مودّة الکفّار غیر الحربیین:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة الممتحنة / الآیة 10 ـ 11 سورة الممتحنة / الآیة 7 ـ 9

یستمرّ الحدیث فی هذه الآیات المبارکات تکملة للموضوعات التی طرحت فی الآیات السابقة حول «الحبّ فی الله والبغض فی الله» وقطع العلاقة مع المشرکین، بالرغم من أنّ قطع هذه الرابطة یولّد فراغاً عاطفیاً بالنسبة للبعض من المسلمین، فإنّ المؤمنین الصادقین، وأصحاب رسول الله المخلصین آمنوا بهذا المنهج وثبتوا علیه، والله تعالى بشّر هؤلاء ألاّ یحزنوا، لأنّ الثواب هو جزاؤهم بالإضافة إلى أنّ هذه الحالة سوف لن تستمرّ طویلا، حیث یقول سبحانه: (عسى الله أن یجعل بینکم وبین الذین عادیتم منهم مودّة).

ویتحقّق هذا الوعد وتصدق البشارة فی السنة الثامنة للهجرة حیث منّ الله على المسلمین بفتح مکّة، ودخل أهلها جماعات جماعات فی دین الإسلام الحنیف، مصداقاً لقوله تعالى: (یدخلون فی دین الله أفواج)(1) وعند ذلک تتبدّد غیوم الظلمة والعداء والعناد من سماء حیاتهم، وتشرق نفوسهم بنور الإیمان وحرارة الودّ وأجواء المحبّة والصداقة.

بعض المفسّرین اعتبر هذه الآیة إشارة إلى زواج الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) من (اُمّ حبیبة بنت أبی سفیان) التی کانت قد أسلمت وصحبت زوجها «عبیدالله بن جحش»(2) فی هجرته للحبشة مع المهاجرین ومات زوجها هناک، فأرسل رسول الله(صلى الله علیه وآله) شخصاً إلى النجاشی وتزوّجها، ولأنّ الزواج بین القبائل العربیة کان له تأثیر فی تضییق دائرة العداء وبناء جسور المودّة بینهم، وهذه المسألة کان لها تأثیر إیجابی على أبی سفیان وأهل مکّة.

إلاّ أنّ هذا الاحتمال مستبعد، لأنّ هذه الآیات نزلت عندما کان المسلمون على أبواب فتح مکّة، ولأنّ «حاطب بن أبی بلتعة» کان یروم من إرسال رسالته إلى مشرکی مکّة إحاطتهم علماً بعزم الرّسول على فتح مکّة، فی الوقت الذی نعلم أنّ «جعفر بن أبی طالب» وأصحابه رجعوا إلى المدینة قبل فتح مکّة (فتح خیبر)(3).

وعلى کلّ حال، إذا تباعد بعض الناس عن خطّ الإسلام والمسلمین وکانت تربطهم علاقات إیجابیة مع المسلمین، ففی مثل هذه الحالة لا ینبغی الیأس، لأنّ الله تعالى قادر على کلّ شیء، ویستطیع تغییر ما فی قلوبهم، فهو الذی یغفر الذنوب والخطایا لعباده، حیث یضیف تعالى فی نهایة الآیة: (والله قدیر والله غفور رحیم).

کلمة (عسى) تستعمل عادةً فی الموارد التی یؤمل فیها أن یتحقّق شیء ما، وبما أنّ هذا المعنى یستعمل أحیاناً توأماً مع (الجهل) أو (العجز) فإنّ کثیراً من المفسّرین فسّروها بمعنى رجاء الآخرین من الله ولیس العکس، إلاّ أنّنا لا نرى تعارضاً فی أن یکون لهذا المصطلح المعنى الأصلی، وذلک لأنّ الوصول إلى هدف معیّن لابدّ له فی أحیان کثیرة من وجود الشروط المناسبة، وإذا لم تستکمل هذه الشروط فإنّ هذه الکلمة تستعمل فی مثل هذه الموارد.

وتبیّن الآیات اللاحقة شارحة وموضّحة طبیعة علاقة المودّة مع المشرکین، حیث یقول سبحانه: (لا ینهاکم الله عن الذین لم یقاتلوکم فی الدین ولم یخرجوکم من دیارکم أن تبرّوهم وتقسطوا إلیهم إنّ الله یحبّ المقسطین * إنّما ینهاکم الله عن الذین قاتلوکم فی الدین وأخرجوکم من دیارکم وظاهروا على إخراجکم أن تولّوهم ومن یتولّهم فاُولئک هم الظالمون).

وبهذه الصورة یقسّم القرآن الکریم «المشرکین» إلى فئتین:

فئة: عارضوا المسلمین ووقفوا بوجوههم وشهروا علیهم السلاح وأخرجوهم من بیوتهم ودیارهم کرهاً، وأظهروا عداءهم للإسلام والمسلمین فی القول والعمل... وموقف المسلمین إزاء هذه المجموعة هو الإمتناع عن إقامة کلّ لون من ألوان علاقة المحبّة وصلة الولاء معهم.

والمصداق الواضح لهذه المجموعة هم مشرکو مکّة، وخصوصاً سادات قریش، حیث بذل بعضهم کلّ جهدهم لحرب المسلمین وإیذائهم، وأعانوا آخرون على ذلک.

وفئة اُخرى: مع کفرهم وشرکهم ـ لا یضمرون العداء للمسلمین، ولا یؤذونهم ولا یحاربونهم ولم یشارکوا فی إخراجهم من دیارهم وأوطانهم، حتى أنّ قسماً منهم عقد عهداً معهم بالسلم وترک العداء.

إنّ الإحسان إلى هذه المجموعة وإظهار الحبّ لهم لا مانع منه، وإذا ما عقد معهم عهد فیجب الوفاء به، وأن یسعى لإقامة علاقات العدل والقسط معهمومصداق هذه الجماعة یتجسّد بطائفة (خزاعة) الذین کانوا قد عقدوا عهداً مع المسلمین على المسالمة معهم وترک الخصام.

وبناءً على ذلک فلا مجال لقول بعض المفسّرین من أنّ هذه الآیة منسوخة بما ورد فی قوله تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشرکین حیث وجدتموهم)(4).

حیث إنّ هذه الآیة من سورة التوبة تتحدّث عن المشرکین الذین نقضوا العهد ومارسوا أدواراً عدائیة ضدّ الإسلام والمسلمین بصورة علنیة، ویتبیّن ذلک من خلال الاستدلال بالآیات اللاحقة التی تلی هذه الآیة الکریمة(5).

وقد ذکر بعض المفسّرین فی حدیثه حول هذه الآیة أنّ زوجة أبی بکر المطلّقة أتت بهدایا لابنتها «أسماء» من مکّة، إلاّ أنّ ابنتها إمتنعت عن قبولها، بل إنّها إمتنعت أیضاً حتى من السماح لاُمّها من دخول بیتها، فنزلت الآیة أعلاه وأمرها رسول الله(صلى الله علیه وآله) أن تلتقی باُمّها وتقبل هدیّتها وتکرمها وتحسن ضیافته(6).

وتبیّن لنا هذه الروایة أنّ هذا الحکم لم یکن لیشمل أهل مکّة أجمع، حیث إنّ أقلیّة منهم لم تکن تضمر العداء للمسلمین، ولم یکن لهم موقف عدائی إزاء المسلمین، وبشکل عام فإنّ المستفاد من الآیات الکریمة حول طبیعة وکیفیة العلاقة بین المسلمین وغیرهم هو (أصل کلّی وأساسی) لا یختّص بذلک الوقت فقط، بل یمثّل خطّاً عامّاً لطبیعة هذه العلاقة فی کلّ الأزمنة سواء الیوم أو غداً، فی حیاتنا المعاصرة والمستقبلیة.

وواجب المسلمین وفق هذه الاُسس أن یقفوا بکلّ صلابة أمام أیّة مجموعة، أو دولة، تتّخذ موقفاً عدائیاً منهم أو تعین من أراد بالإسلام والمسلمین سوءاً... وقطع کلّ صلّة قائمة على أساس المحبّة والصداقة معهم.

أمّا إذا کان الکفّار فی موقع محاید إزاء الإسلام والمسلمین، أو أنّهم متعاطفون معهم، عندئذ یستطیع المسلمون أن یقیموا علاقات حسنة ویرتبطوا وإیّاهم بروابط المودّة على أن لا تکون بالصورة التی تکون بین المسلمین أنفسهم، ولا بالشکل الذی یؤدّی إلى تغلغلهم فی صفوف المسلمین.

وإذا تغیّر موقف جماعة ما، أو دولة ما، وهی من الصنف الأوّل أو حصل عکس ذلک فی موقف الصنف الثانی، فبدلّوا سیرتهم من المسالمة إلى المحاربة والعداء، فیجب أن یتغیّر معیار التعامل معهم حسب موقفهم الجدید وواقعهم الفعلی، وتبنى معهم العلائق حسبما ورد من مفاهیم طبقاً للآیات أعلاه.


1. النّصر، 2.
2. «عبیدالله بن جحش» هو أخو عبدالله بن جحش، لم یبق على الإسلام بل إختار المسیحیة فی الحبشة، ولهذا السبب فإنّ اُمّ حبیبة إنفصلت عنه، أمّا أخوه (عبدالله) فقد بقی مسلماً وکان من مجاهدی اُحد، واستشهد فی تلک الغزوة.
3. إنّ خلاصة هذه القصّة قد نقلها کثیر من المفسّرین، ویمکن مراجعة شرحها فی کتاب (اُسد الغابة فی معرفة الصحابة، ج 5، ص 573).
4. التوبة، 5.
5. احتمل بعض المفسّرین أنّ الآیة تمثّل رخصة عقد الولاء بالنسبة للمؤمنین الذین کانوا قد قبلوا الإسلام، إلاّ أنّهم بقوا فی مکّة، ولم یهاجروا، إلاّ أنّ لحن الآیات یبیّن لنا أنّ الحدیث کان مختّصاً بغیر المسلمین.
6. تفسیر روح البیان، ج 9، ص 481، وجاءت هذه الروایة فی صحیح البخاری وکثیر من کتب التّفسیر أیضاً باختلافات.
سورة الممتحنة / الآیة 10 ـ 11 سورة الممتحنة / الآیة 7 ـ 9
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma