أسباب ودوافع الکفران وطرق علاجه

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
الشکر قناة موصلة للنعم الإلهیة2 ـ عواقب الکفران

التقصیر فی الشکر ینشأ من عدم معرفة الإنسان بالمنعم بصورة کاملة، وأساساً فانّه لا
یتحرک فی طریق التدبّر فی النعم الإلهیة، فمثلاً عندما ننظر إلى بدننا وما فیه من عجائب ودقائق وتفاصیل على مستوى الخلقة فسنتوجه إلى أهمیة تلک النعم ویتحرک فینا حسّ الشکر لله تعالى.

وعلى سبیل المثال إذا استطاع البشر أن یصنع مثل الأجهزة الموجودة فی الإنسان (مثل القلب والکبد والکلیة والرئتین) فستکون قطعاً أقل کیفیة من صنع خالقها، وستکلفه الکثیر جدّاً، وعلى هذا فإذا أردنا حساب قیمة ما یوجد لدینا من أعضاء وجوارح بدنیة فسیتبین أنّ لدینا وبحوزتنا ثروة کبیرة جدّاً.

أمّا النعم الخارجیة، فیمکن أن تکون جرعة ماء تساوی الدنیا بما فیها، وقد نقل عن بعض العلماء أنّه دخل على أحد الملوک وکان بید الملک قدح ماء فأراد أن یشرب فتوجه للعالم الکبیر وقال له عِظنی، فقال له العالم: إذا کنت فی یوم من الأیّام عطشاناً لدرجة الموت وجاؤوک بالماء بشرط أن تتنازل عن الملک، فهل ستتنازل؟ فقال نعم، فلا حیلة فی ذلک.

فقال له: کیف تتعلق بُملک وحکومة تساوی شربة ماء؟

ویرى الإنسان حیناً آخر مریضاً یصرخ من شدّة الألم بحیث یتمنى الموت على هذا الألم، فلو اُعطیت للإنسان الدنیا بأسرها وهو على ذلک المرض، فلن یقبل بذلک، بل یرضى أن یأخذوا منه کلّ شیء إلاّ العافیة.

هناک نعمٌ ظاهرها غیر مهم لکنّها إن فقدت فستتعرض حیاة الإنسان للخطر، مثل غدد اللّعاب التی ترطب الشفاه والفم وتلین الأکل وتسهل عملیة البلع، فإذا توقفت هذه الغدد فی یوم ما فسیجف الفم ویعسر علیه الأکل ویتوقف عن الکلام وتصبح الحیاة مستحیلة، فذلک الجزء الصغیر من بدن الإنسان أهم بکثیر من ثروات الدنیا أجمع.

وکذلک فی نعمة الشمس والهواء والنباتات والمواهب الاُخرى العظیمة وعلى حدّ تعبیر القرآن الکریم: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا)(1).

ویجب التنبه أنّ کثیراً من النعم الإلهیة لا یتسنى للإنسان معرفتها، لأنّها لن تُسلب منه، فبعض النعم والمواهب تعیش مع الإنسان فاذا سلبت منه عرفها وأقرّ بعظمتها، وبعضها سیبقى فی الکتمان وهی کثیرة جدّاً.

مثلاً مسألة الجاذبیة فلم یکن أحد یعرف قبل السفر إلى الفضاء وفقدان الجاذبیة هناک، کم هی مهمّة هنا على الأرض، إذ لولاها لما استطاع الإنسان أن یفعل شیئاً لا زراعة ولا صناعة ولا حرکة، فأقل حرکة من الإنسان سیرتطم بالسقف والجدار وستتناثر الأطمعة والأشربة من المائدة ولن یستطیع الإنسان أن یأکل أو یشرب شیئاً، فحرکة الأرض تؤدی إلى قدف کل شیء فی الفضاء لولا الجاذبیة وستتحول الأرض إلى صحراء قاحلة محرقة، فتفکروا إننا لو قضینا العمر فی شکر هذه النعمة فهل سنؤدّی شکرها؟

وإذا أضفنا إلیها النعم المعنویة وهدایة الأنبیاء وکلام المعصومین(علیهم السلام) ونزول الکتب الإلهیة، والتی هی أعلى وأهم من النعم المادیّة، فسنعرف مدى عظمة وقیمة مواهب الرحمن وسنعرف قدرتنا على الشکر کم هی ضعیفة وضئیلة.

فالتوجه لهذه الاُمور تقلع جذور الکفران وتحیی فیه روح الشکر.

ومنها نعرف طریقة العلاج، ولذلک قالوا: إنّ أول طریق للشکر هو المعرفة والتفکیر بالمواهب والصنائع الإلهیة وأنواع نعمه الظاهرة والباطنة(2).

الطریقة الاُخرى: هی النظر فی دائرة النعم والمواهب المادیة إلى المستویات الدنیا للناس، فکلما فکّر الإنسان فیها فستبعث فیه روح الشکر، ولکن إذا نظر إلى من هو أعلى منه من حیث الثروة والنعمة فسوف تستولی علیه الوساوس الشیطانیة وتؤذیه.

ومن جهة ثالثة إذا ابتلی بمصائب الدنیا، فلیعلم أنّه یوجد مصائب أکبر من التی اصابته ولیشکر الله أنّه لم یتورط بالأکبر والأشد منها.

وقد نقل عن شخص أنّه اشتکى عند أحد العظماء أنّ السارق قد أتى وسرق کل شیء، فقال له: اذهب واشکر الله تعالى إذ لم یأت الشیطان الى بیتک بدلاً من السارق، فلو أخذ منک إیمانک فما کنت تفعل؟(3)

وقد ذکر الإمام الصادق(علیه السلام) فی کتاب «التوحید» المعروف بتوحید المفضل حقائق توحیدیة هامة من موقع تحلیل ماهیة النعم الإلهیة فی تفاصیلها الدقیقة ومن خلالها ینفتح الإنسان على المنعم الحقیقی.

ومن جملتها نعمة الکلام والکتابة وقد اعتبرها الإمام الصادق(علیه السلام) عمود الحضارة الإنسانیة: وبعد شرح طویل لها قال:

«فَإنّه لَو لَم یَکُن لَهُ لِسان مُهیأ للکَلامِ وَذِهن یَهتَدِی بِهِ للاُمورِ لَم یَکُن لِیتَکَلَّمَ أَبَداً، وَلَو لَم یَکُن لَهُ مُهیأةً وَأَصـابِعَ للِکِتابَةِ لِیَکتُبَ أَبداً، واعتَبر ذَلِکَ مِنَ البَهائِمِ الّتی لا کَلامَ لَها ولا کِتابَةَ، فَأصلِ ذَلِکَ فَطرَةِ البـاری عَزَّوجَلَّ ومـا تَفضل بِهِ عَلَى خَلقِهِ، فَمن شَکَرَ اُثِیبَ، وَمَنْ کَفَرَ فإنَّ اللهَ غَنِیٌ عَنِ العـالَمِینَ»(4).

 

 

 


1. سورة النحل، الآیة 18.
2. معراج السعادة، ص810.
3. المحجة البیضاء، ج7، ص277.
4. بحار الانوار، ج3، ص82.

 

الشکر قناة موصلة للنعم الإلهیة2 ـ عواقب الکفران
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma