4 ـ علاقة العلم بالأخلاق

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 1
5 ـ هل أن الأخلاق قابلة للتغییر؟3 ـ علاقة الأخلاق بالعِرفان

بالنّسبة للآیات السّابقة و کما ذکرنا أنّ القرآن الکریم، أتى بـ: «تعلیم الکتاب والحکمة» إلى جانب: «التزکیة والتّهذیب الأخلاقی»، فتارةً یقدِّم «التّزکیة» على «التّعلیم»، و اُخرىُ یقدِّم «التعلیم» على التزکیة، و هو أمر یُبیّن مدى العلاقة الوثیقة التی تربط بین الإثنین.

وهذا یعنی أنّ الإنسان، عندما ینفتح على المعرفة، و تکون لدیه خبرةٌ بالأعمال الحسنة والسیئة، ویعرف عواقب «الفضیلة» و«الرذیلة»، فممّا لا شک فیه أنّها ستؤثر فی تربیته، بحیث یمکن القول أنّ کثیراً من الرذائل ناتجة من عدم الإطّلاع والفهم. ومن ذلک یمکن القول; أنَّه إذا
ما إستطعنا أن ننهض بالمستوى العلمی للأفراد، وبعبارة اُخرى: إذا أمکننا نشر الثقافة بین الناس، فستحل الفضائل مکان الرّذائل، وإن کان هذا الأمر لیس کلیّاً.

ومع الأسف الشدید، نرى أنّ البعض بالغوا فیها لدرجة الإفراط والتّفریط.

فبعض إتّبعوا الحکیم سُقراط الیونانی، حیث کان یعتقد بأنّ العلم والحکمة هی منشأ الأخلاق الحمیدة، والرّذائل الأخلاقیّة منشؤها الجهل، ولذلک فإنّه کان یعتقد أیضاً أنّه ولأجل محاربة الفساد و الرّذائل الأخلاقیة وإحلال الفضائل الأخلاقیة محلّها، یجب العمل على رفع المستوى العلمی للمجتمع، و بالتّالی تتساوى (الفضیلة) مع (المعرفة).

 

هؤلاء یدّعون أنّه لا یوجد إنسان یتجه نحو الرّذیلة وهو على علم بها، وإذا ما شخّصَ الإنسان الفضیلة فسوف لن یترکها، ولذلک یتوجّب علینا کسب العلم، ومعرفة الخیر وتمییزه من الشر لنا و لغیرنا، کی تزرع فی نفوسنا بذور الفضائل الأخلاقیة!.

وفی المقابل یوجد من ینفی هذهِ العلاقة بین الإثنین بالکامل، لأنّ العلم والذکاء للإنسان المجرم سیکون عاملا مساعداً له فی إرتکاب جرائم أخطر، وعلى حدّ تعبیر المثل الذی یقول: (إذا کان مع اللص مصباحاً فانه سوف ینتفی البضائع الجیدة).

ولکن الحق و الإنصاف أنّه لیس بإمکاننا نفی تأثیر العلم بالکامل، و لا نفی معلولیة أحداهما للاخر.

والشّاهد على ذلک المُثل الحیّة التی نراها فی المجتمع، فکثیراً ما شاهدنا اُناساً کانوا یفعلون الرذائل، و عندما أدرکوا قبح فعالهم ونتائجها السیئة، أقلعوا عنها و إتجهوا نحو الفضائل، ووجدنا هذا الأمر حتى فی وقتنا الحاضر هذا.

وفی المقابل نعرف أشخاصاً عندهم المعرفة التامة بالخیر والشرّ، ولکنهم یُصرّون على الشرّ و هو متأصل فی نفوسهم.

و کلّ ذلک لأنّ الإنسان لدیه بُعدان: بعد العلم و الادراک و بُعد عملی، وهو المیول والغرائز والشّهوات، و لأجل ذلک فساعةً یمیل الى هذا، و ساعةً یُرجحُ ذلک.

والذی یقول بأحد القولین، فانه یفترض أنّ الإنسان فیه بُعدٌ واحد لا أکثر، ویغفل عن وجود البعد الآخر.

ونشیر هنا إلى الآیات القرآنیة التی وردت فی هذا الباب، و التی أکدت على التّأثیر المتبادل بین عُنصر الجهل وسوء العمل، قال تعالى:

(أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْکُمْ سُوءً بِجَهالَة ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَاِنَّهُ غَفُورٌ رَحیمٌ; )(1).

ویوجد شبیه لهذا المعنى فی سورة النساء: الآیة (17)، وسورة النحل: الآیة (119).

ومن البدیهی أنّ الجهل المذکور لیس هو الجهل المطلق الذی لا یوائم التوبة، بل هو مرتبةٌ من مراتب الجهل، فإذا إرتفع فسوف یهتدی الإنسان بعدها للطّریق القویم.

وذکرنا فی الجزء الأول من دورة نفحات القرآن أنّ الجهل هو السبب لکثیر من الضلالات، فهو - الجهل - سبب للکفر وإشاعة الفساد والتعصب والعناد والتقلید الأعمى والفُرقة وسوء الظّن والجسارة و قلّة الأدب، و فی واحدة یمکن القول، أنّ الجهل عامل لإفساد کثیر من القِیم21).

ومن جهة اُخرى تُصرِّح الآیات الشریفة بوجود حالة العناد فی الإنسان، مع علمه بأنّه یتحرک فی طریق الظّلم والطغیان، مثل آل فرعون، حیث یتحدث عنهم القرآن الکریم:

(وَجَحَدُوا بِهـا وَاسْتَیْقَنَتْهـا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً )(3).

وکذلک ما ورد بالنسبة إلى بعض أهل الکتاب، کما قال الباری تعالى: (وَیَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْکَذِبَ وَهُمْ یَعْلَمُونَ )(4).

وورد هذا المعنى فی ما بعدها من الآیات(5).

وقد یکون المراد من الآیة هو موضوع الکَذب، ولکنّه أیضاً یؤیّد مدّعانا، لأنّ قبح الکذب حکم به العقل و الشّرع، وهو من الاُمور الواضحة التی لا تخفى على أحد.

فالحقائق والتجارب أثبتت، أنّ المعرفة والعلم بنتائج الأخلاق الرذیلة على الفرد والمجتمع، یمکنه أن یکون فی کثیر من الموارد، عاملا مهماً فی ردع الإنسان عن غیّه و الرّجوع إلى ساحة الصّواب، ولکن ومن جهة اُخرى، أیضاً نجد أنّ هناک من یعرف الرّذیلة حقَّ معرفتها; ولکنه یُصرّ علیها ویعاند على سلوک طریق الإنحراف، والطریقة الوسطى فی الحقیقة هی الجادّة وتنطبق على الواقع أکثر.

 


1. سورة الأنعام، الآیة 54.
2. نفحات القرآن، الدّورة الاولى، ج 1 ص 86 ـ 98.
3. سورة النّمل، الآیة 14.
4. آل عمران، الآیة 75.
5. سورة آل عمران، الآیة 78.

 

5 ـ هل أن الأخلاق قابلة للتغییر؟3 ـ علاقة الأخلاق بالعِرفان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma