1 ـ الأجهزة الأمنیّة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
2 ـ منظمات التفتیش والتحقیقاستثناءات

إنّ کل حکومة ودولة تجد نفسها موظفة بحمایة شعبها من شر مؤامرات الأعداء فی الداخل والخارج وتستخدم الحذر من جواسیس الأعداء، ولا شک أنّ المسؤولین فی هذه الحکومات إذا أرادوا أن یواجهوا الأحداث والوقائع من موقع حسن الظن والحمل على الصحة، فإنّ ذلک من شأنه أن یورطّهم فی العواقب الوخیمة لمؤامرات الاعداء من المنافقین فی الداخل ومن تربّص بهم الدوائر فی الخارج، لأنّ مؤامراتهم سریّة جدّاً ویتحرّکون بمنتهى الحذر والتستر بظواهر طبیعیة وأقنعة جمیلة ولا یتسنى للمسؤولین التعرّف على حالهم إلاّ من خلال التفتیش الدقیق والتجسّس المستمر لکشف مؤامرات هؤلاء الأعداء وابطال مفعولها.

ففی مثل هذه الموارد یجب اجتناب حسن الظن والابتعاد عن الحمل على الظاهر الحسن، بل ینبغی النظر إلى کل ظاهرة اجتماعیة وسیاسیة من موقع سوء الظن لحفظ الأهداف الکبیرة والأغراض المتعالیة للمصالح العامة للاُمّة الإسلامیة وبذلک تتّضح الحکمة من تشکیل الأجهزة الأمنیّة والتجسسیة فی الداخل والخارج، وبعبارة اُخرى: إنّ هذا الاستثناء ینبع من قانون الأهم والمهم، فما أکثر الأفراد الذین یقعون مورد سوء الظن وبالتالی تتحرّک الأجهزة الأمنیّة للتفتیش عن أحوالهم الخاصة فیثبت برائتهم وسلامتهم من أی عمل شائن، ولکن من البدیهی أنّه ولغرض العثور على المجرم الواقعی وعملاء الأعداء فی الداخل فلا مفرّ من مزاولة البحث والفحص الواسع فی جمیع الموارد المحتملة للوصول إلى نتیجة حاسمة.

وقد یلزم أحیاناً أن تبعث الحکومة ببعض الجواسیس وبظواهر مختلفة وسط الأعداء أو إدخال بعض عناصر الأمن کموظفین فی المؤسسات المهمّة التی تعمل فی الداخل على شکل عامل أو موظف وأمثال ذلک کیما یتسنى لها الکشف عن بذور الفتنة واحباط أیّة مؤامرة قبل تشکلها واشتدادها، وبالتالی تعرّض الاُمّة مصالحها للخطر.

وبالطبع فإنّ هذا لا یعنی أنّه یمکن إتّخاذ هذا الاُسلوب ذریعة للتدخل فی الحیاة الخصوصیة لجمیع أفراد المجتمع وإذاعة أسرارهم وکشف مساوئهم التی لا ترتبط اطلاقاً بمصالح الاُمّة وأهدافها البعیدة رغم أننا نرى مع الأسف الکثیر من التخلفات التی تجری فی إطار هذا الأصل العقلائی فیساء استخدامه فی کثیر من الأحیان، ونظراً إلى أنّ الجواز فی عملیة التجسّس یعتبر حکماً استثنائیاً من الأصل العام فلابدّ من مراعاة هذه الموارد بدقّة والنظر إلى فلسفة هذا الحکم بالذات کیما نتجنّب الافراط فی بعض الممارسات التی تدخل تحت هذا العنوان.

ونقرأ فی آیات القرآن الکریم وسیرة النبی الأکرم والروایات الإسلامیة إشارات واضحة إلى هذه المسألة المهمّة.

فیقول القرآن الکریم فی الآیة 47 من سورة التوبة بصراحة أنّ من بین المسلمین أشخاصاً یمثّلون عملاء العدو وجواسیسه، وعلى المسلمین أن یحذروا منهم حیث تقول الآیة: (وَفِیکُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ).

ومن هذا القبیل ما ورد فی قصّة المرأة التی أرسلها بعض المنافقین لتوصل أخبار المدینة إلى المشرکین فی مکّة قبیل الفتح وأنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) قد جهّز جیوشاً کبیرة للهجوم على مکّة حیث أرسل رسول الله(صلى الله علیه وآله) الإمام علی(علیه السلام)ورائها فوجدها فی الطریق وهددها لتسلّم الرسالة، فاضطرت أخیراً إلى الاعتراف وتسلیم هذه الرسالة إلى أمیر المؤمنین(علیه السلام)(1)، وکذلک قصّة تجسّس حذیفة فی معرکة الأحزاب لصالح المسلمین ونفوذه إلى قلب جیش الأعداء لتفحّص الأخبار ونقلها إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله)(2).

ویستفاد من آیات القرآن الکریم أنّ هذه المسألة کانت موجودة أیضاً فی عصر الانبیاء السابقین، وأحیاناً تتخذ صبغة إعجازیة کما فی قصّة النبی سلیمان(علیه السلام)عندما استخدم الهدهد لیوصل إلیه أخبار المناطق البعیدة.

ونقرأ فی الحدیث الشریف عن الإمام علی بن موسى الرضا(علیه السلام) أنّه قال: «کـانَ رَسُولُ اللهِ إِذا بَعَثَ جَیشَاً فَاتَّهم أَمِیراً بَعَثَ مَعَهُم مِنْ ثِقـاتِهِ مَنْ یَتَجَسَّسُ لَهُ خَبَرَهُ»(3).

ونقرأ فی نهج البلاغة فی الکتاب 33 قول الإمام علی أمیرالمؤمنین(علیه السلام) لقُشم بن عباس أمیر مکّة: «أَمّا بَعدُ فَإنَّ عَینِی بِالمَغرِبِ کَتَبَ إِلَیَّ یُعلِمُنِی إِنَّهُ وُجِّهَ إِلَى المَوسِمِ مِنْ أَهلِ الشَّامِ العَمی القُلُوبِ... الَّذِینَ یَلبِسُونَ الحَقَّ بِالبـاطِلِ وَیُطِیعُونَ المَخلُوقَ فِی مَعصِیةِ الخَـالِقِ...

فَأَقِمْ عَلى مـا فِی یَدَیکَ قِیـامَ الحَازِمِ الصَّلبِ».

وفی حدیث آخر عن أنس بن مالک عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه أرسل شخصاً یدعى (بسبسه)(4) من أصحابه للتجسّس على أحوال قافلة أبی سفیان وإخبار النبی بأخبارها(5).

ونقرأ إشارة واضحة إلى هذا المطلب فی عهد مالک الأشتر حیث یأمره أمیرالمؤمنین(علیه السلام)أن یجعل العیون والجواسیس على موظفیه وعمّاله کیما یراقب أعمالهم عن کثب من حیث لا یشعرون فیقول: «ثُمَّ تَفَّقَد أَعمـالَهُم وابعَثْ العُیُوَنَ مِنْ أَهلِ الصِّدقِ وَالوَفـاءِ عَلیهِم، فَإِنَّ تَعَاهُدَکَ فِی السِّرِّ لاُمُورِهِم حَدوَةٌ لَهُمُ عَلى إِستِعمـالِ الأَمـانَةِ والرِّفقِ بِالرَّعِیَّةِ»(6).

وجاء فی الحدیث المعروف عن الإمام الحسین(علیه السلام) فی مسألة بقاء محمد بن الحنفیة فی المدینة أنّه عندما عزم الإمام الحسین(علیه السلام) على التحرّک من المدینة باتجاه مکّة ومنها إلى کربلاء أراد أخوه محمد بن الحنفیة أن یصطحبه فی هذا السفر فقال له الإمام(علیه السلام): «أَمَّا أَنتَ فَلا، عَلَیکَ أَنْ تُقِیمُ بِالمَدِینَةِ وَتَکُونَ لِی عَیناً لا تَخفِ عَنِّی شیئاً مِنْ اُمورِهِم»(7).

 


1. راجع نفحات القرآن، ج10
2. راجع نفحات القرآن، ج 10.
3. وسائل الشیعة، 11، 44، ح4.
4. نقل فی بعض الکتب (بَسْبَسْ) أو بسبس بن عمرو (سیرة ابن هشام، ج2، ص265).
5. سنن أبی داود، ح2618.
6. نهج البلاغة، الرسالة 53.
7. حیاة الحسین(علیه السلام)، ج2، ص263.
 

 

2 ـ منظمات التفتیش والتحقیقاستثناءات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma