أوصاف المؤمنین

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة المعارج / الآیة 29 ـ 35 سورة المعارج / الآیة 19 ـ 28

بعد ذکر أوصاف الطالحین وجوانب من أنواع العذاب فی یوم القیامة، یأتی هنا وصف المؤمنین للتعرف عن سبب انقسام النّاس إلى صنفین، المعذبون والناجون، یقول أوّلاً: (إنّ الإنسان خلق هلوع).

(إذا مسّه الشرّ جزوعاً * وإذا مسّه الخیر منوع).

یراد بـ «الهلوع» کما یقول المفسّرون وأصحاب اللغة «الحریص»، وآخرون فسّروه بالجزع، وبناءً على التّفسیر الأوّل فإنّه یشار إلى ثلاثة اُمور رذیلة یتصف بها هؤلاء وهی: الحرص، والجزع، والبخل، وللتّفسیر الثّانی صفتان هما: الجزع، والبخل، لأنّ الثّانیة والثّالثة هی تفسیر لمعنى الهلوع.

وهنا احتمال آخر وهو أنّ المعنیین یجتمعان فی هذه الکلمة، لأنّ هاتین الصفتین متلازمتان مع بعضهما، فالناس الحریصون غالباً ما یکونون بخلاء، ویجزعون عند الشدائد، والعکس أیضاً صحیح.

السؤال: وهنا یطرح هذا السؤال، وهو کیف أنّ اللّه خلق الإنسان للسعادة والکمال وجعل فیه الشرّ والسوء؟

وهل یمکن أن یخلق اللّه شیئاً ما متصفاً بصفة، ثمّ یذم خلقه؟ بالإضافة إلى ذلک فإنّ القرآن الکریم یصرّح فی سورة التین الآیة 4: (لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم).

بالتأکید لیس أن ظاهر الإنسان حسن وباطنه سیء، بل إنّ الخلقة الکلیة للإنسان هی فی صورة «أحسن تقویم»، بالإضافة الى أنّ هناک آیات اُخرى تمدح المقام الرفیع للإنسان، فکیف تتفق هذه الآیات مع الآیة التی نحن بصددها؟

والجواب: أجوبة هذه الأسئلة تتّضح بالإلتفات إلى نقطة واحدة، وهی أنّ اللّه خلق القوى والغرائز والصفات فی الإنسان کوسائل لتکامل الإنسان وبلوغ سعادته، لکن عندما یستخدمها الإنسان فی الطریق المنحرف ویسیء تدبیرها والاستفادة منها فستکون العاقبة هی التعاسة والشرّ والفساد، فمثلاً الحرص هو الذی لا یتیح فرصة للإنسان للتوقف عن السعی والحرکة والاکتفاء بما لدیه من نعمة وهو العطش المحرق الذی یسیطر على الإنسان، فلو أنّ هذه الصفة وقعت فی طریق العلم لوجدنا الإنسان حریصاً على التعلم، أو بعبارة اُخرى یتعطش العلم ویعشقه، وبذلک سوف یکون سبباً لکماله، وأمّا إذا أخذت مسیرها فی المادیات فإنّها ستکون سبباً للتعاسة والبخل، وبتعیبر آخر: إنّ هذا الصفة فرع من فروع حبّ الذات، وحبّ الذات غریزة توصل الإنسان إلى الکمال، ولکن إذا انحرف فی مسیره فإنّه سوف یُجرّ إلى الحسد والبخل وإلى غیر ذلک.

وفی هذا الشأن هناک مواهب اُخرى أیضاً بهذا الشکل: إنّ اللّه أودع قدرة عظیمة فی قلب الذرة، من المؤکد أنّها نافعة ومفیدة، ولکن إذا ما اُسیء استخدام هذه القدرة وصنع من ذلک القنابل الفتاکة ولم یستخدم فی تولید الطاقة الکهربائیة والوسائل الصناعیة والطبیة الاُخرى، فسیکون مدعاة للشرّ والفساد، والتعمق فیما ذکرنا یمکن الجمع فی ما ورد فی الانسان وذلک من خلال الآیات القرآنیة المبیّنة لحالات الإنسان(1).

ثمّ تذکر الآیات الکریمة صفات الأشخاص الجیدین على شکل استثناء، وتبیّن لهم تسع صفات ایجابیة بارزة، فیقول تعالى: (إلاّ المُصلّین).

(الذین هم على صلاتهم دائمون).

هذه هی الخصوصیة الاُولى لهم وأنّهم مرتبطین باللّه بشکل دائم، وهذه الرابطة تتوثق بالصلاة، الصلاة التی تنهى عن الفحشاء والمنکر، والصلاة التی تربی روح الإنسان وتذکره دائماً باللّه تعالى، والسیر بهذا الإتجاه سوف یمنعه من الغفلة والغرور، والغرق فی بحر الشهوات، والوقوع فی قبضة الشیطان وهوى النفس.

ومن الطیبعی أنّ المراد من الإدامة على الصلاة لیس أن یکون دائماً فی حال الصلاة، بل هو المحافظة على أوقات الصلاة المعینة.

من المعروف أنّ کل عمل جید یقوم به الإنسان إنّما یترک فیه أثراً صالحاً فیما لو کان مستدیماً، ولهذا نقرأ فی الحدیث عن النّبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «إنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه ما دام وإنّ قلّ»(2).

ونلاحظ فی حدیث عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال: «إذا فرض على نفسه شیئاً من النوافل دام علیه»(3).

وورد فی حدیث عنه(علیه السلام) أنّه قال: «هذه الآیة تعنی النافلة، آیة (والذین هم على صلاتهم یحافظون)(4) (والتی تأتی فیما بعد) تعنی صلاة الفریضة».(5) وتجوز هذه المراعاة هنا، إذ إنّ التعبیر بالمحافظة هو ما یناسب الصلاة الواجبة والتی یجب المحافظة على أوقاتها المعینة، وأمّا التعبیر بالمداومة فهو ما یناسب الصلاة المستحبة وذلک بأنّ الإنسان یمکنه الإتیان بها أحیاناً وترکها أحیاناً اُخرى.

على کل حال بعد توضیح أهمیّة الصلاة وأنّها من أهم الأعمال ومن أهم أوصاف المؤمنین تنتقل الآیات إلى ذکر الصفة الثّانیة فیضیف تعالى: (والذین فی أموالهم حقّ معلوم للسّائل والمحروم).

وبهذا سوف یحافظون على إرتباطهم بالخالق من جهة، وعلاقتهم بخلق اللّه من جهة اُخرى.

ویعتقد بعض المفسّرین أنّ المراد هنا من «حقّ معلوم» هو الزّکاة المفروضة التی فیها المقدار المعین، وموارد صرف ذلک المقدار هو السائل والمحروم، ولکن هذه السورة مکّیة وحکم الزّکاة لم یکن قد نزل فی مکّة، ولو فرض نزوله لم یکن هناک تعیّن للمقدار، ولذا یعتقد البعض أنّ المراد من الحقّ المعلوم هو شیء غیر الزّکاة والذی یجب على الإنسان منحه للمحتاجین، والشّاهد على هذا ما نقل عن الإمام الصّادق(علیه السلام) عندما سئل عن تفسیر هذه الآیة وهل هذا شیء غیر الزّکاة فقال(علیه السلام): «هو الرجل یؤتیه اللّه الثروة من المال، فیخرج منه الألف والألفین والثلاثة الآف والأقل والأکثر، فیصل به رحمه، ویحمل به الکَلّ عن قومه»(6).

والفرق بین «السائل» و«المحروم» هو أنّ السائل یفصح عن حاجته ویسأل، والمحروم هو الذی لا یسأل لتعففه وحیائه، وجاء فی حدیث عن الإمام الصّادق(علیه السلام): «المحروم من یجد المشقّة فی کسبه وعمله وهو محارف»(7).

هذا الحدیث هو أیضاً یوافق ذلک التّفسیر المذکور سلفاً، لأنّ مثل هؤلاء یکونون متعففین.

جاء فی تفسیرنا هذا فی ذیل الآیة 19 من سورة الذرایات بحث حول الحقّ المذکور وتفسیر السائل والمحروم.

على کلّ، فإنّ هذا العمل له أثره الاجتماعی فی مجاهدة الفقر والحرمان من جهة، ومن جهة اُخرى یترک آثاراً خُلقیة جیدة على الذین یؤدّون ذلک العمل، وینتزع ما فی قلوبهم وأرواحهم من أدران الحرص والبخل وحبّ الدنیا.

الآیة الاُخرى أشارت إلى الخصوصیة الثّالثة لهم فیضیف: (والذین یصدّقون بیوم الدین).

والخصوصیة الرّابعة هی: (والذین هم من عذاب ربّهم مشفقون).

(إنّ عذاب ربّهم غیر مأمون).

إنّهم یؤمنون من جهة بیوم الدین، ومع الإلتفات إلى کلمة «یصدقون» وهو فعل مضارع یدل على الاستمراریة، فهذا یعنی إنّهم باستمرار یدرکون أنّ فی الأمر حساباً وجزاءً، بعض المفسّرین فسّر ذلک المعنى «بالتصدیق العملی» أی الإتیان بالواجبات وترک المحرمات، ولکن الآیة ظاهرها الإطلاق، أی أنّها تشمل التصدیق العلمی والعملی.

ولکن من الممکن أنّ هناک من یؤمن بیوم الدین ویرى نفسه ممن لا یعاقب، لذا تقول: (والذین هم من عذاب ربّهم مشفقون) یعنی أنّهم یدرکون أهمّیة الأمر، فلا یستکثرون حسناتهم ولا یستصغرون سیئاتهم، ولهذا ورد فی الحدیث عن أمیر المومنین(علیه السلام) وهو ینصح ولده: «بنی خف اللّه خوفاً أنّک لو أتیته بحسنات أهل الأرض لم یقبلها منک، وأرج اللّه رجاءً أنّک لو أتیته بسیئات أهل الأرض غفرها لک»(8).

وحتى أنّ الرّسول(صلى الله علیه وآله) کان یقول: «لن یدخل الجنّة أحداً عمله».

قالوا: ولا أنت یا رسول اللّه؟

قال: «ولا أنا، إلاّ أن یتغمدنی اللّه برحمته».


1. هناک توضیح آخر أوردناه تحت عنوان «الإنسان فی القرآن الکریم» فی ذیل الآیة 13 لسورة یونس من هذا التّفسیر.
2. المعجم المفهرس لألفاظ الحدیث (مادة دوام)، ج 2، ص 160.
3. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 415.
4. المعارج، 34.
5. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 416.
6. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 417، ح 25.
7. المصدر السابق، ح 27.
8. بحارالانوار، ج 64، ص 394.
سورة المعارج / الآیة 29 ـ 35 سورة المعارج / الآیة 19 ـ 28
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma