اُسس دعوة الأنبیاء جمیع(علیهم السلام)

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
شرح الحدیث الشریف: «حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة»سورة الأعلى / الآیة 14 ـ 19

بعد أن عرضت الآیات السابقة صورة العذاب ومعاناة أهله، یأتی الحدیث عن الذین نفعتهم الذکرى، ممن استمعوا إلى دعوة الهدى فطهروا أنفسهم من المعاصی والآثام، وخشعت قلوبهم لذکر اللّه.. ویقول القرآن: (قد أفلح مَن تزکّى).

(وذکر اسم ربّه فصلى).

فأساس الفلاح بالنجاة من العذاب والفوز بالنعیم الخالد، یعتمد على ثلاثة أرکان رئیسیة: «التزکیة»، «ذکر اسم اللّة» و«الصلاة».

وقیل فی معنى «التزکیة» عدّة أقوال:

الأوّل: تطهیر الروح وتزکیتها من الشرک، بقرینة الآیات السابقة، وباعتبار أنّ التطهیر من الذنوب وعبادة اللّه، یعتمد بالأساس على التطهیر من الشرک، فهو مقدمته اللازمة.

الثّانی: تطهیر القلب من الرذائل الأخلاقیة، والقیام بالأعمال الصالحة، بدلالة آیات الفلاح الواردة فی کتاب اللّه الکریم، کالآیات الاُولى من سورة المؤمنون التی ذکرت أعمالاً صالحة بعد أن قالت: (قد أفلح المؤمنون)، وکذا الآیة 9 من سورة الشمس التی قالت، بعد ذکر مسألة التقوى والفجور: (قد أفلح مَن زکّاه).

الثّالث: «زکاة الفطرة» التی تؤدى یوم عید الفطر، لأنّها تدفع أوّلاً ثمّ یصلى صلاة العید،

وهذا المعنى قد ورد فی جملة روایات ، رویت عن الإمام الصادق(علیه السلام)(1)، کما وروی فی کتب أهل السنة ما یؤید هذا المعنى نقلاً عن  أمیر المؤمنین(علیه السلام)(2).

ویواجه القول الثّالث بالإشکال التالی: إنّ سورة الأعلى مکیّة، فی حین أنّ تشریع زکاة الفطرة وصوم شهر رمضان وصلاة العید قد نزل فی المدینة.

فأجاب البعض: لا مانع من اعتبار أوائل آیات السّورة مکّیة وأواخرها مدنیة، فتکون الآیات المبحوثة مدنیة.

ویحتمل أن یکون التّفسیر المذکور من قبیل بیان مصداق واضح للآیة، ولیس مطلق مراد الآیة.

الرّابع: یراد بـ «التزکیة» فی الآیة بمعنى: إعطاء الصدقة.

المهم أن «التزکیة» ذات مدالیل واسعة تشمل: تطهیر الروح من الشرک، تطهیر الأخلاق من الرذائل، تطهیر الأعمال من المحرمات والریاء، تطهیر الأموال والأبدان بإعطاء الزکاة والصدقات فی سبیل اللّه، (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزکیهم به).(3)

وبهذا تجمع کلّ الأقوال المذکورة لتدخل فی مفهوم التزکیة الواسع المدالیل.

والجدیر بالذکر أنّ الآیات محل البحث تتحدث عن التزکیّة أولاً، ثمّ ذکر اللّه ثمّ الصلاة.

وقد أشار بعض المفسّرین إلى هذه المراتب، بعد أن جدولها بالمراحل العملیة الثلاثة للمکلف:

الاولى: إزالة العقائد الفاسدة من القلب.

الثّانیة: حضور معرفة اللّه وصفاته وأسمائه فی القلب.

الثّالثة: الإشتغال بخدمته وفی سبیله جلّ وعلا.(4)

ویمکن القول: إنّ الصلاة فرع لذکر اللّه، فإذا لم یذکر الإنسان ربّه، لم یسطع نور الإیمان فی قلبه، وعندها فسوف لن یقوى على الوقوف للصلاة، والصلاة الحقّة هی تلک التی یصاحبها التوجّه الکامل والحضور التام بین یدیه عزّوجلّ وهذان التوجّه والحضور إنّما یحصلان من ذکره سبحانه وتعالى.

أمّا ما ذکره البعض، من أنّ ذکر اللّه هو قول «اللّه أکبر» أو «بسم اللّه الرحمن الرّحیم» فی بدایة الصلاة، فإنّما هو بیان لأحد مصادیق الذکر لیس إلاّ.

ویشیر البیان القرآنی إلى العامل الأساس فی عملیة الإنحراف عن جادة الفلاح: (بل تؤثرون الحیاة الدنی).. (والآخرة خیر وأبقى).

ونقل الحدیث النّبوی الشریف هذا المعنى، بقوله: «حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة».(5)

فالإنسان العاقل لا یجیز لنفسه أن یبیع الدار الباقیة بأمتعة فانیة، ولا أن یستبدل اللذائذ المحدودة والمحفوفة بألوان الآلآم بالنعم الخالدة والنقیة الخالصة.

وتختم السّورة بـ : (إنّ هذا لفی الصحف الاُولى * صحف إبراهیم وموسى).(6)

ولکن، ما المشار إلیه بـ «هذا»؟

فبعض قال: إنّه إشارة إلى الأمر بالتزکیة وذکر اسم اللّه والصلاة وعدم إیثار الحیاة الدنیا على الآخرة.

وذلک من أهم تعالیم جمیع الأنبیاء(علیهم السلام)، کما ورد هذا الأمر فی جمیع الکتب السماویة.

واعتبره آخرون: إنّه إشارة لجمیع ما جاء فی السّورة، حیث إنّها ابتدأت بالتوحید مروراً بالنبوة حتى ختمت بالأعمال.

وعلى أیّة حال، فهذا التعبیر یبیّن أهمیّة محتوى السّورة، أو خصوص الآیات الأخیرة منها، حیث اعتبرها من الاُصول الأساسیة للأدیان، وممّا حمله جمیع الأنبیاء(علیهم السلام) إلى البشریة کافة.

«الصحف»: جمع (صحیفة)، وهی اللوح الذی یکتب علیه.

ونستدل بالآیة الأخیرة بأنّ لإبراهیم وموسى(علیهما السلام) کتباً سماویة.

وروی عن أبی ذر(رضی الله عنه)، إنّه قال: قلت یارسول اللّه، کم الأنبیاء؟

فقال: «مائة ألف نبی وأربعة وعشرون ألفاً».

قلت: یارسول اللّه، کم المرسلون منهم؟

قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر، وبقیتهم أنبیاء».

قلت: کان آدم(علیه السلام) نبیّاً؟

قال: «نعم، کلمة اللّه وخلقه بیده.. یا أباذر، أربعة من الأنبیاء عرب: هود وصالح وشعیب ونبیّک». قلت: یار سول اللّه، کم أنزل اللّه من کتاب؟

قال: «مائة واربعة کتب، أنزل اللّه منها على آدم(علیه السلام) عشر صحف، وعلى شیث خمسین صحیفة، وعلى أخنوخ وهو إدریس ثلاثین صحیفة، وهو أوّل من خط بالقلم، وعلى إبراهیم عشر صحائف، والتوراة والإنجیل والزّبور والفرقان»(7). (اُنزلت على موسى وعیسى وداود ومحمّد على نبیّنا وآله وعلیهم السلام).

و«الصحف الاُولى»: مقابل «الصحف الأخیرة» التی اُنزلت على المسیح(علیه السلام) وعلى النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله).


1. تفسیر نور الثقلین، ج 5، ص 556، ح 19 و20.
2. تفسیر روح المعانی، ج 30، ص 110، وتفسیر الکشّاف، ج 4، ص 740.
3. التوبة، 103.
4. التفسیر الکبیر، ج 31، ص 147.
5. وروی الحدیث بصور عدّة عن الإمام الصادق(علیه السلام) والإمام السجاد(علیه السلام)، وورد معنى الحدیث عن الإنبیاء(علیهم السلام) أیضاً، ممّا یشیر إلى أهمیته البالغة; راجع: تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 556 و557.
6. یمکن أن تکون «صحف إبراهیم وموسى» توضیحاً للصحف الاُولى، کما ویمکن أن تکون إشارة لأحد مصادیق الصحف، وإلاّ فهی تشمل جمیع کتب الأنبیاء السابقین.7. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 476.
شرح الحدیث الشریف: «حبّ الدنیا رأس کلّ خطیئة»سورة الأعلى / الآیة 14 ـ 19
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma