تفسیر واستنتاج

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
الغضب فی الروایات الإسلامیةتنویه

«الآیة الاُولى» من الآیات محل البحث التی تتحدّث عن أوصاف طائفة من المؤمنین الصادقین الذین شملهم الله تعالى برحمته وعنایته الخاصة، فتقول بعد أن تذکر إیمانهم وتوکّلهم على الله تعالى: (وَالَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبَائِرَ الاِْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُون).

وبعبارة اُخرى: أنّ هؤلاء عندما تشتعل فی نفوسهم نار الغضب یتحرّکون على مستوى ضبطها والسیطرة علیها ولا یسمحون لأنفسهم بالتلّوث بأنواع الخطایا والذنوب لأجل ذلک.

إنّ ذکر هذه الصفة بعد مسألة التوقّی من الذنوب والآثام الکبیرة لعله بسبب أنّ حالة الغضب تقود النفس إلى التحرر من قیود العقل وتفکّ عن قوى الشر جمیع الضوابط الأخلاقیة والشرعیة لتتحرّر وتنطلق فی کل إتجاه.

ومن الملفت للنظر أنّ هذه الآیة لا تقول: إنّ هؤلاء لا یغضبون، لأنّ الغضب فی مواجهة المصاعب اللاملائمات والتحدّیات هو حالة طبیعیة لدى الإنسان، بل تقرر أنّ هؤلاء فی حال الغضب یتحرکون من موقع السیطرة على حالة الغضب هذه وأن لا یخضع الإنسان لایحاءات هذه القوة فی نفسه وخاصة أنّ قوّة الغضب لا تقع دائماً فی جانب الشرّ فی الإنسان ولا تمثّل عنصراً سلبیاً فی دائرة السلوک المخرّب، فأحیاناً تکون قوّة مثمرة وبنّاءة کما سیأتی تفصیل ذلک فیما بعد باذن الله تعالى.

وتأتی «الآیة الثانیة» وبعد أن تستعرض وعد الله تعالى للمتّقین بالجنّة التی وسع عرضها السموات والأرض لتتحدّث عن أوصاف هؤلاء، وأوّل صفة تذکرها لهؤلاء هی صفة الانفاق وتقول: (الَّذِینَ یُنْفِقُونَ فِی السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ)ثمّ تضیف الآیة (وَالْکَاظِمِینَ الْغَیْظَ)وفی النتیجة: (وَالْعَافِینَ عَنْ النَّاسِ) فمن یعیش هذه الحالات الایجابیة والقیم الأخلاقیة فهو من المحسنین الذین تقول عنهم الآیة فی ذیلها: (وَاللهُ یُحِبُّ الُْمحْسِنِینَ).

والملفت للنظر أنّ الآیة التی تلیها وعدت هؤلاء بعفو الله ومغفرته فی حال صدور الخطأ منهم، وأنّهم عندما یتحرّکون صوب الانحراف وارتکاب الخطأ یتذکّرون الله تعالى ویستغفرونه فیشملهم الله بعفوه ومغفرته.

وهذا إشارة إلى أنّ هؤلاء کما أنّهم یتحرّکون فی تعاملهم مع الآخرین من موقع العفو والصفح عن أخطاء الغیر فإنّ الله تعالى کذلک یعفو عنهم ویصفح عن أخطائهم.

وعلى أیّة حال فإنّ (کظم الغیظ) فی هذه الآیة ورد بعنوان أحد الصفات الإیجابیة المرموقة لهؤلاء المتّقین.

 

«الآیة الثالثة» تتحدّث عن حالة الغضب التی عاشها أحد الأنبیاء الإلهیین، وهو النبی یونس(علیه السلام) تجاه اُمّته وقومه، وهو الغضب المقدس فی ظاهره، ولکنّه فی الواقع صادر من التسرع والاستعجال وعدم إدراک بواطن الاُمور، ولهذا فإنّ الله تعالى قد جعله یواجه ظروفاً صعبة بسبب ترکه للاولى وأخیراً فإنّ هذا النبی الکریم قد تاب من ترک الاُولى، وتقول الآیة: ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ فَنَادَى فِی الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَکَ إِنِّی کُنتُ مِنْ الظَّالِمِینَ).

وهکذا وبعد تحمّل صعوبات هائلة وقاسیة قبل الله توبته ولم تستطع الحوت أن تهضمه فی بطنها، بل قذفته إلى الساحل بجسم نحیف وضعیف وهزیل، أمّا ما هی المدّة التی مکث فیها یونس(علیه السلام) فی بطن الحوت؟ فهناک اختلاف بین المفسّرین بین من یقول أربعین یوماً، ومن یقول اسبوعاً واحداً وثلاثة أیّام، وطبقاً لروایة عن الامام علی(علیه السلام) أنّ المدّة تسع ساعات، وعلى أیّة حال فإنّ هذه المدّة مهما طالت أو قصرت فإنّها ممّا لا تطاق حتى للحظة واحدة.

ولکن ماذا هو ترک الأولى الذی ارتکبه النبی یونس(علیه السلام) حتى استحق هذه العقوبة الشدیدة، رغم أننا نعلم أنّ الأنبیاء معصومون عن الزلل والذنب؟

إنّ ما یتبادر إلى الذهن فی البدایة أنّ یونس(علیه السلام) غضب على قومه الضالّین الذین لم یقبلوا دعوته الإلهیة وتحرّکوا فی مقابله من موقع العناد واللجاجة، فمن الطبیعی أن یغضب یونس(علیه السلام) لذلک، ولکن هذا الغضب بالنسبة لنبی کبیر مثل یونس(علیه السلام) کان یعدّ من الترک للأولى، أی کان الأولى له بعد إطّلاعه على وقت نزول العذاب الإلهی على قومه أن یبقى معهم إلى آخر لحظة ولا ییأس من هدایتهم، فلو أنّ یونس(علیه السلام) لم یغضب هناک فلعل قومه یسمعون لکلامه ویلبّون دعوته فی آخر اللحظات، والتجربة تؤید هذا المعنى حیث إنتبه قومه فی اللحظات الأخیرة وتابوا إلى الله تعالى فقبل الله توبتهم وأزال عنهم العذاب.

فمثل هذا الغضب لیونس(علیه السلام) (والذی لم یکون بدون دلیل أیضاً) فإنّ الله تعالى لم یغفر لنبیّه ذلک وعاقبه بتلک العقوبة، فکیف الحال فیما لو کان الغضب الذاتی للإنسان بدافع الحقد

والانتقام والحسد والدوافع الرذیلة الاُخرى؟

ومن البدیهی أنّ المراد من غضب یونس(علیه السلام) هنا هو غضبه على قومه الظالمین والفاسقین، والمراد من العبارة (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَیْهِ) هو أنّ یونس(علیه السلام) تصوّر أنّ ترکه لقومه لم یکن عملاً سیئاً بحیث یستلزم کل تلک العقوبة والتوبیخ، والمقصود من إعتراف یونس(علیه السلام) بظلمه هو ظلمه لنفسه الذی قاده إلى هذه النتیجة الصعبة.

وأمّا الآیات التی تستعرض الحلم من موقع الثناء والتمجید والمدح فهی کالتالی:

«الآیة الرابعة والخامسة» من الآیات محل البحث یستعرض القرآن الکریم حالات النبی إبراهیم(علیه السلام) من موقع وصفه بعنوان: (إِنَّ إِبْرَاهِیمَ لاََوَّاهٌ حَلِیمٌ)و (إِنَّ إِبْرَاهِیمَ لَحَلِیمٌ أَوَّاهٌ مُنِیبٌ)، فالعبارة الاُولى وردت فی واقعة رفض آزر (عم إبراهیم) لدعوة إبراهیم للتوحید ورفض الأصنام واستغفار إبراهیم(علیه السلام) له، والثانیة وردت فی قصّة إخبار الملائکة لإبراهیم عن العذاب الإلهی النازل على قوم لوط وطلب إبراهیم الخلیل(علیه السلام) من الله تعالى أن یخفّف عذابهم أو یمهلهم أکثر من ذلک.

«أوّاه» تأتی بمعنى الرحیم والحنون، والذی یتحرّک قلبه لهدایة قومه واُمّته.

وعلى أیّة حال فإنّ ما ورد فی القرآن الکریم من وصف النبی إبراهیم(علیه السلام) بـ «أوّاه حلیم) و(أوّاه منیب) یبیّن الرابطة الوثیقة بین هاتین الصفتین، ویدلّ على أنّ کظم الغیظ والسیطرة على الغضب والتحرّک من موقع الحلم والمحبّة تجاه الآخرین حتّى لو کانوا مجرمین والسعی لإنقاذهم من الخطیئة والعقوبة کل ذلک یعدّ من الصفات الإیجابیة البارزة للأنبیاء الإلهیین.

إنّ النبی إبراهیم(علیه السلام) لم یکن حلیماً تجاه عمّه آزر فحسب، بل حتى بالنسبة إلى قوم لوط(علیه السلام) الذین کانوا قد غرقوا فی ذلک الوحل العفن من الخطیئة حیث نرى إبراهیم(علیه السلام)ینطلق من قلب متحرّک لیرفع عنهم العذاب أو یؤجله إلى إشعار آخر کیما یتسنى لهم

الخلاص من اُدران هذه الخطیئة وترک ذلک السلوک الشائن ویسیروا فی خط الإیمان والتقوى والانفتاح على الله.

ولکنّ الأمر الإلهی کان قد صدر بحقهم رغم أنّ إبراهیم(علیه السلام) قد أظهر هذه الرحمة والشفقة تجاه عمّه أو قوم لوط لأنّهم لم یکونوا قابلین للهدایة وخاصة ما کان علیه قوم لوط من الخطیئة المزمنة حیث أصابهم العذاب الإلهی أخیراً.

«الآیة السادسة» تستعرض إحدى المواهب الإلهیة الکبیرة على إبراهیم وتقول: إنّ الله تعالى قد استجاب لإبراهیم(علیه السلام) دعائه: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَم حَلِیم).

واللطیف أنّ من بین جمیع الصفات الإیجابیة الکبیرة للإنسان، فإنّ هذه تشیر فقط إلى صفة الحلم لدى هذا الغلام العزیز لإبراهیم(علیه السلام).

ویقول الراغب فی مفرداته بأنّ: الحلم بمعنى ضبط النفس عند هیجان الغضب، وبما أنّ هذه الحالة ناشئة من العقل فإنّه کلمّا وردت کلمة الحلم فإنّها قد یراد بها العقل أیضاً.

وهذه البشارة تحقّقت بالنسبة إلى إسماعیل(علیه السلام) عندما بلغ سن الرشد ووهبه الله العقل والحلم والنضج الکبیر، وذلک عندما صدر الأمر الإلهی لإبراهیم بذبح إبنه اسماعیل کما تتحدّث الآیات التی بعد هذه الآیة وتقول على لسان إسماعیل(علیه السلام): (یـا أَبَتِ إفعَل مـا تُؤمَر) فنرى حالة التسلیم المطلق أمام الأمر الإلهی، وفی مقابل الذبح الذی صدر لإبراهیم.

وتأتی «الآیة السابعة» لتبیّن صفات (عباد الرحمن) البارزة، وتستعرض ضمن الحدیث عن إثنی عشر صفة من الصفات الکبیرة الأخلاقیة وهذه الصفة خاصة وتقول: (وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً).

أی إذا واجههم الأشخاص الذین یعیشون الحمق والجهل والحقد بکلام غیر مسؤول وألفاظ رکیکة فإنّ جوابهم لا ینطلق من موقع الانفعال والرد بالمثل، بل یمرّون على کلامهم ذلک من موقع الحلم وسعة الصدر ورغم أنّ کلمة (حلم) لم ترد فی هذه الآیة، ولکن المفهوم من مجموع الآیة هو أنّ عباد الرحمن لا ینطلقون من موقع الانفعال والغضب للجاهلین الحوادث غیر الملائمة وخاصة الکلمات غیر المسؤولة للجاهلین والحاقدین ویجنبوا أنفسهم شرّ النزاع والصراع مع هؤلاء الأشخاص بأداة الحلم وسعة الصدر.

وقد ورد فی الحدیث الشریف فی تفسیر هذه الآیة عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال یوماً لأصحابه (مضمون الحدیث): «هؤلاء جماعة من اُمّتی اُحبُّهُم وَیُحبُّوننی سیأتون بعدکُم (ثم أخذ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) بذکر أوصافهم) ومن ذلک صفة الصبر والحلم وأنّهم یسلکون طریق الرفق والمداراة.

فقیل له: یا رسول الله هل یرفقون بغلمانهم؟

فقال(صلى الله علیه وآله): لیس لهم غلمان، وإنّما یرفقون مع الجهّال والسفهاء:

(وَعِبَادُ الرَّحْمنِ الَّذِینَ یَمْشُونَ عَلَى الاَْرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً)»(1).

والمراد من کلمة (سلام) هنا هو أنّهم یتعاملون مع الآخرین من موقع المسالمة لا من موقع الخشونة والتحدّی والرد بالمثل ولا یواجهون کلمات غیر مسؤولة لاُولئک الجاهلین إلاّ من موقع عدم الاعتناء واللاّمبالاة وکأنّما لم یسمعوها أصلاً.

«الآیة الثامنة» والأخیرة من الآیات مورد البحث من سورة الأعراف تتحدّث عن ثلاثة أوامر مهمّة فی خطابها للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) (باعتباره اُسوة لجمیع المؤمنین) وتقول: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِینَ).

ومن الطبیعی أنّ الأعراض عن الجاهلین یأتی بمعنى الحلم والصفح وترک أی شکل من أشکال الخصومة والشجار، بل یمکن القول أنّ الجملتین السابقتین فی هذه الآیة من الأمر بالعفو وقبول العذر والدعوة إلى الأخلاق الحسنة هی نوع من أنواع الحلم کذلک، وبالتالی تدلّ وتشیر إلى هذا المعنى أیضاً وأنّ سیرة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) کانت کذلک فی مقابل الجاهلین والمعاندین حیث کان یظهر أمامهم منتهى الصبر وسعة الصدر والتحمّل والحلم، ولا یتملکه الغضب اطلاقاً مقابل ما یسمعه منهم من کلمات غیر مؤدّبة وعبارات غیر مسؤولة.

والآیة التی تلی هذه الآیة تقول: (وَإِمَّا یَنزَغَنَّکَ مِنْ الشَّیْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)(2).

یمکن أن تکون إشارة اُخرى إلى هذا المعنى أیضاً وهو أنّ نار الغضب ما هی إلاّ نزغ من نزغات الشیطان وعلى کل مؤمن أن یستعیذ بالله من هذه الحالة الشائنة.

والشاهد على ذلک ما ورد فی الروایة الشریفة فی تفسیر روح البیان فی ذیل هذه الآیة وأنّه عندما نزلت الآیة السابقة وأمرت بالعفو والحلم أمام الجاهلین قال النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): «کَیفَ یـا رَبِّ والغَضبُ»(3).

فنزلت الآیة التی بعدها وأمرت النبی أن یستعیذ بالله من شرّ الشیطان الرجیم.

وفی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) یقول: إنّ أجمع آیة من آیات القرآن لمکارم الأخلاق هی هذه الآیة.

وهو کذلک واقعاً، لأنّ هذه الآیة تتضمّن العفو والصفح أمام جهل الآخرین وتدعو الناس جمیعاً لفعل المعروف، وکذلک مواجهة الجاهلین بالإعراض عنهم وعدم مجادلتهم والتحدّث معهم من موقع الانفعال، فهذه التعالیم الثلاثة تعد ثلاث برامج مهمّة فیما یتعلّق بالحیاة الاجتماعیة للإنسان فی حرکة الحیاة بحیث لو تسنى لأفراد المجتمع أن یترجموا هذه الدساتیر الثلاثة على أرض الواقع ویجسّدوها فی سلوکیاتهم وأعمالهم فإنّ أکثر المشکلات الاجتماعیة وما یترتب علیها من سلبیات اُخرى ستجد طریقها إلى الحل.

 

ومن مجموع الآیات المذکورة آنفاً یتجلّى لنا أهمیّة الحلم کفضیلة أخلاقیة سامیة، وکذلک العواقب الوخیمة المترتبة على حالة الغضب الانفعالی والشیطانی.

 


1. تفسیر منهج الصادقین، ج6، ص417، طقباً لنقل تفسیر الاثنی عشری فی ذیل الآیة المبحوثة; وتفسیر روح البیان، ج6، ص241 أیضاً ذیل الآیة المبحوثة.
2. سورة الاعراف، الآیة 200.
3. تفسیر روح البیان، ج3، ص298 فی ذیل الآیة المبحوثة.

 

 
الغضب فی الروایات الإسلامیةتنویه
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma