شرائط الطلاق والإنفصال:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
1ـ أبغض الحلال إلى الله الطلاقسورة الطّلاق / الآیة 1

تقدّم أنّ أهمّ بحث فی هذه السورة هو بحث الطلاق، حیث یشرّع القرآن فیها مخاطباً الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) بصفته القائد الکبیر للمسلمین، ثمّ یوضّح حکماً عمومیّاً بصیغة الجمع، حیث یقول: (یاأیّها النّبی إذا طلّقتم النساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ).

هذا هو الحکم الأوّل من الأحکام الخمسة التی جاءت فی هذه الآیة، وطبقاً لآراء المفسّرین إنّ المراد هو أن تجری صیغة الطلاق عند نقاء المرأة من الدورة الشهریة، مع عدم المقاربة الزوجیة، لأنّه ـ طبقاً للآیة 228 من سورة البقرة ـ فإنّ عدّة الطلاق یجب أن تکون بمقدار «ثلاثة قروء» أی ثلاثة طهورات متتالیة.

وهنا یؤکّد أنّ الطلاق یجب أن یکون مع بدایة العدّة، وهذا یتحقّق فقط ـ فی حالة الطهارة وعدم المقاربة، فإذا وقع الطلاق فی حالة الحیض فإنّ بدایة زمان العدّة ینفصل عن بدایة الطلاق، وبدایة العدّة ستکون بعد الطهارة.

وإذا کانت فی حالة طهر وقد جامعها زوجها، فإنّ الطلاق لا یتحقّق أیضاً، لأنّ مثل هذه الطهارة ـ بسبب المقاربة ـ لا یمکن أن تکون دلیلا على عدم وجود نطفة فی الرحم.

على کلّ حال هذا هو أوّل شرط للطلاق.

جاء فی روایات عدیدة عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) قال: «مُر فلیراجعها، ثمّ لیترکها حتى تطهر، ثمّ تحیض، ثمّ تطهر. ثمّ، إن شاء أمسک بعد، وإن شاء طلّق قبل أن یمسّ، فتلک العدّة التی أمر الله عزّوجلّ أن یطلّق لها النساء»(1).

وجاء نفس هذا المعنى فی روایات عدیدة عن أهل البیت(علیهم السلام)، حتى أنّها ذکرت على أنّها تفسیر للآیة(2).

ثمّ یذکر الحکم الثانی وهو حساب العدّة، حیث یقول تعالى: (وأحصوا العدّة).

«أحصوا» من مادّة «الإحصاء» بمعنى الحساب، وهی فی الأصل مأخوذة من «حصى» بمعناها المعروف، لأنّ کثیراً من الناس کانوا یلجأون فی حساب المسائل المختلفة إلى طریقة عدّ «الحصى» لعدم استطاعتهم القراءة والکتابة.

والجدیر بالملاحظة هنا أنّ المخاطب فی «حساب العدّة» هم الرجال ولیس النساء، وذلک لوقوع مسؤولیة «النفقة والسکن» على عاتق الرجال، کما أنّ «حقّ الرجوع» عن الطلاق یعود إلیهم ولیس إلى النساء، وإلاّ فهنّ ملزمات أیضاً فی إحصاء العدّة لتعیین تکلیفهنّ.

بعد ذلک یدعو الله تعالى الناس جمیعاً إلى التقوى واجتناب المعاصی، حیث یقول تعالى: (واتّقوا الله ربّکم) فهو ربّکم الحریص على سعادتکم، فلا تعصوا له أمراً ولا تترکوا له طاعة، وخاصّة فی «حساب العدّة» والتدقیق بها.

ثمّ یذکر الحکم «الثالث» الذی یتعلّق بالأزواج والحکم «الرابع» الذی یتعلّق بالزوجات، یقول تعالى: (لا تخرجوهنّ من بیوتهنّ ولا یخرجن).

ورغم أنّ کثیراً من الجهلة لا یلتزمون بهذا الحکم عند الطلاق، حیث یسمح الرجل لنفسه أن یخرج المرأة بمجرّد إجراء صیغة الطلاق، کما تسمح المرأة لنفسها بالخروج من بیت زوجها والرجوع إلى أقاربها بمجرّد ذلک.

ولکن یبقى لهذا الحکم فلسفته المهمّة وحکمته البالغة، فهو بالإضافة إلى إسداء الإحترام إلى المرأة، یهیىء أرضیة جیّدة للانصراف والإعراض عن الطلاق، ویؤدّی إلى تقویة الأواصر الزوجیة.

إنّ عدم الالتزام بهذا الحکم الإسلامی الخطیر، الذی جاء فی نصّ القرآن الکریم، یسبّب کثیراً من حالات الطلاق التی تؤدّی إلى الفراق الدائم، بینما کثیراً ما یؤدّی الالتزام بهذا الحکم إلى الرجوع والصلح والعودة إلى الزوجیة مجدّداً.

ولکن قد تقتضی بعض الظروف إخراج المرأة وعدم القدرة على الاحتفاظ بها فی البیت، فیجیىء الحکم الخامس الاستثنائی إذ یقول تعالى: (إلاّ أن یأتین بفاحشة مبیّنة).

کأن یکون الزوجان غیر منسجمین إطلاقاً، ویکون أحدهما مثلا سیء الأخلاق إلى الدرجة التی لا یمکن معها البقاء معه فی بیت واحد، وإلاّ ستنشأ مشاکل جدیدة وعدیدة.

ویلاحظ هذا المعنى فی روایات کثیرة عن أهل البیت(علیهم السلام)(3).

ولکن من الواضح أنّ ذلک لا یشمل کلّ بادرة للخلاف وعدم الانسجام، فإنّ التعبیر بـ «الفاحشة» یکشف عن کون ذلک العمل على قدر کبیر من القبح، وخاصّة حینما وصفها بأنّها «مبیّنة».

وربّما کان المقصود «بالفاحشة» عملا یتنافی مع العفّة، فقد جاء فی روایة عن الإمام الصادق (علیه السلام) ما یشابه ذلک المعنى، وأنّ الغرض من «الإخراج» هنا هو الإخراج لإجراء الحدّ، ومن ثمّ الرجوع والعودة إلى البیت.

ویمکن الجمع بین هذین المعنیین.

بعد بیان هذه الأحکام یؤکّد القرآن الکریم ـ مرّة اُخرى ـ بقوله: (وتلک حدود الله ومن یتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه). لأنّ الغرض من هذه الأحکام هو اسعاد الناس أنفسهم، والتجاوز على هذه الأحکام ـ سواء من قبل الرجل أو المرأة ـ یؤدّی إلى توجیه ضربة قویّة إلى سعادتهم.

ویقول تعالى فی لفتة لطیفة إلى فلسفة العدّة، والحکمة من تشریعها، وعدم السماح للنساء المعتدات بالخروج من مقرّهن الأصلی البیت، یقول: (لا تدری لعلّ الله یحدث بعد ذلک أمر).

ومع مرور الزمن یهدأ طوفان الغضب والعصبیة الذی قد یسبّب الطلاق، غیر أنّ مرور الزمن وحضور الزوجة إلى جانب زوجها خلال هذه الفترة فی البیت، وإظهار ندم ومحبّة کلّ واحد منهما إلى الآخر، وکذلک التفکیر ملیّاً فی عواقب هذا العمل القبیح، خاصّة مع وجود الأطفال، کلّ هذه الأمور قد تهیىء أرضیة صالحة للرجوع عن هذا القرار المشؤوم، وتساهم فی تبدید الغیوم التی تکدّر سماء العلاقة الزوجیة.

وفی إشارة لطیفة إلى هذا المعنى جاء فی حدیث عن الإمام الباقر(علیه السلام) «المطلّقة تکتحل وتختضب وتطیّب وتلبس ما شاءت من الثیاب، لأنّ الله عزّوجلّ یقول: (لعلّ الله یحدث بعد ذلک أمر) لعلّها تقع فی نفسه فیراجعها»(4).

نعود إلى القول بأنّ التصمیم على الإنفصال والطلاق یحدث فی الغالب تحت تأثیر الهیجان والانفعالات العابرة، التی قد تنتهی وتتبدّد بمرور الزمن (أی أثناء فترة العدّة) فإنّ التفکیر جیّداً فی هذا الأمر قد یؤدّی إلى رجوع أحدهما إلى الآخر، وتجاوز حالات عدیدة من الخلاف أثناء هذه الفترة، ولکن بشرط أن تراعى الأحکام الإسلامیة أثناء فترة العدّة بشکل دقیق.

وسیتّضح فیما بعد ـ إن شاء الله ـ أنّ ذلک کلّه یرتبط بحالة «الطلاق الرجعی».


1. کتاب الطلاق، نقلاً عن صحیح مسلم، ج 2، ص 1093 فما بعد.
2. وسائل الشیعة، ج 15، ص 348، باب (کیفیة طلاق العدّة).
3. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 350 و351، ح 17 ـ 20.
4. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 352، ح 24.
1ـ أبغض الحلال إلى الله الطلاقسورة الطّلاق / الآیة 1
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma