الخطوة الرّابعة: المحاسبة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 1
1 ـ کیفیّة محاسبة النّفس و إستنطاقهاالخطوة الثّالثة: المراقبة

رابع خطوة ذکرها العلماء والسالکون فی هذا المجال، هی: «المحاسبة» للنفس، فی کلّ یوم أو کلّ شهر أو کلّ سنة، فَلْینظر الإنسان ماذا قدّم من أعمال حسنة، أو إرتکب من أعمال قبیحة، و یُفکر فی ما بَدَر منه، من طاعة أو عصیان لله تعالى، أو لهوى النّفس. فیحاسب نفسه حساباً عسیراً، کالتّاجر الذی یحسب فوائده و عوائده من تجارته التی إتّجر بها، و هل عادت علیه بالنّفع أم الضرر؟. فکذلک السّائر إلى الله تعالى فی خطّ الإیمان و التوبة، علیه أن یُحاسب نفسه بأدقّ ممّا یفعله التاجر مع أمواله وتجارته.

و الُمحاسبة للدین أو للدنیا، لا تخلو من فائدتین: إذا بیّنت الفاتورة، الرّبح الوفیر، فَهو دلیلٌ على صحّةِ العمل و الدّوام علیه، وإذا ما بیّنت العکس، فهو الدّلیل على الخطأ و الخطر، فربّما تلاعب أحد موظّفیه، أو خانه بالإختلاس وما شابهها من الاُمور، فعلیه الإسراع فی التثبّت و التّفحص والإصلاح.

و تخبرنا الآیات الکریمة، عن وجود النّظم و الحسابات الدقیقة فی عالم الوجود، وتدعو الإنسان للتّفکر فیها جیّداً، ومنها: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِیزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فی الْمِیزَانِ )(1).

ونقرأ فی آیة اُخرى:(وَکُلُّ شَیْء عِنْدَهُ بِمِقْدَار )(2).

وکذلک: (وَإِنْ مِنْ شَیْء إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَر مَعْلُوم )(3).

و من جهة اُخرى، نجد أنّ القرآن الکریم، قد أخبر فی آیات متعددة، عن وجود حساب دقیق فی یوم القیامة، کما ذکر على لسان لُقمان الحکیم لإبنه: (یَا بُنَىَّ إِنَّهَا إِنْ تَکُنْ مِثْقَالَ حَبَّة مِنْ خَرْدَل فَتَکُنْ فی صَخْرَة أَوْ فی السَّمَوَاتِ أَوْ فِی الاَْرْضِ یَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِیفٌ خَبِیرٌ )(4).

وکذلک: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحَاسِبْکُمْ بِهِ اللهُ )(5).

 

ومسألة الحساب هذه مهمّةٌ، لدرجة أنّ أحد أسماء یوم القیامةِ، هو: «یوم الحِساب»: (إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا نَسُوا یَوْمَ الْحِسَابِ )(6).

و یکون الإنسان هو الحَسیب على نفسه: (اقْرَأْ کِتَابَکَ کَفَى بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً )(7).

و بالنّظر لهذه الاُمور و الظّروف، فإنّ کلّ شیء فی الدنیا والآخرة یکون بِحساب، فکیف یمکن لإنسان أن یغفل عن مُحاسبة نفسه، ومن وراءه یومٌ ثقیلٌ، و کلّ شیء بمیزان و مقدار: و من یعمل مثقالَ ذرّة خیراً یَرَه، ومن یعمل مثقال ذرّة شراً یَره) فکلّ ما ذکر آنفاً، یحمل إلینا رسالةً و دعوة، لإثارة عناصر الإنتباه وعدم الغفلة عن الحساب و المحاسبة، فأنت إذا أردت أن تکون مُخفّاً فی یوم الحساب، علیک الإسراع بمحاسبة نفسک هنا فی الدنیا، قبل أن تحاسب فی الاُخرى، و یقال فیها: ولاتَ حینَ مناص.

أمّا الروایات، فقد أشبعت الأمر بحثاً، و منها:

1 ـ ما ورد عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، فی حدیثه المعروف: «حاسِبُوا أَنْفُسَکُم قَبلَ أَنْ تُحاسَبُوا، وَ زِنوها قَبْلَ أَنْ تُوزَنوا وَتَجَهَّزُوا للعَرضِ الأَکْبَرِ»(8).

2 ـ و عنه(صلى الله علیه وآله) مخاطباً أبا ذر(رحمه الله): «یا أَباذَر حاسِبْ نَفْسَکَ قَبْلَ أَنْ تُحاسَبُ فَإِنَّهُ أَهونُ لِحِسابِکَ غَداً وَزِنُ نَفْسَکَ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُ»(9).

3 ـ وَ وَرد عن علی(علیه السلام) أنّه قال: «ما أَحَقُّ للإنسانِ أَنْ تَکُونَ لَهُ ساعَةٌ لا یَشْغُلُهُ شاغِلٌ یُحاسِبُ فِیها نَفْسَهُ، فَیَنظُرِ فِیما إکْتَسَبَ لَها وَ عَلَیها فی لَیلِها وَ نَهارِها»(10).

فهذا الحدیث یبیّن لنا بوضوح، مسألة المحاسبة فی ساعات الفراغ، وهی من الاُمور الجدیرة بالإنسان الکامل، الذی یعیش همّ المسؤولیّة، فی دائرة حرکته المنفتحة على الله تعالى.

4 ـ ما ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام)، بنفس المعنى ولکن بشکل آخر، فیقول(علیه السلام):«حَقٌ عَلى کُلِّ مُسْلِم یَعْرِفُنا، أَنْ یُعْرِضَ عَمَلَهُ فی کُلِّ یَوم وَلَیلَة عَلى نَفْسِهِ، فَیَکُونَ مُحاسِبَ نَفْسِهِ، فَإنّ رَأَى حَسَنَةً استَزادَ مِنْها وَ إِنْ رأَى سَیِّئَةً إِسْتَغْفَرَ مِنْها لِئلاّ یُخْزى یَومَ القِیامَةِ»(11).

5 ـ ما نُقل عن الإمام موسى الکاظم(علیه السلام): «یا هُشامُ لَیسَ مِنّا مَنْ لَمْ یُحاسِبْ نَفْسَهُ فِی کُلِّ یَوم، فإنْ عَمِلَ حَسَنَةً استَزَادَ مِنْها وَ إِنْ عَمِلَ سَیِّئَةً إِسْتَغْفَرَ اللهُ مِنْها وَ تابَ»(12).

فالروایات جمّةٌ فی هذا المجال ومن أراد الإکثار، علیه مراجعة مستدرک الوسائل: کتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس(13).

هذه الرّوایات کلّها تبیّن أهمیّة المسألة فی الإسلام، و أنّ مَنْ لم یحاسب نفسه فهو لیس من أتباع الأئمّة(علیهم السلام)، الحقیقیین!.

و کما أشارت الرّوایات إلى فلسفة وحکمة هذا الأمر، فهو یزید من الحسنات، و یمنع الإنسان من السّقوط فی وادی الهلاک والقبائح، و یُساعده فی إنقاذه من بحر الغفلة و الضّیاع، و هَلاّ ساوینا الاُمور المادیّة بالمعنویّة الروحیّة، ففی المادیّات یُحسب حساب کلّ شیء، ولکلٍّ دفتره الخاص به، دفترٌ: یومی، و سنوی، و شهری، و للمخزن...وو. ولسنا مُستعدّین من وضع ولو ورقة واحدة نحاسب فیها أنفسنا، على ما فعلت فی دائرة الطّاعة و المعصیة، للهِ تعالى!!.

هذا مع وجود فرق کبیر بین الأمرین، و لا یُقاس أحدهما بالآخر، أو کما یقال شَتّان ما بین الثَّرى و الثُّریّا، فنقرأ حدیثاً عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله)، یقول: «لا یَکُونَ العَبدُ مُؤمناً حتّى یُحاسِبَ نَفْسَهُ أَشد مِنْ مُحاسَبَةِ الشّریکِ شَرِیکَهُ، وَالسَّیِّدِ عَبْدَهُ»(14).

فهذا الموضوع مهم لِلغایة، إلى درجة أنّ العلماء کتبوا فیه کتباً عدیدةً، و منهم السید إبن طاووس الحلی(رحمه الله) المتوفی فى سنة «664 للهجرة» فی کتابه محاسبة النّفس، و کتاب محاسبة النّفس فی إصلاح عمل الیوم و الإعتذار من الأمس، للمرحوم الحاج میرزا علی الحائری المرعشی، (المتوفى فی سنة 1344 للهجرة)، و محاسبة النّفس للسیّد علی المرعشی، المتوفى فی سنة (1080 للهجرة(15)).

ویجدر هنا الإشارة إلى عدّة ملاحظات:


1. سورة الرّحمن، الآیة 7 و 8.
2. سورة الرّعد، الآیة 8.
3. سورة الحِجْر، الآیة 21.
4. سورة لقمان، الآیة 16.
5. سورة البقرة، الآیة 282.
6. سورة ص، الآیة 26.
7. سورة الإسراء، الآیة 14.
8. بحار الأنوار، ج 97، ص 73.
9. أمالی الطوسی، (مطابقاً لما نقل عن میران الحکمة) ج8، ص609.
10. مستدرک الوسائل، ج12، ص154.
11. تحف العقول، ص221.
12. مستدرک الوسائل، ج12، ص153.
13. المصدر السابق، ج12، ص152 ـ 156; اصول الکافی، ج2، باب محاسبة العمل، ص453، ح2.
14. محاسبة النّفس، لإبن طاووس(رحمه الله)، ص14; بحار الأنوار، ج67، ص72، ح22.
15. الذّریعة، ج2.
1 ـ کیفیّة محاسبة النّفس و إستنطاقهاالخطوة الثّالثة: المراقبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma