إن ذكرى 13 من شهر آبان (الموافق الرابع من نوفمبر تشرين الثاني) ذكرى السيطرة على مبنى السفارة الأمريكية في طهران عام 1979م، تعيد إلى الأذهان صرخة الشباب الثوري الإيراني المدوية ضد النهج الأمريكي المتغطرس والمستكبر المتجذر في السلوك الاستعماري لساسة البيت الأبيض؛ لأن هذه السفارة، هي سفارة أكبر دولة صناعية في العالم تنادي بحقوق الإنسان وإذ تبين بأنها أصبحت وكراً للتجسّس لصالح استعمار المستضعفين[1] وأنّ الدبلوماسيين المهذبين المثقفين رفيعي المستوى هم في الحقيقة جواسيس لمنظمة اﻟ CIA ليس الّا.[2]
لقد صنف القرآن الكريم صفة «الاستكبار» ضمن أسوأ الصفات والأفعال المذمومة التي قد يأتي بها الأنسان؛ فهي مفتاح لشتى الذنوب ومنشأ للكفر ومصدر رئيس لكثير من الجرائم والظلم والجور والاضطهاد والإجحاف[3]. هذا على المستوى الفردي وأما على المستوى المجتمعي والعالمي فنشاهد اليوم بأن النزعة الاستكبارية تشكل السمة الرئيسة في السلوك الدولي فمنها تأتي المفاسد ومنها تصدر المشاكل الاجتماعية. فهي اليوم تشكل البلية الكبري والتي يحترق الأخضر واليابس بنيرانها العدوانيّة واللاإنسانيّة وتتعالى منها صرخات الشعوب ولكن ما أكثر السامعون وأقلّ المجيبون[4]. ومن هذا المنطلق، نرى من الضروري مراجعة كيفية مواجهة الاستكبار ومقارعة القوى السلطوية المتغطرسة في ظل ما يشهده العالم من تطورات متسارعة. وقد دأبنا في هذا المقال الوجيز على تحليل أهم العناصر الاستراتيجية في الخطاب المقارع للاستكبار وتقديمه للقارئ الكريم مستمدين في هذا العمل من معين رؤى وآراء سماحة المرجع الكبير آية الله العظمي الشيخ ناصر مكارم الشيرازي القيمة.
تأملات في هوية مفهوم الاستكبار وجوهره
هناك مفهومان متناقضان لمفردة «الاستكبار» يجب التفكيك بينهما في البداية. المفهوم الاول يعني سعي الإنسان الحثيث كي يصبح شخصاً رفيع المستوى على صعيد ما، حيث يوفر لنفسه وبجهده الذاتي ظروفاً ملائمة لبلوغ غايته وهذا استكبار ممدوح. وأما المفهوم الثاني فيعني أن ينسب الإنسان لنفسه العلوّ دون استحقاق وجدارة وهذا يمثل الاستكبار المذموم وقد ورد هذا الذمّ في القرآن الكريم بشأن الشيطان حيث قال - عزّ من قائل - بأن الشيطان ﴿أبى واستكبر﴾؛ أي: امتنع أن يسجد لآدم[5][6]. إذن فمفردة «المستكبر» تطلق على كل من ينسب لنفسه العلوّ، فمن ذلك الوجه السلبي لهذه المفردة وتطلق على كل من استكبر أمام دعوة الرسل الحقة وامتنع عن تلبيتها[7].
ضرورة تحقيق خطاب مقارعة الاستكبار
لاشك ولا ريب في أن النزعة الاستكبارية المقيتة تترك آثاراً تخريبية كبيرة في نفس الإنسان وروحه وفي معتقداته وأفكاره على المستوى الفردي. وإلى جانب هذه الآثار السلبية الفردية، يخلف الاستكبار تبعات مضاعفة على المستوى الاجتماعي لم يأمن منها أي جانب من جوانب الحياة الفردية والاجتماعية[8]. فالنزعة الاستكبارية تتسبب في كثير من الخطايا الاجتماعية والعقائدية كالشرك والكفر فاتحة بذلك نافذة عريضة نحو التيسير لاغتراف كبائر الذنوب والرذائل. إنها تثير الكراهية والتشتت بين الشعوب وتشعل فتيل الحروب وتسفك دماء الأبرياء وتهدم مساكن الفقراء. كل هذا يأتي من طغيان روح الأنانية لدي فريق من الناس يسعون إلى فرض سيطرتهم على العالم بأسره والتنافس مع غرمائهم والتغلب عليهم. إن هذا التنافس المزري يؤسس الحروب ويجلب الدمار ويقتل الأبرياء ويدمر الديار[9].
ولكن من أين تأتي ضرورة نشر روح مقارعة الاستكبار؟ في معرض الإجابة على هذا السؤال لابدّ لنا أن نعود قليلاً إلى معين القرآن، ونستذكر من أسس لهذا البنيان الواهن. إن التكبر والاستكبار بدء من خلقة الإنسان حين عصى الشيطان ربه وامتنع عن السجود للمخلوق الجديد. إن الشيطان بفعلته هذه أسس أسوأ قواعد الفساد في العالم[10] وقد جاء في المصادر الإسلامية أن أول ذنب أُقتُرِف في العالم هو ذنب إبليس وقد نشأ عن استكباره وانتهى بكفره وبل إلى وقوفه أمام إردة الله سبحانه وتعالى[11]. وقد أصبح الشيطان بهذا الفعل في زمرة الكفار وقد حذى حذوه المستكبرون اللاحقون[12]. إن استقرار العدل ومكافحة الظلم خُلُق إنساني وغير منحصر بالإسلام والعالم الإسلامي[13]. وانعكاسات السلوك الاستكباري تثير الفوضى في النظام البشري وتدهور علاقة الإنسان بالإنسان والنظرة الاستعلائية إلى الامم والشعوب الأخرى تؤول إلى الحروب. فهاهي الحروب العالمية الأولى والثانية[14] قد اندلعت على أساس مبادئ ومزاعم قومية جوفاء فزُهِقت أرواح الملايين من البشر. وما نتج من هذه الحروب وخاصة الحرب العالمية الثانية كحق الفيتو مثلاً، هو نتاج لتلك الروح الاستكبارية السلطوية التي زعزت النظام العالمي[15] وساقته نحو الفوضى العارمة. إذن وانطلاقاً من مبدأ الخطاب العقلي والروائي القائل بأن «الاستسلام وضده الاستكبار»[16] يجب أن ننهض يد بيد ضد مؤامرات الإستكبار العالمي وأعداء البشرية وإفشال مخططاتهم بوعي وثبات[17].
معرفة العدو ضرورة لمقارعته
إنه من البديهي أن نطلع على خطط الاستكبار العالمي لمواجهته ومادمنا نجهل حقيقة الاستكبار العالمي، فليس باستطاعتنا الإحاطة بكيفية مقابلته الناجزة[18]. ويجب القول وبصريح العبارة بأننا وللأسف الشديد لم نعرف الصديق من العدو؛ وهذا ما جعل البعض منا يلجأ إلى مد يد العون لأمريكا وإسرائيل ليقوما بقمع حزب الله رمز المقاومة والصمود[19]. وكذلك إبّان الحرب المفروضة من قبل النظام البعثي الصدامي ضد إيران، تكاتفت كل البلدان الإسلامية لتعين صدام لضرب إيران. ولكن هل إيران عدوة البلدان الإسلامية وهي التي لم تحتل شبراً من أراضي المسلمين ولم تقتل أي مسلم من دون حق؟[20] وفي الوقت الراهن فقد أصبحت سوريا هدفاً رئيساً للاستكبار فأعدّ العدّة والعدد لمهاجمتها وثنيها عن المقاومة... والسؤال المفصلي المطروح في الأزمة السورية هو أن هل لتركيا كبلد مسلم أن تقف في صف واحد مع الاستكبار لمواجهة سوريا؟ إننا لم نكن نتوقع من تركيا أن تقف بصف الاستكبار وتسخّر كل طاقاتها لخدمته[21]. أجل؛ لو كان المسلمون على معرفة بالصديق والعدو، لما حلّ بنا ما نحن فيه من وضع مؤسف[22].
الإسلام الاصيل؛ وجهة الحل في مقارعة الاستكبار
يجب التأكيد على أن قائدنا هو علي بن أبي طالب عليه السلام؛ ذلك الرجل المغوار الذي سخر عمره الشريف للدفاع عن الإسلام والتوحيد ومناهضة الظلم والشرك وقد قال عن نفسه: لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين وها أنا ذا قد ذرّفت على الستين»[23][24].
إن مجرد البكاء وذرف الدموع على مظلومية الإسلام والمسلمين لا يجدي نفعاً بل يجب القيام والنهوض[25] فالقوى المستكبرة تري في الإسلام الأصيل الخطر المحدق عليها في عالمنا المعاصر؛ إسلام رفض الانتماء إلى المعسكر الشرقي والغربي؛ إسلام بنى أسس سياسته الخارجية حول عدم الانحياز ورفض الاستناد إلى قوى الشرق والغرب[26].
مواجهة مشروع النفوذ؛ المبدأ الأساسي في مقارعة الاستكبار
إن أمريكا وبعض الدول الاوروبية لا زالت تسعي وراء بسط نفوذها في العالم وهذا أمر يجب أن لا ننساه. إن هذه الدول الإستعمارية وبناء على مبدء «الحفاظ على المصالح الخاصة» ووفقاً لعرفها السياسي المتبع، تقوم بتغيير المخططات والأساليب بشكل مستمر ووقف مقتضيات المرحلة. والنقطة المهمة في هذا المجال والتي يورث إهمالها الندم هي معرفة التنوع الاستثنائي والمطرد التي تنتهجه هذه الدول المستعمرة في تنفيذ برنامج نفوذها في البلدان الأخرى. فتارة تأتي باسم الحداثة والتنوير وتارة تتمدد بحجة نشر العلم والثقافة وتارة بارتداء زي الدين والطائفة والمذهب وتارة بشعار الحرية وحقوق الإنسان وأحياناً بمنح المساعدات الاقتصادية المجانية وأحياناً بلباس التبشير والتبليغ ومرة تحت غطاء المساعدات الطبية والصحية وبناء المستشفيات والمكاتب ومرة بحجة تبادل الأساتذة والطلاب والمنح الدراسية ومرة تحت عنوان تنمية الصناعات الخفيفة والثقيلة ومرة بمسمي المعارض الدولية ومرة تحت راية الدوائر التابعة للمنظمات الدولية! إنها تغني على ليلاها بكل الألحان، يحركها في ذلك المنفعة الحاضرة[27] والمصلحة اللاحقة. وهذا التلون ليس مهما بحد ذاته بل المهم هو التعرف على الاستعمار تحت أي مسمى أو بأيّ زيّ كان يرتديه لنرد كيده إلى نحره[28].
ومثالاً على ذلك ما حصل بعد الاتفاق النووي الأخير بين إيران ودول الخمسة زائد واحد. فبعد الوصول إلى الاتفاق طمعت أمريكا بالنفوذ والتمدد في إيران لتغيير النظام في الجمهورية الإسلامية وفق مصالحها. إذن فأعداءنا يترصدون الفرص ويبنون آمالهم ليدخلوا إيران عبر الإتفاق النووي لزعزعة القيم الأخلاقية السائدة فيها كما أن التزامهم ببنود الاتفاق لا يبدو واضحاً. إذن اليقظة ثم اليقظة والحذر ثم الحذر من المخطط الأمريكي للنفوذ في إيران عبر الاتفاق النووي[29].
ضرورة تعزيز الوحدة والتماسك في مقارعة الاستكبار
تجدر الإشارة في البداية إلى النقاط المبينة أدناه لتبيين أسس السياسة الأمريكية الهادفة إلى التفرقة بين البلدان الإسلامية:
1. بث الخلاف على أساس مبدأ «فرّق تسد» المشؤوم.
2. تشديد النزعة القومية المتطرفة؛ فعملاء الاستكبار يوصون أبناء كل مذهب وطائفة وقوم بأن يهتموا بأنفسهم ويصنعوا تاريخهم الخاص بهم. فيقولون للإيراني وما عليك بالأفغاني واللبناني ويقولون للأفغاني واللبناني نفس الكلام[30] وذلك لبثّ الفرقة بين المسلمين وتدمير ثقافتهم العريقة الممتدة 1400 عام[31].
وتعاني الأمّة الإسلامية اليوم وللأسف من التشتت والتشرذم حيث أضحى المسلمون يتقاتلون فيما بينهم بمؤامرة الاستكبار[32].إذن فأول عمل يقوم به الاستكبار يتمثل في بث الخلاف بين الدول وبين شعوب البلد الواحد ليبني على ذلك مخططاته المشؤومة ويقوم بتنفيذها في المراحل اللاحقة. ولقد دأبت قوى الاستكبار وعلي مر التاريخ بسياساتها الشيطانية إلى متابعة نهجها الخبيث في الضرب على وتر التفرق والتشرذم في العالم الإسلامي. ووصولاً إلى يومنا هذا فإنهم يسعون إلى فرض هيمنتهم على الدول الإسلامية وإضعافها من المصادر الاقتصادية وفي المجالات الثقافية والسياسية. إن هذا التآمر يفرض علينا نحن المسلمين التحلي باليقظة والمضي قدماً نحو الوحدة والتضامن[33].
رفض التبعية والهيمنة استراتيجية مصيرية في خطاب المقارع للاستكبار
مما لاشك فيه بأن الاستعمار يتابع سياسته عبر ثلاث محاور تتمثل أولاً في تعزيز الهيمنة الشاملة وثانياً في توسيع نطاقها وثالثاً بتشديد أشكال التبعية سواء في المجالات الصناعية والزراعية والصناعات الأخرى أو في عالم السياسة وإنشاء التحالفات والتكتلات. فالاستعمار يبحث عن التبعية الشاملة والعمالة في السياسة والصناعة والثقافة والجيش ونمط الحياة[34] وأيّ مفصل من مفاصل الحياة الاجتماعية للبلدان الأخرى. فتراه حاضراً كالشيطان الرجيم في كل هذه الساحات بشكل مباشر أو غير مباشر. وعندما نتحدث عن رفض التبعية بكافة اشكالها إنما نتحدث عن طرد الشيطان الرجيم[35].
والاستعمار لا يأتي خلسة وبغتة بل رويداً رويداً وعبر مراحل ومحطات؛ فيرسل أولاً تقنياته إلى البلدان الأخرى والتقنيات تتطلب وجود مستشاريه وتقنييه وستأتي معهم الثقافة ونظام وضع السياسات وفقاً للوضع الجديد والذي ينتهي بفرض الهيمنة على مصادر المجتمعات الضعيفة الاقتصادية والثقافية. وإن خالفت هذه الدول مشاريع الاستعمار السياسية يوماً ما، سيضع الاستعمار مخالبه على حلقوم الصناعة في هذه الدول البائسة ومرافقها الأخرى مهدداً بمقاطعتها اقتصادياً[36].
إذن، دول الاستكبار قد خانت الشعوب تحت مسمى الاستعمار في البداية ثم انتقلت إلى فرض التبعية الاقتصادية والثقافية وذلك لمحاربة الإسلام[37]. ولذلك قام الكثير من أعداء الإسلام بفرض الحروب على المسلمين واحتلال البلاد الإسلامية والاستيلاء على مصادر ثرواتهم[38]. وأي تحرك إيجابي للتخلص من براثن هذا العدوان وعملائه السلطويين يأتي عبر البحث عن الاستقلال والحرية[39] لأن الدين مشروع لإنقاذ المستضعفين من قيود الظالمين والطغاة والقضاء على سلطتهم الاستكبارية[40].
إن أفضل مسار اقتصادي لنا ولكل الشعوب الحرة التي تتطلع للاستقلال والحرية والتخلص من تبعية الدول العظمي، هو خط اللاشرقية واللاغربية المعروف الذي يدعونا لرفض أي شكل من أشكال التبعية والمضي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات. إن العمل وفق هذا الشعار يعيدنا إلى ذاتنا لنكون واجهة لأنفسنا وليس واجهة للأجانب[41]. إننا نؤمن بأن أفضل سبيل لبلوغ هذا المسار يكمن في الاستعانة بالاقتصاد الإسلامي؛ اقتصاد يحتوي على جميع اللقاحات المضادة لأوبئة الاستعمار وبعيد عن أي توجه نحو الاقتصاد الاستعماري الشرقي والغربي[42].
مقارعة الاستكبار رفض تام لروح التعدي وإثارة الحروب
إن النزعة الاستكبارية الأمريكية تفرض عليها مهاجمة الأرواح البريئة واللجوء إلى طبيعتها اللاإنسانية بذريعة الحفاظ على المصالح[43].فتشعل فتيل الحروب والعدوان تحت مسميات رنانة كحقوق الإنسان والديموقراطية والحرية. فمثلاً يتذرع اليوم مثيرو الحروب في العالم الغربي الماديّ، بانتهاك حقوق الانسان ويمهّدون الرأي العام العالمي لشن الحرب ضد الدولة المستهدفة باستخدام وسائل الإعلام ثم يتم ضربها واحتلالها بالتستر تحت هذا الشعار الزائف[45]. وإحلال الديموقراطية تشكل الذريعة الأخرى لمهاجمة الدول واحتلالها. فلم تكن مهاجمة العراق واسقاط نظام صدام حسين المجرم الديكتاتوري إلا للاستيلاء على آبار النفط العراقية ولكن جاءت تحت مسميات صورية كإحلال الديموقراطية[46]. والتحرير والتخلص من الدكتاتورية من الذرائع الزائفة الأخرى التي يتشبّث بها المستكبرون لمهاجمة الدول المتمرّدة واحتلالها إرضاءً لأهوائها وأطماعها التوسعية ولتضييق الخناق على الشعب ونظام الحكم للإنجرار وراء سياساتها الاستعمارية[47].
ومهاجمة بلاد المسلمين من أفغانستان والعراق وباكستان وسوريا دليل واضح على تآمر دول الاستكبار وأعداء الإسلام، فما دخلوا بلداً إلا وخلّفوا فيه الخراب والدمار. فلماذا لا يترك هؤلاء المستكبرون حق تقرير المصير إلى الشعب السوري؟ فلا يمكن حل الأزمة السورية إلا بمشاركة جميع فئات هذا الشعب لتقرير مصيرهم[48].
لا شك في أن كل هذه الحروب والدمار والشقاء وكل هذا العدوان والاستعمار وتضييع حقوق الشعوب والشرائح الضعيفة في المجتمع ينبع من الطبيعة العدائية التي تمتلكها دول كأمريكا. إنها الشيطان الأكبر حقاً والتي أشعلت الدنيا بنيران حروبها ولا تتوانى من ارتكاب أي جريمة بشعة في طريق تحقيق مصالحها اللامشروعة[49].
التقيد بالتكليف؛ مؤشر حيوي في مقارعة الاستكبار
إننا نشاهد اليوم بأن الراحة النفسية في العالم المادي في تردّ مستمّر كما أن الأمراض النفسية تشهد ارتفاعاً ملحوظاً ينذر بالخطر. فلو استمر الوضع على هذه الحال سيتبدل العالم إلى مستشفى أمراض نفسية كبيرة[50].
مع هذا، فإن الإيمان بالله سبحانه وتعالى كفيل بحلّ جميع المشاكل، فتطمئن القلوب بذكره جلّ وعلا. فلو سلكنا طريق الحق وجاهدنا في سبيل الله، سيشملنا جميعاً بعونه ونصره. ألم تخش أمريكا بقدرتها الأسطورية الشعب الإيراني؟ ألم تخش إسرائيل بسلاحها الفائق السرّية الشعب الإيراني؟ ألم يأت هذا الخوف والرعب الذي طبع في قلوبهم إلا تحقّقاً للوعد الإلهي بنصر المؤمنين؟ إن هذا النصر والمدد الإلهي كان حاضراً ومشهوداً في حرب تموز 2006 الذي شنته إسرائيل ضد حزب الله في جنوب لبنان[51].
أما نحن الإيرانيون فقد لمسنا نتائج الإيمان طوال الثورة الإسلامية وخاصة إبّان الحرب المفروضة علينا من قبل نظام صدام حسين. إن ما حقق لنا النصر في مواجهة الاستكبار العالمي كان نابعاً من إيمان شبابنا الغيور ومن هنا يأتي تأكيدنا الدائم على أن «تعزيز إيمان الشباب يعتبر تأميناً للثورة»[52].
مقارعة الاستكبار أنجع استراتيجية في مواجهة الكفار الحربيين
وفي إطار ترسيخ الدعائم العقلية والمنطقية لخطاب مقارعة الاستكبار وفي مواجهة قوى الظلم يجب القول بأن هناك دولاً استكبارية كأمريكا وحلفائها والكيان اللاشرعي الصهيوني قد دخلوا فعلاً في حرب ضد المسلمين ولم يتناهوا عن أي فعل مخرّب ضدهم. إن هؤلاء كفار حربيّون ولن نلتزم تجاههم بأي شيء[53] بل يجب مواجهة الكافر الذي يخوض الحرب ضد المسلمين[54].
دعم المظلومين الميزة الذاتية في مقارعة الاستكبار
لقد ورد في القرآن دليل متين وواضح يعيننا في شرح هذه الميزة في الخطاب المقارع للإستكبار. فقد سائل الله المسلمين في الآية 75 من سورة النساء المسلمين إلى القتال نصرة للمستضعفين حين قال: ﴿وَمَا لَكمْ لَاتُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْية الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِياً وَاجْعَل لَّنَا مِنْ لَّدُنْكَ نَصِيراً﴾[55][56]. إذن، ليس من الغريب ووفقاً لهذه الآية الشريفة أن يقوم الشعب الإيراني الأبي بدعم الشعوب المظلومة والمضطهدة لاسيما الشعب الفلسطيني واللبناني والسوري والأفغاني والعراقي واليمني، عملاً بمضمون هذه الآية. فيجب تلبية نداء أي مظلوم في أي بقعة من العالم بدءً بأمريكا وأوروبا وصولاً إلى أفريقيا وبلوغاً إلى آسيا وأستراليا ونصرته بجميع الإمكانيات المتاحة وتحريره من مخالب الظلم والاستغلال حتي لا يجرؤ المستكبرون على معاودة التعسف والاضطهاد. والعجب كل العجب من بعض الدول الإسلامية التي لا تعمل بنص ما أمر به الله في دعم القضية الفلسطينية وشعبها المظلوم وإنقاذها من هيمنة الصهيونية المحتلة فحسب بل تقوم ببناء علاقات مع الأعداء وتتبادل معهم السفراء وتتآمر مع اليهود الظالمين ضد حكومة حماس وسائر الحكومات الشعبية والإسلامية[57].
مسك الختام
في نهاية المطاف، يجب التأكيد على هذه القضية المهمّة والاستراتيجية بأننا لم ولن نستسلم أمام ضغوط الاستكبار[58] والتهديدات الأمريكية ضد إيران ومنها ما تكرره حول «كل الخيارات مطروحة على الطاولة» تكشف النقاب عن نهجها البربري وتماديها في الغيّ إزاء الشعوب الحرة[59].
لقد أصبحت الجمهورية الإسلامية وببركة ثورتها المجيدة أسوة لسائر الشعوب وها هي البلدان المختلفة ومنها لبنان والعراق وسوريا واليمن والبلدان أخرى قد رفضت الانصياع أمام الاستكبار العالمي وأمريكا ووقفت بوجه الكيان الصهيوني وأمريكا[60].
من هذا المنطلق، فإنّ حضور الشعب القوي والمهيب في المسيرات المناهضة لأمريكا سوف يفشل مؤامرات الاستكبار العالمي ضد الجمهورية الإسلامية، وسوف يؤدّي إلى إحباط معادلاته الخبيثة. واليوم وقد اشتدّت وتعاظمت كراهية النهج الأمريكي لدى الجماهير، سوف يردّد شعبنا الإيراني شعار «الموت لأمريكا» ويرفعه بحماس أكثر من ذي قبل[61]. نسأل الله تعالى أن ينصر - عما قريب - جحافل المسلمين، وجميع المجاهدين المرابطين في جبهات الحق ضد الباطل، وضد عساكر الكفر والاستكبار والاستعمار[62].
لا يوجد تعليق