السائر سویّاً على جادّة التوحید

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة الملک / الآیة 28 ـ 30  سورة الملک / الآیة 22 ـ 27

تعقیباً لما ورد فی الآیات السابقة بالنسبة إلى الکافرین والمؤمنین، فإنّ الله تعالى یصوّر لنا ـ فی أوّل آیة من هذه الآیات ـ حالة هاتین المجموعتین ضمن تصویر رائع ولطیف، حیث یقول تعالى: (أفمن یمشی مکبّاً على وجهه أهدى أمّن یمشی سویّاً على صراط مستقیم).

فهنا شبه المعاندین والمغرورین کمن یسیر فی جادّة متعرّجة غیر مستویة کثیرة المنعطفات وقد وقع على وجهه، یحرّک یدیه ورجلیه للإهتداء إلى سبیله، لأنّه لا یبصر طریقه جیّداً، ولیس بقادر على السیطرة على نفسه، ولا بمطّلع على العقبات والموانع، ولیست لدیه القوّة للسیر سریعاً، وبذلک یتعثّر فی سیره... یمشی قلیلا ثمّ یتوقّف حائراً.

کما شبّه المؤمنین برجال منتصبی القامات، یسیرون فی جادّة مستویة ومستقیمة لیس فیها تعرّجات واعوجاج، ویمشون فیها بسرعة ووضوح وقدرة ووعی وعلم وراحة تامّة.

إنّه ـ حقّاً ـ لتشبیه لطیف فذّ، حیث إنّ آثار هذین السبیلین واضحة تماماً، وإنعکاساتها جلیّة فی حیاة هذین الفریقین، وذلک ما نلاحظه باُمّ أعیننا.

ویرى البعض أنّ مصداق هاتین المجموعتین هما: (الرّسول الأکرم) و(أبو جهل) فهما

مصادیق واضحة للآیة الکریمة، إلاّ أنّ ذلک لا یحدّد عمومیة الآیة.

وذکرت احتمالات متعدّدة فی تفسیر (مکبّاً على وجهه)، إلاّ أنّ أکثر الاحتمالات المنسجمة مع المفهوم اللغوی للآیة هو ما ذکرناه أعلاه، وهو أنّ الإنسان غیر المؤمن یکون مکبّاً على وجهه ویمشی زاحفاً بیده ورجلیه وصدره.

وقیل أنّ المقصود من (مکبّاً) هو المشی الاعتیادی ولکنّه مطأطیء الرأس لا یشخّص مسیره بوضوح أبداً.

کما یرى آخرون أنّ المقصود بـ (مکبّاً) هو الشخص الذی لا یستطیع أن یحفظ توازنه فی السیر، فهو یخطو خطوات معدودة ثمّ ما یلبث أن یسقط على الأرض وینهض لیمشی، ثمّ تتکرّر هذه الحالة.

ویستفاد ممّا ذکره الراغب فی مفرداته أنّ المقصود بـ (مکبّاً) هو الشخص الذی یدور حول محور الذات والأنانیة، معرضاً عن الاهتمام بغیره.

إلاّ أنّ المعنى الأوّل أنسب حسب الظاهر، وذلک بقرینة المقابلة مع وضع المؤمنین والذین عبّرت عنهم الآیة بـ (سویّ).

وعلى کلّ حال، فهل أنّ هذه الحالة (مکبّاً) و(سویّاً) تمثّل وضع الکفّار والمؤمنین فی الآخرة فقط؟ أم فی العالمین (الدنیا والآخرة)؟ لا دلیل على محدودیة مفهوم الآیة وانحصارها فی الآخرة، فهما فی الدنیا کما هما فی الآخرة.

إنّ هؤلاء الأنانیین المنشدّین إلى مصالحهم المادیّة والمنغمسین فی شهواتهم، السائرین فی درب الضلال والهوى، کمن یروم العبور من مکان ملیء بالأحجار زاحفاً على صدره، بخلاف من تحرّر من قید الهوى فی ظلّ الإیمان حیث یکون مسیره واضحاً ومستقیماً ونظراته عمیقة وثاقبة.

ثمّ یوجّه الله تعالى الخطاب إلى الرّسول(صلى الله علیه وآله) فی الآیة اللاحقة فیقول: (قل هو الذی أنشأکم وجعل لکم السمع والأبصار والأفئدة قلیلا ما تشکرون).

إنّ الله تعالى جعل لکم وسیلة للمشاهدة والإبصار (العین) وکذلک وسیلة وقناة للإطّلاع على أفکار الآخرین ومعرفة وجهات نظرهم من خلال الاستماع (الإذن) ثمّ وسیلة اُخرى للتفکّر والتدبّر فی العلوم والمحسوسات واللامحسوسات (القلب).

وخلاصة الأمر إنّ الله تعالى قد وضع جمیع الوسائل اللازمة لکم لتتعرّفوا على العلوم

العقلیة والنقلیة، إلاّ أنّ القلیل من الأشخاص من یدرک هذه النعم العظیمة ویشکر الله المنعم، حیث إنّ شکر النعمة الحقیقی یتجسّد بتوجیه النعمة نحو الهدف الذی خلقت من أجله، تُرى من هو المستفید من هذه الحواس (العین والاُذن والعقل) بصورة صحیحة فی هذا الطریق؟

ثمّ یخاطب الرّسول مرّة اُخرى حیث یقول تعالى: (قل هو الذی ذرأکم فی الأرض وإلیه تحشرون).

وفی الحقیقة فإنّ الآیة الاُولى تعیّن (المسیر)، والثانیة تتحدّث عن (وسائل العمل) أمّا الآیة ـ مورد البحث ـ فإنّها تشخّص (الهدف والغایة) وذلک بالتأکید على أنّ السیر یجب أن یکون فی الطریق المستقیم، والصراط الواضح المتمثّل بالإسلام والإیمان، وبذل الجهد للاستفادة من جمیع وسائل المعرفة بهذا الإتّجاه، والتحرّک نحو الحیاة الخالدة.

والجدیر بالملاحظة هنا أنّ التعبیر فی الآیة السابقة ورد بـ (أنشأکم) وفی الآیة مورد البحث بـ (ذرأکم)، ولعلّ تفاوت هذین التعبیرین هو أنّه فی الاُولى إشارة إلى الإنشاء والإیجاد من العدم (أی إنّکم لم تکونوا شیئاً وقد خلقکم الله تعالى) وفی الثانیة إشارة إلى خلق الإنسان من مادّة التراب، وذلک یعنی أنّ الله خلق الإنسان من التراب.

ثمّ یستعرض سبحانه قول المشرکین فی هذا المجال والردّ علیهم، فیقول تعالى: (ویقولون متى هذا الوعد إن کنتم صادقین).

إنّ المشرکین یطالبون بتعیین التاریخ بصورة دقیقة لیوم القیامة، کما أنّهم یطالبون بحسم هذا الأمر الذی یتعلّق بمصیر الجمیع (متى هذا الوعد؟).

وذکروا إحتمالین فی المقصود من (هذا الوعد): الأوّل: هو وعد یوم القیامة، والآخر: هو تنفیذ الوعد بالنسبة للعقوبات الدنیویة المختلفة، کوقوع الزلازل والصواعق والطوفانات، إلاّ أنّ المعنى الأوّل أکثر تناسباً حسب الظاهر، وذلک بلحاظ ما ورد فی الآیة السابقة. کما أنّ بالإمکان الجمع بین المعنیین.

ویجیبهم الله سبحانه على تساؤلهم هذا بقوله تعالى: (قل إنّما العلم عند الله وإنّما أنا نذیر مبین).

إنّ هذا التعبیر یشبه تماماً ما ورد فی الآیات القرآنیة العدیدة التی من جملتها قوله تعالى: (قل إنّما علمها عند اللّه)(1).

ولابدّ أن یکون الجواب بهذه الصورة، حیث إنّ تحدید تأریخ یوم القیامة إن کان بعیداً فإنّ الناس سیغرقون بالغفلة، وإن کان قریباً فإنّهم سیعیشون حالة الهلع والاضطراب، وعلى کلّ حال فإنّ الأهداف التربویة تتعطّل فی الحالتین.

ویضیف فی آخر آیة من هذه الآیات بأنّ الکافرین حینما یرون العذاب والوعد الإلهی من قریب تسودّ وجوههم: (فلمّا رأوه زلفةً سیئت وجوه الذین کفرو) فسیماهم طافحة بآثار الحزن والندم (وقیل هذا الّذی کنتم به تدعون).

«تدعون» من مادّة (دعاء) یعنی أنّکم کنتم تدعون وتطلبون دائماً أن یجیء یوم القیامة، وها هو قد حان موعده، ولا سبیل للفرار منه(2).

وهذا المضمون یشبه ما جاء فی قوله تعالى مخاطباً الکفّار فی یوم القیامة: (هذا الذی کنتم به تستعجلون)(3).

وعلى کلّ حال، فإنّ الآیة الشریفة ناظرة إلى عذاب یوم القیامة کما ذهب إلیه أغلب المفسّرین، وهذا دلیل على أنّ جملة (متى هذا الوعد) إشارة إلى موعد یوم القیامة.

یقول الحاکم أبو القاسم الحسکانی: عندما شاهد الکفّار شأن ومقام الإمام علی(علیه السلام) عند الله تعالى، اسودّت وجوههم (من شدّة الغضب)(4).

ونقل هذا المعنى أیضاً فی حدیث عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّ هذه الآیة نزلت بحقّ أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) وأصحابه(5).

وهذا التّفسیر نقل عن طرق الشیعة وأهل السنّة، وهو نوع من التطبیق المصداقی، وإلاّ فإنّ هذه الآیة تناولت موضوع (القیامة) ومثل هذه التطبیقات لیست قلیلة فی عالم الروایات.


1. الأعراف، 187.
2. «تدعون» من باب (افتعال)، ومن مادّة دعاء، بمعنى الطلب والرجاء، أو من مادّة «دعوا» بمعنى الطلب أو إنکار شیء معیّن.
3. الذاریات، 14.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 330.
5. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 385.
سورة الملک / الآیة 28 ـ 30  سورة الملک / الآیة 22 ـ 27
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma