العودة للاُصول الأخلاقیّة فی القرآن الکریم

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 1
اُصول الأخلاق الإسلامیّة فی الرّوایاتنقد وتحلیل

نعود لتحلیل الاُصول الأخلاقیّة التی نستوحیها من القرآن الکریم، فنحن نعلم أنّ القرآن الکریم لم یُنظّم ککتاب تقلیدی، فی أبواب و فصول، کما هو المتعارف الیوم، بل هو مجموعةٌ من القاءات الوحی السّماوی، نزل بالتّدریج على حسب الحاجة و الضّرورة، ولکن و بالإستفادة من طریقة التّفسیر الموضوعی، یمکن وضعه فی مثل هذه القوالب.

و من التّقسیمات الّتی یمکن إستیحاؤها و إستفادتها من مجموع الآیات القرآنیة، هو تقسیم اُصول الأخلاق إلى أربعة أقسام:

1 ـ المسائل الأخلاقیّة المتعلّقة بالخالق.

2 ـ المسائل الأخلاقیّة المتعلّقة بالخَلق.

3 ـ المسائل الأخلاقیّة المتعلّقة بالنّفس.

4 ـ المسائل الأخلاقیّة المتعلّقة بالکون و الطّبیعة.

فمسألة شکر المُنعم والخضوع أمام الباری تعالى، و الرّضا و التسّلیم لأوامره، و ما شابهها، یُعتبر من المجموعة الاُولى.

و التواضع، و الإیثار، و المحبّة، و حُسن الخلق، و المُواساة، تدخل فی دائرة المجموعة الثّانیة.

تزکیة النّفس وتطهیر القلب من الأدران، و تفعیل عناصر الخیر، لمقاومة الضّغط و التّحدیات التی یُواجهها الإنسان فی حرکة الواقع والحیاة، تدخل فی نطاق المجموعة الثّالثة.

و أمّا عدم الإسراف والتّبذیر، و إتلاف المواهب الإلهیّة; فإنّه یُعتبر من القسم الرّابع.

کلّ هذه الاُصول الأربعة، لها جذور واُصول فی القرآن الکریم، وسنشیر إلى کلّ واحد منها فی المباحث الموضوعیّة الآتیة.

و بالطبع فإنّ هذه الشّعب الأربعة، تختلف عمّا جاء فی کتاب «الأسفار» للفیلسوف المعروف: «ملاّ صدرا الشّیرازی»، و أتباع مذهبه، فهؤلاء و طِبقاً لطریقة العُرفاء، شبّهوا الإنسان وحرکته التکاملیّة: بـ : (المسافر)، و عبّروا عن مسائل بناءِ الذّات و صیاغة الشّخصیة بالسّیر و السّلوک، و جعلوا للإنسان أربعةَ أسفار، هی مَطمع السّالکین و العُرفاء، و أولیاء الله:

1 ـ السّفر من الخلق إلى الحقّ.

2 ـ السّفر بالحقّ فی الحقّ.

3 ـ السّفر من الحقّ إلى الخلق بالحقّ.

4 ـ السفر بالحقّ فی الخلق.

ومن المعلوم أنّ هذه الأسفار أو المراحل الأربعة لبناء الذات، و السّیر و السّلوک إلى الله تعالى، تتحرک بإتجاه آخر غیر ما نحن بصددِه، و إن کانت تتشابه فی بعض أقسام الفروع الأربعة، للأخلاق الآنفة الذّکر.

و توجد فی القرآن الکریم آیات، نعتقد أنّها رَسمت الاُصول الکلیّة للأخلاق، ومن هذه الآیات، الآیات الوادرة فی (سورة لُقمان) و الّتی تبدأ من هذه الآیة:

(وَلَقَدْ آتَینا لُقْمَانَ الحِکْمَةَ أَنْ اشْکُرْ للهِ )(1).

إنّ أوّل ما یشرع فیه الإنسان فی مضمارالعقائد و المعارف، هو شُکر المُنعم، و أوّل خطوة فی طریق معرفة الله تعالى، هی مسألة شکر المُنعم، أو بعبارة اُخرى، کما صرّح علماء العقائد والکلام: إنّ الدّافع للحرکة إلى الله تعالى هو شکر النّعمة، لأنّ الإنسان عندما یفتح عینه، یرى نفسه غارقاً فی بحر النّعم، فیدعوه الضّمیر مُباشرةً إلى معرفة المُنعم، و هذا هو بدایة الطّریق لمعرفة الله تعالى.

و بعدها تتطرّق الآیة لمسألة التّوحید وتقول: (لا تُشْرِکْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرکَ لَظُلمٌ عَظِیمٌ ).

وفی المرحلة الاُخرى، یتناول القرآن الکریم مسألة المعاد، و هی الأساس الثّانی و المهم للمعارف الدّینیة ویقول: (یا بُنَیَّ إِنَّها إِنْ تَکُ مِثْقالَ حَبَّة مِنْ خَرْدَل فَتَکُنْ فِی صَخْرَة أَو فِی السَّمَواتِ أَو فِی الأَرْضِ یَأَتِ بِها اللهُ )(2).

ثم یتطرق للاُصول الأساسیّة للأخلاق والحکمة العملیّة، ویشیر للاُمور التالیّة:

1 ـ مسألة إحترام الوالدین وشکرهم بعد شکر الخالق: (وَوَصَّینا الإِنْسانَ بِوَالِدَیِهِ... أَنِ اشْکُرْ لِی وَلِوَالِدَیکَ )(3).

2 ـ إعطاء الأهمیّة للصلاة، و علاقته بالله والدعاء والخضوع له: (أَقِمْ الصَّلاةَ )(4).

3 ـ الأمر بالمعروف و النّهی عن المنکر: (وَامُرْ بِالمَعرُوفِ وَإِنْهَ عَنِ المُنْکَرِ )(5)

4 ـ الصّبر على نوائب الدّهر: (واصبِرْ عَلَى ما أَصابَکَ )(6).

5 ـ حُسن الخُلق مع النّاس: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّکَ لِلنَّاسِ )(7).

6 ـ التواضع و ترک الکِبر مع النّاس و الخلق: (وَلا تَمْشِ فی الأَرْضِ مَرَحَاً إِنَّ اللهَ لا یُحِبُّ کُلَّ مُختَال فَخُور )(8).

7 ـ الإعتدال فی المشی وفی کلّ شیء: (وإقْصِدْ فِی مَشْیِکَ واُغْضُضْ مِنْ صَوتِکَ )(9).

وعلى هذا التّرتیب، نرى أنّ القسم الأکبر من الفضائل الأخلاقیّة، جاءت فی الآیات القرآنیّة تحت عنوان: «حکمةٌ لقمان»، التی تشمل الشّکر والصبر و حُسن الخلق و التوّاضع و الإعتدال و الدّعوة للإحسان، و مقاومة النّوازع و الأهواء النّفسانیّة، کلّ ذلک فی ضِمن سبعِ آیات، من الآیة (13 إلى 19).

وجاء فی الآیات الثلاث من سورة الأنعام، التی تبدأ بالآیة (151) و تنتهی بالآیة (153)، عشرة أوامر مهمّة، تناولت مبادىء مهمّة من الاُصول الأخلاقیّة، و من جملتها: ترک الظّلم للأولاد، و رعایة الأیتام، و مُراعاة العدالة مع الجمیع، وترک العصبیّة للأقارب والأصدقاء والقبیلة، فی دائرة نقض اُصول العدالة، وکذلک الإجتناب من القبائح و الرّذائل الظّاهریة و الباطنیّة، و إحترام حقوق الوالدین، و الإجتناب عن کلّ ما یُسبّب التّفرقة و إلأبتعاد عن کلّ شرک(10).

—–

 


1. سورة لقمان، الآیة 12.
2. سورة لقمان، الآیة 16.
3. سورة لقمان، الآیة 14.
4. سورة لقمان، الآیة 17.
5. سورة لقمان، الآیة 17.
6. سورة لقمان، الآیة 17.
7. سورة لقمان، الآیة 18.
8. سورة لقمان، الآیة 18.
9. سورة لقمان، الآیة 19.
10. لمزید من التوضیح لهذه الأوامر العشرة، یمکن الرجوع لتفسیر الأمثل: ج6، ذیل تفسیر هذه الآیات الثلاث.

 

اُصول الأخلاق الإسلامیّة فی الرّوایاتنقد وتحلیل
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma