أقسام المراء والجدال

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
طرق علاج هذه الرذیلة الأخلاقیةدوافع الجدال والمراء

یمکن تقسیم الجدال والمراء إلى قسمین:

الجدال والمراء على المستوى الإیجابی، أی أن یتباحث مع الآخرین على مستوى البحوث المنطقیة لغرض تبییّن الحقائق وتوضیح ما أشکل من المسائل الغامضة والاطّلاع

على نظرات الآخرین والوصول إلى الواقعیات من هذا الطریق.

أمّا المراء والجدال على المستوى السلبی فیعنی المباحثات والنزاعات الکلامیة التی تنطلق بوحی من عقدة الخصومة والتی لا تهدف إلى غرض معیّن وصحیح ولا تسیر فی خط تبیین الحقائق، بل الهدف منها هو تکریس الخصومة والتعصّب واللّجاجة وإثبات التفوّق وإظهار الفضل على الآخرین.

وهذا التقسیم نجده منعکساً فی آیات القرآن الکریم حیث یقول فی الآیة 48 من سورة العنکبوت: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْکِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ).

ویقول فی مکان آخر فی الآیة 125 من سورة النحل: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ).

ویقول فی مکان آخر فی مقام الذم لجماعة من الکافرین: (یُجَادِلُونَکَ فِی الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَیَّنَ).

وأمّا فی مورد المراء الإیجابی فنقرأ فی (قصة أصحاب الکهف) وعددهم قوله تعالى: (فَلاَ تُمَارِ فِیهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً)(1).

أی بالنسبة إلى عدد أصحاب الکهف فلا ینبغی أن تتباحث حولهم إلاّ بالکلام المنطقی المقترن بالدلیل.

وأمّا فی مورد المراء السلبی فیقول تعالى: (أَلاَ إِنَّ الَّذِینَ یُمَارُونَ فِی السَّاعَةِ لَفِی ضَلاَل بَعِید)(2).

وهناک تقسیمات اُخرى أیضاً على حسب الأشخاص فی طرفی المباحثة وکذلک بالنسبة إلى المواضیع والمسائل التی تدور فی أجواء البحث والجدال.

ومن ذلک أن یکون طرف المناظرة إنساناً عاقلاً وفاهماً لکی تکون المباحثة معه مثمرة من خلال الاستدلال المنطقی والعلمی کما ورد فی وصیّة أمیرالمؤمنین(علیه السلام) قوله: «دَعْ المُمـارَاةَ وَمُجـارَاتَ مَنْ لا عَقلَ لَهُ وَلا عِلمَ»(3).

ویجب أن یکون المناظر إنساناً مطّلعاً على الاُمور، لأنّ الأشخاص الذین یعیشون الجهل بالاُمور إذا أرادوا الدفاع عن الحق والورود فی میدان المجادلة، فإنّهم وبسبب ضعف معلوماتهم وقلّة إطّلاعهم سوف یذوقون الهزیمة ویغلبوا فی هذه المبارزة، وبالتالی ینعکس ذلک سلبیاً على الحق والحقیقة.

ولذلک نقرأ فی الحدیث الشریف أنّ محمد بن عبدالله المعروف بالطیّار جاء إلى الإمام الصادق(علیه السلام) وقال له: «بَلَغَنِی أَنَّکَ کَرِهتَ مُنـاظَرَةَ النّاسِ»،

قال الإمام(علیه السلام): «أَمّا کَلامُ مِثلِکَ فَلا یَکرَهُ، مَنْ إِذا طـارَ یَحسُنُ أَنْ یَقَعَ وإِنْ وَقَعَ یَحسُنُ أَنْ یَطِیرَ، فَمَنْ کـانَ هکَذا لا نَکرَهُهُ»(4).

 أمّا لقب الطیّار الذی یطلق على هذا الصحابی المعروف للإمام الصادق(علیه السلام)، فهو إشارة إلى هذا المعنى أیضاً، لأنّه کان قویاً جدّاً فی مجال المباحثة والجدل وکان یتحرّک فی دفاعه عن الحق بکل قدرة ومهارة.

وهنا ینبغی على جمیع الأشخاص الذین لیس لدیهم إطّلاع کاف حول مسائل الدین ومعارفه العمیقة ولا یجدون فی أنفسهم القدرة على الدفاع عنه أن لا یدخلوا فی مناظرة ومباحثة مع المخالفین، لأنّهم سوف ینهزمون فی هذه المباحثة، وهزیمتهم توجب وهن مبانی المذهب الحق فی نظر الآخرین.

ومن هنا فإنّ الافراط والتفریط غالباً موجود فی سلوکیات هؤلاء الأفراد الجهلاء، فهناک الأشخاص الذین یسلکون طریق الافراط عن جهل ویقولون: بما أنّ الجدال والمراء مذموم فی الإسلام ومحرّم بشدّة، فنحن لا ندخل فی أی بحث علمی وکلامی مع أی شخص من الأشخاص حتّى لو کان البحث مستدلاً ویقوم على قواعد منطقیة من الأدلة والبراهین فی طریق إثبات الحق والدفاع عنه، ویختارون السکوت بدل البحث أو الاستدلال، ویسمّون ذلک من باب القیل والقال.

وهذا أیضاً انحراف کبیر عن جادّة الصواب، لأنّ تبیّن الحقائق لا یتسنى إلاّ فی ظلّ البراهین المنطقیة والدلائل المتینة، وإیصاد هذا الطریق على الناس یعنی حرمانهم أو حرمان طائفة کبیرة منهم من الوصول إلى الحقائق وتحصیل الواقعیّات.

ونختم هذا الکلام بحدیث جمیل عن الإمام الحسن العسکری(علیه السلام) عن جدّه الإمام الصادق(علیه السلام) حیث وقعت فی محضره مجادلة کلامیة فی أمر الدین وأنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)والأئمّة المعصومین(علیهم السلام) کانوا قد نهوا عن ذلک، فقال الإمام الصادق(علیه السلام): «لَمْ یَنهْهُ عَنْهُ مُطلَقاً لَکِنَّهُ نَهى عَنْ الجِدالِ بِغَیرِ الَّتِی هِی أَحسنِ، أمـا تَسمَعُونَ اللهَ تَعالى یَقُولُ: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْکِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ)(5)، وَقَوله: (ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِوَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ)(6)، فَالجِدالُ بِالَّتِی هِی أَحسَنُ قَد قَرَنَهُ العُلَماء بِالدِّینِ وَالجِدالِ بِغَیرِ الَّتِی هِی أَحسنُ مَحَرمٌ وَحَرَّمَهُ اللهُ تَعالى عَلى شِیعَتِنا، وَکَیفَ یُحَرِّمُ اللهُ الجِدالَ جملَةً وَهُوَ یَقُولُ: (وَقَالُوا لَن یَدخُلِ الجَنَّةَ إلاّ مَنْ کـانَ هُوداً أو نصارى)، قـالَ اللهُ تعالى: (تِلکَ أَمـانِیهِم قُل هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ)(7).

فَجَعلَ عَلمَ الصِّدقِ والإیمـانِ بِالبُرهانِ وَهَل یُؤتى بِالبُرهـانِ إلاّ فِی الجِدالِ بِالَّتِی هِی أحسَنُ؟

قِیل: یـا ابنَ رَسُولِ اللهِ فَمـا الجِدالِ بِالَّتِی هِی أَحسَن وَالَّتِی لَیسَتْ بِأَحسَنَ؟

قـالَ: أَمّا الجِدالَ بِغَیرِ الَّتِی هِی أَحسنُ أَن یُجـادِلَ مُبطلاً فَیُوردُ دَلِیلاً بـاطِلاً فَلا تَردَّهُ بِحُجَةِ قَد نَصَبَهـا اللهُ تعالى وَلکن تَجحَد قَولَهُ... وَأَمَّا الجِدالُ بالَّتِی هِی أَحسَنُ فَهُوَ مـا أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِ نِبِیَّهُ أَن یُجـادِلَ بِهِ مَنْ جَحَدَ البَعثَ بَعدَ المَوتِ وَإِحیاءُهُ لَهُ فَقـالَ اللهُ حـاکِیاً عَنهُ: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ یُحْىِ الْعِظَامَ وَهِیَ رَمِیم * قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِی أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِکُلِّ خَلْق عَلِیمٌ)(8)(9).

 


1. سورة الشورى، الآیة 22.
2. سورة الکهف، الآیة 18.
3. بحار الانوار، ج2، ص129، ح14.
4. بحار الانوار، ج2، ص136، ح39.
5. سورة العنکبوت، الآیة 46.
6. سورة النحل، الآیة 125.
7. سورة البقرة، الآیة 111.
8. سورة یس، الآیة 78 و 79.
9. بحار الانوار، ج2، ص125، ح2 مع التلخیص.
 
طرق علاج هذه الرذیلة الأخلاقیةدوافع الجدال والمراء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma