اللّه عالم الغیب

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
1ـ تحقیق موسّع حول علم الغیبسورة الجنّ / الآیة 25 ـ 28

لقد تبیّن فی الآیات السابقة حقیقة أنّ العصاة یبقون على عنادهم واستهزائهم حتى یأتی وعد اللّه بالعذاب، وهنا یطرح السؤال، وهو: متى یتحقق وعد اللّه؟ وقد بیّن المفسّرون سبب نزول الآیة، وذکروا أنّ بعض المشرکین کالنضر بن الحارث سألوا عن وعد اللّه بعد نزول هذه الآیات أیضاً، وقد أجاب القرآن على ذلک فقال: (قل إن أدری أقریب ما توعدون أم یجعل له ربّی أمد).

هذا العلم یخص ذاته المقدسة تعالى شأنه، وأراد أن یبقى مکتوماً حتى عن عباده المؤمنین، لیتحقق الاختبار الإلهی للبشریة، وإلاّ فلن یؤثر الاختبار.

«أمد»: على وزن (صمد) وتعنی الزمان، وعلى ما یقوله الراغب فی مفرداته: إنّ هناک اختلافاً بین الزمان والأمد، فالزمان یشمل الابتداء والانتهاء، وأمّا الأمد فإنّها الغایة التی ینتهی إلیها.

وقیل أیضاً بتقارب المعنى فی الأمد والأبد مع اختلاف، وهو أنّ الأبد یراد به المدّة غیر المحدودة، وأمّا الأمد فهی المدّة المحدودة وإن طالت.

وعلى کل حال، فإنّنا کثیراً ما نواجه مثل هذه المعانی فی آیات القرآن، وعندما یسأل الرّسول(صلى الله علیه وآله) عن یوم القیامة یجیب بأنّه لیس له علم بذلک، وأن علمه عند الله، وورد فی

حدیث أنّ جبرئیل(علیه السلام) ظهر عند النّبی(صلى الله علیه وآله) على هیئة أعرابی، فسأله عن الساعة، فقال النّبی(صلى الله علیه وآله): «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» فأعاد علیه السؤال رافعاً صوته: یا محمّد متى الساعة؟ فقال النّبی(صلى الله علیه وآله): «ویحک، إنّها کائنة فما أعددت لها؟» فقال الأعرابی: لم أعد کثیراً من الصلاة والصیام، ولکن اُحبّ اللّه ورسوله، فقال رسول اللّه(صلى الله علیه وآله): «فأنت مع من أحببت»، فقال أنس (وهو أحد الصحابة): فما فرح المسلمون بشیء کفرحهم بهذا الحدیث.(1)

ثمّ یبیّن فی هذا الحدیث قاعدة کلیة بشأن علم الغیب فیقول: (عالم الغیب فلا یظهر على غیبه أحد).(2)

ثمّ یضیف مستثنیاً: (إلاّ من ارتضى من رسول).

أی یبلغه ما یشاء عن طریق الوحی الإلهی: (فإنّه یسلک من بین یدیه ومن خلفه رصد).

«رصد»: فی الأصل مصدر، ویراد به الإستعداد للمراقبة من شیء، ویطلق على الإسم الفاعل والمفعول، ویستعمل فی المفرد والجمع، أی یطلق على المراقب والحارس أو على المراقبین والحرّاس.

ویراد به هنا الملائکة الذین یبعثهم اللّه مع الوحی إلى رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) لیحیطوه من کل جانب، ویحفظوا الوحی من شرّ شیاطین الجنّ والإنس ووساوسهم ومن کل شیء یخدش أصالة الوحی، لیوصلوا الرسالات إلى العباد من دون خدش أو زیادة أو نقصان، وهذا هو دلیل من الأدلة على عصمة الأنبیاء(علیهم السلام) المحفوظین من الزّلات والخطایا بالإمداد الإلهی والقوّة الغیبیة، والملائکة.

فی بحثنا للآیة الأخیرة التی تنهی السورة تبیان لدلیل وجود الحراس والمراقبین فیقول: (لیعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط بما لدیهم وأحصى کل شیء عدد)(3).

المراد من العلم هنا هو العلم الفعلی، وبعبارة اُخرى لیس معنى الآیة أنّ اللّه ما کان یعلم عن أنبیائه شیئاً ثمّ علم، لأنّ العلم الإلهی أزلی وأبدی وغیر منتاه، بل إنّ المراد هو تحقق العلم الإلهی فی الخارج، ویتخذ لنفسه صورة عینیة واضحة، أی لیتحقق إبلاغ الأنبیاء ورسالات ربّهم ویتمموا الحجّة بذلک.


1. تفسیر المراغی، ج29، ص105.
2. عالم الغیب خبر لمبتدأ محذوف، والتقدیر: هو عالم الغیب، وقیل: صفة أو بدل لربّی فی الآیة السابقة.
3. أرجع بعض المفسّرین ضمیر (لیعلم) إلى الرّسول(صلى الله علیه وآله) وقالوا: المراد من ذلک هو أنّ اللّه قد جعل لأسرار الوحی والرسالة حفظة وحراساً، ولیعلم الرّسول أنّ الملائکة قد أبلغوا إلیه الوحی الإلهی فتطمئن نفسه ولا یتردد فی أصالة الوحی، ولکن هذا القول فی غایة البعد، وذلک لأنّ حمل الرسالة من عمل النّبی(صلى الله علیه وآله) لا من عمل الملائکة وعبارة الرّسول فی الآیة السابقة والرسالات فی الآیات التی مضت تخصّ شخص الرّسول(صلى الله علیه وآله)، ولذا فإنّ التّفسیر الأوّل هو الأوجه.
1ـ تحقیق موسّع حول علم الغیبسورة الجنّ / الآیة 25 ـ 28
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma