الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
السؤال : ما هو موقف علماء الإسلام من الشفاعة ؟ مصادر
الجواب : أجمع علماء الأُمة الإسلامیّة على أنّ النبیّ صلى الله علیه و آله و سلم أحد الشفعاء یوم القیامة مستدلّین على ذلک بقوله سبحانه: «وَ لَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضى» (الضحى/ 5) و الذی أُعْطی هو حقّ الشفاعة الذی یُرضیه، و بقوله سبحانه: «عَسى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً» (الإسراء/ 79) و اتّفق المفسّرون على أنّ المقصود من المقام المحمود، هو مقام الشفاعة.
فها نحن نورد آراء کبار علماء الإسلام- من القدامى و الجدد- حتى یُعلَم موقِفهم من هذا الأصل:
1- قال أبو منصور الماتریدی السمرقندی (ت 333 ه)، إمام أهل السنّة فی المشرق الإسلامی، بعد أن أورد قوله سبحانه: «وَ لا یُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ» (البقرة/ 48)، و قوله تعالى: «وَ لا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى» (الأنبیاء/ 28) قال: إنّ الآیة الأُولى و إن کانت تنفی الشفاعة، و لکن هنا شفاعة مقبولة فی الإسلام و هی التی تشیر إلیها هذه الآیة .[1]
2- و قال تاج الإسلام أبو بکر الکلاباذی (ت 380 ه): إنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ الإقرار بجملة ما ذکر اللَّه سبحانه و جاءت به الروایات عن النبی صلى الله علیه و آله و سلم فی الشفاعة واجب، لقوله تعالى: «وَ لَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضى» (الضحى/ 5) و لقوله: «عَسى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً» (الإسراء/ 79) و قوله: «وَ لا یَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى» (الأنبیاء/ 28). و قال النبی صلى الله علیه و آله و سلم: «شفاعتی لأهل الکبائر من أُمتی».[2]
3- و قال الشیخ المفید (336- 413 ه): اتّفقت الإمامیّة على أنّ رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم یشفع یوم القیامة لجماعة من مرتکبی الکبائر من أُمته، و إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام یشفع فی أصحاب الذنوب من شیعته، و إنّ أئمة آل محمد علیهم السلام کذلک، و ینجی اللَّه بشفاعتهم کثیراً من الخاطئین.[3]
4- و قال الشیخ الطوسی (385- 460 ه): حقیقة الشفاعة عندنا أن یکون فی إسقاط المضار دون زیادة المنافع، و المؤمنون عندنا یشفع لهم النبی صلى الله علیه و آله و سلم فَیشفِّعه اللَّه تعالى و یسقط بها العقاب عن المستحقین من أهل الصراط لما روی من قوله علیه السلام: إدّخرت شفاعتی لأهل الکبائر من أُمتی، و الشفاعة ثبت عندنا للنبی، و کثیر من أصحابه و لجمیع الأئمة المعصومین و کثیر من المؤمنین الصالحین.[4]
5- قال القاضی عیاض بن موسى (ت 544 ه): مذهب أهل السنّة هو جواز الشفاعة عقلًا و وجودها سمعاً بصریح الآیات و بخبر الصادق، و قد جاءت الآثار التی بلغت بمجموعها التواتر بصحّة الشفاعة فی الآخرة لمذنبی المؤمنین، و أجمع السلف الصالح و من بعدهم من أهل السنّة علیها.[5]
6- و قال الإمام أبو حفص النسفی(ت 538 ه): والشفاعة ثابتة للرسل و الأخیار فی حقّ الکبائر بالمستفیض من الأخبار.[6]
و قد أیّد التفتازانی فی «شرح العقائد النفسیة» هذا الرأی و صدّقه دون أی تردّد أو توقف.[7]
7- و قال الزمخشری (ت 538 ه) فی تفسیر قوله تعالى: «وَ لا یُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا یُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ» (البقرة/ 48): کانت الیهود تزعم أنّ آباءهم الأنبیاء یشفعون لهم فَأُویِسوا. ثمّ أتى بکلام فی حد الشفاعة و أنّها للمطیعین لا للعاصین، و سنوافیک عن ذلک فی فصل خاص.[8]
8- قال الإمام ناصر الدین أحمد بن محمد بن المنیر الاسکندری المالکی فی کتابه «الانتصاف فیما تضمّنه الکشاف من الاعتزال»: و أمّا من جحد الشفاعة فهو جدیر أن لا ینالها، و أمّا من آمن بها و صدّقها و هم أهل السنّة و الجماعة فأولئک یرجون رحمةَ اللَّه، و معتقدهم أنها تنال العصاة من المؤمنین و إنما ادّخرت لهم، و لیس فی الآیة دلیل لمنکریها، لأنّ قوله «یَوْماً» فی قوله: «وَ اتَّقُوا یَوْماً لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئاً وَ لا یُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ» (البقرة/ 48) أخرجه منکراً. و لا شک أنّ فی القیامة مواطن، یومها معدود بخمسین ألف سنة. فبعض أوقاتها لیس زماناً للشفاعة و بعضها هو الوقت الموعود، و فیه المقام المحمود لسیّد البشر، علیه أفضل الصلاة و السلام.
و قد وردت آیات کثیرة ترشد إلى تعدّد أیامها و اختلاف أوقاتها، منها قوله تعالى: «فَلا أَنْسابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ وَ لا یَتَساءَلُونَ» (المؤمنون/ 101)، مع قوله: «وَ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ یَتَساءَلُونَ» (الصافات/ 27)، فیتعیّن حمل الآیتین على یومین مختلفین و وقتین متغایرین، أحدهما محل للتساؤل، و الآخر لیس له، و کذلک الشفاعة، و أدلّة ثبوتها لا تُحصى کثرة.[9]
9- قال البیضاوی فی تفسیر قوله تعالى: «وَ اتَّقُوا یَوْماً لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئاً وَ لا یُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ» (البقرة/ 48): ربّما تجعل الآیة ذریعة على نفی الشفاعة لأهل الکبائر و أُجیبوا بأنّها مخصوصة بالکفار، للآیات و الأحادیث الواردة فی الشفاعة. و یؤیده أنّ الخطاب هنا مع الکفار، و الآیة نزلت ردّاً لما کانت الیهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم.[10]
10- و قال الفتال النیسابوری- من علماء القرن السادس الهجری-: لا خلاف بین المسلمین أنّ الشفاعة ثابتة مقتضاها إسقاط المضار و العقوبات.[11]
11- و قال الرصاص الذی هو من علماء القرن السادس الهجری فی کتابه «مصباح العلوم فی معرفة الحی القیوم»: إنّ شفاعة النبی صلى الله علیه و آله و سلم یوم القیامة ثابتة قاطعة.[12]
و قال ابن تیمیة الحرانی الدمشقی (ت 728 ه): للنبی صلى الله علیه و آله و سلم فی یوم القیامة ثلاث شفاعات- إلى أن قال:- و أمّا الشفاعة الثالثة فیشفع فی من استحقّ النار و هذه الشفاعة له صلى الله علیه و آله و سلم و لسائر النبیّین و الصدّیقین و غیرهم فی من استحق النار أن لا یدخلها و یشفع فی من دخلها.[13]
12- و قال ابن کثیر الدمشقی (ت 773 ه) فی تفسیر قوله سبحانه: «مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (البقرة/ 255): هذا من عظمته و جلاله و کبریائه عزّ و جلّ أنّه لا یتجاسر أحد على أن یشفع لأحد عنده إلّا بإذنه له فی الشفاعة کما فی حدیث الشفاعة عن الرسول صلى الله علیه و آله و سلم: «آتی تحت العرش فأخرّ ساجداً، فیدعنی ما شاء اللَّه أن یدعنی، ثمّ یقال: ارفع رأسک و قل تسمع، و اشفع تشفع. قال: فیحدّ لی حدّاً فأدخلهم الجنّة».[14]
13- و قال نظام الدین القوشجی (ت 879 ه) فی شرحه على «تجرید الاعتقاد»: اتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة لقوله تعالى: «عَسى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً» و فسّر بالشفاعة.[15]
14- قال المحقّق الدوانی: الشفاعة لدفع العذاب، و رفع الدرجات حق لمن أذن له الرحمن من الأنبیاء، و المؤمنین بعضهم لبعض، لقوله تعالى: «یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلًا».[16]
15- قال الشعرانی، فی المبحث السبعین: إنّ محمداً هو أول شافع یوم القیامة، و أول مشفّع و أولاه فلا أحد یتقدّم علیه، ثمّ نقل عن جلال الدین السیوطی: إنّ للنبی یوم القیامة ثمان شفاعات، و له صلى الله علیه و آله و سلم یوم القامة ثمان شفاعات: و ثالثها: فیمن استحقّ دخول النار أن لا یدخلنها.[17]
16- و قال العلّامة المجلسی (ت 1110 ه): أما الشفاعة فاعلم أنّه لا خلاف فیها بین المسلمین بأنّها من ضروریات الدین و ذلک بأنّ الرسول یشفع لأُمته یوم القیامة، بل للأُمم الأُخرى، غیر أنّ الخلاف إنّما هو فی معنى الشفاعة و آثارها هل هی بمعنى الزیادة فی المثوبات، أو إسقاط العقوبة عن المذنبین؟ و الشیعة ذهبت إلى أنّ الشفاعة تنفع فی إسقاط العقاب و إن کانت ذنوبهم من الکبائر، و یعتقدون أیضاً بأنّ الشفاعة لیست منحصرة فی النبی صلى الله علیه و آله و سلم و الأئمة علیهم السلام من بعده، بل للصالحین أن یشفعوا بعد أن یأذن اللَّه لهم بذلک.[18]
17- قال محمد بن عبد الوهاب (1115- 1206 ه): و ثبتت الشفاعة لنبینا محمد صلى الله علیه و آله و سلم یوم القیامة و لسائر الأنبیاء و الملائکة و الأولیاء و الأطفال حسبما ورد، و نسألها من المالک لها و الآذن فیها بأن نقول: اللّهمّ شفِّعْ نبینا محمداً فینا یوم القیامة أو اللّهمّ شَفِّعْ فینا عبادک الصالحین، أو ملائکتک، أو نحو ذلک مما یطلب من اللَّه لا منهم- إلى أن
قال:- إنّ الشفاعة حقّ فی الآخرة، و وجب على کلّ مسلم الإیمان بشفاعته، بل و غیره من الشفعاء إلّا أنّ رجاءها من اللَّه، فالمتعیّن على کل مسلم صرف وجهه إلى ربّه، فإذا مات استشفع اللَّه فیه نبیه.[19]
18- و قال السید سابق: المقصود بالشفاعة سؤال اللَّه الخیر للناس فی الآخرة. فهی نوع من أنواع الدعاء المستجاب و منها الشفاعة الکبرى، و لا تکون إلّا لسیّدنا محمد رسول اللَّه فانّه یسأل اللَّه سبحانه أن یقضی بین الخلق لیستریحوا من هول الموقف، فیستجیب اللَّه له فیغبطه الأوّلون و الآخرون، و یظهر بذلک فضله على العالمین و هو المقام المحمود الذی وعد اللَّه به فی قوله سبحانه: «وَ مِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ عَسى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً» (الإسراء/ 79). ثمّ نقل الآیات و الروایات الخاصة بالشفاعة و المثبتة لها و قد ذکر بعض شروط قبولها.[20]
19- و قال الدکتور سلیمان دنیا: و الشفاعة لدفع العذاب و رفع الدرجات حقّ لمن أذن له الرحمن من الأنبیاء علیهم السلام و المؤمنین بعضهم لبعض لقوله تعالى: «یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلًا» و قوله: «مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ».[21]
20- یقول الشیخ محمد الفقی: و قد أعطى اللَّه الشفاعة لنبیه و لسائر الأنبیاء و المرسلین و عباده الصالحین و کثیر من عباده المؤمنین، لأنّه و إن کانت الشفاعة کلّها للَّه کما قال: «لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِیعاً» إلّا أنّه تعالى یجوز أن یتفضّل بها على من اجتباهم من خلقه و اصطفاهم من عباده و کما یجوز أن یعطی من ملکه ما شاء لمن شاء و لا حرج.[22]
هذا نزر من کثیر، و غیض من فیض أوردناه لیکون القارئ على بصیرة من موقف علماء الإسلام من هذه المسألة المهمة.[23]
[1] - تفسیر الماتریدی المعروف ب «تأویلات أهل السنّة»: ص 148، و المشار إلیه هی الآیة الثانیة.
[2] - التعرّف لمذهب أهل التصوّف: تحقیق د. عبد الحلیم محمود، شیخ الأزهر الأسبق، ص 54- 55.
[3] - أوائل المقالات، الشیخ المفید، ص 15.
[4] - التبیان للشیخ الطوسی: 1/ 213- 214.
[5] - النوویّ: شرح صحیح مسلم: 3/ 35، دار إحیاء التراث العربی.
[6] - العقائد النسفیة: ص 148.
[7] - العقائد النسفیة: ص 148.
[8] - الکشاف، 1/ 314- 315.
[9] - الانتصاف المطبوع بهامش الکشاف، 1/ 214، ط 1367 ه.
[10] - أنوار التنزیل و أسرار التأویل، 1/ 152.
[11] - روضة الواعظین، ص 406.
[12] - مصباح العلوم فی معرفة الحی القیوم المعروف ب (ثلاثین مسألة).
[13] - مجموعة الرسائل الکبرى، 1/ 403- 404.
[14] - تفسیر ابن کثیر: 1/ 309- و الحدیث مروی فی صحیح البخاری فی تفسیر سورة الإسراء، ج 6، لکن بلفظ آخر.
[15] - علاء الدین القوشجی: شرح التجرید: ص 501، ط 1307 ه.
[16] - الدوانی: شرح العقائد العضدیة: ص 207، ط. مصر.
[17] - الشعرانی: الیواقیت و الجواهر: 2/ 170.
[18] - بحار الأنوار، 8/ 29- 63؛ حق الیقین، ص 473.
[19] - الهدیة السنیة، الرسالة الثانیة، ص 42.
[20] - العقائد الإسلامیة، ص 73.
[21] - محمد عبده: بین الفلاسفة و الکلامیین: 2/ 628.
[22] - التوسل و الزیارة فی الشریعة المقدسة، ص 206، ط. مصر.
[23] - الشّفاعة فی الکتاب و السنة، الشّیخ جعفر السّبحانی، ص : 7- 15
لا يوجد تعليق