تفسیر واستنتاج

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
سوء الظن فی الروایات الإسلامیةتنویه

«الآیة الإولى»: تستعرض الحدیث عن سوء الظن وتنهى المؤمنین بصراحة وبشدة عن سوء الظن فی تعاملهم الإجتماعى فیما بینهم وتشیر إلى أنّه قد یکون بمثابة المقدمة إلى التجسس والغیبة وتقول: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا کَثِیراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ یَغْتَبْ بَعْضُکُمْ بَعْضاً).

ولکن لماذا ورد التعبیر (کثیراً من الظن)؟ لأن أکثر أشکال الظن بین الناس بالنسبة إلى الطرف الآخر تقع فی دائرة السوء والشر، لذلک ورد التعبیر بقوله (کثیراً).

ویحتمل أیضاً أن یکون المراد من کلمة (کثیر) أنّ أغلب الظنون هی من جنس الظنون السیئة بل إنّ الظنون السیئة کثیرة بالنسبة لها رغم أنّها بالمقایسة إلى ظنون الخیر لا تکون کثیرة، ولکن ظاهر الآیة ینسجم مع المعنى الأوّل أکثر.

والملفت للنظر هو أنّ هذه الآیة بعد النهى عن کثیر من الظن ذکرت العلّة فی ذلک وقالت بأنّ بعض الظنون هی فی الحقیقة إثم وذنب، وهو إشارة إلى أنّ الظنون السیئة على قسمین:

فمنها ما یطابق الواقع ومنها ما یخالف الواقع، فما کان على خلاف الواقع یکون إثماً وذنباً، وبما أنّ الإنسان لا یعلم أیّهما المطابق للواقع وأیّهما المخالف، وعلیه فیجب تجنّب الظن السیء اطلاقاً حتى لا یتورط الإنسان فی سوء الظن المخالف للواقع وبالتالی یقع فی الإثم وممارسة الخطیئة.

وبما أنّ سوء الظن بالنسبة إلى الإعمال الخاصّة للناس یعد أحد أسباب التجسس، وأحد الدوافع التی تقود الإنسان إلى أن یتجسس على أخیه، والتجسس بدوره یتسبب أحیاناً فی الکشف عن العیوب المستورة للآخرین وبالتالی سیکون سبباً ودافعاً للغیبة أیضاً، ولذلک فانّ الآیة الشریفة تتحدّث عن سوء الظن أوّلا، وفی المرحلة الثانیة ذکرت عنصر التجسس، وفی الثالثة نهت عن الغیبة.

وهناک بحث سنأتی علیه فی ختام البحث عن الآیات والروایات الشریفة وهو أنّه هل أنّ سوء الظن أمر اختیاری أو غیر اختیاری؟ وإذا کان غیر اختیاری فکیف یمکن النهی عنه؟ وإذا کان اختیاریاً فهل یحرم مطلقاً حتى إذا لم یرتکب الإنسان عملا بدافع من سوء الظن هذا، أم لا؟

 

وتأتی «الآیة الثانیة»: لتتحدّث عن المنافقین من موقع الذم والتوبیخ، وهم الذین إمتنعوا من السیر فی رکب النبی(صلى الله علیه وآله) والخروج معه فی واقعة الحدیبیة وتوهّموا أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)والمؤمنین الذین إنطلقوا إلى مکة سوف لا یعودون إلى أهلیهم أبداً بل سیقتلون عن آخرهم بأیدی المشرکین من قریش فی حین أنّ القضیة إنعکست تماماً وعاد المسلمون بذلک النصر الباهر فی صلح الحدیبّیة وهو سالمون لم یصب أحد منهم بأذى فتقول الآیة: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ یَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِیهِمْ أَبَداً وَزُیِّنَ ذَلِکَ فِی قُلُوبِکُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَکُنْتُمْ قَوْماً بُوراً).

ومفردة (بور) فی الأصل بمعنى شدّة الکساد، وبما أنّ شدّة الکساد باعثة على فساد الشیء کما فی المثل المعروف لدى العرب (کسد حتى فسد) فانّ هذه الکلمة تأتی بمعنى الفساد، ثم أطلقت على معنى یتضمّن الهلکة والإندثار، وأطلقت على الأرض الخالیة من الشجر والنبات فیقال (بائر) لأنّها فی الحقیقة فاسدة ومیتة.

وهکذا نجد أنّ فئة المنافقین الذین عاشوا هذا الظن السیء فی واقعة صلح الحدیبیة لم یکونوا قلّة، ومن المعلوم أنّه لم یصیبهم الهلاک بمعنى الموت، وعلیه فإنّ (بور) بمعنى الهلاک المعنوی والمحرومیة من الثواب الإلهی وخلوّ أرض قلوبهم من أشجار الفضائل الأخلاقیة والشجرة الطیّبة للإیمان، أو یکون المراد الهلاک الاُخروی بسبب العذاب الإلهی، والهلاک الدنیوی بسبب الفضیحة، وعلى أیّة حال فالآیة الشریفة تدل بوضوح على النهی عن سوء الظن وخاصة بالنسبة إلى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله).

وفی «الآیة الثالثة»: من الآیات محل البحث نجد بحثاً آخر عن سوء الظن بالنسبة إلى ساحة الربوبیة والحقیقة المقدّسة الإلهیة فی حین أنّ الآیات السابقة کانت تتحدّث عن سوء الظن بالنسبة لأفراد البشر، فتقول الآیة بعد أن قرّرت أنّ الهدف الآخر من الفتح المبین وهو فتح الحدیبیة أنّ الله تعالى یرید أن یعذّب المنافقین والمشرکین فتقول: (وَیُعَذِّبَ الْمُنَافِقِینَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِکِینَ وَالْمُشْرِکَاتِ الظَّانِّینَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَیْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیراً).

إنّ سوء الظن بالله تعالى من جانب هؤلاء هو لانهم کانوا یتصوّرون أنّ الوعود الإلهیة للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) سوف لا تتحقّق أبداً وأنّ المسلمین مضافاً إلى عدم انتصارهم على العدو فإنّهم سوف لا یعودون إلى المدینة اطلاقاً، کما کان فی ظن المشرکین أیضاً حیث توهّموا أنّهم سوف یهزمون رسول الله وأصحابه لقلّة عددهم وعدم توفّر الأسلحة الکافیة فی أیدیهم وأنّ نجم الإسلام منذر بالزوال والاُفول، فی حین أنّ الله تعالى وعد المسلمین النصر الأکید وتحقّق لهم ذلک، بحیث أنّ المشرکین لم یتجرّأوا أبداً على الهجوم على المسلمین (رغم أنّ المسلمین فی الحدیبیة وعلى مقربة من مکّة کانوا تحت یدهم ولم یکونوا یحملون أی سلاح لأنّهم کانوا قاصدین لزیارة بیت الله الحرام) وهکذا ألقى الله تعالى الرعب والخوف فی قلوب المشرکین إلى درجة أنّهم خضعوا ووجدوا أنفسهم ملزمین بکتابة الصلح المعروف بصلح الحدیبیة، ذلک الصلح الذی مهّد الطریق للإنتصارات الباهرة التی نالها المسلمون فیما بعد.

وعلى أیّة حال فإنّ القرآن الکریم یذم سوء الظن هذا ذمّاً شدیداً ویعد علیه العذاب الألیم والعقاب الشدید فی الدنیا والآخرة.

والملفت للنظر فی هذه الآیة أنّ مسألة سوء الظن بالله تعالى کانت بمثابة القدر المشترک بین المنافقین والمنافقات والمشرکین والمشرکات، وبیّنت هذه الآیة أنّ جمیع هذه الفئات والطوائف شرکاء فی هذا الأمر، بخلاف المؤمنین الذین یحسنون الظن بالله تعالى وبوعده وبرسوله الکریم ویعلمون أنّ هذه الوعود سوف تتحقّق قطعاً، ولعلّ تحقّقها قد یتأخر فترة من الوقت لمصالح معیّنة ولکنها أمر حتمی فی حرکة عالم الوجود، لأنّ الله تعالى العالم بکل شیء والقادر على کل شیء لا یمکن مع هذا العلم المطلق والقدرة اللاّمتناهیة أن یتخلّف فی وعده، ولهذا السبب فإنّ الآیة التالیة لهذه الآیة من سورة الفتح تقول: (وللهِ جُنُودُ السمـاواتِ والأَرضِ وَکـانَ اللهُ عَزِیزاً حَکِیماً).

أمّا السبب الذی دفع المنافقین والمشرکین أن یقعوا فی حبالة سوء الظن فی حین أنّ قلوب المؤمنین مملوءة بحسن الظن بالله تعالى فإنّما هو لأجل أنّ المشرکین والمنافقین لا یرون من الاُمور إلاّ ظاهرها ولا یتحرّکون إلاّ من موقع الأخذ بظاهر الحوادث والوقائع دون الحقائق الکامنة فی باطنها، فی حین أنّ المؤمنین الحقیقیین یتوجّهون إلى باطن الاُمور ویأخذون بالمحتوى والمضمون للواقعة.

وتستعرض «الآیة الرابعة» أیضاً سوء الظن بالنسبة إلى الوعد الإلهی الذی تزامن مع حرب الأحزاب، وهی الحرب التی اعتبرت أخطر الحروب التی واجهها النبی(صلى الله علیه وآله)والمسلمون، لأنّ المشرکین کانوا قد اتحدوا مع جمیع المخالفین للإسلام وشکّلوا أعظم جیش فی ذلک الزمان بهدف القضاء على الإسلام والمسلمین، وکان هذا الجیش من القوة والعظمة أنّ ضعیفی الإیمان تزلزلوا لذلک وشککوا بالوعود الإلهیة فی نصرة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)والمسلمین، فتقول الآیة حاکیة عن هذه الحالة الشدیدة التی کان یعیشها المسلمون فی ذلک الوقت العصیب: (إِذْ جَاءُوکُمْ مِنْ فَوْقِکُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْکُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الاَْبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَ * هُنَالِکَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِیداً).

ولا شک أنّ سوء الظن بالله تعالى یختلف کثیراً عن سوء الظن بالناس، لأنّ سوء الظن بالناس غالباً ما ینتهی بارتکاب الإثم أو سلوک طریق خاطیء فی التعامل مع الطرف الآخر، فی حین أنّ سوء الظن بالله تعالى یتسبب فی تزلزل دعائم الإیمان وأرکان التوحید فی قلب المؤمن، أو أنّه یکون دافعاً وعاملاً من العوامل لذلک، لأنّ الاعتقاد بأنّ الله تعالى قد یخلف وعده یقع فی دائرة الکفر، لأنّ خلف الوعد إمّا ناشیء من الجهل أو العجز أو الکذب، ومعلوم أنّ کل واحد من هذه الاُمور محال على الله تعالى وأنّ الذات المقدّسة منزّة عن هذه الاُمور السلبیة، ولهذا السبب فإنّ الآیات محل البحث التی تستعرض سوء الظن بالله تذم هذه الحالة بشدّة وعنف.

«الآیة الخامسة» تتحدّث أیضاً عن سوء الظن بالله تعالى، وهذه الآیة ناظرة إلى غزوة أحد والتی ابتلى بعض المسلمین فیها بعد هزیمتهم فی میدان الحرب أمام المشرکین بسوء الظن بالنسبة إلى الوعد الإلهی بالنصر، فنزلت الآیة المذکورة موبّخة لهم بشدّة على سوء الظن هذا، فی حین أنّ الآیات التی وردت قبلها هی فی الحقیقة إشارة إلى أنّ وعد الله بالنصر على الأعداء قد تحقق فی بدایة الأمر فی معرکة أحد، ولکنّ طلاّب الدنیا والطامعین فی زخارفها غفلوا عن هجوم العدو وانشغلوا بجمع الغنائم الحربیة، وبالتالی تسببوا فی الهزیمة المرّة لجیش الإسلام، فهنا نجد أنّ الله تعالى قد وفى بعهده ووعده ولکنهم کما تقول الآیة لم یتحرّکوا فی خط الإیمان والاستقامة، ثم تأتی الآیة محل البحث لتقول للمسلمین: (إِذْ جَاءُوکُمْ مِنْ فَوْقِکُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْکُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الاَْبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَ * هُنَالِکَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِیداً).

وفی ذیل هذه الآیة إشارة أیضاً إلى أنّ هذا إمتحان إلهی لکم لیتّضح میزان وفاءکم واستقامتکم ومقدار إیمانکم بالله تعالى وبالإسلام.

ویتّضح من سیاق هذه الآیة والآیات التی قبلها هذه الحقیقة، وهی أنّ مسألة سوء الظن بالله غالباً تصیب الأشخاص الضعیفی الإیمان فی مواقع الشدّة والأزمة، سواءاً کانوا فی معرکة الأحزاب، أو فی أحد أو فی الحدیبیة، وفی الحقیقة أنّ مثل هذه المواقع تعدّ بمثابة المختبر للکشف عن جوهر إیمان الشخص وإخلاصه.

وتأتی «الآیة السادسة» والأخیرة لتستعرض أیضاً سوء الظن بشکل عام من موقع الذم وتدعو کذلک إلى حسن الظن، وهذ الآیة ناظرة إلى قصّة الإفک المعروفة فی عصر النزول، ونعلم أنّ جماعة من المنافقین إتّهموا أحدى زوجات النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)بخروجها عن جادّة العفاف وشاعوا ذلک بین الناس إلى درجة أنّ هذه الشائعة وبلحظات قلیلة استوعبت جمیع من فی المدینة، وبالرغم من أنّ هدف المنافقین حسب الظاهر هو اتهام احدى زوجات النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)ولکنّهم فی الواقع کانوا یستهدفون النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)والإسلام والقرآن بالذات، وفی هذه الفترة الحرجة نزلت الآیات أعلاه لتفضح نفاق المنافقین وتزیل الحجاب عن سلوکیاتهم الدنیئة وتبطل مؤامراتهم الخبیثة، ونرى أنّ عبارات هذه الآیات من القوة والدقّة فی المضامین والبلاغة بحیث أنّها تثیر الاعجاب لدى کل إنسان، والآیة مورد البحث هی أحد الآیات الخمسة عشر النازلة فی واقعة الإفک حیث تقول الآیة: (لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَیْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْکٌ مُبِینٌ).

والتعبیر بالمؤمنین والمؤمنات یدل على أنّ من علامات الإیمان هو حسن الظن بالنسبة إلى المسلمین، وتدلّ على أنّ سوء الظن یتقاطع مع جوهر الإیمان.

وفی الواقع فانّ هذه الآیة تقسّم الناس إلى ثلاث طوائف طائفة المنافقین الذین یشیعون الإفک بین المسلمین، وطائفة منهم هم القادة والکبار من المنافقین الذین تعبّر عنهم الآیة: (وَالَّذِی تَولَّى کِبرَهُ).

وطائفة ثالثة هم المؤمنون الذین توّرطوا فی تصدیق هذا الإفک المبین من موقع طیبة أنفسهم وطهارة قلوبهم وسذاجة عقولهم.

فهنا نجد أنّ القرآن الکریم یتحدّث فی هذه الآیة مخاطباً الطائفة الثالثة من موقع الذم الشدید والتوبیخ وأنّهم لماذا أصبحوا آلة وأداة بید المنافقین الذین یشیعون الإفک والفاحشة بین الناس؟

وفی هذه الآیات الستة التی بحثت فی بعضها سوء الظن بالنسبة إلى الناس وفی بعضها الآخر سوء الظن بالنسبة إلى الله تعالى نرى أنّ هذه الرذیلة الأخلاقیة قد وقعت موقع الذم الشدید، وبعض الآیات أشارت إلى بعض ما یترتب علیها من الآثار السلبیة على حیاة الإنسان، ولو لم یکن فی بیان قبح هذه الرذیلة الأخلاقیة سوى ما ورد فی بعض الآیات القرآنیة الشریفة لکفى ذلک، فکیف بما ورد فی الکثیر من الآیات والروایات الدینیة الاُخرى والتی سنتحدث عنها لاحقاً؟

 

 

سوء الظن فی الروایات الإسلامیةتنویه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma