إفتراء فرعون!

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
بلاغة القرآنسورة النّازعات / الآیة 15 ـ 26

یشیر القرآن الکریم بهذه المقاطع البیانیة إلى بعض مشاهد قصّة موسى(علیه السلام) وفرعون، والتی تتناول عاقبة الطغاة عبر التاریخ، وما حدى بفرعون من مصیر أسود، لیستذکر مشرکو قریش وطغاتهم تلک الواقعة، ولیعلموا أن من کان أقوى منهم لم یتمکن من مقاومة العذاب الإلهی.

ویشیر البیان القرآنی کذلک، إلى المؤمنین بأن لا یخافوا من قوّة الأعداء الظاهریة، لأنّ دمارهم وهلاکهم على اللّه أسهل من أن یتصور.. فهذا البیان القرآنی إذاً، تسلیة لقلوب المؤمنین وترطیباً لخواطرهم.

فیتوجه الحدیث إلى النبیّ(علیه السلام) بصیغة الاستفهام: (هل أتاک حدیث موسى) لیشوق السامع ویهیئه لاستماع القصّة ذات العبر.

ثمّ یقول: (إذ ناداه ربّه بالواد المقدّس طوى)(1).

«طوى»: یمکن أن یکون اسماً لأرض مقدّسة، تقع فی الشام بین (مدین) و(مصر)، وهو الوادی الذی کلّم اللّه تعالى فیه موسى(علیه السلام) أوّل مرّة.

وقد رود الاسم أیضاً فی الآیة 12 من سورة طه: (إنّی أنا ربّک فاخلع نعلیک إنّک بالواد المقدّس طوى).

وقد تکون «طوى» مأخوذة من (الطی)، إشارة إلى ما انطوت علیه تلک الأرض من القداسة والبرکة.

أو کما یقول الراغب فی مفرداته، إشارة إلى حالة حصلت له على طریق الاجتباء، فکان ینبغی علیه السیر فی طریق طویل، لیکون لائقاً لنزول الوحی ولکن اللّه تعالى طوى له هذا الطریق وقرّب له الهدف.

ثمّ أشار القرآن إلى تعلیمات اللّه عزّوجلّ إلى موسى(علیه السلام) فی الوادِ المقدّس: (اذهب إلى فرعون إنّه طغى * فقل هل لک إلى أن تزکّى) وبعد التزکیة وتطهیر الذات تصبح لائقاً للقاء اللّه، وسوف أهدیک إلیه عسى أن تخشع وتترک ما أنت علیه من المنکرات: (وأهدیک إلى ربّک فتخشى).

ولمّا کانت کلّ دعوة تحتاج إلى دلیل صحتها، یضیف القرآن القول: (فأراه الآیة الکبرى)(2).

ولکن، ما الآیة الکبرى؟ هل هی عصا موسى(علیه السلام) التی تحولت إلى أفعى عظیمة، أو إخراج یده بیضاء، أم کلیهما؟ (على اعتبار أنّ الألف واللام فی «الآیة الکبرى» إشارة إلى الجنس). وعلى أیّة حال، فالمهم فی المسألة إنّ موسى(علیه السلام) استند فی بدء دعوته على معجزة «الآیة الکبرى».

لقد وردت فی الآیات الأربعة المذکورة جملة ملاحظات، هی:

طغیان فرعون یمثل علّة الأمر الإلهی لذهاب موسى(علیه السلام) إلیه... وتبیّن لنا هذه الملاحظة: إنّ من جملة الأهداف المهمّة فی حرکة الأنبیاء هی هدایة الطغاة أو مجاهدتهم.

راح موسى(علیه السلام) یدعو فرعون بلین ورفق واُسلوب جمیل، وباُسلوب مرغّب، دعاه لأن یتطهر (طهارة مطلقة من الشرک والکفر، ومن الظلم والفساد) وتنقل لنا الآیة 44 من سورة طه هذا المعنى: (فقولا له قولاً لین).

وثمّة إشارة لطیفة وردت بخصوص رسالة الأنبیاء(علیهم السلام)، فدعوتهم للحق تعتمد على محاولة تطهیر الناس وإعادتهم إلى فطرتهم السلیمة.

کما وأشار البیان القرآنی إلى أنّ المخاطبة قد تمّت بکلمة «تزکّى» بدلاً من (اُزکیک)، للدلالة على أنّ التزکیة الحقّة إنّما هی تلک النابعة من الذات، ولا تُبنى باُسس موضوعیة خارجیة.

ذکرت الهدایة بعد التزکیة، للدلالة على أنّ التزکیة مقدّمةً وبمثابة الأرضیة المهیئة للهدایة.

إنّ تعبیر «إلى ربّک» فی الحقیقة تأکید على أنّ مَن أهدیک إلیه هو مالکک ومربیک، فَلِمَ المیل عنه؟!

6ـ «الخشیة» نتیجة للهدایة: (وأهدیک إلى ربّک فتخشى)، وبما أنّ الخشیة لا تحصل إلاّ بمعرفة حقّة، فتکون ثمرة شجرة الهدایة والتوحید هی الإحساس بالمسؤولیة الملقاة على العواتق أمام جبار السماوات والأرض، ولهذا تقول الآیة 28 من سورة فاطر: (إنّما یخشى اللّه من عباده العلماءُ).

ابتدأ موسى(علیه السلام) اُسلوب دعوته بالهدایة العاطفیة ثمّ تدرج إلى الهدایة العقلیة والمنطقیة حتى أرى فرعونَ الآیة الکبرى.

وقد بیّن لنا البیان القرآنی أفضل طرق الدعوة والإرشاد، حیث ینبغی إحاطة مَن یُراد هدایته بالرعایة والعطف وتحسیسه بحسن نیّة الداعیة أو المرشد، ومن ثمّ تأتی مرحلة الدلیل المنطقی والحوار العلمی.

لکنّ فرعون المتجبّر قابل کلّ تلک المحبّة، اللطف، الدعوة بالحسنى والآیة الکبرى، قابل کلّ ذلک بالتجبّر الأعمى والغرور الأبله: (فکذّب وعصى).

وکما یظهر من الآیة المبارکة فإنّ التکذیب مقدمة العصیان ومرحلة سابقة له، کما هو حال التصدیق والإیمان باعتباره مقدّمة للطاعات.

وازداد فرعون عتوّاً: (ثمّ أدبر یسعى)(3).

وقد هددت معجزة موسى(علیه السلام) کل وجود فرعون الطاغوتی، ممّا دعاه لأن یبذل کل ما یملک من قدرة لأجل إبطال مفعول المعجزة، فتراه وقد أمر أتباعه وجنوده لجمع کلّ سحرة البلاد ـ على کثرتهم فی تلک الحقبة الزمنیة ـ ونودی فی الناس بأمره لیشاهدوا مشهد إبطال المعجزة من قبل السحرة، ولیظهروا مثلها!!: (فحشر فنادى).

مع أنّ کلمة «حشر» ذکرت بصورة مطلقة مبهمة، ولکننا نستطیع معرفة تفصیل الأمر من خلال الآیات القرآنیة الاُخرى، ففی الآیتین 111 و112 من سورة الأعراف، یکمل تفصیل ذلک: (وأرسل فی المدائن حاشرین * یأتوک بکل ساحر علیم).

وکذا الحال بالنسبة لکلمة «نادى»، فیمکننا التوصل لمعناها من خلال الآیة 39 من سورة الشعراء، والتی تناولت نفس الموضوع: (وقیل للناس هل أنتم مجتمعون).

ولم یکتف فرعون بکذبه وعصیانه، ومقاومته لدعوة الحق والوقوف أمامها، بل وتعدى حدود المخلوق بصورة مفرطة جدّاً، وافترى على اللّه وعلى نفسه بأقبح ادعاء، حینما ادعى لنفسه الربوبیة على شعبه وأمرهم بطاعته!: (فقال أنا ربّکم الأعلى).

نعم.. فحینما یقبع المتجبّر فی عرش الغرور، وحینما تلّفه أمواج الأنانیة المفرطة، حینها.. سیجرفه تیار الإفراط لأن یدعی لنفسه الربوبیة، بل ویجره فقدان بصیرته، وانحسار فطرته بین ظلمات أنانیته لأن یدعی أنّه (ربّ الأرباب)!!

وأوصل فرعون قولته إلى الناس لیخبرهم بأنّه لا یعارض ما لهم من أصنام یعبدونها، لکنّه فوقها جمیعاً فهو (المعبود الأعلى)!

وألطف ما فی الأمر، إنّ فرعون نفسه کان أحد عبدة الأصنام، بشهادة الآیة 127 من سورة الأعراف: (أتذر موسى وقومه لیفسدوا فی الأرض ویذرک وآلهتک)، فادعاءه بأنّه (الربّ الأعلى) قد سرى حکمه حتى على آلهته لتکون من عبیده!..نعم، فهکذا هو هذیان الطواغیت.

وقد ادعى فرعون بأکثر من (ربّ الأرباب)، لیضیف إلى هذیان الطغاة حماقة، حینما ورد قوله فی الآیة 38 من سورة القصص: (ما علمت لکم من إله غیری)!...

وعلى أیّة حال، فقد حلّ بفرعون منتهى التکبر والطغیان، فأخذه جبّار السماوات والأرض سبحانه أخذ عزیز مقتدر: (فأخذه اللّه نکال الآخرة والاُولى)(4).

«النکال»: لغةً: العجز والضعف. ویقال لِمَن یتخلف عن دفع ما استحق علیه (نکل). و(النِکل) ـ على وزن فکر ـ القید الشدید الذی یعجز معه الإنسان على عمل أیّ شیء.

و«نکال»: فی الآیة یقال للعذاب الإلهی الذی یؤدّی إلى عجز الإنسان، ویُخیف الآخرین، فیعجزهم عن ارتکاب الذنب.

«نکال الآخرة»: عذاب جهنّم الذی سینال فرعون وأصحابه ومَن سار على خطوه، و«عذاب الاُولى»: إشارة إلى إغراق فرعون وأصحابه فی نهر النیل.

وتقدیم «نکال الآخرة» على عذاب الدنیا، لأهمیته وشدّة بطشه.

وقیل: «الاُولى»: تشیر إلى کلمة فرعون الاُولى فی مسیر طغیانه حین ادّعى (الاُلوهیة)، کما جاء فی الآیة 38 من سورة القصص.

و«الآخرة»: إشارة إلى آخر کلمة نطق بها فرعون حین ادّعى (الرّبوبیة العلیا)، فعذّبه اللّه بالغرق فی الحیاة الدنیا نتیجة ادّعائیه الباطلین.

وقد اُشیر لهذا المعنى فیما روی عن الإمام الباقر(علیه السلام) قوله: «إنّ الفترة ما بین قولته الاُولى والآخرة کانت أربعین عاماً، وقد أخّر اللّه تعالى عذابه کلّ هذه المدّة إتماماً للحجّة علیه»(5).

ویوافق هذا المعنى صیغة الفعل الماضی الواردة فی الآیة «أخذ» والذی یفهم منه تنفیذ کلّ العقاب فی الدنیا، وتعضده الآیة التالیة التی تَعِدُّ العذابَ عبرةً للآخرین.

ویستخلص القرآن نتیجة القصّة: (إنّ فی ذلک لعبرة لِمَن یخشى).

فتبیّن الآیة بکلّ وضوح، إنّ وسائط سلک طریق الإعتبار مهیئة لمن سرى فی قلبه الخوف والخشیة من اللّه، واعترته مشاعر الإحساس بالمسؤولیة، ومَن رأى العبرة بعین معتبرة اعتبر.

نعم... فقد اُغرق فرعون، واُهلک ملکه ودولته، وصار درساً لکل فراعنة وطواغیت ومشرکی الزمان، وعبرةً لمن سار على نهجه الفاسد لکل عصر ومصر، ولا یجنی مَن سار على خطاه سوى ما جنت به یداه، وهی سُنّة اللّه، ولا تغییر ولا تبدیل لسنّته جلّ شأنه.


1. اعتبر أکثر المفسّرین «إذ» ظرف زمان متعلق بـ «حدیث» ویصح الاعتبار لو کانت بمعنى نفس الحادثة ولیست حکایتها.. وثمّة احتمال آخر، یقول «إذ»: ظرف متعلق بفعل محذوف تقدیره (اذکر)، فالتقدیر: (اذکر إذ ناداه...) ـ فتأمل.
2. إنّ الفاصلة الزمنیة ما بین توجیه الأمر الإلهی إلى موسى(علیه السلام) وبین إرائة المعجزة کانت کبیرة، ولکنّ البیان القرآنی اختصرها فی هذا الموضع.
3. یمکن اعتبار «ثمّ» فی الآیة إشارة إلى المدّة التی استغلها فرعون لیدرس ویخطط لکیفیة مواجهة موسى(علیه السلام)، لأنّ «ثمّ» عادة ما تستعمل للتعبیر عن الفاصلة الزمنیة بین الأحداث.
4.«نکال» منصوب بنزع الخافض، والتقدیر: (فأخذه اللّه بنکال الآخرة) ویحتمل کونه مفعول مطلق للأخذ، بمعنى (نکّل)، فیکون التقدیر: (نکّل اللّه نکال الآخرة).
5. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 432، روایة اُخرى تحمل نفس المضمون عن رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) وأکثر تفصیلاً، تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 500.
بلاغة القرآنسورة النّازعات / الآیة 15 ـ 26
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma