مع انهما مختلفتان لا ينسجمان على منوال واحد.
بل قد يظهر من مستند العروة ان ما نسب الى السيد ـ قدس سره ـ من عموم الاستحقاق للمنتسب الى هاشم من طرف الام أيضاً غير ثابت.
والذي تفحصنافيکتب السيد ـ قدس سره ـ لم نجد هذه الفتوىفيهذا المبحث، بل الذي يظهر من کلمات غير واحد منهم ان السيد لم يصرح بهذه المقالةفيالخمس بل الذي صرح به هو کون ولد البنت ولدا حقيقة ففرعوا عليه ذلک.
قال العلامة ـ قدس سره ـفيالمختلف: اختلففياستحقاق من امه هاشمية وابوه غير هاشمي ، فاختار الشيخفيالمبسوط والنهاية المنع من الخمس ويجوز له ان يأخذ الزکاة، واختاره ابن ادريس وابن حمزة، وذهب السيد المرتضى الى ان ابن البنت ابن حقيقة، ومن أوصى بمال لولد فاطمة دخل فيه أولاد بنتها وأولاد بناتها(ع) حقيقة، وکذا لو أوقف على ولده دخل فيه ولد البنت لدخول ولد البنت تحت الولد.
وذکر الوصية والوقف دون ذکر الزکاة والخمس دليل على ان السيد لم يتعرض لهفيالمقام بل تعرض للمسألةفيمقامات اخرى، فاستنبطوا منه حکم المقام زعما منهم ان المسألتين من باب واحد.
وقال المحقق القمي فيالغنائم: «المشهور بين الاصحاب أيضاً اشتراط الانتساب الى عبد المطلب بالاب ولا يکفي الانتساب بالام. وخالففيذلک المرتضى وابن حمزة باستعمال لفظ الابن والبنتفيالمنتسب بالام، کمافيتسمية الحسن والحسين بابني رسول الله (ص)».
وهذا التعبير أيضاً شاهد على ما ذکرنا، ولعل اختلاف کلماتهمفيما ذهب اليه ابن حمزة فنسب العلامة اليه فيما عرفت من کلامه مذهب المشهور، ونسب اليه المحقق القمي مذهب السيد أيضاً ناش من هذا الامر، فالعلامة رأى فتواهفيمذهب الخمس والمحقق القمي رأى قوله ان ولد البنت ولد حقيقة.
اذا عرفت هذا فاعلم ان غاية ما يمکن الاستدلال به على مذهب المشهور امور:
1ـ مرسلة حماد (ولا يضرها الارسال اما لانه من اصحاب الاجماع واما لانجبارها بعمل المشهور) عن العبد الصالح قال: «ومن کانت امه من بني هاشم وابوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له وليس له من الخمس شيء».
فهذا الکلام صريحفيمذهب المشهور ولا يبعد استنادهم اليه لانه اصرح شيءفيالمقام، والمفروض ان الحکم على خلاف القاعدة لان مقتضاها العموم لان ولد البنت ولد حقيقة کما عرفت، فاستناد فتواهم اليه قريب جدا.
2ـ استقرار الفتاوىفيالابواب الاخر من المناکح والمواريث وغيرها على العموم مع استقرارها على الخصوص دليل واضح على وجود دليل صالح للاستناد اليه هنا، مع شدة الابتلاء بها فقد قالفيمستند العروة ان الحکم لو شمل المنتسب الى هاشم بالام دخل غالب الناس فيه فانه قلما يتفق عدم استناد المسلمين اليه من هذا الطريقفيطول سلسلة نسبهم.
3ـ ويؤيده أو يشهد له ما ذکرهفيمصباح الفقيه انه لو کان الانتساب الى بني هاشم من قبل الام موجبا لحرمة الصدقة واباحة الخمس، استقرت السيرة على ضبط النسبة وحفظها من الصدر الأول کي لا يرتکبوا الحرام، ويحل لهم الاخماس مع انه ليس کذلک بعدم جريان عادة المتشرعة على حفظ هذه الانساب وضبطها کجريان عادتهم على حفظها من طرف الاب من اقوى الشواهد على انه ليس لها هذا الاثرفيالشريعة.
(ولا يخفى ان عمدة الاثر الشرعي تظهرفيهذين الحکمين حکم الزکاة وحکم الخمس).
4ـ يمکن الاستدلال له بما ورد من التعبيرفيالروايات فان التعابير فيها مختلفة:
الف:فيبعضها ورد التعبير بـ: «آل محمّد» (راجع الرواية 9 و 12 و 16 من الباب الأول من ابواب قسمة الخمس).
ب:فيبعضها الاخر ورد التعبير بـ: «اقرباء الرّسول أو اهل بيته» (راجع 1 و 2 و 5 و 10 و 13 منه).
ج:فيبعضها التعبير بقوله منا خاصة أو فينا خاصة (4 و 7 منه).
وهذه التعابير کلها شاملة عامة للجميع.
لکن المصرح بهفيروايات کثيرةفيابواب الزکاة هو عنوان بني هاشم وبني عبد المطلب بحيث يظهر منه ان الحکم يدور مدار هذا العنوان.
راجع الرواية (1 و 2 و 3 من الباب 29 من ابواب المستحقين للزکاة).
والرواية (1 و 2 و 3 و 5 و 6 و 7 و 9 من الباب 32).
والرواية (1 من الباب 33).
والرواية (1 و 2 و 4 من الباب 34).
الى غير ذلک وظاهر کونهافيمقام البيان من حيث حرمة الصدقة على بني هاشم، وهي اکثر عددا واقوى ظهورا واظهر دلالة من ما وردفيباب الخمس ـ کما لا يخفى على الخبير المتدبرـ ومن المعلوم ان عنوان بني هاشم وبني عبد المطلب لا يصدق الا على من انتسب اليهما من طريق الاب، ولعل الاصحاب عند الجمع بين هذه التعبيرات المختلفة رأوا ان الاخير اقوى من بينها فافتوا بمقتضاه.
اللهم الا ان يقال: نسبة هذه الرواية مع الروايات السابقة (اي الطوائف الثلاث الأولى) وان کان نسبة المطلق والمقيد الا انهما من قبيل المثبتين، ومن المعلوم عدم التقييدفيمثله. وان شئت قلت: اثبات جواز الخمس على بني هاشم (بناء على اختصاص هذا العنوان بمن يکون نسبته من طريق الاب) لا ينافي العموم المستفاد من قوله آل محمّد أو قرابة الرّسول أو غيرها من امثالها، فان اثبات الشيء لا ينفي ما عداه.
ولکن الانصاف ان هذه الروايات الواردةفيابواب الزکاة حيث وردتفيمقام بيان عنوان المستحقين يستفاد منها المفهوم، فقوله(ع) فيصحيحة الفضلاء: «ان الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب» وقوله(ع) فيصحيحة ابن سنان: «لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم»فيمقام بيان جميع من يحرم عليه الصدقة ويحل له الخمس طبعا، فاستفادة المفهوم منه وتقييد تلک الروايات السابقة بها غير بعيد.
وأوضح حالا منها قولهفيمرسلة حماد: «انما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم، يعني بني عبد المطلب عوضا لهم من صدقات الناس».
ان قلت: ما الدليل على اختصاص هذا العنوان بمن يکون منسوبا من قبل الاب فقط، لانا نعلم ان الابن هنا يشمل جميع الأولاد من المذکر والمؤنث لعدم اختصاص الخمس بالرجال من بني هاشم، والانتساب الى هاشم کما يکون من قبل الاب يکون من قبل الام أيضاً؟
قلت: فرق بين مسألة النسب والقرابة والرحم، وبين مسألة القبيلة والطائفة ـ کما لا يخفى على من راجع العرف ـ فالأول لا فرق فيه بين الانتساب من ناحية الاب والام، لانه مسألة الدم واخذ النطفة وتکوّنها، ولکن الثاني اشارة الى حقيقة اجتماعية تدور مدار الاب فقط کالهاشمي أو التميمي أو القرشي ، (ومثله بنو هاشم وبنو تميم أيضاً وبنو اسد لان هذا التعبير بين العرب انما يکون اشارة الى الطائفة والقبيلة ) فلو تزوج رجل من بني اسد امرأة من بني تميم، عد ابناؤهما من طائفة بني اسد اي طائفة الزوج لا من بني تميم.
وهکذا اليوم فان الرجل اذا تزوج امرأة من طائفة اخرى يسمي الأولاد باسم قبيلة الرجل ويأخذون الجنسية باسم طائفة الرجل لا المرأة، والظاهر انه لا يختص هذا المعنى بالعرب والعجمفيمجتمعاتنا بل الامر کذلکفيسائر المجتمعات حتى اليوم.
فالمنتسب الي هاشم من قبل امه اذا کان ابوه من بني اسد مثلا لا يسمى هاشميا بل اسديا وهکذا اشباهه.
ومن هنا يظهر ان الاحکام التي تدور مدار النطفة والدم ـ مثل المناکح والمواريث ـ لا يفترق الحال فيها بين الانتساب من ناحية الاب أو الام، واما الاحکام التي تدور مدار عنوان الطائفة فلا يجري الحکم الا من ناحية الانتساب من طريق الابوة.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الثالثة: مستحق الخمس من انتسب الى هاشم بالابوة، فلو انتسب اليه بالام لم يحل له الخمس وتحل له الزکاة.
لا يوجد تعليق