السمات الأساسیة للأنصار والمهاجرین والتابعین:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
الصحابة فی میزان القرآن والتاریخ:سورة الحشر / الآیة 8 ـ 10

هذه الآیات ـ التی هی إستمرار للآیات السابقة ـ تتحدّث حول طبیعة مصارف الفیء الستّة، التی تشمل الأموال والغنائم التی حصل علیها المسلمون بغیر حرب، وقد أوضحت الآیة المعنی بالیتامى والمساکین وأبناء السبیل، مع التأکید على المقصود من أبناء السبیل بلحاظ أنّهم یشکّلون أکبر رقم من عدد المسلمین المهاجرین فی ذلک الوقت، حیث ترکوا أموالهم ووطنهم نتیجة الهجرة، وکانوا فقراء بعد أن هجروا الدنیا من أجل دینهم.

یقول تعالى: (للفقراء المهاجرین الذین اُخرجوا من دیارهم وأموالهم(1) یبتغون فضلا من الله ورضواناً وینصرون الله ورسوله اُولئک هم الصادقون).

هنا بیّنت الآیة ثلاثة أوصاف مهمّة وأساسیة للمهاجرین الأوائل، تتلخص بـ: (الإخلاص والجهاد والصدق).

ثمّ تتناول الآیة مسألة (ابتغاء فضل الله ورضاه) حیث تؤکّد هذه الحقیقة وهی: أنّ هجرتهم لم تکن لدنیا أو لهوى نفس، ولکن لرضا الله وثوابه.

وبناءً على هذا فـ (الفضل) هنا بمعنى الثواب، و«الرضوان» هو رضا الله تعالى الذی یمثّل مرحلة أعلى من مرتبة الثواب، کما بیّنت ذلک آیات عدیدة فی القرآن الکریم، ومنها ما جاء فی الآیة 29 من سورة الفتح، حیث وصف أصحاب  رسول الله(صلى الله علیه وآله) بهذا الوصف (تراهم رکّعاً سجّداً یبتغون فضلا من الله ورضوان).

ولعلّ التعبیر بـ (الفضل) إشارة إلى أنّ هؤلاء المؤمنین یتصوّرون أنّ أعمالهم قلیلة جدّاً لا تستحقّ الثواب، ویعتقدون أنّ الثواب الذی غمرهم هو لطف إلهی.

ویرى بعض المفسّرین «الفضل» هنا بمعنى الرزق، أی رزق الدنیا، فقد ورد فی بعض الآیات القرآنیة بهذا المعنى أیضاً، ولکن بما أنّ المقام هو مقام بیان إخلاص المهاجرین، لذا فإنّ هذا المعنى غیر مناسب، والمناسب هو الجزاء والثواب الإلهی.

کما لا یستبعد أن یکون المراد من «الفضل» إشارة للنعم الجسمیة، و«الرضوان» هو إشارة للنعم الروحیة والمعنویة، والجمیع مرتبط بالآخرة ولیس بالدنیا.

ثمّ إنّ «المهاجرین» ینصرون المبدأ الحقّ دائماً، وعوناً لرسول الله (صلى الله علیه وآله) ولم یتوقّفوا فی جهادهم بهذا السبیل لحظة واحدة (یرجى ملاحظة: أنّ فعل (ینصرون) بصیغة المضارع، وهو دلیل على الاستمرار).

ومن هنا یتّضح أنّ هؤلاء المهاجرین لیسوا من أصحاب الادّعاءات الفارغة، بل هم رجال حقّ وجهاد، وقد صدقوا الله بإیمانهم وتضحیاتهم المستمرّة.

وفی مرحلة ثالثة یصفهم سبحانه بالصدق، ومع أنّ الصدق له مفهوم واسع، إلاّ أنّ صدق هؤلاء یتجسّد فی جمیع الاُمور: بالإیمان، وفی محبّة الرّسول، وفی التزامهم بمبدأ الحقّ ..

ومن الواضح أنّ هذه الصفات کانت لأصحاب الرّسول فی زمن نزول هذه الآیات، إلاّ أنّنا نعلم أنّ أشخاصاً من بینهم قد فرّطوا بالنعم الإلهیّة التی غمرتهم، وسلکوا سبیل الضلال کالذین أشعلوا نار حرب الجمل فی البصرة، وصفین فی الشام، وحاربوا خلیفة رسول الله(صلى الله علیه وآله) الذی کان واجب الطاعة بإجماع المسلمین، وأراقوا دماء الآلاف من المسلمین...

وفی الآیة اللاحقة یستعرض سبحانه ذکر مورد آخر من موارد صرف هذه الأموال، ومن بین ما یستعرضه فی الآیة الکریمة أیضاً وصف رائع ومعبّر جدّاً عن طائفة الأنصار، ویکمل البحث الذی جاء فی الآیة السابقة حول المهاجرین، فیقول سبحانه: (والّذین تبوّؤا الدار والإیمان من قبلهم).

«تبؤوا» من مادّة (بواء) على وزن (دواء) وهی فی الأصل بمعنى تساوی أجزاء المکان، وبعبارة اُخرى یقال: (بواء) لترتیب وتسویة مکان (ما)، هذا التعبیر کنایة لطیفة لهذا المعنى، وهو أنّ طائفة الأنصار ـ أهل المدینة ـ قد هیّؤوا الأرضیة المناسبة للهجرة، وکما یخبرنا التاریخ فإنّ الأنصار قدموا مرّتین إلى «العقبة» ـ وهی مضیق قرب مکّة ـ وبایعوا رسول الله متنکّرین، ورجعوا إلى المدینة مبلّغین، ومعهم «مصعب بن عمیر» لیعلّمهم اُمور دینهم ولیهیء الأرضیة المناسبة لهجرة الرّسول (صلى الله علیه وآله).

وبناءً على هذا فإنّ الأنصار لم یهیّؤوا بیوتهم لاستقبال المهاجرین فحسب، بل إنّهم فتحوا قلوبهم ونفوسهم وأجواء مجتمعهم قدر المستطاع للتکیّف فی التعامل مع وضع الهجرة المرتقب.

والتعبیر (من قبلهم) یوضّح لنا أنّ کلّ تلک الاُمور کانت قبل هجرة مسلمی مکّة، وهذا أمر مهمّ.

وانسجاماً مع هذا التّفسیر، فإنّ أنصار المدینة کانوا مستحقّین لهذه الأموال، وهذا لا یتنافی مع ما نقل عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) أنّه أعطى شخصین أو ثلاثة أشخاص من الأنصار ـ فقط ـ من أموال بنی النضیر، إذ من الممکن أن لا یکون بین الأنصار أشخاص فقراء ومساکین غیر هؤلاء، بعکس المهاجرین فإنّهم إن لم یکونوا مصداقاً للفقیر، فیمکن اعتبارهم مصداقاً لأبناء السبیل(2).

ثمّ یتطرّق سبحانه إلى بیان ثلاث صفات اُخرى توضّح روحیة الأنصار بصورة عامّة، حیث یقول تعالى: (یحبّون من هاجر إلیهم).

فلا فرق بین المسلمین فی وجهة نظرهم والمهمّ لدیهم هو مسألة الإیمان والهجرة وهذا الحبّ کان یعتبر خصوصیة مستمرّة لهم.

والأمر الآخر: (ولا یجدون فی صدورهم حاجة ممّا اُوتو) فهم لا یطمعون بالغنائم التی اُعطیت للمهاجرین، ولا یحسدونهم علیها، ولا حتى یحسّون بحاجة إلى ما اُعطی للمهاجرین منها، وأساساً فإنّ هذه الاُمور لا تخطر على بالهم. وهذه الصورة تعکس لنا منتهى السمو الروحی للأنصار.

ویضیف تعالى فی المرحلة الثالثة إلى وصفهم (ویؤثرون على أنفسهم ولو کان بهم خصاصة)(3).

ومن هذه السمات الثلاث: «المحبّة» و«عدم الطمع» و«الإیثار»، کانت تتشکّل خصوصیة الأنصار المتمیّزة.

ونقل المفسّرون قصصاً متعدّدة فی شأن نزول هذه الآیة:

یقول ابن عبّاس: إنّ الرّسول بیّن للأنصار یوم الإنتصار على یهود بنی النضیر، إذا کنتم ترومون المشارکة فی حصّة المهاجرین من الغنائم فشاطروهم بتقسیم أموالکم وبیوتکم، وإذا أردتم أن تبقى بیوتکم وأموالکم لکم فلا شیء لکم من هذه الغنائم؟ فقال الأنصار: علام نتقاسم بیوتنا وأموالنا معهم، نقدّم المهاجرین علینا ولا نطمع بشیء من الغنائم؟ فنزلت هذه الآیة تعظّم هذه الروح العالیة(4).

ونقرأ فی حدیث آخر أنّ شخصاً أتى رسول الله(صلى الله علیه وآله) فشکا إلیه الجوع، فبعث رسول الله(صلى الله علیه وآله) إلى منزله، فقالت زوجته: ما عندنا إلاّ الماء، فقال رسول الله: من لهذا الرجل اللیلة، فتعهّده رجل من الأنصار وصحبه إلى بیته، ولم یکن لدیه إلاّ القلیل من الطعام لأطفاله. وطلب أن یؤتى بالطعام إلى ضیفه وأطفأ السراج، ثمّ قال لزوجته: نوّمی الصبیة، ثمّ جلس الرجل وزوجته على سماط الطعام فتظاهروا بالأکل ولم یضعوا شیئاً فی أفواههم، وظنّ الضیف أنّهم یأکلون معه، فأکل حتى شبع وناموا اللیلة، فلمّا أصبحوا قدموا على رسول الله(صلى الله علیه وآله) فنظر إلیهم وتبسّم (دون أن یتکلّم)، فنزلت الآیة أعلاه وأثنت على إیثارهم.

ونقرأ فی الروایات التی وصلتنا عن طریق أهل البیت(علیهم السلام) أنّ المضیف هو الإمام علی(علیه السلام)وأطفاله الحسن والحسین(علیهم السلام)، والمرأة التی نوّمت الصبیة جیاعاً هی فاطمة الزهراء(علیها السلام)(5).

ویجدر الإنتباه هنا إلى أنّ القصّة الاُولى یمکن أن تکون سبباً لنزول الآیة، والقصّة الثانیة من مصادیق تطبیق هذه الآیة الکریمة.

وبناءً على هذا فإنّ نزول الآیات حول الأنصار لا یتنافی مع کون المضیف هو الإمام علی(علیه السلام).

وذکر البعض ـ أیضاً ـ أنّ هذه الآیة نزلت فی مقاتلی غزوة اُحد، حیث إنّ سبعة أشخاص منهم جرحوا فی المعرکة وقد أنهکهم العطش، فجیء بماء یکفی لأحدهم، فأبى أن یشرب وأومأ إلى صاحبه، وکان الساقی کلّما ذهب إلى أحدهم یشیر إلى الآخر ویؤثره على نفسه مع شدّة عطشه، إلى أن وصل إلى الأخیر فوجده قد فارق الحیاة ثمّ رجع إلى الأوّل فوجده قد فارق الحیاة أیضاً، وحتى انتهى إلیهم جمیعاً وهم موتى فأثنى الله تعالى على إیثارهم هذ(6).

ولکن من الواضح أنّ هذه الآیة نزلت فی بنی النضیر، وبسبب عمومیة مفهومها فإنّها قابلة للتطبیق فی موارد متشابهة.

وفی نهایة الآیة ـ ولمزید من التأکید لهذه الصفات الکریمة، وبیان تأثیرها الإیجابی العمیق ـ یضیف سبحانه: (ومن یوق شحّ نفسه فاُولئک هم المفلحون).

«الشحّ» کما یقول الراغب فی المفردات: البخل مقترناً بالحرص عادةً.

«یوق» من مادّة وقایة، وبالرغم من أنّه بصیغة فعل مجهول، إلاّ أنّه من الواضح أنّ الفاعل هو الله سبحانه، ویعنی أنّ کلّ شخص حفظه الله سبحانه من هذه الصفة الذمیمة فإنّه سیفلح.

ونقرأ فی حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال لأحد أصحابه: أتدری ما الشحّ؟ فأجاب: هو البخل، قال(علیه السلام): «الشحّ أشدّ من البخل، إنّ البخیل یبخل ممّا فی یده، والشحیح یشحّ بما فی أیدی الناس، وعلى ما فی یده، حتى لا یرى فی أیدی الناس شیئاً إلاّ تمنّى أن یکون له بالحلّ والحرام، ولا یقنع بما رزقه الله عزّوجلّ»(7).

ونقرأ فی حدیث ثان: «لا یجتمع الشحّ والإیمان فی قلب رجل مسلم، ولا یجتمع غبار فی سبیل الله ودخّان جهنّم فی جوف رجل مسلم»(8).

وبالجملة، فما یستفاد بوضوح من الآیة أعلاه أنّ ترک المرء للشحّ یوصله إلى الفلاح، ومن یتّصف بهذه الصفة المذمومة فإنّه یهدم بناء سعادته.

وفی آخر آیة مورد البحث یأتی الحدیث عن آخر طائفة من المسلمین، الذین عرفوا بیننا باصطلاح القرآن الکریم بـ (التابعین)، والذین یشکّلون المجموعة الغالبة من المسلمین بعد المهاجرین والأنصار الذین تحدّثت عنهم الآیات السابقة.

یقول تعالى: (والذین جاؤوا من بعدهم یقولون ربّنا اغفر لنا ولاخواننا الذین سبقونا بالإیمان ولا تجعل فی قلوبنا غلا للذین آمنوا ربّنا إنّک رؤوف رحیم).

بالرغم من أنّ بعض المفسّرین قد حدّد مفهوم هذه الآیة بمجموعة من الأشخاص الذین التحقوا بالمسلمین بعد إنتصار الإسلام وفتح مکّة، إلاّ أنّه لا یوجد دلیل على هذه المحدودیّة الخاصّة بل تشمل جمیع المسلمین إلى یوم القیامة، وعلى فرض أنّ هذه الآیة ناضرة إلى فئة خاصّة، إلاّ أنّها عامّة من حیث الملاک والمعیار والنتیجة.

وبهذا فإنّ الآیات الثلاثة المتقدّمة تشمل جمیع مسلمی العالم، الذین ینضوون إلى واحدة من هذه الطوائف الثلاثة، وهم: (المهاجرون والأنصار والتابعون).

جملة (والذین جاؤوا...) حسب الظاهر عطف على (للفقراء المهاجرین) وذلک لبیان هذه الحقیقة، وهی أنّ أموال «الفیء» لا تنحصر بمحتاجی المهاجرین والأنصار فقط، بل تشمل سائر المحتاجین من المسلمین على مرّ العصور.

ویحتمل أیضاً أنّ الجملة مستقلّة (بأن تکون جملة (والذین جاؤوا...) مبتدأ (ویقولون) خبر) إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل ـ بالنظر إلى إنسجامه مع الآیات السابقة ـ هو الأنسب.

والملاحظ هنا هو أنّ الآیة تذکر ثلاث صفات للتابعین:

الاُولى: أنّهم یفکّرون فی إصلاح أنفسهم، وطلب العفو والمغفرة والتوبة من الله تعالى.

والثّانیة: النظرة المقترنة بالإکبار والإجلال والإحترام إلى من سبقهم بالإیمان، ویطلبون لهم أیضاً العفو والمغفرة من الله تعالى.

الثّالثة: أنّهم یسعون بکلّ وسیلة إلى تهذیب أنفسهم وتطهیرها من الحقد والحسد والبغض والعداء، ویطلبون العون من الله الرؤوف الرحیم لمساعدتهم فی هذا الطریق.

وبهذا الترتیب فإنّ خصوصیاتهم هی: (تربیة النفس) و(الإحترام للسابقین فی الإیمان) و(الإبتعاد عن الحسد والبغضاء).

«غِلّ» على وزن (سِلّ)، جاءت فی الأصل بمعنى نفوذ الشیء بخفیة، ولذا یقال للماء الجاری بین الأشجار (غلَل) ولأنّ الحسد والعداوة والبغضاء تنفذ فی قلب الإنسان بصورة خفیّة، یقال لها: «غِلْ». وبناءً على هذا فإنّ (الغِلّ) لیس فقط بمعنى الحسد، ولکنّه مفهوم واسع یشمل الکثیر من الصفات الخفیّة والقبیحة أخلاقیاً.

والتعبیر بـ (إخوان) والإستمداد من الرؤوف الرحیم فی نهایة الآیة یحکی عن روح المحبّة والصفاء والاُخوّة التی یجب أن تسود المجتمع الإسلامی أجمع، فکلّ شخص یتمنّى صفة حسنة لا یتمنّاها لنفسه فحسب، بل للآخرین أیضاً، ولتشمل المجتمع بصورة عامّة، وبذلک تطهّر القلوب من کلّ أنواع العداء والبغضاء والحسد والحرص، وهذا هو المجتمع الإسلامی النموذجی.


1. «للفقراء» بدل وتفسیر «لابن السبیل».
2. إلاّ أنّه وطبقاً لتفسیر آخر فإنّ (والذین تبوّؤا الدار) تکون مبتدأ، و«یحبّون» خبرها، وإجمالا فإنّها تشکّل جملة مستقلّة، ولا ترتبط بالجملة السابقة التی تتحدّث حول مصاریف «الفیء» ، إلاّ أنّ من الواضح أنّ التّفسیر الأوّل هو الأنسب.
3. «خصاصة» من مادّة «خصاص» على وزن «أساس» بمعنى الشقوق التی توجد فی جدران البیت، ولأنّ الفقر فی حیاة الإنسان یمثّل شقّاً، لذا عبّر عنه بالخصاصة.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 260.
5. المصدر السابق.
6. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 260.
7. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 291، ح 64; و أصول الکافى، ج 4، ص 44، باب (البخل والشح).
8. تفسیر مجمع البیان، ج 9، ص 262.
الصحابة فی میزان القرآن والتاریخ:سورة الحشر / الآیة 8 ـ 10
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma