موارد الاستثناء

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
تنویهمراتب سوء الظن

لاشک أنّ قبح سوء الظن رغم أنّه یعتبر قاعدة کلیّة وأصل من الاُصول الاخلاقّیة فی دائرة علم الإخلاق، إلاّ أنّه هناک إستثناءات لهذا الأصل العام وردت الإشارة إلیها فی الروایات الإسلامیة، ومن ذلک:

ألف) إذا ساد الفساد والإنحطاط الأخلاقی فی مجتمع ما وکان التلّوث بالرذائل الإخلاقیّة هو السائد لهذا المجتمع البشری فانّ حسن الظن فی مثل هذه الحالات لیس فقط لا یعدّ من الفضائل الإخلاقیة، بل یمکن أن یورّط الإنسان بعواقب سلبیّة ومشاکل حقیقیة أیضاً، وورد التحذیر من هذا النوع من حسن الظن فی الروایات الإسلامیّة.

فنقرأ فی الحدیث عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) قوله: «اِذا اسْتَوْلَى الصَّلاحُ عَلَى الزَّمـانِ وَاَهْلِهِ ثُمَّ أسـاءَ رَجُلٌ الظَنَّ بِرَجُل لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ فَقَدْ ظَلَم، وَإِذا اسْتَوْلَى الْفَسـادُ عَلَى الزَّمـانِ وَاَهْلِهِ فَاَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَ بِرَجُل فَقَدْ غَرَّرَ»(1).

وهذا المضمون ورد أیضاً بتعبیرات مختلفة عن الإمام الصادق(علیه السلام)والکاظم(علیه السلام)والهادی(علیه السلام)(2).

وقد ورد عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «اِحْتَرِسُوا مِنَ النّـاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ»(3).


وهذا أیضاً یمکن أن یکون إشارة لمثل هذه الأزمان والحالات التی یسود فیها الإنحطاط الأخلاقی فی مفاصل المجتمع البشری، وإلاّ فانّ سوء الظن بعنوانه أصل عام لا یمکن أن یکون مورد المدح والثناء والقبول.

ویستفاد من مجموع ما تقدم من الروایات أنّ الأصل فی الأجواء الاجتماعیة السالمة نسبیاً هو حسن الظن، وعلى العکس من ذلک فإذا عاش الإنسان فی أجواء فاسدة ومتخلّفة فانّ الأصل یجب أن یبتنى على سوء الظن، وطبعاً هذا لا یعنی أن ینسب الإنسان بعض التهم ویلفّق بعض العیوب والنقائص لشخص من الأشخاص، بل ینبغی الاحتیاط فی مثل هذه الظروف لئلاّ یتورّط الإنسان فی مشاکل ومصاعب یفرضها علیه هذا المحیط الفاسد.

وطبعاً لا ینبغی أن یکون هذا الاستثناء وهذه الروایات ذریعة بید الأشخاص لکی یتحرّکوا من موقع سوء الظن بأیّ إنسان ویقول بأنّ هذا الزمان کثر فیه الفساد وشاع فیه الانحطاط فمن الخطأ حسن الظن بالناس، فحتى فی الأزمنة الفاسدة والأجواء المنحطة یجب على الإنسان أن یصنّف الناس إلى عدّة أصناف، فیجعل من الأشخاص الذین یتجّلى فی محیاهم الصلاح والخیر فی دائرة الصالحین، فلا ینبغی أن یکونوا مورد سوء الظن مادام لم یشاهد منهم أمراً منکراً من موقع الوضوح.

ولکنه علیه أن یضع الفئات التی شاهد منها سلوکیات مخالفة وأفعال منکرة بصورة متکررة فی صف الأشرار والمفسدین، ولا ینبغی علیه أن یحسن الظن بنیّاتهم وأفعالهم اطلاقاً.

ب) بالنسبة إلى الاُمور الأمنیّة فی المجتمع الإسلامی والتی یتعلّق بها سلامة المجتمع وأمنه واستقراره لا یجوز حسن الظن بأیّة حرکة مشکوکة فی هذا المجتمع، بل یجب علیه أن یبتعد عن حسن الظن ما أمکنه ذلک، أو بتعبیر آخر یجب علیه أن یتّخذ جلباب الاحتیاط فی تعامله مع هذه السلوکیات والحرکات الصادرة من بعض الأفراد المشکوکین.

ومفهوم هذا الکلام لا یعنی أنّه یجوز هتک حرمة الأفراد أو التعامل معهم بسلبیة نتیجة سوء الظن، بل المراد أنّ جمیع الحرکات والسلوکیات المشکوکة یجب أن توضع تحت النظر ویتمّ دراستها بدقّة، فلو اتّضح بعد التحقیق ومن خلال القرائن والبیّنات الواضحة أنّ مثل هذه الحرکات کانت بدافع من سوء النیّة ومقترنة بتصرفات خاطئة ومحرّمة هناک ینبغی إتّخاذ التدابیر العملیة اللازمة.

ج) ومن الموارد الاُخرى التی یجوز فیها سوء الظن، بل قد یکون واجباً أیضاً هو فی الحالات التی یکون الإنسان فی مقابل العدو، ویمکن أن یطلب العدو الصلح وینادی بالمحبّة والصداقة ویعلن عن رغبته فی التعاون وأمثال ذلک، فمثل هذه الموارد لا ینبغی التعامل معه بسذاجة وتصدیق کلّما یقوله من موقع حسن الظن واسدال الستار عن الماضی نهائیّاً والتقدّم إلى العدو بابتسامة عریضة والشد على یده ومعانقته، بل ینبغی أن یضع فی زاویة الاحتمال أن یکون هذا السلوک من العدو من موقع المکر والحیلة والخدعة لإستغفال الطرف المقابل.

ولهذا ورد فی عهد مالک الأشتر المعروف قول أمیر المؤمنین(علیه السلام): «الحَذَرُ کُلُّ الحَذَرِ مِنْ عَدُوِّکَ بَعدَ صُلحِهِ فَإنَّ العَدُوَّ رُبَّمـا قـاربَ لِیَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالحَزمِ وَاتَّهِم فِی ذَلِکَ حُسنَ الظَّنِّ»(4).

 

 


1. نهج البلاغة، کلمات قصار، ح 114.
2. میزان الحکمه، ج 2، ص 1787، ح 11575 تا 11577.
3. بحار الانوار، ج 74، ص 158، ح 142.
4. نهج البلاغة، الرسالة 53.

 

تنویهمراتب سوء الظن
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma