الطمع الواهی فی الجنّة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
ربّ المشارق والمغاربسورة المعارج / الآیة 36 ـ 41

جاء البحث فی الآیات السابقة من هذه السورة حول علامات المؤمنین والکفّار، ومصیر کلّ من المجموعتین، فی الآیات یعود لیوضح أحوال الکفّار واستهزاءهم بالمقدسات.

قال البعض: إنّ هذه الآیات نزلت فی جماعة من المشرکین فعندما کان الرّسول(صلى الله علیه وآله) یتلو على المسلمین آیات المعاد، کان هؤلاء الکفّار یقدمون من کلّ صوب وحدب ویقولون: إذا کان هناک معاد فإنّ حالنا فی الآخرة أحسن من حال من آمن بک، کما أنّ حالنا فی هذه الدنیا أحسن منهم.

یقول القرآن الکریم فی جوابهم: (فمال الذین کفروا قِبلک مهطعین) أی یقبلون نحوک من کل جانب مسرعین.

(عن الیمین وعن الشمال عزین) أی جماعات متفرقین.

(أیطمع کلّ امرىء منهم أن یدخل جنّة نعیم).

بأی إیمان وبأی عمل یستحقون ذلک؟!

«مهطعین»: جمع مهطع، وتعنی الذی یمدّ عنقه مقبلاً على شیء بسرعة للبحث عنه، وأحیاناً تأتی ـ فقط ـ بمعنى مدّ العنق لاستطلاع الأمر.

«عزین»: جمع عزة، على وزن «هبة» وتعنی جماعات متفرقین، وأصلها «عزو» ـ على

وزن جذب ـ بمعنى النسبة، وبما أنّ کلّ جماعة یرتبط أفرادها بعضهم ببعض بنسبة معینة: أو یهدفون إلى غرض معین اُطلقت کلمة «عزة» على الجماعة.

على کل حال فإنّ المشرکین المتکبرین کان لهم الکثیر من الادّعاءات الباطلة الواهیة، وکانت الرّفاهیة فی حیاتهم الدنیویة غالباً ما تتم عن طریق غیر مشروع کالإغارة والسلب وغیر ذلک ما کان یجعلهم یظنون بأنّهم قد حصلوا على هذه المقامات العالیة لمکانتهم عند اللّه، فکانوا ینسبون إلى أنفسهم المقامات الرفیعة فی یوم القیامة أیضاً.

صحیح أنّهم لم یکونوا یعتقدون بالمعاد بتلک الصورة التی یبیّنها القرآن، ولکنّهم کانوا یحتملون وقوعه أحیاناً، ویقولون: إذا وقع المعاد فإنّ حالنا فی العالم الآخر سیکون کذا وکذا، ولعلهم کانوا یریدون بذلک الإستهزاء.

وهنا یجیبهم القرآن المجید فیقول: (کل) لیس الأمر کذلک ولیس لهم حقّ الدخول إلى الجنّة (إنا خلقناهم ممّا یعلمون).

فی الحقیقة أنّ اللّه یرید بهذه الجملة أن یحطم غرورهم، لأنّه یقول: إنّکم تعلمون جیداً مم خلقناکم؟ من نطفة قذرة، من ماء آسن مهین، فلماذا کلّ هذا الغرور؟ ویجیب ثانیاً على المستهزئین بالمعاد فیقول: إذا کنتم فی شک من المعاد فتمعنوا فی حال هذه النطفة، وانظروا کیف خلقنا موجوداً بدیعاً من قطرة ماء قذرة یتطور فیها الجنین کلّ یوم یتّخذ شکلاً جدیداً، ألا یقدر خالق الإنسان من هذه النطفة أن یعید إلیه الحیاة بعد دفنه؟

ثالثاً: کیف یطمعون فی الجنّة وفی صحائفهم کل هذه الذنوب؟ لأنّ الموجود الذی خلق من نطفة لا یمکن أن یکون له قیمة مادیة، وإذا کانت له قیمة وکرامة فإنّ ذلک لإیمانه وعمله الصالح، واُولئک قد فقدوا هذه الصفات، فکیف ینتظرون الدخول إلى الجنّة؟!(1)

ثمّ یقول تعالى مؤکّداً ذلک: (فلا اُقسم بربّ المشارق والمغارب إنّا لقادرون * على أن نبدل خیراً منهم وما نحن بمسبوقین).

لعل هذه الجملة إشارة إلى أنّنا لسنا قادرین على أن نعید لهم الحیاة بعد الموت فحسب، بل إنّنا نستطیع أن نبدله إلى أکمل الموجودات وأفضلها، ولا یمنعنا من ذلک شیء.

وعلى هذا فإنّ السیاق هو إدامة لبحث المعاد، أو هو إشارة إلى أنّنا نهلککم جزاءً لأعمالکم ولا یمنعنا من ذلک شیء، ونستبدل بکم مؤمنین واعین، لیکونوا أنصاراً للنّبی(صلى الله علیه وآله)ولا یضرّنا ذلک شیئاً، ولهذا إن کنّا نلح علیکم أن تؤمنوا فلیس من باب العجز والإحتیاج، بل من أجل تربیة البشریة وهدایتها.

یمکن أن یکون المراد بـ (ربّ المشارق والمغارب) بأنّ اللّه الذی یقدر على أن یجعل للشمس العظیمة مشرقاً ومغرباً جدیدین فی کل یوم، ویکون بنظام دقیق من دون أیة زیادة ونقصان مدى ملایین السنین قادر على أن یعید الإنسان مرّة اُخرى إلى الحیاة الجدیدة ویستبدلهم بقوم أفضل منهم.


1. هناک احتمالات اُخرى فی تفسیر هذه الآیة: أنّ المراد من جملة «ممّا یعلمون» هو أنّنا خلقناهم ووهبنا لهم العقل والشعور لا کالحیوانات والبهائم، ولهذا فإنّهم مسوؤلون عن أعمالهم، وهناک مراد آخر وهو أنّنا خلقناهم لأهداف هم یعلمونها وهی التکلیف والطاعة، ولکن هذه الاحتمالات بعیدة، ولذا فإنّ أکثر المفسّرین ذهبوا إلى المعنى المذکور سابقاً.
ربّ المشارق والمغاربسورة المعارج / الآیة 36 ـ 41
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma