لطف اللّه معک

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة نوح / الآیة 26 ـ 28 سورة نوح / الآیة 21 ـ 25

عندما رأى نوح(علیه السلام) عناد قومه وقد بذل فی سبیل هدایتهم منتهى مساعیه التی طالت مئات السنین، وما کانوا یزدادون فیها إلاّ فساداً وضلالاً، یئس منهم وتوجّه إلى ربّه لیناجیه ویطلب منه أن یعاقب قومه، کما نقرأ فی هذه الآیات محل البحث، (قال نوح ربّ إنّهم عصونی واتبعوا من لم یزده ماله وولده إلاّ خسار).

تشیر هذه الآیة إلى أنّ رؤساء هؤلاء القوم یمتازون بکثرة الأموال والأولاد، ولکنّها لا تستخدم لخدمة الناس بل للفساد والعدوان، ولا یخضعون للّه تعالى، وهذه الإمتیازات الکثیرة سببت فی طغیانهم وغیهم.

وإذا ما نظرنا إلى تاریخ الإنسان لوجدنا أنّ الکثیر من رؤساء القبائل هم من هذا القبیل، من الذین یجمعون المال الحرام، ولهم ذرّیة فاسدة، ویفرضون فی النهایة أفکارهم على المجتمعات المستضعفة، ویکبّلونهم بقیود الظلم.

ثمّ یضیف فی قوله تعالى: (ومکروا مکراً کبّار).

«کبّار» صیغة مبالغة من الکبر، وذکر بصیغة النکرة، ویشیر إلى أنّهم کانوا یضعون خططاً شیطانیة واسعة لتضلیل الناس، ورفض دعوة نوح(علیه السلام)، ومن المحتمل أن یکون عبادة

الأصنام واحدة من هذه الخطط والأسالیب، وذلک طبقاً للرّوایات التی تشیر إلى عدم وجود عبادة الأصنام قبل عصر نوح(علیه السلام) وأن قوم نوح هم الذین أوجدوها، وذکر أنّ فی المدّة الزمنیة بین آدم ونوح(علیهما السلام) کان هناک اُناس صالحون أحبّهم الناس، ولکن الشیطان «أو الأشخاص الشیطانیین» عمد إلى استغلال هذه العلاقة، ورغّبهم فی صنع تماثیل اُولئک الصالحین بحجّة تقدیسهم وإجلالهم، وبعد مضی الزمن نسیت الأجیال هذه العلاقة التاریخیة، وتصورت أنّ هذه التماثل هی موجودات محترمة ونافعة یجب عبادتها، وهکذا شُغلوا بعبادة الأصنام، وعمد الظلمون والمستکبرون إلى إغفال الناس وتکبیلهم بحبائل الغفلة، وهکذا تحقق المکر الکبیر.

وتدل الآیة الاُخرى على هذا الأمر، إذ أنّها تضیف بعد الإشارة إلى خفاء هذا المکر فی قوله تعالى: (وقالوا لا تذرنّ آلهتکم).

ولا تقبلوا دعوة نوح إلى اللّه الواحد، وغیر المحسوس، وأکدوا بالخصوص على خمسة أصنام، وقالوا: (ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا یغوث ویعوق ونسر).

ویستفاد من القرائن أنّ لهذه الأصنام الخمسة ممیزات وخصائص، وأنّها لقیت عنایة بالغة من القوم الظالمین، ولهذا کان رؤسائهم المستغلون لهم یعتمدون على عبادتهم لها.

وهناک روایات متعددة تشیر إلى وجود وابتداع هذه الأصنام، وهى:

قال البعض: إنّها أسماء خمسة من الصالحین کانوا قبل نوح(علیه السلام) وعندما رحلوا من الدنیا اتّخذوا لهم تماثیل لتبقى ذلکرى، وذلک بتحریک وإیحاء من إبلیس، فوقّروها حتى عبدت تدریجیاً بمرّ العصور.

قیل أنّها أسماء خمسة أولاد لآدم(علیه السلام) کان کلّما یموت أحدهم یضعون له تمثالاً وذلک لتخلید ذکراه، وبمرور الزمن نُسی ذلک الغرض وأخذوا یروجون عبادتها بکثرة فی زمن نوح(علیه السلام).

البعض الآخر یعتقد أنّها أسماء لأصنام فی زمن نوح(علیه السلام)، وذلک لأنّ نوح(علیه السلام) کان یمنع الناس من الطواف حول قبر آدم(علیه السلام) فاتخذوا مکانه تماثیل بإیعاز من إبلیس وشغلوا بعبادته(1).

وهکذا انتقلت هذه الأصنام الخمسة إلى الجاهلیة العربیة، وانتخبت کل قبیلة واحدة من هذه الأصنام لها، ومن المستبعد أن تکون الأصنام قد انتقلت إلیهم، بل إنّ الظاهر هو انتقال الأسماء إلیهم ثمّ صنعهم التماثیل لها، ولکن بعض المفسّرین نقلوا عن ابن عباس أنّ هذه الأصنام الخمسة قد دفنت فی طوفان نوح(علیه السلام)، ثمّ أخرجها الشیطان فی عهد الجاهلیة ودعا الناس إلى عبادته(2).

وفی کیفیة تقسیم هذه الأصنام على القبائل العربیة فی الجاهلیة، قال البعض: إنّ الصنم (ود) قد اتّخذته قبیلة بنی کلب فی أراضی دومة الجندل، وهی مدینة قریبة من تبوک تدعى الیوم بالجوف، واتّخذت قبیلة هدیل (سواع) وکانت فی بقاع رهاط، واتّخذت قبیلة بنی قطیف أو قبیلة بنی مذحج (یغوث)، وأمّا همدان فاتّخذت (یعوق)، واتّخذت قبیلة ذی الکلاع (نسر)، وهی قبائل حمیر(3).

وعلى کل حال، فإنّ ثلاثة منها أی (یغوث ویعوق ونسر) کانت فی الیمن ولکنّها اندثرت عندما سیطر ذو نؤاس على الیمن، واعتنق أهلها الیهودیة(4).

یقول المؤرخ الشهیر الواقدی: کان الصنم (ود) على صورة رجل، و(سواع) على صورة امرأة و(یغوث) على صورة أسد و(یعوق) على صورة فرس و(نسر) على صورة نسر (الطائر المعروف).(5)

وبالطبع أنّ هناک أصنام اُخرى کانت لعرب الجاهلیة، منها «هبل» الذی کان من أکبر أصنامها التی وضعوها داخل الکعبة، وکان طوله 18 ذراعاً، والصنم (أساف) المقابل للحجر الأسود، والصنم (نائلة) الذی کان مقابل الرکن الیمانی (الزاویة الجنوبیة للکعبة) وکذلک کانت (اللات) و(العزى).(6)

ثمّ یضیف عن لسان نوح(علیه السلام): (وقد أضلوا کثیراً ولا تزد الظالمین إلاّ ضلال)(7) المراد من زیادة الضلال للظالمین هو الدعاء بسلب التوفیق الإلهی منهم لیکون سبباً فی تعاستهم، أو أنّه دعاء منه أن یجازیهم اللّه بکفرهم وظلمهم ویسلبهم نور الإیمان، ولتحلّ محله ظلمة الکفر.

أو أنّ هذه هی خصوصیة أعمالهم التی تنسب إلى اللّه تعالى، وذلک لأنّ کل موجود یؤثر أی تأثیر فهو بأمر من اللّه تعالى، ولیس هناک ما ینافی الحکمة الإلهیّة فی مسألة الإیمان والکفر والهدایة والضلالة ولا یسبب سلب الاختیار.

وبالتالی فإنّ الآیة الأخیرة فی البحث، یقول اللّه تعالى فیها:

(ممّا خطیئاتهم اُغرقوا فاُدخلوا ناراً فلم یجدوا لهم من دون اللّه أنصار).(8)

تشیر الآیة إلى ورودهم النّار بعد الطوفان، وممّا یثیر العجب هو دخولهم النّار بعد الدخول فی الماء! وهذه النّار هی نار البرزخ، لأنّ بعض الناس یعاقبون بعد الموت، وذلک فی عالم البرزخ کما هو ظاهر فی سیاق بعض الآیات القرآنیة، وکذا ذکرت الرّوایات أنّ القبر إمّا روضة من ریاض الجنّة، أو حفرة من حفر النیران.

وقیل من المحتمل أن یکون المراد بالنّار هو یوم القیامة، ولکن بما أنّ وقوع یوم القیامة أمر حتمی وهو غیر بعید، فإنّها ذکرت بصورة الفعل الماضی.(9)

واحتمل البعض أنّ المراد هی النّار فی الدنیا، حیث یقولون إنّ ناراً قد ظهرت بین تلک الأمواج بأمر من اللّه تعالى وابتلعتهم.(10)


1. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 364; تفسیر علی بن ابراهیم، تفسیر روح الجنان، وتفاسیر اُخرى ذیل الآیات التی هی مورد البحث.
2. تفسیر القرطبی، ج10، ص6787.
3. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 364، وأعلام القرآن، ص 131.
4. المصدر السابق.
5. المصدر السابق، ص 364.
6. المصدر السابق.
7. الضمیر فی «أضلوا» یعود إلى أکابر قوم نوح(علیه السلام) بقرینة الآیة السابقة: (وقالوا لا تذرنّ آلهتکم) واحتمل بعض المفسّرین أنّ الضمیر یعود إلى (الآلهة) لأنّها سببت فی ضلالهم وجاء ما یشابه ذلک فی الآیة 36 من سورة ابراهیم(علیه السلام) وبصورة ضمیر جمع المؤنث لا ضمیر جمع المذکر، وهذا الاحتمال بعید.
8. «من» فی (خطیئاتهم) بمعنی باء السببیة أو (لام التعلیل) و(م) زائدة للتأکید.
9. الفخر الرازی ینقل ذلک فی تفسیرالکبیر، ج 30، ص 145.
10. تفسیر روح الجنان، ج 11، ص 280.
سورة نوح / الآیة 26 ـ 28 سورة نوح / الآیة 21 ـ 25
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma