لو کنّا نسمع أو نعقل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
المقام السامی للعقلسورة الملک / الآیة 6 ـ 11

کان الحدیث فی الآیات السابقة عن معالم العظمة والقدرة الإلهیّة ودلائلها فی عالم الوجود، أمّا فی الآیات مورد البحث فإنّه تعالى یتحدّث عن الأشخاص الذین یعرضون ویتنکّبون عن أدلّة الحقّ، ویکابرون فی تحدّی البراهین الدامغة، ویسلکون طریق الکفر والشرک، ویقذفون أنفسهم کالشیاطین فی اُتون العذاب الإلهی.

یقول تعالى فی البدایة: (وللذین کفروا بربّهم عذاب جهنّم وبئس المصیر).

ثمّ یستعرض توضیحاً لهذا اللون من العذاب الرهیب فیقول تعالى: (إذا اُلقوا فیها سمعوا لها شهیقاً وهی تفور).

نعم، إنّهم عندما یلقون فیها بمنتهى الذلّ والحقارة تقترن حالة إلقائهم بصدور صوت مرعب وشدید من جهنّم، حیث یسیطر الرعب والخوف على جمیع وجودهم.

«شهیق» فی الأصل بمعنى صوت قبیح ومنکر کصوت الحمار، ویقال أنّه مأخوذ من مادّة (شهوق) بمعنى کونه طویلا (لذا یطلق على الجبل العالی بأنّه شاهق) ومن هنا فإنّ (شهیق) جاءت بمعنى الأنین الطویل.

وقال البعض: إنّ (الزفیر) هو الصوت الذی یتردّد فی الحلق، أمّا (الشهیق) فهو الصوت

الذی یتردّد فی الصدر، وفی کلّ الأحوال فإنّها إشارة إلى الأصوات المرعبة والمؤلمة.

ثمّ یضیف تعالى مستعرضاً شدّة غضب (جهنّم) وشدّة هیجانها وإنزعاجها بقوله تعالى: (تکاد تمیّز من الغیظ)(1).

إنّها حرارة هائلة جدّاً ونار حارقة مزمجرة کما لو وضعنا إناء کبیر على نار محتدمة فانّه لا یلبث أن یفور ویغلی بشکل یکاد فیه أن یتلاشى ویذوب، أو کإنسان یکاد أن یتفجّر من شدّة الغضب والثورة والإنفعال، هکذا هو منظر جهنّم، مرکز الغضب الإلهی.

ثمّ یستمرّ تعالى بقوله: (کلّما اُلقی فیها فوج سألهم خزنتها ألم یأتکم نذیر).

فلماذا إذن أوقعتم أنفسکم فی هذا المصیر البائس، وهذا البلاء العظیم والساعة الرهیبة، إنّ الملائکة (خزنة جهنّم) یستغربون ویکادون أن یصعقوا لما أصابکم وما أوقعتم به أنفسکم، فی مثل هذه الداهیة مع الوعی الذی حباکم به الله سبحانه وما تفضّل به علیکم من نعمة الرسل الإلهیین والقادة من الأنبیاء والمرسلین... فکیف اخترتم لأنفسکم مقرّاً کهذا؟

(قالوا بلى قد جاءنا نذیر فکذّبنا وقلنا ما نزّل الله من شیء إن أنتم إلاّ فی ضلال کبیر).

وهکذا یأتی الإعتراف: نعم قد جاءنا الرسل إلاّ أنّنا کذّبناهم ولم نسمع نداءهم المحیی للنفوس بل خالفناهم وعارضناهم واعتبرناهم ضالّین، وأخرجناهم من بین صفوفنا، وأبعدناهم عنّا ..

ثمّ یذکر القرآن الدلیل الأصلی على شقائهم وتعاستهم ولکن على لسانهم فیقول: (وقالوا لو کنّا نسمع أو نعقل ما کنّا فی أصحاب السعیر)، أجل هکذا یأتی إعترافهم بذنوبهم بعد فوات الأوان (فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعیر). وفی هذه الآیات وضمن بیان المصیر المرعب لهؤلاء یشیر إلى السبب الحقیقی لذلک، فمن جهة أعطاهم الله تعالى الاُذن السامعة والعقل، ومن جهة اُخرى بعث إلیهم الرسل والأنبیاء بالدلائل الواضحة فلو اقترن هذان الأمران فالنتیجة هی ضمان سعادة الإنسان، أمّا لو کان للإنسان اُذن لا یسمع بها، وعین لا یبصر بها، وعقل لا یفکّر به، فلو جاءه جمیع الأنبیاء والمرسلین بکافّة معاجزهم وکتبهم، لم ینتفع بشیء. وقد ورد فی الحدیث الشریف، أنّ بعض المسلمین ذکروا شخصاً عند رسول الله(صلى الله علیه وآله) وأثنوا علیه، فقال(صلى الله علیه وآله): «کیف عقل الرجل» فقیل: یارسول الله نحن نسأل عن سعیه وعبادته وخیراته وأنت تسأل عن عقله؟! فقال(صلى الله علیه وآله): «إنّ الأحمق یصیب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنّما یرتفع العباد غداً فی الدرجات وینالون الزلفى من ربّهم على قدر عقولهم!».(2)

«سحق» على وزن (قفل) وهی فی الأصل بمعنى طحن الشیء وجعله ناعماً کما تطلق على الملابس القدیمة، إلاّ أنّها هنا بمعنى البعد عن رحمة الله، وبناءً على هذا فإنّ مفهوم قوله تعالى: (فسحقاً لأصحاب السعیر) هو: فبعداً لأصحاب النار عن رحمة الله، ولأنّ لعنة وغضب الله تعالى یکون توأماً مع التجسید الخارجی له، فإنّ هذه الجملة بمثابة الدلیل على أنّ هذه المجموعة بعیدة عن رحمة الله بشکل کلّی.


1. «تمیّز» بمعنى التلاشی والتشتّت وکانت فی الأصل «تتمیّز».2. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 324.
المقام السامی للعقلسورة الملک / الآیة 6 ـ 11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma