4 ـ حکم المتجاهر بالفسق

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
5 ـ شمول دائرة الغیبة3 ـ مستثنیات الغیبة

یتفق علماء الأخلاق والفقهاء العظام عادةً على جواز غیبة المتجاهر بالفسق ویرون أنّها من مستثنیات الغیبة ویصرّحون بأنّ غیبة مثل هؤلاء الأشخاص الذین مزّقوا ستار الحیاء وأجهروا بالمعاصی أمام الناس، فإنّهم لا غیبة لهم وقد تمسکوا فی ذلک بروایات فی هذا الباب.

ففی حدیث عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) یقول: «أَربَعَةٌ لیستْ غَیبَتُهُم غَیبَة الفاسِقُ المُعلِنُ بُِفسقِهِ...»(1).

وفی حدیث آخر عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال: «ثَلاثَةٌ لَیسَ لَهُم حُرمَةٌ صـحِبُ هَوىً مُبدِع والإمامُ الجـائِرُ والفـاسِقُ المُعلنُ الفِسقَ»(2).

وفی حدیث عن الإمام علی بن موسى الرضا(علیه السلام) أنّه قال: «مَن أَلقى جِلبَابَ الحَیاءِ فَلا غَیبَةَ لَهُ»(3).

وفی حدیث آخر عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «أَتنزَعُونَ عَنْ ذِکرِ الفـاجِرِ أَنْ تَذکُرُوه، فَاذکُرُوهُ یَعرِفُهُ النّاسُ»(4).

والأحادیث فی هذا الباب کثیرة.

ولکن الظاهر أنّ مثل هؤلاء الأفراد خارجون بالتخصص من موضوع الغیبة لا أنّ حکم الغیبة یشملهم أولاً ثم یدخلون فی مستثنیات الغیبة، لأنّ للغیبة شرطین:

الأول: أن یکون العیب مستوراً وهذا الشرط لا یتوفر فی هؤلاء الأشخاص.

الثانی: کراهیة الطرف الآخر لأن یذکر بسوء، وهذا الشرط أیضاً غیر متوّفر فیما نحن فیه لأنّ المتجاهر بالفسق لو کان یتأثر ویتألم من ذکره بسوء لم یکن یرتکب ذلک العمل علانیة وجهراً، وبتعبیر علماء الاُصول أنّ خروج مثل هؤلاء الأشخاص یکون بالتخصص لا بالتخصیص.

وهنا تثار عدّة أسئلة فی هذا الصدد، الأول هو أنّه هل أنّ جواز غیبة المتجاهر بالفسق یختص بالذنوب التی تجاهر بها أو یستوعب جمیع الذنوب فتکون غیبته جائزة مطلقاً؟

والآخر هو أنّه إذا کان یتجاهر بالفسق عند جماعة معینة أو فی مکان خاص ولکنه لا یرتکب ذلک المنکر أمام جماعة اُخرى أو فی مکان آخر فهل یجوز غیبة هذا الشخص أیضاً؟

والثالث هو هل أنّ جواز غیبة المتجاهر بالفسق مشروط بوجود شرائط الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، أی أن تکون الغیبة مؤثرة فی عملیة الردع وإلاّ فلا تجوز؟

ونظراً لما تقدّم من بیان حالة هؤلاء الأفراد من الناحیة الشرعیة یتّضح الجواب عن هذه الأسئلة جمیعاً، وهو أنّ غیبة هؤلاء الأشخاص إنّما تجوز فی موارد التجاهر بالفسق، ولکن بالنسبة إلى الأعمال الاُخرى أو الوسط الآخر والأجواء الاُخرى، فلا تجوز، لأنّ أدلة حرمة الغیبة لا تشمل المتجاهر بالفسق ومن المعلوم أنّ حالة التجاهر لا یستوجب توّفر شرائط الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، فلا ضرورة لها لأنّ عناصر تشکیل الغیبة غیر متوّفرة.ویحتمل کذلک أنّ المقصود بالمتجاهر بالفسق هو الشخص الذی قام بتمزیق ستار الحیاء وتحرّک فی ارتکابه للمعاصی والذنوب من موقع الجرأة على الدین والمجتمع الإسلامی، فمثل هؤلاء الأفراد لا احترام لهم، بل یجب التعریض بهم وفضحهم لیکون الناس على حذر منهم وفی أمان من أعمالهم کما ورد فی الحدیث الشریف المتقدّم: «مَن أَلقى جِلبَابَ الحَیاءِ» فحینئذ یقول الحدیث «فاذکروه یعرفه الناس» فهو ناظر إلى هذا المعنى.

و على هذا الأساس یمکن القول بأنّ المتجاهر بالفسق على نحوین:

الأول: أن یکون متجاهراً بعمل معیّن فحینئذ تجوز غیبته فی ذلک العمل بالخصوص، والآخر: الأشخاص الذین قاموا بتمزیق لباس العفة والحیاء وانطلقوا وراء ارتکاب الذنوب بکل صلافة وجرأة من دون رعایة القیم الاجتماعیة والدینیة، فمثل هؤلاء الأشخاص لا احترام لهم أبداً من فضحهم وکشف واقعهم أمام الناس کیما یحذر الآخرون من أخطارهم ومفاسدهم.

ونتخم هذا الکلام بذکر ملاحظتین:

الاُولى: هی أنّنا نعلم أنّ أحد العلوم الإسلامیة المعروفة هو علم الرجال حیث یبحث فیه صدق وکذب الرواة وحالتهم على مستوى کونهم ثقة أو غیر ثقة، وهناک بعض من لا خبرة له بالاُمور یتجنّب الخوض فی علم الرجال ویرفض تعلّم هذا العلم لأنّه بحسب تصوّره أنّه یفضی إلى الخوض فی الغیبة فی حین أنّ من الواضح أنّ حفظ حریم الشرع والأحکام الإسلامیة من المواضیع الکاذبة والأخبار المختلفة أهمّ کثیراً من التعرّض لبعض الرواة وجرحهم، وهذا الهدف السامی هو الذی یبیح لنا أن نتحرّک على مستوى التحقیق فی سوابق الرواة وحالاتهم والبحث عن نقاط ضعفهم وإثباتها فی کتب الرجال لکی نأمن على الشریعة المقدّسة من الأخبار المزیفة ولکی تکون الأحکام الإلهیة فی مأمن من تدخل الأهواء والنوازع الذاتیة لبعض الرواة.

والاُخرى: هی أنّ المسائل الاجتماعیة والسیاسیة والمناصب الحساسة فی المجتمع الإسلامی تقتضی أحیاناً إفشاء بعض نقاط الضعف للمسؤولین، فهذا المعنى وإن کان فی حدّ ذاته مشمولاً لعنوان الغیبة ومصداقاً من مصادیقها إلاّ أنّ أهمیة حفظ النظام الإسلامی وکشف وإبطال المؤامرات الموجهة إلى المجتمع الإسلامی أهم بکثیر ولذلک لا إشکال فی ذلک، بل قد یکون واجباً أحیاناً، والأشخاص الذین یتسترون على عیوب هؤلاء لکی لا یقع فی ورطة الغیبة هم فی الواقع یضحّون بمصالح المجتمع الإسلامی من أجل الأفراد، وقد تقدّم فی الحدیث الشریف عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه ذمّ هؤلاء وقال: «أَتنزَعُونَ عَنْ ذِکرِ الفـاجِرِ أَنْ تَذکُرُوه، فَاذکُرُوهُ یَعرِفُهُ النّاسُ»، وأمر بفضحهم لیعرفهم الناس.

ولکن هذا لا یعنی أن یقوم بعض الناس بهتک حرمة الأفراد وفضحهم بدون مبرّر أو یتحرّکون فی هذا السبیل أکثر من اللازم ویتعرّضون لحیثیة الأفراد ویتجاوزون حدودهم الشرعیة.

وما تقدّم آنفاً یوضّح وظیفة الأجهزة الخبریة والمخابراتیة فی الدوله الإسلامیة، فإن کان نشاط هذه الأجهزة والمجامیع التجسسیة تصب فی غرض الکشف عن الخطر الذی یهدّد سلامة المجتمع الإسلامی وسلامة المناصب الحساسة فی الدولة الإسلامیة، فلا ینبغی أن یتجاوزوا الحدود المشروعة، وحینئذ فانّ عمل هؤلاء لا یحسب فی دائرة التجسس ولا یکون مشمولاً لعنوان الغیبة المحرمة، بل هو أداء للوظیفة الشرعیة والواجب الإنسانی.

 

 


1. بحار الانوار، ج72، ص261.
2. المصدر السابق، ص253.
3. المصدر السابق، ص260.
4. کنز العمال، ج3، ص 595، ح8069.

 

5 ـ شمول دائرة الغیبة3 ـ مستثنیات الغیبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma