قم وانذر النّاس

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 14
سورة المدّثّر / الآیة 11 ـ 17 سورة المدّثّر / الآیة 1 ـ 10

لا شک من أنّ المخاطب فی هذه الآیات هو النّبی(صلى الله علیه وآله) وإن لم یصرح باسمه، ولکن القرائن تشیر إلى ذلک، فیقول أوّلاً: (یا أیّها المدّثر * قم فأنذر) فلقد ولى زمن النوم والإستراحة، وحان زمن النهوض والتبلیغ، وورد التصریح هنا بالإنذار مع أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) مبشرٌ ونذیر، لأنّ الإنذار له أثره العمیق فی إیقاظ الأرواح النائمة خصوصاً فی بدایة العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات کثیرة عن سبب تدثره(صلى الله علیه وآله) ودعوته إلى القیام والنهوض.

اجتمع المشرکون من قریش فی موسم الحج وتشاور الرؤوساء منهم کأبی جهل وأبی سفیان والولید بن المغیرة والنضر بن الحارث وغیرهم فی ما یجیبون به عن أسئلة القادمین من خارج مکّة وهم یناقشون أمر النّبی الذی قد ظهر بمکّة، وفکروا فی أن یسمّی کلّ واحد منهم النّبی(صلى الله علیه وآله) باسم، لیصدوا الناس عنه، لکنّهم رأوا فی ذلک فساد الأمر لتشتت أقوالهم، فاتفقوا فی أن یسمّوه ساحراً، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هی التفریق بین الحبیب وحبیبه، وکانت دعوة النبیّ(صلى الله علیه وآله) قد أثّرت هذا الأثر بین الناس! فبلغ ذلک النّبی(صلى الله علیه وآله) فتأثر واغتم لذلک، فأمر بالدثار وتدثر، فأتاه جبرئیل بهذه الآیات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

إنّ هذه الآیات هی الآیات الاُولى التی نزلت على النّبی(صلى الله علیه وآله) لما نقله جابر بن عبد اللّه

قال: جاورت بحراء فلمّا قضیت جواری نودیت یا محمّد، أنت رسول اللّه، فنظرت عن یمینی فلم أر شیئاً، ونظرت عن شمالی فلم أر شیئاً، ونظرت خلفی فلم أر شیئاً، فرفعت رأسی فإذا الملک الذی جاءنی بحراء جالس على کرسی بین السماء والأرض، فملئت منه رعباً، فرجعت إلى خدیجة وقلت: «دثرونی دثرونی، وأسکبوا علیّ الماء البارد»، فنزل جبرئیل بسورة: (یا أیّها المدّثر).

ولکن بلحاظ أن آیات هذه السورة تطرقت للدعوة العلنیة، فمن المؤکّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفیة، وهذا لا ینسجم والروایة المذکورة، إلاّ أن یقال بأنّ بعض الآیات التی فی صدر السورة قد نزلت فی بدء الدعوة، والآیات الاُخرى مرتبطة بالسنوات التی تلت الدعوة.

إنّ النّبی کان نائماً وهو متدثر بثیابه فنزل علیه جبرائیل(علیه السلام) موقظاً إیّاه، ثمّ قرأ علیه الآیات أن قم واترک النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

لیس المراد بالتدثر التدثر بالثیاب الظاهریة، بل تلبسه(صلى الله علیه وآله) بالنبوّة والرسالة کما قیل فی لباس التقوى.

المراد به اعتزاله(صلى الله علیه وآله) وانزواؤه واتّخاذه الوحدة، ولهذا تقول الآیة اخرج من العزلة والإنزواء، واستعد لإنذار الخلق وهدایة العباد(1) والمعنى الأوّل هو الأنسب ظاهراً.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم یتعین فیها الموضوع الذی ینذر فیه، وهذا یدل على العمومیة، یعنی إنذار الناس من الشرک وعبادة الأصنام والکفر والظلم والفساد، وحول العذاب الإلهی والحساب والمحشر...الخ (ویصطلح على ذلک بأن حذف المتعلق یدل على العموم). ویشمل ضمن ذلک العذاب الدنیوی والعذاب الاُخروی والنتائج السیئة لأعمال الإنسان التی سیبتلى بها فی المستقبل.

ثم یعطی للنّبی(صلى الله علیه وآله) خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القیام والإنذار، تعتبر منهاجاً یحتذی به الآخرون، والأمر الأوّل هو فی التوحید، فیقول: (وربّک فکبر)(2).

ذلک الربّ الذی هو مالکک ومربّیک، وجمیع ما عندک فمنه تعالى، فعلیک أن تضع غیره فی زاویة النسیان وتشجب على کلّ الآلهة المصطنعة، وامح کلّ آثار الشرک وعبادة الأصنام.

ذکر کلمة (ربّ) وتقدیمها على (کبّر) الذی هو یدل على الحصر، فلیس المراد من جملة «فکبر» هو (اللّه أکبر) فقط، مع أنّ هذا القول هو من مصادیق التکبیر کما ورد فی الرّوایات، بل المراد منهُ أنسب ربّک إلى الکبریاء والعظمة اعتقاداً وعملاً، قولاً فعلاً وهو تنزیهه تعالى من کلّ نقص وعیب، ووصفه بأوصاف الجمال، بل هو أکبر من أن یوصف، ولذا ورد فی الرّوایات عن أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) فی معنى اللّه أکبر: «اللّه أکبر من أن یوصف»، ولذا فإنّ التکبیر له مفهوم أوسع من التسبیح الذی هو تنزیهه من کل عیب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّانی بعد مسألة التوحید، ویدور حول الطهارة من الدنس فیضیف: (وثیابک فطهّر)، التعبیر بالثوب قد یکون کنایة عن عمل الإنسان، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه، وظاهره مبین لباطنه، وقیل المراد منه القلب والروح، أی طهر قلبک وروحک من کلّ الأدران، فإذا وجب تطهیر الثوب فصاحبه اولى بالتطهیر.

وقیل هو اللباس الظاهر، لأنّ نظافة اللباس دلیل على حسن التربیة والثقافة، خصوصاً فی عصر الجاهلیة حیث کان الإجتناب من النجاسة قلیلاً وإن ملابسهم وسخة غالباً، وکان الشائع عندهم تطویل أطراف الملابس (کما هو شائع فی هذا العصر أیضاً) بحیث کان یُسحل على الأرض، وما ورد عن الإمام الصّادق(علیه السلام) فی معنى أنّه: «ثیابک فقصر»(3)، ناظر إلى هذا المعنى.

وقیل المراد بها الأزواج لقوله تعالى: (هن لباس لکم وأنتم لباس لهن)(4)، والجمع بین هذه المعانی ممکن، والحقیقة أنّ الآیة تشیر إلى أنّ القادة الإلهیین یمکنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم، ولذا یستتبع أمر إبلاغ الرسالة والقیام بها أمر آخر، هو النقاء والطهارة.

ویبیّن تعالى الأمر الثّالث بقوله: (والرّجز فاهجر) المفهوم الواسع للرجز کان سبباً لأنّ تذکر فی تفسیره أقوال مختلفة، فقیل: هو الأصنام، وقیل: المعاصی، وقیل: الأخلاق الرّذیلة الذمیمة، وقیل: حبّ الدنیا الذی هو رأس کلّ خطیئة، وقیل هو العذاب الإلهی النازل بسبب الشرک والمعصیة، وقیل: کل ما یلهی عن ذکر اللّه.

والأصل أنّ معنى «الرجز» یطلق على الإضطراب والتزلزل(5) ثمّ اُطلق على کل أنواع الشرک، عبادة الأصنام، والوساوس الشیطانیة والأخلاق الذمیمة والعذاب الإلهی التی تسبب اضطراب الإنسان، وفسّره البعض بالعذاب(6)، وقد اُطلق على الشرک والمعصیة والأخلاق السیئة وحبّ الدّنیا وکل ما یجلب العذاب.

وما تجدر الإشارة إلیه أنّ القرآن الکریم غالباً ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(7)، ویعتقد البعض أنّ کلمتی الرجز والرجس مرادفان(8).

وهذه المعانی الثلاثة، وإن کانت متفاوتة، ولکنّها مرتبطة بعضها بالآخر، وبالتالی فإنّ للآیة مفهوماً جامعاً، وهو الإنحراف والعمل السیء، وتشمل الأعمال التی لا ترضی اللّه عزّوجلّ، والباعثة على سخط اللّه فی الدنیا والآخرة، ومن المؤکّد أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله) قد هجر واتقى ذلک حتى قبل البعثة، وتاریخه الذی یعترف به العدو والصدیق شاهد على ذلک، وقد جاء هذا الأمر هنا لیکون العنوان الأساس فی مسیر الدعوة إلى اللّه، ولیکون للناس اُسوة حسنة.

ویقول تعالى فی الأمر الرّابع: (ولا تمنن تستکثر).(9)

هنا المتعلق محذوف أیضاً، ویدل على سعة المفهوم وکلیته، ویشمل المنّة على اللّه والخلائق، أی فلا تمنن على اللّه بسعیک واجتهادک، لأنّ اللّه تعالى هو الذی منّ علیک بهذا المقام المنیع.

ولا تستکثر عبادتک وطاعتک وأعمالک الصالحة، بل علیک أن تعتبر نفسک مقصراً وقاصراً، واستعظم ما وفقت إلیه من العبادة.

وبعبارة اُخرى: لا تمنن على اللّه بقیامک بالإنذار ودعوتک إلى التوحید وتعظیمک للّه وتطهیرک ثیابک وهجرک الرجز، ولا تستعظم کل ذلک، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواءاً فی الجوانب المعنویة کالإرشاد والهدایة، أم فی الجوانب المادیة کالإنفاق والعطاء فلا ینبغی أن تقدمها مقابل منّة، أو توقع عوض أکبر ممّا أعطیت، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة: (یا أیّها الذین آمنوا لا تبطلوا صدقاتکم بالمن والأذى)(10).

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعنی فی هذه الموارد الحدیث عن تبیان أهمّیة النعم المعطاة للغیر، وهنا یتّضح لنا العلاقة بینه وبین الإستکثار، لأنّ من یستصغر عمله لا ینتظر المکافأة، فکیف إذن بالإستکثار، فإنّ الإمتنان یؤدّی دائماً إلى الإستکثار، وهذا ممّا یزیل قیمة النعم، وما جاء من الرّوایات یشیر لهذا المعنى: «لا تعط تلتمس أکثر منها»(11) کما جاء فی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) فی تفسیر الآیة: «لا تستکثر ما عملت من خیر للّه»(12)وهذا فرع من ذلک المفهوم.

ویشیر فی الآیة الاُخرى إلى الأمر الأخیر فی هذا المجال فیقول: (ولربّک فاصبر)، ونواجه هنا مفهوماً واسعاً عن الصبر الذی یشمل کلّ شیء، أی اصبر فی طریق أداء الرسالة، واصبر على أذى المشرکین الجهلاء، واستقم فی طریق عبودیة اللّه وطاعته، واصبر فی جهاد النفس ومیدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤکّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقیقیة لطریق الإبلاغ والهدایة، وهذا ما اعتمده القرآن الکریم کراراً، ولهذا نقرأ فی حدیث أمیرالمؤمنین(علیه السلام): «الصبر من الإیمان کالرأس من الجسد»(13)، ولقد کان الصبر والإعتدال أحد الاُصول المهمّة لمناهج الأنبیاء والمؤمنین. وکلما ازدادت علیهم المحن ازداد صبرهم.

ورد فی حدیث عن النّبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال حول أجر الصابرین: «قال اللّه تعالى: إذا وجهت إلى عبد من عبیدی مصیبة فی بدنه أو ماله أو ولده، ثمّ استقبل ذلک بصبر جمیل استحییت منه یوم القیامة أن أنصب له میزاناً أو أنشر له دیواناً».(14)

ثمّ إنّ الآیات الشریفة وفی تعقیب لأمر ورد فی الآیات السابقة فی إطار القیام وإنذار المشرکین، تؤکّد مرّة اُخرى على الإنذار والتحذیر، فیقول تعالى: (فإذا نقرّ فی الناقور * فذلک یومئذ یوم عسیر * على الکافرین غیر یسیر).

وردت احتمالات متعددة فی ترکیب هذه الجملة، أفضلها ما جاء فی کتاب (البیان فی غریب إعراب القرآن) والذی یقول: (ذلک مبتدأ ویومئذ بدل ویوم عسیر خبره)، والملاحظ أنّ (ناقور) هی فی الأصل من نقر، ویعنی الدق المؤدّی إلى الإثقاب ومنها سمّی المنقار، وهو ما تمتلکه الطیور لدق الأشیاء وثقبها، ولذلک یطلق اسم النّاقور على المزمار الذی یخرق صوته اُذن الإنسان وینفذ إلى دماغه.

ویستفاد من الآیات القرآنیة أنّ فی نهایة الدنیا وبدء المعاد ینفخ فی الصور مرّتین، أی إنّ له صوتین موحشین ومرعبین یملآن مسامع العالم بأسره، أوّلهما صوت الموت، والثّانی صوت الیقظة والحیاة، ویعبر عنهما (نفخة الصور الاُولى) و (نفخة الصور الثّانیة) وهذا الآیة تشیر إلى نفخة الصور الثّانیة، والتی یکون معها یوم البعث وهو یوم صعب وثقیل على الکفّار، ولقد کان لنا بحث مفصل حول الصور ونفخة الصور فی ذیل الآیة 68 من سورة الزمر.

على کل حال فإنّ الآیات المذکورة أعلاه تشیر إلى حقیقة أنّ مشاکل الکفّار تظهر الواحدة بعد الاُخرى فی یوم نفخة البعث، وهو یوم ألیم ومفجع، ویرکّع أقوى الناس.


1. أورد الفخر الرازی هذه التفاسیر الخمسة بالإضافة إلى احتمالات اُخرى فی تفسیره الکبیر، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرین (تفسیر الکبیر، ج 30، ص 189 ـ 190).
2. «الفاء»من «فکبر» زائدة للتأکید بقول البعض، وقیل لمعنى الشرط، والمعنى هو: لا تدع التکبیر عند کلّ حادثة تقع، (یتعلق هذا القول بالآیات الاُخرى الآتیة أیضاً).
3. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 385.
4. البقرة، 187.
5. مفردات الراغب.
6. تفسیر المیزان، وتفسیر فی ظلال القرآن، ذیل الآیات مورد البحث.
7. راجع الآیات، 134 و135 من سورة الاعراف، والآیة 5 من سورة سبأ، والآیة 11 من سورة الجاثیة، والآیة 59 من سورة البقرة، والآیة162 من سورة الأعراف، والآیة 34 من سورة العنکبوت.
8. وذکر ذلک فی التفسیر الکبیر بصورة احتمال، ج 30، ص 193.
9. ملاحظة: أن کلمة «تستکثر» وردت هنا بصیغة «الحال» ولیس جواباً للنهی (لأنّها وردت مرفوعة) فعلیه یکون مفهوم الآیة «مُنّ وقت الاستزادة أو تجلل عملک».
10. البقرة، 264.
11. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 454; وتفسیر البرهان، ج 4، ص 400.
12. المصدر السابق.
13. نهج البلاغة، الکلمات القصار، 82.
14. تفسیر روح المعانی، ج 29، ص 120.
سورة المدّثّر / الآیة 11 ـ 17 سورة المدّثّر / الآیة 1 ـ 10
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma