علاج الغضب

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأخلاق فی القرآن 3
أقسام الغضبأسباب ودوافع الغضب

ونظراً إلى أنّ الآثار السلبیة والعواقب الوخیمة لحالات الغضب والحدّة کثیرة وخطرة جدّاً وأحیاناً تؤدّی إلى تدمیر حیاة الإنسان على کل المستویات والصعد، لذلک کان من الضروری بذل الجهد لعلاج هذه الرذیلة الأخلاقیة، وإلاّ فإنّ الندم ینتظر هؤلاء الأشخاص، وقد ذکر کبار علماء الأخلاق فی هذا الباب أبحاثاً مهمّة وکثیرة، والأهم من ذلک ما ورد من التعلیمات الدینیة فی النصوص الإسلامیة التی ذکرت إرشادات مؤثّرة لإطفاء نار الغضب فی واقع الإنسان، ونختار منها ما یلی:

1 ـ أن یقوم الشخص الحاد المزاج بالتفکّر بآثار الغضب السلبّیة وعواقبه السیئة قبل أن تستعر نیران الغضب فی قلبه وتلتهم کیانه، فیتحرک على مستوى التلقین والإیحاء لها بأنّ الغضب هو فی الحقیقة نار یمکنها أن تأتی على الأخضر والیابس وتحرق إیمانه وسعادته ووجوده، وتسعّر غضب الله علیه فی الدنیا والآخرة، وأنّ هذه الحالة الذمیمة تبعد الناس من حوله وتفرّق عنه أصدقاءه وتکون ذریعة بید أعدائه، وللغضب آثار وخیمة على أعصاب الإنسان ویؤدی إلى قصر العمر ویهدد سلامة الشخص البدنیة أیضاً، ویمنعه من الصعود فی مدارج الکمال الدنیوی والاُخروی.

بخلاف حالة الحلم وسعة الصدر التی هی رمز موفقّیة الإنسان وتقدّمه وتفوّقه وصحّته الروحیة والبدنیة والتی تمنحه الإحترام والمودّة فی قلوب الناس وتوجب له رضا الله تعالى والإبتعاد عن الشیطان، وکذلک یتفکر فی الثواب الإلهی لمن یعیش الحلم وسعة الصدر، والعقاب الإلهی المترتب على من یعیش الحدة وسرعة الغضب.

وهذه الاُمور لا یتفّکر فیها الإنسان فی حال الغضب فحسب بل علیه أن یتفّکر فیها قبل ذلک ویلقّن نفسه باستمرار لکی لا یتورّط فی هذه الحالة الذمیمة.

2 ـ أن یفکّر فی عواقب الغضب والحدّة، وهذه المسألة مجربة تماماً، وإذا لم یجرّبها الإنسان نفسه فقد جرّبها الآخرون وهی أنّ کل تصمیم على عمل معیّن یتّخذه الإنسان فی حال الغضب فأنّه یکون زائفاً وسخیفاً وغالباً ما یوجب له الندم، فما أحسن أن یتذّکر هذه العبارة المعروفة عن أحد العلماء، وهی أنّه فی حالة الغضب لا ینبغی علیه التصمیم ولا التوبیخ ولا العقوبة.

3 ـ ومن الطرق المهمّة لعلاج حالة الغضب والتی ورد التأکید علیها فی الروایات الشریفة هو (ذکر الله) وقد ورد فی بعض الروایات أنّ من ثارت فیه الحدّة علیه بقول: «أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّیطـانِ الرَّجِیمِ»(1).

وورد فی روایة اُخرى أن یقول فی هذه الحالة: «لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ العَلِّی العَظِیمِ»(2)، لتهدأ سورة الغضب فی أعماقه.

وجاء فی بعض الروایات أیضاً أنّه ینبغی أن یضع خدّه على الأرض أو یسجد لله تعالى.

ویقول أبو سعید الخدری نقلاً عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): «أَلا إنَّ الغضَبَ جَمرَةٌ فِی قَلبِ ابنِ آدمَ، أَلا تَرَونَ إِلى حَمرَةِ وَانتفاخِ أَودَاجِهِ فَمَن وَجَدَ مِنْ ذَلِکَ شَیئاً فَلیلصَقِ خَدَهُ بِالأرِضِ»(3).

ومن المعلوم أنّ کل شخص یسلک فی حالة الغضب فی خط العمل لهذه التوصیات والتعلیمات الدینیة ویلتجأ إلى الله تعالى من شرّ الشیطان فإنّ غضبه سیهدأ قطعاً.

ومعلوم أیضاً أنّ ذکر الله مؤثّر جدّاً فی مثل هذه الأحوال، ولکنّ ذکر الله بالکیفیة المذکورة آنفاً أکثر تأثیراً من علاج هذه الحالة.

وقد أورد الشیخ الحرالعاملی فی کتاب وسائل الشیعة باباً تحت عنوان (باب وجوب ذکرالله عند الغضب) فی أبواب جهاد النفس، حیث یدلّ على أهمیّة هذا الموضوع بالذات(4).

4 ـ تغییر الحالة الفعلیة للشخص إلى حالة اُخرى حیث تکون مؤثرة فی علاج الغضب أیضاً کما ورد فی الروایات الإسلامیة أنّ الشخص إذا تملّکه الغضب وکان جالساً فعلیه أن یقوم، وإذا کان قائماً علیه أن یجلس، أو یعرض بوجهه عن مواجهة الحدث، أو یستلقی على الأرض، أو إذا أمکنه أن یبتعد عن محل الحادثة، أو یشغل نفسه بأمر آخر.

وهذا التغیّر فی الحالة الفعلیة یوثر کثیراً فی تهدئة الغضب والحدّة فنقرأ فی الحدیث الشریف عن رسول الله(صلى الله علیه وآله)قوله: «کـانِ النَّبِیّ إذا غَضِبَ وَهُوَ قـائِمٌ جَلَسَ وَإذا غَضِبَ وَهُوَ جـالِسٌ اِضطَجَعَ فَیَذهَبُ غَیضُهُ»(5).

وقد ورد فی بحار الانوار عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «وَأَیُّمـا رَجُل غَضِبَ وَهُوَ قـائِمٌ فَلیَجلِس فَإِنَّهُ سَیَذهَبُ عَنهُ رِجزُ الشَّیطـانِ وَإِنْ کـانَ جـالِساً فَلیَقُم»(6).

وجاء فی ذیل هذا الحدیث الشریف أنّه إذا غضب الإنسان على أحد أرحامه فعلیه أن یلمس بدنه لیثیر فی نفسه عواطف الرحم ممّا یقوده إلى الهدوء وعودة حالته الطبیعیة.

5 ـ الوضوء، أو شرب الماءالبارد وغسل الرأس والوجه، وکلّها تؤثر حتماً فی تهدئة الإنسان وزوال حالة الغضب عنه، بل ورد فی الحدیث الشریف عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «إذِا غَضِبَ أَحَدُکُم فَلیَتَوضأ»(7).

ویستفاد من هذا التعبیر أنّ الوضوء مستحب فی حالات الغضب ومؤثر فی تسکینه وزواله.

وقد ذکر العلاّمة المجلسی(قدس سره) فی تحلیله المختصر لهذا الحدیث الشریف أنّ: «سَببُ الغَضَبِ الحَرارَةُ وَسَببُ الحَرارَةِ الحَرَکَةُ إذ قالَ(صلى الله علیه وآله): إنَّ الغَضَبَ جَمرَةٌ تَتوقَدُ أَلم ترَ إِلى اِنتِفاخ أَودَاجِهِ وَحُمرَةُ عَینَیهِ؟ فإِن وَجَدَ أَحِدُکُم مِنْ ذَلِکَ شَیئاً فَلیَتَوضأ بِالماءِ البـارِدِ وَلیَغسِل فَإِنَّ النِّارَ لا یُطفِئُها إِلاّ المـاءُ، وَقَد قـالَ(صلى الله علیه وآله): إِذا غَضِبَ أَحَدُکُم فَلیَتوضأ وَلیَغتسلِ فَانَّ الغَضَبَ مِنَ النَّارِ»(8).

فإذا عمل الإنسان على ضمّ هذه الاُمور العملیة إلى ما تقدّم من ضرورة التفکّر فی الآثار الخطرة للغضب فی الدنیا والآخرة وما یترتب علیه من العقوبات الإلهیة فإنّ ذلک من شأنه أن یطفأ نار الغضب بالتأکید، ولکنّ المشکلة تبدأ من أنّ الإنسان، لا یرغب فی تغییر حالته والعمل بالتوصیات المذکورة لإزالة حالة الغضب عن نفسه، وحینئذ فالنجاة والخلاص من الآثار السلبیة المترتبة على هذه الحالة الذمیمة یکون عسیراً للغایة، بل غیر ممکن أحیاناً.

 


1. سفینة البحار، مادة الغضب، المحجة البیضاء، ج5، ص307.
2. جامع الأحادیث، ج13، ص427.
3. المحجة البیضاء، ج5، ص308.
4. وسائل الشیعة، ج11، ص291 (باب 54 من أبواب جهاد النفس).
5. المحجة البیضاء، ج5، ص308; بحار الانوار، ج70، ص272.
6. بحار الأنوار، ج70، ص272.
7. المصدر السابق، ج77، ص312.
8. المصدر السابق، ج70، ص272.

 

أقسام الغضبأسباب ودوافع الغضب
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma