3ـ فلسفة صلاة الجمعة العبادیة والسیاسیّة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
4ـ آداب صلاة الجمعة ومضمون الخطبتین2ـ أهمیّة صلاة الجمعة

إنّ صلاة الجمعة ـ قبل کلّ شیء ـ عبادة جماعیة ولها أثر العبادات عموماً، حیث تطهّر الروح والقلب من الذنوب، وتزیل صدأ المعاصی عن القلوب، خاصّة وأنّها تکون دائماً مسبوقة بخطبتین تشتملان على أنواع المواعظ والحکم، والحثّ على التقوى وخوف الله.

أمّا من الناحیة السیاسیّة والاجتماعیة فهی أکبر مؤتمر اسبوعی عظیم بعد مؤتمر الحجّ السنوی، لهذا نجد الرّسول(صلى الله علیه وآله) یقول فی الروایة التی نقلناها سابقاً من أنّ الجمعة حجّ من لا یملک القدرة على المشارکة فی الحجّ.

ویعطی الإسلام فی الحقیقة أهمیّة خاصّة لثلاثة مؤتمرات کبیرة:

التجمّعات التی تتمّ یومیاً لصلاة الجماعة.

التجمّع الأسبوعی الأوسع فی صلاة الجمعة.

ومؤتمر الحجّ الذی یعقد فی کلّ سنة مرّة.

ودور صلاة الجمعة مهمّ جدّاً خاصّة وأنّ من واجبات الخطیب هو التحدّث فی الخطبتین عن المسائل السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة وبذلک سیکون هذا التجمّع العظیم والمهیب منشأً للبرکات والنعم التالیة:

) توعیة الناس على المعارف الإسلامیة والأحداث السیاسیة والاجتماعیة المهمّة.

ب) توثیق الإتّحاد والإنسجام بین المسلمین أکثر لإخافة الأعداء.

ج) تجدید الروح الدینیة وتصعید معنویات المسلمین.

د) إیجاد التعاون لحلّ المشکلات العامّة التی تواجه المسلمین.

ولهذا فإنّ أعداء الإسلام یخافون دائماً من صلاة الجمعة الجامعة للشرائط.

ولهذا أیضاً ـ کانت صلاة الجمعة مصدر قوّة سیاسیة فی أیدی حکومات العدل کحکومة الرّسول(صلى الله علیه وآله) الذی إستثمرها أحسن استثمار لخدمة الإسلام، وکذلک کانت مصدر قوّة أیضاً لحکومات الجور کدولة بنی اُمیّة الذین استغلّوها لتحکیم قدرتهم وسیطرتهم وإضلال الناس.

وعلى مدى التاریخ نلاحظ أنّ أی محاولة للتمرّد على النظام تبدأ أوّلا بالإمتناع عن

صلاة الجمعة خلف الإمام المنصوب من قبل الحاکم، فقد جاء فی قصّة عاشوراء أنّ بعض الشیعة اجتمعوا فی دار (سلیمان بن صرد الخزاعی) ثمّ بعثوا رسالة إلى الإمام الحسین من الکوفة جاء فیها (.. والنعمان بن بشیر فی قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه فی جمعة، ولا نخرج معه إلى عید، ولو قد بلغنا أنّک قد أقبلت إلینا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله»(1).

وفی الصحیفة السجادیة عن الإمام السجّاد(علیه السلام): «اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائک وأصفیائک ومواضع اُمنائک، فی الدرجة الرفیعة التی اختصصتهم بها قد ابتزّوها»(2).

وفی خطبة الجمعة یتمّ تبدید جمیع الإشاعات التی کان الأعداء قد بثّوها خلال الاُسبوع، وتدبّ بعد ذلک الحیاة فی جموع المسلمین ویبدأ دم جدید بالتدفّق.

ومن الجدیر بالإشارة إلیه أنّ فقه أهل البیت(علیهم السلام) ینصّ على عدم جواز إقامة أکثر من جمعة واحدة فی منطقة نصف قطرها فرسخ، کما یمکن أن یشارک فی صلاة الجمعة من کان یبعد عنها بمسافة فرسخین (أی ما یعادل أحد عشر کم).

کلّ هذا یعنی أنّه لا یمکن إقامة أکثر من صلاة جمعة فی مدینة واحدة صغیرة أو کبیرة، مع أطرافها وضواحیها، وبناءً على هذا فسیکون هذا التجمّع هو أوسع تجمّع یقام فی تلک المنطقة.

ولکنّنا نجد مع الأسف أنّ هذه المراسم العبادیة السیاسیة التی تستطیع أن تکون مصدر حرکة عظیمة فی المجتمعات الإسلامیة، نجدها بسبب سیطرة الحکومات الفاسدة على بعض الدول الإسلامیة قد فقدت روحها ومعناها، إلى الحدّ الذی لا تترک أی أثر إیجابی، وأصبحت تقام باعتبارها مراسم حکومیة رسمیة لا أکثر، وذلک ممّا یحزّ بالنفس ویؤلم کثیراً.

إنّ أهمّ صلاة جمعة تقام على طول العام هی الصلاة التی تقام قبل الذهاب إلى عرفات فی مکّة، حیث یشارک فیها عدد غفیر من الحجّاج الذین تجمّعوا من مختلف أنحاء العالم، ویکون هناک تمثیل حقیقی لکلّ فئات المسلمین فی الکرة الأرضیة، ومن اللائق أن یهیّأ لمثل هذه الصلاة الحسّاسة خطبة عظیمة یشارک فی إعدادها أئمّة الجمع لیعرضوا فیها اُمور المسلمین المختلفة.

ومن الطبیعی أن تعطی مثل هذه الخطبة اُکلها، وتفیض بالبرکات والوعی بین المسلمین وتحلّ مشاکلهم الخطیرة.

ولکن مع شدید الأسف نرى أنّ خطبة الجمعة فی هذه الأیّام لا تتناول سوى الاُمور الهامشیة، أو یتمّ التحدّث عن اُمور معروفة للجمیع، ولا یتمّ التحدّث عن الاُمور الأساسیة التی تهمّ المسلمین!!

ألا ینبغی البکاء على ذهاب هذه الفرص الذهبیة وضیاع هذه الثروة المعنویة؟! ألا یدعو ذلک إلى الأسف ویتطلّب الإسراع فی الإصلاح؟!


1. بحارالأنوار، ج 44، ص 333.
2. الصحیفة السجادیة، دعاء 48.
4ـ آداب صلاة الجمعة ومضمون الخطبتین2ـ أهمیّة صلاة الجمعة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma