تفسیر واستنتاج

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
الکذب فی الروایات الإسلامیةتنویه

«الآیة الاُولى» تتحدّث عن أنّ الکاذب هو الشخص الذی إنعدم فیه الإیمان بالله تعالى وأنّ الکاذب الحقیقی هو غیر المؤمنین فتقول: (إِنَّمَا یَفْتَرِی الْکَذِبَ الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِآیَاتِ اللهِ وَأُوْلَئِکَ هُمْ الْکَاذِبُونَ).

وهذا فی الوقت الذی کان فیه أعداء الإسلام من المشرکین الجاهلیین عندما یرون بعض آیات القرآن الکریم قد نسخت بسبب تغییر الظروف الزمانیة وإستبدلت الأحکام السابقة بأحکام جدیدة، فکان ذلک ذریعة لدیهم فی إتهامهم النبی(صلى الله علیه وآله) بالکذب، وقولهم أنّ هذا النبی له معلّم یعلّمه هذه الآیات (ومرادهم من المعلّم غلامین نصرانیین أحدهما یدعى یسار، والآخر جبر، أو رجل نصرانی یدعى بلعام الرومی) فی حین أنّ القرآن الکریم نزل بلسان عربی فصیح وهؤلاء کانوا من الأعاجم.

القرآن الکریم فی مقام الجواب على إدّعاءات المشرکین الواهیة یقرّر أنّ النبی الأکرم یتلقى الوحی الإلهی الذی ینزل به روح القدس من الله تعالى وأنّ آثار الإیمان والصدق جلیّة فی کلامه، والأشخاص الذین یکذبون فی کلامهم لا یؤمنون بالله تعالى، أی أنّ الإیمان لا یجتمع مع الکذب، والمؤمن الحقیقی لا یتحرّک لسانه من موقع الکذب اطلاقاً.

وجملة (یفتری الکذب) فی الواقع تأکید على کذبهم، أی أنّهم یرتکبون الکذب والتهمة فی نفس الوقت، أو کما یقول الطبرسی فی مجمع البیان بمعنى (یخترع الکذب) وهذا یعنی أنّهم یختلقون کلاماً لا أصل له (الافتراء بمعنى فریة، هو فی الأصل بمعنى قطع، ثم استعمل فی کل عمل سلبی ومذموم ومنه الشرک والکذب والتهمة).

وفی الواقع فإنّ النسبة بین الکذب والافتراء هی نسبة العموم والخصوص المطلق، فالکذب یعنی کل کلام مخالف للواقع، ولکنّ الافتراء أو التهمة هی أن یکون الکلام یحتوی فی مضمونه على نسبة عمل مذموم إلى شخص معیّن.

ویحتمل أنّ قوله (یفتری الکذب) إشارة إلى رؤساء المشرکین وقادة الکفر حیث یختلقون الکذب والعناوین من قبیل شاعر وساحر وینسبونها إلى النبی(صلى الله علیه وآله)ویتبعهم الآخرون بذلک.

وعلى أیة حال فإنّ الآیة أعلاه تبیّن بوضوح أنّ الکذب لا یجتمع مع الإیمان اطلاقاً، ولذلک ورد فی تفسیر هذه الآیة روایة عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) عندما سُئل: «یـا رَسُولَ اللهِ المُؤمِنُ یَزنی؟ قال: بلى، قالوا: المُؤمِنُ یَسرُقُ؟ قال: بلى، قالوا: المُؤمِنُ یَکذِبُ؟ قال: لا، ثُمَّ قرأ هذه الآیة..»(1).

وبالطبع فلابدّ من ملاحظة أنّ الإیمان له مراحل ومراتب مختلفة.

«الآیة الثانیة» من الآیات محل البحث تصّرح (إِنَّ اللهَ لاَ یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ).

ومن المعلوم أنّ الهدایة والضلالة هما بید الله تعالى حتى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) لا یتمکن أن یهدی شخصاً ما لم تتعلّق بذلک مشیئة الله تعالى وإرادته کما ورد فی الآیة الشریفة: (إِنَّکَ لاَ تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَکِنَّ اللهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِینَ)(2).

ولکن هذا لا یعنی أنّ الله تعالى یجبر بعض الناس على الهدایة والبعض الآخر على الضلالة والانحراف، ثمّ یهب الجنّة ونعیمها الدائم الى الطائفة الاُولى ویرسل الطائفة الثانیة إلى النار، فهذا هو مذهب الجبر الذی لا ینسجم مع العقل والمنطق ولا مع العدل الإلهی.

والمقصود من ذلک أنّه متى ما تهیأت الأرضیة للهدایة والضلالة فی الإنسان بواسطة أعماله وأفعاله فإنّ الله تعالى سیمدّه بما یتوافق مع لیاقته وقابلیاته، فیعین الطائفة الاُولى للوصول إلى کمالهم المعنوی فی خط الإیمان والعبودیة والطاعة ویزیدهم من فضله ولطفه، ویرفع یده عن الطائفة الثانیة لیبقوا فی حیرتهم وفی دوّامة من السلوکیات المنحرفة والعقائد الباطلة التی لا یصلون معها إلى مقصودهم النهائی.

 ومن أهم الاُمور التی توفّر الأرضیة للضلالة والزیغ والانحراف هو الکذب والاسراف وکفران النعمة التی وردت فی هاتین الآیتین حیث یفهم بوضوح من سیاق هاتین الآیتین أنّ من یقول بالجبر وأنّ الله تعالى هو الذی یهدی ویضل عباده دون أن یکون لهم الخیرة فی ذلک فإنّ کلامهم هذا واعتقادهم مجانب للحق والصواب کثیراً وأنّ استدلالهم بهاتین الآیتین هو فی الواقع خلاف الظاهر من جو هاتین الآیتین وسیاقهما.

أجل، فإنّ الکذب یعتبر من أهم العوامل فی اضلال الإنسان وشقائه.

ویمکن أن یکون مورد هاتین الآیتین هو نسبة الکذب إلى الله تعالى والانحراف عن أصل التوحید، ولکنّ المورد لا یخصص الوارد کما فی الاصطلاح، أی أنّ خصوصیة المورد لا تمنع من عمومیة الحکم الوارد فی هاتین الآیتین.

أمّا العلاقة بین الکذب وکفران النعمة الوارد فی الآیة الاُولى فهو یشیر إلى هذه الحقیقة وهی أنّ بنی اسرائیل کفروا بنعمة وجود موسى(علیه السلام) فیما بینهم لهدایتهم وکذّبوه، والعلاقة بین الاسراف والکذب فی الآیة الثانیة هو من جهة أنّ الفراعنة تحرّکوا من موقع عصیان الأمر الإلهی وظلمهم لبنی اسرائیل وقتل أولادهم، فهؤلاء سلکوا طریق الاسراف وکذّبوا بنبوّة موسى(علیه السلام).

«الآیة الرابعة» تستعرض اسلوب المنافقین فی التظاهر بالإیمان والعمل الصالح وتتحدّث عن (ثعلبة بن حاطب الأنصاری) الذی کان قد عاهد الله تعالى أنّه إذا رزقه مالاً کثیراً فإنّه سیتصدّق على الفقراء والمساکین ولکنّ سلوکه العملی کان مخالفاً لقوله ووعده حیث نقض عهده مع الله تعالى بعد أن رزقه المال والثروة وأصبح من الموسرین، ویقول الله تعالى فی هذه الآیة: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِی قُلُوبِهِمْ إِلَى یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ).

ثم تضیف الآیة أنّ ذلک کان بسبب نقضهم للعهد وکذبهم على الله تعالى: (بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا کَانُوا یَکْذِبُونَ).

والجدیر بالذکر أنّ نقض العهد مع الله تعالى یعتبر نوع من الکذب العملی.

وعلى أیة حال فالآیة أعلاه تصرح بأنّ نقض العهد کذب یورث الإنسان روح النفاق فی قلبه إلى آخر حیاته، وما أشدّ هذه العقوبة فی دائرة أرکان الشخصیة ودعائمها.

أمّا العلاقة بین هذین الذنبین (نقض العهد والکذب) وبین النفاق فواضحة، لأنّ النفاق لیس شیئاً سوى اختلاف الظاهر والباطن وأن یکون الإنسان ذا لسانین کما فی اصطلاح الروایات، ونقض العهد والکذب أیضاً هو عبارة عن التظاهر بالتمسک والانضباط بالوعد وبالمیثاق من موقع المسؤولیة والتعهد القلبی فی حین أنّ الواقع الباطنی لا یتطابق مع هذا الظاهر الخادع.

أجل، فإنّ الکثیرین من أمثال ثعلبة بن حاطب الأنصاری عندما یعیشون حالة الضیق والعسر فی حرکة الحیاة یلجأون إلى الله تعالى بجمیع وجودهم وکیانهم لیحل لهم مشکلاتهم ویبذلون له العهود والمواثیق والنذور فی هذا السبیل، ولکن عندما یستجیب الله تعالى لهم وتنفرج الأزمة ویحصلون على ما یریدون یتعاملون مع عهودهم ومواثیقهم من موقع النسیان والتغافل، وهذا هو المصداق لنقض العهد والکذب والنفاق فی عملیة التعامل مع الحیاة والواقع (نسأل الله تعالى أن یحفظنا من شرّ هذه الآثام والسلوکیات الدنیئة).

«الآیة الخامسة» تتحدّث عن صفات وأعمال المنافقین القبیحة وتسلّط الضوء خاصة على مسألة الکذب وتقول:(فِی قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُم اللهُ مَرضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ بِمَا کَانُوا یَکْذِبُونَ).

فهذه الآیة لم تتحدّث بشکل دقیق عن نوع الکذب الذی کانوا یرتکبونه ولعله إشارة إلى الکذب الذی أشارت إلیه الآیة السابقة، ومن ذلک إدّعائهم الإیمان بالله فی حین أنّهم غیر مؤمنین فی قلوبهم، والآخر الخداع والغش الذی کانوا یمارسونه مع المؤمنین ویستغفلونهم فی عملیة التعامل معهم، والأهم من ذلک أنّهم کانوا یستفیدون من کل فرصة فی سبیل تکذیب الرسالة الإلهیة والرسول الکریم، ولکن على أیّة حال، فإنّ هذه الآیة تقول: إنّ العذاب الألیم الذی ینتظر هؤلاء هو بسبب کذبهم، وهذا یدل على أنّ أشدّ وأشنع أعمال المنافقین هو أنّهم کانوا یرتکبون الکذب ویخترعون الإفک، بالرغم من أنّهم کانوا یرتکبون ذنوباً کثیرة إلى جانب الکذب.

ومن الواضح أنّ المقصود بالمرض فی هذه الآیة هو مرض النفاق الذی یعدّ مرضاً أخلاقیاً ناشئاً من انفصام شخصیة المنافق واهتزاز وجدانه بحیث یعیش بین الناس بلسانین ووجهین وظاهره یختلف عن باطنه.

«الآیة السادسة» تتحرّک على مستوى بیان قسم خاص من أقسام الکذب، وهو الکذب على الله تعالى، حیث تخاطب الآیة الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) وتقول: (قُلْ إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْکَذِبَ لاَ یُفْلِحُونَ).

أساساً فانّ الکذب لا یجتمع مع الفلاح والموفقّیة فی حرکة الحیاة وخاصّة إذا کان الکذب على الله والأنبیاء الإلهیین، والمراد من الکذب على الله فی هذه الآیة (وبقرینة الآیات السابقة لها) هو أنّ المشرکین کانوا یعتقدون بأنّ الملائکة هم بنات الله، وقیل أنّ المراد هو دعوى المسیحیین بأنّ المسیح ابن الله، وکذلک دعوى الیهود بأنّ عزیر إبن الله، وعلى أیة حال فانّ نسبة هذه الاُمور إلى الله تعالى من الکذب الفاضح والجلی، لأنّ الله تعالى لیس بجسم ولا یتصف بالعوارض الجسمانیّة ولیست له زوجة وأبناء.

وأساساً فانّ فلسفة وجود الابن تکون معقولة فی دائرة نظام الخلقة على مستوى الإنسان وحاجاته الفطرّیة والطبیعیة، فانّ الإنسان یحتاج إلى الأبناء لبقاء النسل والقیام بمعونته وإسناده فی حرکة المعیشة الشاقّة أمام تحدّیات الواقع والحیاة، أمّا مفهوم الأبن بالنسبة إلى الله تعالى وهو الغنی على الاطلاق والقادر على کل شیء فلا معنى له فی دائرة العقل والمنطق.

ومن الجدیر بالتأمّل أنّ الآیة المذکورة اعتبرت عمل المشرکین مصداقاً للکذب والإفتراء، وهذا یعنی أنّ الکذب له مفهوم واسع یستوعب فی مضمونه الإفتراء أیضاً (وکما فی الأصطلاح أنّ النسبة بینهما نسبة العموم والخصوص المطلق) فالکذب هو أن یتحدّث الإنسان بکلام مخالف للواقع سواءً کان یتحدّث عن شخص معیّن أو شیء آخر، ولکنّ التهمة والإفتراء هو نسبة عمل قبیح وغیر واقعی إلى شخص معیّن، فهنا یتحقق مصداق الکذب ومصداق التهمة أیضاً.

ونفس مضمون هذه الآیة ورد فی الآیة 116 من سورة النحل حیث تقول الآیة: (إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْکَذِبَ لاَ یُفْلِحُون)

«الآیة السابعة» والأخیرة من الآیات مورد البحث تستعرض واقعة المباهلة المعروفة والتی تستبطن فی طیّاتها الکلام عن قسم خاص من أقسام الکذب، أی نسبة الکذب إلى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، ویترتّب على ذلک لعنة الله على الکاذبین حیث تقول الآیة: (فَمَنْ حَاجَّکَ فِیهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَکُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْکَاذِبِینَ
).

(المباهلة) فی الأصل من مادّة بهل (على وزن سهل) بمعنى الترک للشىء، وقد ورد فی التفاسیر أنّ المباهلة تعنی فی المصطلح الدینی أن تجتمع فئتان کل واحد منهما على مذهب معیّن فیتحاجون وأخیراً یتلاعنون ویدعون الله تعالى بأن ینزل لعنته على الطرف الآخر الکاذب، وأی فئة تحقّق فی موردها اللّعن ونزل علیها العذاب فهذا دلیل على حقّانیّة الطرف الآخر، وقد حدث ذلک فی صدر الإسلام بین نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)ونصارى نجران، فعند ما تقررّت المباهلة بینهما جاء النبی(صلى الله علیه وآله) ومعه الإمام علی وفاطمة والحسن والحسین(علیهم السلام) إلى ساحة المباهلة وکانت تبدوا على سیماهم المبارکة آثار إستجابة الدعاء، فتراجع النصارى عن إدّعائهم وصالحوا النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) على أمور مذکورة بالتفصیل فی التفاسیر الشریفة ذیل هذه الآیة ولذلک لا حاجة إلى الإطالة والتفصیل.

والمراد من قوله: (فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْکَاذِبِینَ)، لبیان عظمة الکذب وأنّه یستحق نزول اللّعنة على صاحبه.

والآیة أعلاه والتی إستعرضت تأکیدات قرآنیة مهمّة بالنسبة إلى قبح الکذب وآثاره المشؤمة وعواقبه الوخیمة توضّح جیداً أنّ هذا الذنب إلى أی درجة من القبح والشر فی دائرة المفاهیم القرآنیة، فینبغی على المؤمنین فی المجتمع الإسلامی أن یعیشوا حالة التنفّر والکراهیة لهذا النوع من السلوک الخاطیء والخلق الذمیم ویتحرّکوا على مستوى تطهیر مجتمعهم من شر هذه الخطیئة.

 


1. الطبرسی فی مجمع البیان; ابو الفتوح الرازی فی تفسیر ورج الجنان، فی ذیل الآیة المبحوثة.
2. سورة القصص، الآیة 56.

 

الکذب فی الروایات الإسلامیةتنویه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma