علاج الغیبة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
1 ـ استماع الغیبةالعواقب السلبیة للغیبة

إنّ علاج هذا المرض الأخلاقی الخطیر یشبه من جهات علاج سائر الأمراض الأخلاقیة الاُخرى، ویختلف عنها من بعض الجهات، وفی المجموع لابدّ من رعایة الاُمور التالیة للوقایة من الوقوع فی هذا المرض أو علاجه:

1 ـ إنّ العلاج الحقیقی لکل مرض بدنی أو نفسی أو أخلاقی یتمثّل بالعثور على الجذور والأسباب الکامنة وراء الابتلاء بهذا المرض والسعی لإزالتها والقضاء علیها، وبما أنّ عوامل حصول هذه الصفة القبیحة فی النفس کثیرة ومتعددة فلابدّ من التوجه إلى تلک العوامل والاسباب، وقد رأینا أنّ من العوامل المهمّة هو: الحسد، الحقد، الأنانیة، حبّ الانتقام، التکبّر والغرور وأمثال ذلک، وما دامت هذه الحالات النفسیة السلبیة موجودة فی أعماق النفس ومادام الإنسان لا یتحرّک على مستوى إزالتها من واقعه وذاته فإنّ هذه الحالة الرذیلة أی ـ الغیبة ـ لا تنقلع ولا تزول.

وعندما لا یجد الإنسان فی نفسه حسداً على أحد ولا یعیش حالة الحقد والکراهیة والمقت تجاه الآخرین ولا یرى فی نفسه إمتیازاً ولا تفوّقاً على الغیر فلا مسوّغ له للتلّوث بخطیئة الغیبة ولا یجد فی ذاته رغبة ومیلاً إلى ارتکاب هذا الفعل الذمیم.

2 ـ ومن الطرق الاُخرى لعلاج هذه الرذیلة الأخلاقیة هو الالتفات والتفکّر فی عواقبها السلبیة على المستوى المادی والمعنوی، والفردی والاجتماعی، فإنّ الإنسان متى ما إلتفت إلى أنّ الغیبة ستؤدّی به إلى المهانة والسقوط فی أنظار الناس فیعرفونه بأنّه شخص خائن، ضعیف النفس، ویشعر بالدونیة والحقارة، فإنّهم سوف یتحرّکون فی الإرتباط معه من موقع عدم الثقة وسوف تهتز شخصیته ومکانته الاجتماعیة لدى الآخرین، وأنّ الغیبة سوف تتلف حسناته وتهدر طاقاته وتنقل سیئات الآخرین إلى صحیفة أعماله، ولا تقبل عباداته لمدّة أربعین یوماً وهو أول من یدخل النار، وفیما لو تاب وقبلت توبته یکون آخر من یدخل الجنّة.

وأیضاً علیه أن یلتفت إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ الغیبة هی حق الناس لأنّها تتسبب فی هدم سمعتهم والذهاب بماء وجوههم، ونعلم أنّ قیمة ماء الوجه مثل قیمة النفس والمال لدى الإنسان أو أکثر وما لم یرض عنه صاحب الحق، فإنّ الله تعالى لا یرضى عنه، وربّما لا یتسنى له التوصل إلى کسب رضى الطرف الآخر أبداً وحینئذ سیتحمل وزر هذا الفعل مدى الحیاة.

أجل، فلو أنّ الإنسان تدبّر فی هذه الاُمور جیداً فسوف یندم بالتأکید على عمله ویتحرّک بعیداً عن هذا السلوک المنحرف، والأشخاص الذین یعیشون ممارسة الغیبة فی مجالسهم وبهدف الترفیه والتفریح واللهو إذا ما فکّروا فی عواقب الغیبة فسوف یتحوّلون عنها بالتأکید ولا یقتربون من ممارسة هذا السلوک السلبی والعدوانی.

3 ـ یجب أن ینتبه المستغیب إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ طاقات الإنسان محدودة، فلو أنّه بدلاً من إتلاف هذه الطاقات وصرفها فی تسقیط شخصیة الآخرین وهدم مکانتهم الاجتماعیة کان یستخدم هذه الطاقات والقابلیات والمواهب الإلهیة فی خط الکمال المعنوی والمنافسة السلمیة والصحیحة بینه وبین الآخرین فقد لا تمضی فترة قصیرة إلاّ ویحرز التوفیق فی الکمالات الإنسانیة والمعنویة على الخیر ویصل إلى مراتب سامیة فی حرکة الحیاة والتکامل المعنوی والمادی من دون أن یجد حاجة إلى تسقیط الآخرین والعدوان علیهم وبالتالی سوف ینقذ نفسه من نتائج الغیبة وعواقبها الوخیمة فی الدنیا والآخرة.

وبعبارة اُخرى أنّ الأفضل للإنسان أن یقوم باعمار بیته وبناء داره بدلاً من تخریب بیوت الآخرین لیعیش فی منطقة عامرة وفی دار مشیّدة، ولکن الشخص الذی یتحرّک دائماً من موقع تخریب بیوت الآخرین فإنّ نتیجته سوف تکون تخریب بیوت المنطقة وتخریب بیته أیضاً فیعیش فی الأطلال والخرائب.

یجب أن یلتفت المستغیب إلى هذه الحقیقة وهی أنّ الغیبة هی احدى العلامات البارزة لضعف الشخصیة وفقدان الهمّة والمروءة وأنّه یعیش عقدة الحقارة والدونیّة، ولذلک فهو یمارس الغیبة لجبران هذا الضعف النفسی وفی الحقیقة یقوم باظهار هذه العیوب الذاتیة والصفات الباطنیة ویجهر بها أمام الناس، فهو یقوم بتدمیر شخصیته وتحطیم کیانه قبل أن یحطّم شخصیة الآخرین الذین یغتابهم.

وهناک ملاحظة جدیرة بالاهتمام وهی أنّه لابدّ لترک الغیبة وخاصة فیما لو أصبحت عادة لدى الشخص، أن یقوم قبل کل شیء بفرض الرقابة الشدیدة على لسانه وکلماته ویتحرّک من موقع الضغط الأخلاقی فی دائرة الکلام، وکذلک ینبغی له أن یتجنّب معاشرة الأصدقاء الذین لا یجدون حرجاً فی ممارسة الغیبة ویدفعونه بهذا الاتجاه ویترک المجالس المهیئة للغیبة، بل وجمیع الاُمور التی توسوس له فی ممارسة الغیبة.

وفی حدیث شریف عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) أنّه قال: «مـا عُمِّرَ مَجلِسٌ بالغَیبَةِ إلاّ خَرِبَ مِنْ الدِّینِ»(1).

الملاحظة الاُخرى هی أنّ أحد دوافع الغیبة هو السعی لتبرئة الذات والدفاع عنها، مثلاً أن یقول: إذا کنت قد إرتکبت هذا الذنب، فإنّ من هو أفضل منّی وأعلم قد ارتکبه أیضاً، والحال أنّ تبرئة الذات لها طرق اُخرى کثیرة لا تنتهی بهذا الذنب الکبیر أی ـ الغیبة ـ وأساساً فإنّ الاعتراف بالخطأ فی هذه الموارد یکون أسلم عذر وأفضل سبیل لتدارک الخطأ، مضافاً إلى أنّ أحد الأخطاء الکبیرة لدى الإنسان أن یقارن بینه وبین الفاسقین والأراذل من الناس ویترک المقارنة بینه وبین الأخیار والصلحاء من أفراد المجتمع.

أحیاناً یتحرّک الشخص لتبرئة نفسه وتبریر سلوکه إلى التشبث بهذا العذر وهو أننی عندما رأیت العالم الفلانی قد إنحرف على مستوى السلوک وارتکب الذنوب زالت عقیدتی وضعف إیمانی وأصبحت فی أمر العقیدة بالمبدأ والمعاد غیر مکترث، هذه المعاذیر والتبریرات هی المصداق الأتم لمقولة العذر أقبح من الذنب، ویترتب على ذلک عواقب خطرة جدّاً، فما أحرى بالإنسان أن یعترف بخطئه ویسعى فی تعامله مع الآخرین فی حمل سلوکیاتهم وأفعالهم على الصحة، وعلى فرض أنّ أحد القادة أو العلماء أو الجهّال تصرّف من موقع الإنحراف وارتکب بعض الذنوب، فلا یکون ذلک مسوّغاً للآخرین على سلوک هذا المسلک وتبریره بتلک الذریعة الشیطانیة، بل یجب على الإنسان أن یجعل الصلحاء والأولیاء اُسوة له فی دائرة السلوک والتکامل المعنوی والأخلاقی.

 

بقی من موضوع الغیبة عدّة اُمور مهمّة لابدّ من التعرّض لها:

 


1. روضة الواعظین، ص542.

 

1 ـ استماع الغیبةالعواقب السلبیة للغیبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma