الحادثة القارعة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
سبب ثقل میزان الأعمالسورة القارعة / الآیة 1 ـ 11

هذه الآیات تصف القیامة وتقول:

(القارعة * ما القارعة)؟!

«القارعة» من القرع، وهو طرق الشیء بالشیء مع إحداث صوت شدید، وسمّیت العصا والمطرقة بالمقرعة لهذه المناسبة، بل سمّیت کلّ حادثة هامّة صعبة بالقارعة. (تاء التأنیث قد تکون إشارة للتأکید).

الآیة الثّالثة تخاطب حتى النّبی(صلى الله علیه وآله) وتقول له: (وما أدراک ما القارعة) وهذا یدل على أنّ عظمة هذه الحادثة القارعة إلى درجة لا تخطر على فکر أحد.

على أی حال، أکثر المفسّرین ذکروا أنّ « القارعة» أحد أسماء القیامة، ولکن لم یوضحوا هل أنّه اسم لمقدمات القیامة إذ تقرع هذه الدنیا، وینطفیء نور الشمس والقمر، وتغور البحار، إذا کانت القارعة هذه فوجه تسمیتها واضح.

أو إنّه اسم للمرحلة التالیة.. أی مرحلة احیاء الموتى، وظهور عالم جدید، وتسمیتها «القارعة» ـ فی هذه الحالة ـ لما تبعثه من خوف وذعر فی القلوب..

الآیات التالیة بعضها یتناسب مع حادثة انهدام العالم، وبعضها مع إحیاء الموتى، ولکن الإحتمال الأوّل أنسب، وإن ذکرت الحادثتان کلاهما فی هذه الآیات متتابعتین. (مثل کثیر من المواضع القرآنیة الاُخرى التی تخبر عن یوم القیامة)

وفی وصف ذلک الیوم العجیب یقول سبحانه:

(یوم یکون النّاس کالفراش المبثوث).

«الفراش» جمع فراشة، وهی الحشرة المعروفة ذات الألوان الزاهیة، وقیل إنّها الجراد. ویبدو أنّ هذا المعنى مستلهم من قوله تعالى حیث یصف النّاس یوم القیامة (کأنّهم جراد منتشر)(1)، لکن المعنى اللغوی للکلمة هو الحشرة المعروفة.

والتشبیه بالفراش قد یکون لأنّ هذه الحشرات تلقی بنفسها بشکل جنونی فی النّار، وهذا ما یفعله أهل السیئات إذ یلقون بأنفسهم فی جهنّم.

ویحتمل أن یکون التشبیه لما یصیب جمیع النّاس فی ذلک الیوم من حیرة.

وإن کان الفراش بمعنى الجراد فوجه التشبیه هو أنّ الجراد ـ خلافاً لکل الحیوانات التی تطیر بشکل جماعی ـ لیس لها مسیر مشخص فی حرکتها، وکل منها یطیر فی اتجاه.

ویطرح هنا السؤال أیضاً بشأن مشاهد الحیرة والتشتت والفزع والاضطراب، هل هی من أثر الحوادث المرعبة المرافقة لنهایة العالم، أم حوادث بدء القیامة والحشر والنشر؟ جواب السؤال یتّضح ممّا ذکرناه أعلاه.

ثمّ تذکر الآیة التالیة وصفاً آخر لذلک الیوم وتقول:

(وتکون الجبال کالعهن المنفوش).

و«العهن» هو الصوف المصبوغ.

و«المنفوش» هو المنشور ویتمّ ذلک عادة بآلة الحلج الخاصّة.

سبق أن ذکرنا أنّ القرآن الکریم فی مواضع متعددة یتحدث عن الجبال عند قیام القیامة بأنّها تتحرک أوّلاً، ثمّ تُدَکّ وتتلاشى وأخیراً تصبح بشکل غبار متطایر فی السماء. وهذه الحالة الأخیرة تشبهها الآیة بالصوف الملون المحلوج... الصوف المتطایر فی مهبّ الریح، لم یبق منه إلاّ ألوان... وهذه آخر مراحل انهدام الجبال.

هذا التعبیر (العهن المنفوش) قد یکون إشارة إلى الألوان المختلفة للجبال، فإنّ لها ألوان شتّى.

هذه العبارة تدل على أنّ الآیات أعلاه، تتحدث عن المرحلة الاُولى للقیامة وهی مرحلة العالم ونهایته. ثمّ تتطرق الآیات التالیة إلى الحشر والنشر وإحیاء الموتى وتقسیمهم إلى مجموعتین:

(فأما من ثقلت موازینه) أی إن میزان عمله ثقیل.

(فهو فی عیشة راضیة * وأمّا من خفت موازینه * فاُمّه هاویة * وما أدراک ماهیه(2) * نار حامیة).

«موازین» جمع میزان، ،وهو وسیلة للوزن، تستعمل فی وزن الأجسام، ثمّ استعملت فی المعاییر المعنویة.

وذهب بعضهم إلى أنّ أعمال الإنسان تتجسم فی ذلک الیوم، وتصبح قابلة للوزن، وتوزن حقیقة بمیزان الأعمال.

وقیل أیضاً أنّ صحیفة أعمال الفرد هی التی توزن، فإن کانت تحمل صالحاً ثقلت، وإلاّ خفت أو انعدم وزنها.

وفی الواقع، لیس من الضروری أن یکون المیزان هو الآلة المعروفة ذات الکفتین، بل هو کلّ وسیلة لتقویم الوزن، کما ورد فی الحدیث: «إنّ أمیر المؤمنین والأئمّة من ذریّته(علیهم السلام) هم الموازین»(3).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) حین سئل عن معنى المیزان قال: «المیزان العدل»(4).

وبهذا نفهم أنّ أولیاء اللّه وقوانین العدل الإلهی هی موازین یعرض علیها النّاس وأعمالهم ویتمّ قیاس الوزن على مقدار الشبه والمطابقة.

واضح أنّ المقصود بثقل الموازین وخفتها هو ثقل الأشیاء التی توزن بها وخفة تلک الأشیاء.

والتعبیر بکلمة (موازین) بصیغة الجمع یعود إلى أن کل واحد من أولیاء اللّه وکل قانون من القوانین الإلهیة إنّما هو میزان. أضف إلى ذلک أن تنوع مواصفات الکائن البشری وأعماله یحتاج إلى تنوع فی الموازین.

الراغب فی المفردات یقول:

وذکر فی مواضع المیزان بلفظ الواحد اعتباراً بالمحاسب (بکسر السین) وفی مواضع الجمع اعتباراً بالمحاسبین(5) (بفتح السین).

بعض المفسّرین قال: إنّ الموازین جمع الموزون، أی العمل الذی یوزن فثقل الموازین وخفتها إذن هو ثقل نفس الأعمال وخفتها. لا ثقل المیزان وخفته(6).

نتیجة الإثنین طبعاً واحدة، ولکن من طریقین مختلفین.

فی هذا الموضوع شرح أکثر فصلناه فی تفسیر الآیتین 8 و9 من سورة الأعراف، والآیة 105 من سورة الکهف، والآیة 102 من سورة المؤمنون.

وصف العیشة بأنّها «راضیة» وصف رائع عن حیاة ملؤها النعمة ورغد العیش لأهل الجنّة فی القیامة. الرضا فی تلک الحیاة عمیق إلى درجة قال إنّها «عیشة راضیة»، ولم یقل «مرضیة». أی استعمل بدل اسم المفعول اسم الفاعل لمزید من التأکید(7).

هذه میزة الحیاة الآخرة بشکل خاص. لأنّ الحیاة الدنیا ـ مهما کان فیها من رفاه ونعمة ورغد عیش ورضا ـ لا تخلو من المکدرات. الحیاة الاُخرى هی وحدها الملیئة بالرضا والأمن والسلام وهدوء البال.

کلمة «اُم» فی قوله: (فاُمّه هاویة) تعنی المأوى والملجأ، لأنّ «الاُم» هی مأوى ابنائها وملاذهم، ویکون معنى الآیة: إنّ هؤلاء المذنبین الذین خفت موازینهم لا ملاذ لهم سوى جهنم، وویل لمن کان ملجؤه جهنم.

وقیل: «اُم» تعنی «الدماغ»، لأنّ العرب تطلق على الدماغ اسم «اُم الرأس» ویکون معنى الآیة أنّ رؤوس هؤلاء هاویة فی جهنم، بعبارة اُخرى إنّ هؤلاء یلقون على رؤوسهم فی نار جهنم. ونستبعد هذا الاحتمال، لعدم انسجامه مع الآیة التالیة: (وما أدراک ما هیه)؟.

«هاویة» من (هوى)، أی سقط، والهاویة اسم لجهنّم لأنّها محل سقوط المذنبین. وهی إشارة أیضاً إلى عمق نار جهنم.

وإذا اعتبرنا (اُم) بمعنى دماغ فتکون هاویة بمعنى ساقطة. والتّفسیر الأوّل أصح وأنسب.

«حامیة» من (حمى) ـ على وزن نفی ـ وهو شدّة الحرارة. و«حامیة» هنا إشارة إلى قدرة نار جهنم على الإحراق.

وقوله سبحانه: (وما أدراک ماهیه * نار حامیة)تأکید على شدّة عذاب نار جهنم وعلى أنّها فوق تصور کلّ البشر.


1. القمر، 7.
2.«ماهیه»، أصلها «ما هی»، والهاء الحقت بها للسکت.
3. بحار الانوار، ج7، ص251.
4. تفسیر نور الثقلین، ج2، ص5.
5. المفردات، ص522.
6. هذا الاحتمال ذکره الزمخشری فی تفسیره الکشّاف، والفخر الرازی فی التّفسیر الکبیر، وأبو الفتوح الرازی فی تفسیره روح الجنان.
7. قیل أیضاً أنّ «راضیة» بمعنى (ذات رض). أو قدروا محذوفاً کأن تکون عیشة مرضیة لأصحابها. والتّفسیر المذکور أعلاه أنسب من غیره.
سبب ثقل میزان الأعمالسورة القارعة / الآیة 1 ـ 11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma