سیرة الأولیاء

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
نتائج سوء الخلقمنابع حسن الخلق

ومن أفضل الطرق لکسب فضیلة حسن الخلق وملاحظة نتائجها الإیجابیة على واقع الإنسان هو التحقیق فی سیرة الأولیاء العظام.

1 ـ نقرأ فی حدیث عن الإمام الحسین(علیه السلام) أنّه قال: «کَانَ رَسُولُ اللهِ(صلى الله علیه وآله) دَائِمُ البُشر، سَهلُ الخُلق، لَینُ الجَانبِ، لَیسَ بِفَظٍّ ولا غلِیظ ولا سَخّاب، ولا فَحّاش، ولا عیّاب، ولا مَدّاح، ولا یَتَغافَلُ عَمّا لا یَشتَهِی، ولا یُؤیس مِنهُ، قَد تَرکَ نَفسَهُ مِنْ ثَلاث: کَانَ لا یَذُّمُ أَحداً، ولا یُعیّرُه، ولا یَطلُبُ عَورَتَهُ، ولایَتَکَلَّمُ إِلاّ فَیما یَرجُو ثَوابَهُ، إِذا تَکَلَّمَ أَرقَ جُلساؤُهُ کَأَنّما عَلى رُؤوسِهِم الطَّیرُ، وإذا تَکَلَّمَ سَکَتُوا وإذا سَکَتَ تَکَلَّمُوا لا یُسارِعُون عِندَهُ بِالحَدیثِ، مَن تَکَلَّمَ نَصتُوا لَهُ حَتّى یَفرَغَ حَدِیثُهُم عِندَهُ حَدیث إِلَیهم، یَضحَکُ ممّا یَضحَکُونَ مِنهُ، وَیَتَعَجَّبُ ممّا یَتَعَجَّبُونَ مِنهُ، یُصبِّرُ الغریبَ عَلى الجَفوةِ فِی المنطِقِ، وَیَقُولُ: (إِذا رَأَیتُم صـاحِبَ الحَاجَة یَطلُبُها فَأَرفِدُهُ)، ولا یَقبَلُ الثَّناءَ إلاّ مِنْ مُکافیء، ولا یَقطَعُ عَلَى أَحد حَدِیثَهُ حَتّى یَجُوزَهُ فَیَقطَعُهُ بِانتهاء أَو قِیام»(1).

2 ـ ونقرأ فی حالات الإمام علی(علیه السلام) فی الروایة المعروفة أنّ الإمام کان قاصداً الکوفة فصاحب رجلاً ذمیّاً فقال له الذمّی: أین ترید یا عبدالله، قال: اُرید الکوفة، فلما عدل الطریق

بالذمّی عدل معه علی(علیه السلام)، فقال له الذمی: ألیس زعمت ترید الکوفة؟ قال: بلى.

فقال له الذمی: فقد ترکت الطریق، فقال(علیه السلام): قد علمت، فقال له: فلم عدلت معی وقد علمت ذلک؟

فقال له علی(علیه السلام): «هذا مِن تمام الصُّحبةِ أَن یُشیِّعَ الرّجلُ صـاحِبهُ هُنیئةً إذا فارَقَهُ وَکَذلِکَ أَمرنـا نَبیِّنُا».

فقال له الذمی: هکذا أمرکم نبیّکم؟ فقال: نعم، فقال له الذمّی: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الکریمة، وأنا أشهد على دینک، فرجع الذمّی مع الإمام علی(علیه السلام)، فلما عرفه أسلم»(2).

3 ـ وفی حدیث آخر فی تفسیر الإمام الحسن العسکری أنّه قال: حضرت امرأة عند الصدیقة فاطمة الزهراء(علیها السلام) فقالت: إنّ لی والدة ضعیفة وقد لبس علیها فی أمر صلاتها شیء وقد بعثتنی إلیکِ فأجابتها فاطمة(علیها السلام) عن ذلک فثنت فأجابت ثم ثلثت إلى عشرة فأجابت ثم خجلت فی الکثرة فقالت: لا أشق علیک یا ابنة رسول الله(صلى الله علیه وآله) قالت فاطمة: هاتی وسلی عمّا بدا لک، أرأیت من اکترى یوماً یصعد إلى سطح بحمل ثقیل وکراه مائة ألف دینار یثقل علیه؟ فقالت: لا، فقالت: اکتریت أنا لکل مسألة بأکثر من ملأ ما بین الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا یثقل علیَّ، سمعت أبی(صلى الله علیه وآله) یقول: «علماء شیعتنا یحشرون فیخلع علیهم خلع الکرامات على قدر کثرة علومهم وجدهم فی إرشاد عباد الله..»(3)وهذا الصبر العجیب والتعامل الملیء بالمحبّة واللطف وهذا التشبیه الجمیل الباعث على إزالة الحیاء من السائل من کثرة سؤاله کل واحدة منها مثال جمیل على حسن خلق الأولیاء العظام حیث ینبغی أن یکون درساً بلیغاً وعبرة نافعة فی طریق إرشاد الناس إلى سلوک مثل هذه الممارسات الأخلاقیة.

4 ـ وممّا ورد عن حلم الإمام الحسن(علیه السلام) أنّ شامیاً رآه راکباً (فی بعض أزقة المدینة)

فجعل یلعنه والحسن لا یردّ، فلمّا فرغ أقبل الحسن(علیه السلام) فسلّم علیه وضحک فقال:

«أیُّها الشّیخ أَظُنُّک غَریباً، وَلَعلَّک شُبّهت، فَلَو استَعتَبتَنا أَعتَبناکَ، وَلَو سَأَلتَنا أَعطَیناکَ، وَلَو استَرشَدتَنا أَرشدناک، وَلَو استَحمَلتَنا أَحملناکَ، وإن کُنتَ جـائِعاً أَشبَعنَاک، وَإِن کُنتَ عُریاناً کَسوناک، وإِن کُنتَ مُحتاجاً أَغنَیناکَ، وإِن کُنتَ طِریداً آویناکَ، وإن کانَ لَکَ حـاجَةً قَضیناها لَکَ، فَلَو حَرکتَ رَحلَکَ إِلینا وَکُنتَ ضَیفَنا إِلى وَقتِ إرتحالِک کانَ أَعود عَلَیکَ، لأنَّ لَنا مَوضِعاً رَحِباً وَجاهاً عَریضاً وَمالاً کَثَیراً».

فلمّا سمع الرجل کلامه بکى، ثم قال أَشهدُ أَنّک خَلیفة الله فی أرضه، اللهُ أَعلَمُ حیثُ یَجعلُ رسالتهُ وکنتَ أَنت وأبوک أبغضُ خلق الله إلیَّ، والآن أَنت وأبُوکَ أحبُّ خلق اللهِ إلیَّ، وَحوّل رحله إلیه، وکان ضیفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم(4).

5 ـ وجاء فی کتاب «تحف العقول»: أنّ رجلاً من الأنصار جاء إلى الإمام الحسین(علیه السلام)یرید أن یسأله حاجة، فقال(علیه السلام): «یـا أخـا الأنصار صُن وجَهک عَن بَذلِ المسألةِ وارفع حـاجتَک فِی رقعة فإنّی آت فِیها مـا سـارکَ إن شاء الله»، فکتب الأنصاری: یا أبا عبدالله إنّ لفلان علیَّ خمسمائة دینار وقد الجّ بی فکلّمه ینظرنی إلى میسرة، فلما قرأ الإمام الحسین(علیه السلام) الرقعة، دخل إلى منزله فأخرج صرّة فیها ألف دینار وقال(علیه السلام) له: «أَما خمسمائة فاقض بِها دینک وأمّا خمسمائة فاستعن بِها على دَهرِکَ ولا تَرفع حـاجتَکَ إلاّ إِلى أحد ثلاث: إِلى ذِی دین، أَو مروّة، أو حسب، فأمّا ذو الدین فَیصُون دِینُهُ، وأَمّا ذو المُروة فإنّه یستحی لمروّته، أَمّا ذو الحسب فیعلم أنّک لم تکرم وجهکَ أن تَبذلُه فِی حاجتِکَ فَهو یَصون وَجهکَ أن یردَک بِغیر قضاءِ حـاجتِک»(5).

6 ـ ونقرأ فی حالات الإمام زین العابدین أنّه وقف على علی بن الحسین(علیه السلام)رجل من أهل بیته فأسمعه وشتمه فلم یکلّمه، فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا اُحب أن تبلغوا معی إلیه حتّى تسمعوا منّی ردی علیه.

فقالوا له: نفعل ولقد کنّا نحبّ أن تقوله له ونقول، قال: فأخذ نعلیه ومشى وهو یقول: (...وَالْکَاظِمِینَ الْغَیْظَ وَالْعَافِینَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ یُحِبُّ الُْمحْسِنِینَ)(6).

فعلمنا أنّه لا یقول له شیئاً قال: فخرج إلینا متوثباً للشر وهو لا یشک أنّه إنّما جاءه مکافیاً له على بعض ما کان منه فقال له علی بن الحسین(علیه السلام): «یـا أَخی إنَّکَ کُنتَ قَد وَقفتَ علیَّ آنفاً قُلتَ وَقُلتَ فإن کُنتَ قَد قُلتَ ما فیَّ فأنا استغفرُ اللهَ مِنهُ وإن کُنتَ قُلتَ ما لَیس فیَّ فَغفرَ اللهُ لَکَ».

قال (الراوی) فقبل الرجل بین عینیه وقال: بلى قلت فیک ما لیس فیک وأنا أحق به.

قال الراوی الحدیث: والرجل هو الحسن بن الحسن(علیه السلام)(7).

7 ـ ونقرأ فی حالات الإمام الباقر: عن محمد بن سلیمان عن أبیه قال: کان رجل من أهل الشام یختلف على أبی جعفر(علیه السلام) (الإمام الباقر) وکان مرکزه بالمدینة یختلف إلى مجلس أبی جفعر یقول له: یا محمد ألا ترى أنّی إنّما أغشى مجلسک حیاء منک ولا أقول أنّ أحداً فی الأرض أبغض إلیَّ منکم أهل البیت، وأعلم أنّ طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمیرالمؤمنین فی بغضکم ولکن أراک رجلاً فصیحاً لک أدب وحسن لفظ، فإنّما اختلافی إلیک لحسن أدبک.

وکان أبو جعفر(علیه السلام) یقول له خیراً ویقول: لن تخفى على الله خافیة فلم یلبث الشامی إلاّ قلیلاً حتى مرض واشتدّ وجعه، فلمّا ثقل دعا ولیّه وقال له: إذا أنت مددت علیَّ الثوب فأت محمد بن علی(علیه السلام) وسله أن یصلّی علیَّ واعلمه إنّی أنا الذی أمرتک بذلک.

قال: فلمّا أن کان فی نصف اللیل ظنّوا أنّه قد برد وسجّوه، فلمّا أن أصبح الناس خرج ولیّه إلى المسجد، فلمّا أن صلّى محمد بن علی(علیه السلام) وتورّک وکان إذا صلّى عقب فی مجلسه، قال له: یا أبا جعفر إنّ فلان الشامی قد هلک وهو یسألک أن تصلی علیه.

فقال أبوجعفر(علیه السلام): کلاّ إنّ بلاد الشام بلاد صرد والحجاز بلاد حر لهبها شدید انطلق فلا تعجلنّ على صاحبک حتى آتیکم ثم قام(علیه السلام) من مجلسه فأخذ وضوءاً ثم عاد فصلّى رکعتین ثم مدّ یده تلقاء وجهه ما شاء الله ثمّ خرّ ساجداً حتّى طلعت الشمس ثم نهض فانتهى إلى منزل الشامی، فدخل علیه فدعاه فأجابه ثم أجلسه وأسنده ودعا له بسویق فسقاه وقال لأهله: املؤوا جوفه وبرّدوا صدره بالطعام البارد. ثمّ انصرف(علیه السلام)، فلم یلبث إلاّ قلیلاً حتّى عوفی الشامی فأتى أبا جعفر(علیه السلام)فقال: اخلنی فأخلاه، فقال: أشهد أنّک حجّة الله على خلقه وبابه الذی یؤتى منه فمن أتى من غیرک خاب وخسر وضلّ ضلالاً بعیداً.

قال له أبو جعفر(علیه السلام): وما بدا لک؟

قال: أشهد أنّی عهدت بروحی وعاینت بعینی فلم یتفاجأنی إلاّ ومناد ینادی اسمعه بأذنی ینادی وما أنا بالنائم ردّوا علیه روحه فقد سألنا ذلک محمد بن علی.

فقال له أبوجعفر(علیه السلام): «أَما عَلِمتَ أَنّ اللهَ یُحبُّ العَبدَ ویُبغِضُ عَمَلهُ ویُبغض العبد ویحبّ علمه؟»، (أی کما أنّک کنت مبغوضاً لدى الله لکنّ عملک وهو حبّنا مطلوباً عنده تعالى).

قال الراوی: فصار بعد ذلک من أصحاب أبی جعفر(علیه السلام)(8).

8 ـ ورد فی الحدیث المعروف فی حالات الإمام الصادق المذکور فی مقدمة (توحید المفضل) أنّ المفضل بن عمر قال کنت ذات یوم بعد العصر جالساً فی الروضة وبین القبر والمنبر وأنا مفکّر فیما خصّ الله به سیّدنا محمداً من الشرف والفضائل، وما منحه وأعطاه وشرّفه به وحباه لا یعرفه الجمهور من الاُمّة، وما جهلوه من فضله وعظیم منزلته وخطر مرتبته، فإنّی لکذلک إذ أقبل ابن أبی العوجاء فجلس بحیث أسمع کلامه، فلمّا استقرّ به المجلس إذا رجل من أصحابه قد جاء فجلس إلیه فتکلّم ابن أبی العوجاء؟ فقال: لقد بلغ صاحب هذا القبر العزّ بکماله، وحاز الشرف بجمیع خصاله، ونال الحظوة فی کل أحواله، فقال له صاحبه: إنّه کان فیلسوفاً إدّعى المرتبة العظمى والمنزلة الکبرى، وأتى على ذلک بهجرات بهرت العقول، وضّلت فیها الأحلام، وغاصت الألباب على طلب علمها فی بحار الفکر فرجعت خاسئات وهی حسیر، فلمّا استجاب لدعوته العقلاء والفصحاء والخطباء دخل الناس فی دینه أفواجاً فقرن اسمه باسم ناموسه، فصار یهتف به على رؤوس الصوامع فی جمیع البلدان...

فقال ابن أبی العوجاء: دع ذکر محمد، فقد تحیّر فیه عقلی، وضلّ فی أمره فکری، وحدثنا فی ذکر الأصل الذی یمشی به، ثمّ ذکر ابتداء الأشیاء وزعم أنّ ذلک باهمال لا صنعة فیه ولا تقدیر، ولا صانع له ولا مدبّر، بل الأشیاء تتکوّن من ذاتها بلا مدبّر، وعلى هذا کانت الدنیا لم تزل ولا تزال.

قال المفضّل: فلم أملک نفسی غضباً وغیظاً وحنقاً، فقلت: یا عدوّ الله ألحدت فی دین الله، وأنکرت الباری جلّ قدسه الذی خلقک فی أحسن تقویم، وصوّرک فی أتمّ صورة، ونقلک فی أحوالک حتى بلغ بک إلى حیث انتهیت.

فقال ابن أبی العوجاء: یا هذا إن کنت من أهل الکلام کلّمناک، فإن ثبت لک حجّة تبعناک، وإن لم تکن منهم فلا کلام لک، وإن کنت من أصحاب جعفر بن محمد (الصادق)، فما هکذا یخاطبنا، ولا بمثل دلیلک یجادلنا، ولقد سمع من کلامنا أکثر ممّا سمعت، فما أفحش فی خطابنا ولا تعدّى فی جوابنا، وإنّه للحلوم الرزین العاقل الرصین لا یعتریه خرق ولا طیش ولا نزق، ویسمع کلامنا ویصغی إلینا ویستعرف حجّتنا حتى إذا استفرغنا ما عندنا وظننا أن قد قطعناه أدحض حجّتنا بکلام یسیر وخطاب قصیر یلزمنا به الحجّة، ویقطع العذر، ولا نستطیع لجوابه ردّاً، فان کنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه(9).

9 ـ ونقرأ فی حالات الإمام موسى بن جعفر أنّ رجلاً من ولد عمر بن الخطاب کان بالمدینة یؤذیه ویشتم علیاً(علیه السلام) قال: وکان قد قال له بعض حاشیته دعنا نقتله فنهاهم عن ذلک أشدّ النهی وزجرهم أشدّ الزجر وسأل عن العمری فذکر له أنّه یزرع بناحیة من نواحى المدینة، فرکب إلیه فی مزرعته فوجده فیها فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمری لا تطأ زرعنا فوطئه بالحمار حتى وصل إلیه فنزل فجلس عنده وضاحکه وقال له: کم غرمت فی زرعک هذا قال له: مائة دینار قال: فکم ترجو أن یصیب، قال له: أنا لا أعلم الغیب، قال: إنّما قلت لک کم ترجو أن یجیئک فیه قال: أرجو أن یجیئنی مائتا دینار، قال: فأعطاه ثلاثمائة دینار، وقال: هذا زرعک على حاله، قال: فقام العمری فقبل رأسه وانصرف.

قال الراوی: فراح المسجد فوجد العمری جالساً فلمّا نظر إلیه قال: الله أعلم حیث یجعل رسالته، قال: فوثب أصحابه فقالوا له: ما قصتّک؟ قد کنت تقول خلاف هذا، قال: فخاصمهم وشاتمهم، قال: وجعل یدعو لأبی الحسن موسى کلّما دخل وخرج، قال فقال أبو الحسن موسى الکاظم(علیه السلام) لحاشیته الذین أرادوا قتل العمری: «أیما کان خیر ما أردتم أو ما أردت أصلح أمره بهذا المقدار»(10).

10 ـ وهکذا ورد فی سیرة الإمام علی بن موسى الرضا(علیه السلام) وکیفیة تعامله مع الناس من موقع المحبّة واللطف، نقل عن الیسع بن حمزة، قال: کنت فی مجلس أبی الحسن الرضا(علیه السلام)اُحدثه وقد اجتمع إلیه خلق کثیر یسألونه عن الحلال والحرام، إذ دخل علیه رجل طوال آدم فقال: السلام علیک یابن رسول الله(صلى الله علیه وآله)رجل من محبیک ومحبّی آبائک وأجدادک مصدری من الحج وقد افتقدت نفقتی وما معی ما أبلغ به مرحلة، فإن رأیت أن تنهضنی إلى بلدی ولله علیَّ نعمة، فإذا بلغت بلدی تصدقت بالذی تولینی عنک فلست بموضع صدقة.

فقال له الإمام(علیه السلام): اجلس یرحمک الله، واقبل على الناس یحدثهم حتّى تفرقوا وبقی هو وسلیمان الجعفری وخیثمة وأنا، فقال: أتأذنون لی فی الدخول؟

فقال له سلیمان: قدم الله أمرک، فقام ودخل الحجرة وبقی ساعة ثم خرج ورد الباب وأخرج یده من أعلى الباب، وقال این الخراسانی؟ فقال: ها أناذا.

فقال(علیه السلام): خذ هذه المأتی دینار فاستعن بها فی مؤنتک ونفقتک وتبرک بها ولا تصدق بها عنّی واخرج فلا أراک ولا ترانی، ثم خرج، فقال سلیمان الجعفری: جعلت فداک لقد اجزلت ورحمت فلماذا استرت وجهک عنه؟

فقال(علیه السلام): مخافة أن أرى ذلّ السؤال فی وجهه لقضائی حاجته، أما سمعت حدیث رسول الله(صلى الله علیه وآله): «المُستَترُ بِالحسنَةِ تَعدِلُ سَبعِینَ حِجَّةً، وَالمُذِیعُ بِالسیئَةِ مَخذُول، وَالمُستَترُ ]بِها مَغفُورٌ لَهُ»، أَما سمعت قول الأول:

متى آته یوماً اطالب حاجة *** رجعت إلى أهلی ووجهی بمائه(11).

11 ـ ونقرأ فی حالات الإمام الجواد(علیه السلام)، عن علی بن جریر قال: کنت عند أبی جعفر ابن الرضا(علیهما السلام) جالساً وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجیران یجرّونهم إلیه ویقولون: أنتم سرقتم الشاة، فقال أبو جعفر الإمام الجواد(علیه السلام): ویلکم خلّوا عن جیراننا فلم یسرقوا شاتکم الشاة فی دار فلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره، فخرجوا فوجدوها فی داره، وأخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثیابه، وهو یحلف أنّه لم یسرق هذه الشاة إلى أن صاروا إلى أبی جعفر(علیه السلام) فقال: ویحکم ظلمتم الرجل فإنّ الشاة دخلت داره وهو لا یعلم بها، فدعاه فوهب شیئاً بدل ما خرق من ثیابه وضربه(12).

12 ـ وکذلک ورد فی سیرة الإمام الهادی(علیه السلام) عن أبی هاشم الجعفری قال: أصابنی ضیقة شدیدة فصرت إلى أبی الحسن علی بن محمد (الإمام الهادی(علیه السلام)) فأذن لی فلمّا جلست قال: یا أبا هاشم أی نعم الله عزّوجلَّ عَلَیکَ تُریدُ أَن تُؤدّی شُکرَها؟ قال أبو هاشم: فوجمت فلم أدری ما أقول له.

فأبتدأ(علیه السلام) فقال: «رَزقَک الإیمانَ فَحرَّمَ بَدَنَک عَلى النّارِ، وَرَزَقَکَ العـافِیةَ فَأعانَتکَ عَلَى الطَّاعَةِ، وَرَزَقَکَ القنُوعَ فَصانَکَ عَن التَّبَذُّلِ، یـا أبا هاشم إِنَّما ابتدأتُکَ بِهذا لأَنّی ظننتُ تُریدُ أن تَشکُو لِی مَن فَعَلَ بِکَ هذا، وَقَد أَمرتُ لَکَ بِمائةِ دینار فَخُذهـا»(13).

13 ـ وأورد (الکلینی) فی الجزء الأول من اُصول الکافی ـ حول الإمام العسکری(علیه السلام)ـ أنّه قال: «حُبِس أبو مَحمّد (الإمام العسکری) عِندَ عَلی بن نارمش وهَو أنصب الناس وأشدّهم عَلى آل أبی طالب وَقِیلَ لَهُ: افعل به وافعل ـ یعنی مِن السوء وَالاذى ـ فما أقام ـ الإمام ـ عِندَهُ إلاّ یَوماً حَتّى وَضَعَ خدیَّه لَه، وَکانَ لا یَرفَع بَصره إلیهِ إجلالاً وإعظاماً فَخرجَ مِن عِندِهِ وهو أحسنَ النّاسَ بَصیرة وَأحَسنهم فِیهِ قَولاً»(14).

14 ـ وجاء فی الروایات عن الإمام المهدی أرواحنا فداه وحسن خلقه وعنایته بالأشخاص الذین یتشرفون بلقائه روایات وقصص کثیرة، منها ما ذکره المرحوم (المحدّث النوری) فی کتابه (جنّة المأوى) عن أحد علماء النجف الأشرف أنّه قال: کان فی النجف الأشرف رجل مؤمن یسمّى الشیخ محمد حسن السریرة، وکان فی سلک أهل العلم ذا نیة صادقة، وکان معه مرض السعال إذا سعل یخرج من صدره مع الأخلاط دم، وکان مع ذلک فی غایة الفقر والاحتیاج لا یملک قوت یومه، وکان یخرج فی أغلب أوقاته إلى البادیة إلى الأعراب الذین فی اطراف النجف الأشرف لیحصل له قوت ولو شعیر وما یتیسر ذلک، وکان یکفیه مع شدّة رجائه وکان مع ذلک قد تعلق قلبه بتزویج امرأة من أهل النجف، وکان یطلبها من أهلها وما أجابوه إلى ذلک لقلّة ذات یده، وکان فی هم وغم شدید من جهة ابتلائه بذلک، فلما اشتدّ به الفقر والمرض وأیس من تزوج البنت عزم على ما هو معروف عند أهل النجف من أنّه من أصابه أمر فواظب الرواح إلى مسجد الکوفة أربعین لیلة أربعاء، فلابدّ أن یرى صاحب الأمر عجّل الله فرجه من حیث لا یعلمویقضی له مراده، فواظب على ذلک أربعین لیلة أربعاء، فلما کان اللیلة الأخیرة وکانت لیلة شتاء مظلمة وقد هبّت ریح عاصفة فیها قلیل من المطر وأنا جالس فی الدکة التی هی داخل باب المسجد وکانت الدکة الشرقیة المقابلة للباب الأول تکون على الطرف الأیسر عند دخول المسجد ولا أتمکن الدخول فی المسجد من جهة سعال الدم ولا یمکن قذفه فی المسجد ولیس معی شیء اتقی فیه عن البرد وقد ضاق صدری واشتد علیَّ همّی وغمّی وضاقت الدنیا فی عینی وافکر أن اللیالی قد انقضت وهذه آخرها وما رأیت أحداً ولا ظهر لی شیء وقد تعبت هذا التعب العظیم وتحملت المشاق والخوف فی أربعین لیلة أجیىء فیها من النجف إلى مسجد الکوفة ویکون لی الایاس من ذلک، فبینما أنا اُفکر فی ذلک ولیس فی المسجد أحد أبداً وقد أوقدت النار لأسخن علیها قهوة جئت بها من النجف لا أتمکن فی ترکها لتعودی علیها وکانت قلیلة جدّاً إذا بشخص من جهة الباب الأول متوجهاً إلیَّ، فلما نظرته من بعید تکدرت وقلت فی نفسی هذا اعرابی من أطراف المسجد قد جاء إلیَّ لیشرب من القهوة أبقى بلا قهوة فی هذا اللیل المظلم ویزید علیَّ همّی وغمّی، فبینما أنا اُفکر إذا به قد وصل إلیَّ وسلّم علیَّ باسمی وجلس فی مقابلی فتعجبت من معرفته باسمی وظننته من الذین أخرج إلیهم فی بعض الأوقات من أطراف النجف أسأله من أی العرب یکون؟ قال: من بعض العرب، فصرت أذکر له الطوائف التی فی أطراف النجف فیقول: لا لا وکلما ذکرت له طائفة قال: لا لست منها فاغضبنی، وقلت له: أجل أنت من طریطرة مستهزءاً هو لفظ بلا معنى، فتبسّم(علیه السلام) من قولی ذلک وقال: لا علیک من این کنت ما الذی جاء بک إلى هنا، فقلت: وأنت ما علیک السؤال عن هذه الاُمور؟

فقال: ما ضرّک لو أخبرتنی فاعجبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه فمال قلبی إلیه وصار کلّما تکلم ازداد حبّی له فعملت له السبیل من التتن وأعطیته فقال: أنت اشرب فأنا لا أشرب وصببت فی الفنجان قهوة وأعطیته فأخذه وشرب شیئاً قلیلاً منه ثم ناولنی الباقی وقال: أنت اشربه فأخذته وشربته ولم التفت إلى عدم شربه تمام الفنجان، ولکن ازداد حبّی به آناً فآناً.

فقلت له: یا أخی قد ارسلک الله إلیَّ فی هذه اللیلة تأتینی أفلا تروح معی إلى أن نجلس فی حضرة مسلم(علیه السلام) ونتحدّث؟ فقال: أروح معک فحدّث حدیثک.

فقلت له: أحکی لک الواقع أنا فی غایة الفقر والحاجة مذ شعرت على نفسی ومع ذلک معی سعال أتنخع الدم وأقذفه من صدری منذ سنین ولا أعرف علاجه وما عندی زوجة وقد علق قلبی بامرأة من أهل محلتنا فی النجف ومن جهة قلّة ما فی الید ما تیسّر أخذها.

وقد غرّنی هؤلاء الملائیة وقالوا لی: اقصد فی حوائجک صاحب الزمان وبت أربعین لیلة أربعاء فی مسجد الکوفة فانک تراه ویقضی لک حاجتک وهذه آخر لیلة من الأربعین وما رأیت فیها شیئاً وقد تحملت هذه المشاق فى  هذه اللیالی فهذا الذی جاءنی هنا وهذه حوائجی.

 

فقال لی وأنا غافل غیر ملتفت: أمّا صدرک فقد برأ وأمّا الامرأة فتأخذها عن قریب، وأمّا فقرک فیبقى على حاله حتى تموت وأنا غیر ملتفت إلى هذا البیان أبداً.

فقلت: ألا تروح إلى حضرة مسلم؟ قال: نعم فقمت وتوجّه أمامی فلّما وردنا أرض المسجد فقال: ألا تصلّی تحیة المسجد، فقلت: افعل فوقف هو قریباً من الشاخص الموضوع فی المسجد وأنا خلفه بفاصلة فاحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.

فبینما أنا أقرأ وإذا یقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحداً مثلها أبداً، فمن حسن قراءته قلت فی نفسی لعله هذا هو صاحب الزمان وذکرت بعض کلمات له تدل على ذلک ثم نظرت إلیه بعدما خطر فی قلبی ذلک وهو فی الصلاة وإذا به قد أحاطه نور عظیم منعنی من تشخیص شخصه الشریف وهو مع ذلک یصلّی وأنا أسمع قراءته وقد ارتعدت فرائصی ولا استطیع قطع الصلاة خوفاً منه فأکملتها على أی وجه کان وقد علا النور من وجه الأرض فصرت اندبه وأبکی واتضجر واعتذر من سوء أدبی معه بباب المسجد وقلت له: أنت صادق الوعد وقد وعدتنی الرواح معی إلى مسلم.

فبینما أنا اُکلم النور وإذا بالنور قد توجّه إلى جهة مسلم فتبعته فدخل النور الحضرة وصار فی جو القبة ولم یزل على ذلک ولم ازل أندبه وأبکی حتى إذا طلع الفجر عرج النور.

فلّما کان الصباح التفت إلى قوله، أمّا صدرک فقد برأ وإذا أنا صحیح الصدر ولیس معی سعال أبداً، وما مضى اسبوع إلاّ وسهّل الله علی أخذ البنت من حیث لا أحتسب وبقی فقری على ما کان کما أخبر صلوات الله وسلامه علیه وعلى آبائه الطاهرین(15).

وما ذکر أعلاه نماذج ونقاط مضیئة من سیرة الأئمّة والأولیاء العظام وبما یکون بمثابة تجلّیات نورانیة لسلوکهم الأخلاقی السامی وحسن تعاملهم مع الصدیق والعدو، وهذه النماذج القلیلة تدل على مدى تأکید هؤلاء العظام والقادة على هذه السجیة وأهمیّتها فی حیاة الإنسان المعنویة، وما ورد فی القرآن الکریم حکایة عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) من حسن الخلق العظیم نجده مترجماً فی سلوکیات الأئمّة الکرام(علیهم السلام) فی دائرة العمل والسلوک الأخلاقی، نعم فإنّ الدعوة إلى حسن الخلق لا تکون باللسان فقط ومن خلال التوصیات والإرشادات الکلامیة، بل إنّ الممارسة الأخلاقیة والتحرّک الأخلاقی العملی یمثّل أسمى نداء أخلاقی وإرشاد تربوی فی عملیة التکامل المعنوی والحضاری للبشریة.

 


1. جلالء الأفهام، لابن قیم الجوزی، ص92.
2. سفینة البحار، ج2، ص692 الطبعة الحدیثة.
3. بحار الانوار، ج2، ص3.
4. بحار رالانوار، ج43، ص344.
5. تحف العقول، ص178.
6. سورة آل عمران، الآیة 134.
7. منتهى الآمال،
8. منتهى الآمال، ص63 (بتلخیص).
9. بحار الانوار، ج3، ص57 و 58 (مع التلخیص).
10. أعیان الشیعة، ج2، ص7.
11. فروع الکافی، ج4، ص23، ح3 مع قلیل من التلخیص.
12. بحار الانوار، ج50، ص47.
13. المصدر السابق، ص129.
14. اصول الکافی، ج 1، ص508، ح8.
15. جنّة المأوى، المطبوع بضمیمة ج53، ص240.

 

نتائج سوء الخلقمنابع حسن الخلق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma