تفسیر واستنتاج

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
کفران النعم فی الروایات الإسلامیةتنویه

«الآیة الاُولى» تستعرض کلام النبی موسى(علیه السلام) مع بنی اسرائیل، حیث یذکرهم بأمر إلهی مهم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّکُمْ لَئِنْ شَکَرْتُمْ لاََزِیدَنَّکُمْ وَلَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ)، فذکّرهم النبی(علیه السلام) بقضیة الشکر ومعطیاته والکفران وآثاره السلبیة وذلک بعدما انتصروا على فرعون ونالوا الاستقلال وذاقوا طعم الحریة والعظمة وظهرت منهم بوادر کفران النعمة.

جملة «لأزیدنّکم» فیها أنواع من التأکیدات، فهی وعد إلهی قطعی للشاکرین، بأنّه سیزیدهم من فضله، واللطیف فی الأمر أنّ الله تعالى لم یخاطب کفّار النعمة بالقول: «لاُعذّبنکم» بل قال: «إنّ عذابی لشدید» وهو نهایة اللطف والرحمة فی دائرة التعامل المولوی تجاه المخلوقین، وفی نفس الوقت تهدید شدید ووعید مخیف لکفّار النعم بأنّ علیهم أخذ العبرة من قصة بنی اسرائیل عندما کفروا أنعُم الله «فتاهوا» فی الصحراء أربعین سنة.

فی «الآیة الثانیة» یدور الحدیث عن النبی سلیمان(علیه السلام) وقومه، عندما اقترح علیهم أن یأتوه بعرش ملکة «سبأ»، فقال له أحد حواریه وکان عنده علم من الکتاب: (أنا آتِیکَ بِهِ قَبلَ أن یَرتدَّ إلَیکَ طَرفُکَ)، فشعر سلیمان(علیه السلام) بالفرح یغمر نفسه لوجود مثل هذه الشخصیات فی بلاطه ولدیهم الروحیات والمعنویات القویة، فقرر أن یشکر الخالق تعالى، فقال:

(وَمَنْ شَکَرَ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِىٌّ کَرِیمٌ).

والجدیر بالذکر أنّ ثواب الشاکر ذکر فی هذه الآیة بوضوح، ولکن عقاب من یکفر بالنعمة ذکر بصورة غیر مباشرة (وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِىٌّ کَرِیمٌ) حیث رکزت الآیة على کرم الله تعالى، وهو نهایة رحمة الله ولطفه فی دائرة التخاطب مع الإنسان.

ویمکن استفادة نقطة مهمّة اُخرى من الجملة الانفة الذکر، وهی أنّ الله تبارک وتعالى یحذّر عباده من الکفر ویدعوهم للشکر لا لحاجة منه إلیهم، وحتى على فرض کفران النعمة فإنّه یفیض من کرمه ولطفه على الناس لعلّهم یرجعون عن غیّهم ولا یحرمون أنفسهم من أنعُم الله تعالى.

 

وأساساً فإنّ الکتب الإلهیة تعود بالنفع على العباد أنفسهم، فهی بمثابة دروس لهم، لتربیة أنفسهم، فالباری تعالى غنیٌّ بذاته ولا یحتاج إلى أحد، لا لطاعة العباد ولا عصیانهم ولا یضرونه بالعصیان شیئاً.

«الآیة الثالثة» تحمل مضمون الآیة السابقة حیث تستعرض لنا قصة «لقمان الحکیم»:

(وَمَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّمَا یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ کَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ حَمِیدٌ).

الحکمة التی أتاها الله تعالى للقمان تشمل معرفة أسرار الکون والعلم بطرق الهدایة والصلاح، والطریقة المثلى للحیاة الفردیة والاجتماعیة، التی جاءت بصورة نصائح لقمان لابنه فی سورة لقمان، وهی موهبة إلهیة ونعمة روحیة أکّد الله تعالى على أهمیّتها، کما ذکر فی الآیة التی قبلها على أحدى النعم المعنویة، حتى لا یغرق الناس فی منزلقات النعم المادیة ویتصورون أنّ النعم والمواهب الإلهیة تنحصر فی المادیّات فقط.

ویجدر هنا الإشارة إلى نقطتین:

«الأولى» إنّ الشکر أتى بصورة الفعل المضارع، والکفران بصیغة الماضی، وهی إشارة إلى أنّ مسیر التکامل والرقیّ والقرب إلى الله تعالى یحتاج إلى المداومة على الشکر فی حین أنّ لحظة من کفران بإمکانها أن تفضی إلى نتائج وخیمة وعواقب مؤلمة.

و«الثانی» إنّ الآیة رکّزت على صفتی (الغنی الحمید)، بینما کان الترکیز فی آیة النبی سلیمان(علیه السلام) على صفتی (الغنی والکریم) وهذا الفرق یمکن أن یکون إشارة إلى أنّ الله تعالى غنیٌّ عن شکر المخلوقین، فالملائکة تسبح بحمده وتقدسه على الدوام، وإن کان غنیّاً عنهم أیضاً، ولکن العباد بشکرهم یستوجبون المزید من النعم علیهم.

«الآیة الرابعة» انطلقت للحدیث عن الأشخاص الذین یعیشون ضیق الاُفق وعدم الإیمان والتقوى، فهم یعیشون الکفران للنعمة بکل وجودهم:

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الاِْنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَیَئُوسٌ کَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَیَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّیِّئَاتُ عَنِّی إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ).

نحن نعلم أنّ القرآن الکریم عندما یتحدث عن الإنسان فی واقعه السیء ویصفه بصفات ذمیمة بصورة مطلقة، إنّما یقصد الإنسان المنفصل عن الله فی حرکة الحیاة ومن یعیش عدم الإیمان أو ضعف الإیمان، ولهذا ورد فی الآیة التی جاءت بعد الآیات مورد بحثنا: (إلاَّ الّذِینَ صَبَروا وَعَمِلُوا الصَّالِحـاتِ اُولئِکَ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ کَرَیمٌ).

بهذا الاستثناء یتبیّن أنّ الأفراد الذین یعیشون حالة الیأس من رحمة الله والغافلین والکفورین، أفراد لم یصلوا فی واقعهم النفسی لمرحلة الإیمان بعد.

وعلى العموم یمکن أن نستنتج من الآیات الآنفة الذکر، أنّ الکفران وعدم الشکر تؤدی بالإنسان إلى التلّوث بصفات سیئة اُخرى تحرمه المغفرة والأجر الکبیر.

تعبیر «لئن أذقنا» تعبیر لطیف فی الموردین فیقول: إنّ ضعاف النفوس والإیمان إذا سلبت منهم نعمة من النعم، فسرعان ما یجری على ألسنتهم الکفر ویدب الیأس فی قلوبهم، وإن جاءتهم نعمة إذا بهم یغترّون ویتحرکون فی أجواء الغفلة والطغیان، والدنیا هی کلها شیء صغیر وحقیر، وما یصل إلى الإنسان منها أصغر وأحقر، ومع ذلک فإنّهم یتأثرون بسرعة لضعف نفوسهم وضیق آفاق إیمانهم.

ولکن الإیمان بالله تعالى ومعرفة ذاته المقدسة اللاّمتناهیة فی القدرة والعلم، تمنح الإنسان عناصر القوة والحرکة وتعینه على مواجهة أکبر الحوادث السیئة والحسنة دون أن تؤثر فی نفسه شیئاً.

وتنطلق «الآیة الخامسة» لتشیر إلى الأفراد الذین یتوجهون إلى الله تعالى عند وقوع المصیبة ویدعونه ویتوسلون بلطفه بکل وجودهم، وبمجرّد انقشاع سحائب الأزمة ینسون کل شیء ویکفرون مرّة اُخرى:

(وَإِذَا مَسَّکُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِیَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاکُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَکَانَ الاِْنْسَانُ کَفُوراً)

وطالما جرّبنا هذا الأمر فی حیاتنا الشخصیة وشاهدنا ضعیفی الإیمان عندما یمحصون بالبلاء،کالمرض والفقر والمصائب الاُخرى، یتوجهون باخلاص للباری تعالى وبمجرّد انکشاف تلک المصائب وعودة المیاه إلى مجاریها تراهم یتغیّرون ویسلکون طریق الکفر والحال أنّ الإنسان فی هذه الأحوال أیضاً یجب علیه التوجه والإلتجاء إلى الذات المقدسة أکثر من ذی قبل.

وفی تکملة الآیة الکریمة یعبّر القرآن الکریم بتعبیر جمیل جدّاً حیث یقول: (أَمْ أَمِنتُمْ أَنْ یُعِیدَکُمْ فِیهِ تَارَةً أُخْرَى فَیُرْسِلَ عَلَیْکُمْ قَاصِفاً مِنْ الرِّیحِ فَیُغْرِقَکُمْ بِمَا کَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَکُمْ عَلَیْنَا بِهِ تَبِیعاً).

فهنا إشارة إلى أنّه کیف یمکن أن تکفروا وتتغیّروا فأینما تذهبوا فأنتم تحت سلطته، وبإمکانه أن یعذبکم فی أی مکان کنتم فیه سواء فی البرّ أو فی البحر؟

ویجب التوجه إلى أنّ کلمتی «الخسف» و«الغرق» فی هذه الآیة لهما مفهوم مترادف فالأولى یراد بها الاختفاء فی الأرض، والثانیة الاختفاء فی البحر.

«الآیة السادسة» من الآیات تتوجه بالخطاب إلى الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) وتشرح عاقبة کفران النعم:

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِینَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ کُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) وبعدها یضیف: (جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ).

هذه التعبیرات تبیّن أنّ کفران النعم الإلهیة، یمکن أن یؤدی بقوم أو بمجتمع بأکمله إلى قعر جهنّم ولا یستبعد نزول العذاب الدنیوی فیها حیث تبدل دنیاهم إلى جحیم لا یطاق.

وقد اختلف المفسّرون فی المقصود من النعمة فی هذه الآیة، فبعض قال: إنّها برکة وجود الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله)فالعرب المشرکون قد کفروا بالنعمة بانکارهم لدعوته ورفضهم الاذعان لرسالته فاحلّوا قومهم دار البوار، وفسّرها البعض الآخر بأهل البیت(علیهم السلام) حیث کفر بهم البعض أمثال بنی اُمیة، ولکن على الظاهر أنّ مفهوم الآیة أوسع من هذه الدوائر والاُطر فی مصادیق الآیة ویشمل جمیع النعم الإلهیة، وما ذکر آنفاً یعدّ من مصادیقها الواضحة، على الرغم من تصریح الآیات التی وردت بعدها بالأشخاص الذین ترکوا الإسلام والتوحید واختاروا الشرک وعبادة الأصنام، ولکن هذه النماذج تعتبر أیضاً من مصادیقها البارزة.

وقال البعض الآخر: مثل الفخر الرازی والمرحوم الطبرسی فی مجمع البیان، إنّ سبب النزول لهذه الآیة ناظر لأهل مکّة الذین أعطاهم الله تعالى أنواع النِعم وأهمها بعثة الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) من بین ظهرانیهم، ولکنهم لم یقدّروا تلک النعمة وکفروا بها، فأصبحت عاقبتهم ألیمة، فکفرهم بنعمة الرسول(صلى الله علیه وآله) هو نفس کفرهم بالله والرسالة!

ولکننا نعلم أنّ شأن النزول لا یخصص مفهوم الآیة بمورد خاص.

وتأتی «الآیة السابعة» لتتحدث عن جماعة أنعم الله تعالى علیهم بنعمة ظاهرة وباطنة، نعمة الأمان والرزق الکثیر والنعم المعنویة والروحیة التی نزلت علیهم بواسطة نبیّهم ولکنّهم کفروا تلک النعم فعاقبهم الله تعالى بعقاب الجوع والخوف:

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلا قَرْیَةً کَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً یَأْتِیهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ کُلِّ مَکَان فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا کَانُوا یَصْنَعُونَ)

اختلف المفسّرون بأن هذه الآیة هل تشیر إلى مکان بالخصوص أم إنّها مثال عام کلی، فبعض یعتقد أنّها أرض مکّة، وتعبیر (یَأْتِیهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ کُلِّ مَکَان...)، یقوی ذلک الاحتمال، لأنّه ینطبق بالکامل على أحوال وشرائط مکّة، إذ هی أرض جافة وصحراء قاحلة غیر ذات زرع وماء ولکن الله سبحانه قد بارکها وأنزل علیها النعم من کل مکان.

وتعبیر (کَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) هو قرینة اُخرى على أنّها مکّة، فأرض الحجاز غالباً ما کانت أرضاً غیر آمنة إلاّ مکّة وذلک ببرکة وجود الکعبة الشریفة.

وعندما وصلت النعم المادیة على أهل مکّة إلى الذروة أتمها الله تعالى ببعثة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، ولکنّهم کفروا النعم المادیّة والمعنویة، فابتلاهم الله تعالى بالقحط والخوف، وهذا هو مصیر من کفر بأنعم الله تعالى.

ومع ذلک فإنّ مفهوم الآیة یمکن أن یکون أعم فیستوعب فی مضمونه جمیع من یکفر بالنعمة وأرض مکّة هی أحد مصادیق هذه الآیة، حیث ورد فی الروایات أن القحط والجوع أخذ منهم مأخذاً کبیراً بحیث کانوا یتغذّون على أجساد الموتى لسدّ جوعهم، وکذلک فی الغزوات الإسلامیة، حیث أضرّت بهم کثیراً.

«الآیة الثامنة» من الآیات، تتطرق إلى قوم من أکفر الناس، وهم (قوم سبأ) حیث حباهم الله تعالى: بأفضل النعم وأحسنها، ولکن غرورهم وغفلتهم واتباعهم لأهوائهم، أعماهم وأضلّهم، فکفروا، فأخذهم الله بذنوبهم ومحق تلک النعم من أیدیهم، فقال:

(لَقَدْ کَانَ لِسَبَإ فِی مَسْکَنِهِمْ آیَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ یَمِین وَشِمَال کُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّکُمْ وَاشْکُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَیِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ).

وقد ذکر المفسّرون أنّه على الرغم من أنّ أرض الیمن خصبة ولکن لفقدان الأنهار فیها، کانت أغلب أراضیها بائرة لا یستفاد منها، ففکر القوم ببناء سدّ یمنع السیول القادمة من الجبال، فبنوا عدّة سدود وأهمها (سد مأرب) حیث کان یقف أمام السیول بین جبلی بلق العظیمین، فتجتمع خلفه میاه کثیرة استطاعوا بواسطتها أن یزرعوا ویسقوا به جنائن وبساتین کثیرة قامت على طرفی السدّ، ونشأت حولها القرى وأصبحت مرکزاً عظیماً للنشاط التجاری وتجمع الناس، فالقرى کانت متصلة ببعضها بحیث أن ظلال الأشجار کانت متصلة على طول الطریق ووفور تلک النعم کان مقترناً مع الأمان الاجتماعی والرفاه الاقتصادی، فکانت حیاتهم هانئة جدّاً، اجتمعت فیها کل متطلبات الحیاة آنذاک ومثل هذه الأجواء کان من شأنها أن تفضی لإطاعة الله تعالى والتکامل الروحی.

ویستمر القرآن الکریم، فیقول إنّ النعم أصبحت کثیرة جدّاً ممّا حدى بهم لأنّ تتحرک فیهم عناصر الطغیان فنسوا ذکر الله تعالى وأخذوا یتفاخرون ویقسّمون الناس إلى
طبقات، ولکنهم بالتالی ذاقوا وبال أعمالهم فأرسل الباری تعالى علیهم سیل العرم: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَیْهِمْ سَیْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَیْهِمْ جَنَّتَیْنِ ذَوَاتَى أُکُل خَمْط وَأَثْل وَشَیْء مِنْ سِدْر قَلِیل * ذَلِکَ جَزَیْنَاهُمْ بِمَا کَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِی إِلاَّ الْکَفُورَ).

ومن عجائب هذه القصّة أنّ المفسّرین ذکروا هجوم الجرذان الصحروایة على السدّ فأخذت تنخر فیه من الداخل دون أن یراها الناس المغرورون المشتغلون بالملذّات وکفران النعم، وفجأة أمطرت السماء مطراً شدیداً، وتحرّک سیل عظیم وتجمعت المیاه خلف السدّ، ولکن جدران السد لم تتحمل کل هذا الضغط، فانهارت وأخذ السیل طریقه للقرى والأراضی الزراعیة، فلم یُبق لها شیء، لا مزارع ولا أنعام، وتبدل کل شیء إلى صحراء قاحلة لا ینمو فیها سوى النباتات البریة، ففرت الطیور الجمیلة وحلّت محلّها الغربان والبوم، وتفرق الناس إلى الأطراف وأصبحوا من أفقر الناس یأسفون على ماضیهم الجمیل، ولکن هیهات، حیث لا تفید ساعة ندم.

نعم فهذه هی حال الأقوام التی تغفل عن ذکر الله وتکفر بأنعمه.

والطریف فی الأمر أنّ الأثریاء منهم اعترضوا على قرب المسافات بینهم، حیث یستطیع أن یسافر کل أحد لقرب المسافة ووفرة الخیر فی الطریق، فقالوا: أصبح بإمکان الفقیر أن یسافر معنا أیضاً، فطلبوا من الله تعالى أن یباعد بین أسفارهم حتى لا یستطیع الفقراء السفر معهم أیضاً، نعم فقد وصلوا إلى أعلى مراتب الطغیان، فعاقبهم الله تعالى بأشدّ العقاب، فتفرق جمعهم وأصبحوا مضرباً للأمثال وخصوصاً فی الفرقة، فقالوا فیهم: (تفرقوا أیادی سبأ).

من مجموع الآیات محل البحث تتبین خطورة وبشاعة کفران النعم، حیث تناولت الآیات هذه المسألة وآثارها السیئة على الفرد والمجتمع وخاصة ما أحلّ الکفران بالأقوام السابقة من نتائج مدمرة وعواقب مشؤومة فی حرکة الإنسان والحیاة.

 

کفران النعم فی الروایات الإسلامیةتنویه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma