العاقبة المؤلمة للعاصین:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة الطّلاق / الآیة 12 سورة الطّلاق / الآیة 8 ـ 11

فی کثیر من الموارد یأتی القرآن على ذکر الاُمم السابقة بعد إیراد سلسلة من الأحکام والتکالیف، لکی یرى المسلمون بأعینهم عاقبة کلّ من (الطاعة والعصیان) فی تجارب الماضی وتأخذ القضیّة طابعاً حسیّاً.

ولم یخرج القرآن الکریم فی هذه السورة عن هذا النهج، فبعد ذکر وظائف کلّ من الرجال والنساء عند الطلاق، یحذّر العاصین والمتمرّدین من العواقب الوخیمة التی تنتظرهم بقوله فی البدایة: (وکأین من قریة عتت عن أمر ربّها ورسله فحاسبناها حساباً شدیداً وعذّبناها عذاباً نکر)(1).

والمقصود بـ «القریة» هو محل اجتماع الناس، وهو أعمّ من المدینة والقریة، والمراد هو أهلها.

«عتت» من مادّة «عتو» على وزن «غلو» بمعنى التمرّد على الطاعة.

و «نکر» على وزن «شکر» ویعنی العمل الصعب الذی لم یسبق له مثیل.

«حساباً شدیداً» أی الحساب الدقیق المقرون بالشدّة والصرامة، ویعنی العقاب الشدید الذی هو نتیجة الحساب الدقیق، وهو على کلّ حال إشارة إلى عاقبة الأقوام السابقة المتمرّدة العاصیة فی هذه الدنیا، التی هلکت بعضها بالطوفان، وبعضها بالزلازل، وآخرون بالصواعق والعواصف، وأمثالهم حلّ بهم الفناء وبقت دیارهم وآثارهم عبرة للأجیال بعدهم.

لذلک یضیف تعالى فی الآیة اللاحقة: (فذاقت وبال أمرها وکان عاقبة أمرها خسر).

وأی خسارة أفدح من خسران رأس المال الذی وهبه الله، والخروج من هذه الدنیا ـ لیس فقط بعدم شراء المتاع ـ وإنّما بالانتهاء إلى العذاب الإلهی والدمار.

ویرى البعض أنّ «حساباً شدیداً» و«عذاباً نکراً» یشیران إلى «یوم القیامة» واعتبروا الفعل الماضی من باب الماضی المراد به المستقبل، ولکن لا داعی لهذا التکلّف، خاصّة أنّ السورة تحدّثت عن یوم القیامة فی الآیات اللاحقة، فذلک یدلّ على أنّ المراد بالعذاب هنا هو عذاب الدنیا.

ثمّ یشیر تعالى إلى عقابهم الاُخروی بقوله: (أعدّ الله لهم عذاباً شدید) عذاباً مؤلماً، مخیفاً، مذلا، فاضحاً، دائماً أعدّه لهم منذ الآن فی نار جهنّم.

والآن (فاتّقوا الله یا اُولی الألباب الذین آمنو).

إنّ الفکر والتفکّر من جهة، والإیمان والآیات الإلهیّة من جهة اُخرى، تحذّرکم وتدعوکم لملاحظة مصائر الأقوام السابقة المتمرّدة التی عصت أمر ربّها، والاعتبار بذلک والحذر من أن تکونوا مثلهم، فقد ینزل علیکم الله غضبه وعذابه الذی لم یسبق له مثیل إضافة إلى عذاب الآخرة.

وبعد ذلک یخاطب الله تعالى المؤمنین الذین یتفکّرون فی آیات الله بقوله: (قد أنزل الله إلیکم ذکر) وهو الشیء الذی یوجب تذکرکم.

وأرسل لکم رسولا یتلوا علیکم آیات الله الواضحة (رسولا یتلوا علیکم آیات الله مبیّنات لیخرج الّذین آمنوا وعملوا الصّالحات من الظّلمات إلى النور).

علماً أنّ هناک خلافاً بین المفسّرین فی معنى کلمة «ذکر» ولکلمة «رسولا» اعتبر بعضهم

أنّ «الذکر» یعنی القرآن، بینما فسّرها البعض الآخر بأنّها تعنی (رسول الله) لأنّ الرّسول هو سبب تذکّر الناس، وطبقاً لهذا التّفسیر فإنّ کلمة «رسولا» التی تأتی بعدها تعنی شخص الرّسول، ولیس فی البین کلام محذوف، ولکن یصبح معنى «الإنزال» هنا هو وجود الرّسول(صلى الله علیه وآله) فی الاُمّة وبعثه فیها من قبل الله تعالى.

ولکن إذا أخذنا «الذکر» بمعنى «القرآن» فإنّ کلمة «رسولا» لا یمکن أن تکون بدلا، وفی الجملة محذوف تقدیره «أنزل الله إلیکم ذکراً وأرسل إلیکم رسولا».

قال البعض: أنّ «الرّسول» یُقصد به «جبرائیل» وبهذا یکون النزول نزولا حقیقیّاً، نزل من السماء، غیر أنّ هذا التّفسیر لا ینسجم مع عبارة (یتلو علیکم آیات الله) لأنّ جبرائیل لم یقرأ الآیات القرآنیة بصورة مباشرة على المسلمین.

وبصورة عامّة، فإنّ کلّ رأی من هذه الآراء یحتوی على نقاط قوّة ونقاط ضعف، ویبقى التّفسیر أو الرأی الأوّل أفضل الآراء أی أنّ «الذکر» یقصد به «القرآن» و«رسولا» یقصد به رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وذلک لأنّ القرآن الکریم أطلق على نفسه «الذکر» فی آیات کثیرة، خصوصاً أنّها کانت مقرونة بکلمة «إنزال» إلى الحدّ الذی أصبح کلّما جاءت عبارة «إنزال الذکر» تداعى إلى الأذهان القرآن الکریم.

ثمّ نقرأ فی الآیة 44 من سورة النحل (وأنزلنا إلیک الذکر لتبیّن للناس ما نزل إلیهم).

وجاء فی الآیة 6 من سورة «الحجر» (وقالوا یاأیّها الذی نزل علیه الذکر إنّک لمجنون).

وإذا جاء فی بعض الروایات عن أهل البیت(علیهم السلام) أنّ المقصود من «الذکر» هو رسول الله و«أهل الذکر» هم «الأئمّة»، فقد یکون المقصود هو المعنى الباطنی للآیة، لأنّنا نعلم أنّ «أهل الذکر» فی آیة (فاسألوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون) النحل 43 لیس خصوص أهل البیت(علیهم السلام)، بل إنّ شأن نزولها هو علماء أهل الکتاب، ولکن نظراً لإتّساع معنى الذکر فإنّه یشمل رسول الله کأحد مصادیقه.

على أی حال فإنّ الهدف النهائی من إرسال الرّسول وإنزال هذا الکتاب السماوی، هو لإخراج الناس من الظلمات والکفر والجهل وإرتکاب الذنوب والمآثم والمفاسد الأخلاقیة، إلى نور الإیمان والتوحید والتقوى.

والواقع أنّ تمام أهداف بعثة الرّسول(صلى الله علیه وآله) ونزول القرآن یمکن تلخیصها بهذه الجملة، وهی الخروج من الظلمات إلى النور.

وتجدر الإشارة إلى أنّ «الظلمات» ذکرت بصیغة الجمع بینما ذکر النور بصیغة المفرد، لأنّ

الکفر والشرک والفساد تؤدّی إلى الفرقة والاختلاف، بینما یؤدّی الإیمان والتوحید والتقوى إلى الوحدة والتلاحم.

وفی ختام الآیة یشیر إلى أجر العاملین المخلصین بقوله: (ومن یؤمن بالله ویعمل صالحاً یدخله جنّات تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها أبداً قد أحسن الله له رزق).

وأشار بالفعل المضارع «یؤمن» و«یعمل» إلى أنّ إیمانهم وعملهم الصالح لیسا محدودین بحدود الزمان والمکان، وإنّما لهما استمرار ودیمومة(2).

والتعبیر بـ (خالدین) دلیل على کون الجنّة خالدة، وبذلک تکون کلمة «أبداً» التی جاءت بعدها تأکید لهذا الخلود.

والتعبیر بـ «رزقاً» بصیغة نکرة إشارة إلى عظمة وأهمیّة الأرزاق الطیّبة التی یهیّؤها الله لهذه الجماعة، وقد یتّسع معناها لیشمل کلّ النعم الإلهیّة فی الدنیا والآخرة، لأنّ الصالحین والمتّقین لهم حیاتهم الکریمة حتى فی الحیاة الدنیا.


1.«کأین» على الرأی المشهور لعلماء الأدب اسم مرکب من «کاف» التشبیه و«أی» مع التنوین الذی دخل فی بناء هذا الاسم، ویقرأ مع الوقف کذلک، وکتب أیضاً فی کتابة المصاحف ومعناها کمعنى «کم» الخبریة، رغم وجود فرق بسیط بینهما.
وعلى الرأی غیر المشهور فإنّها اسم بسیط وکافها ونونها جزء من الکلمة.
2. ینبغی الإلتفات إلى أنّ الضمائر فی الآیة بعضها بصیغة الجمع وبعضها الآخر بصیغة المفرد، وهذا یعنی أنّه فی الموارد التی جاء بصیغة المفرد یکون بمعنى الجنس والجمع أیضاً.
سورة الطّلاق / الآیة 12 سورة الطّلاق / الآیة 8 ـ 11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma