الویل للهمّازین واللمّازین

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
1ـ الکبر والغرور أساس الذنوب الکبیرةسبب النّزول

تبدأ هذه السّورة بتهدید قارع وتقول:

(ویل لکلّ همزة لمزة)... لکلّ من یستهزیء بالآخرین، ویعیبهم، ویغتابهم، ویطعن بهم، بلسانه وحرکاته وبیده، وعینه وحاجبه.

«الهمزة» و«اللمزة» صیغتا مبالغة(1)، الاُولى من الهمز، وهی فی الأصل الکسر. العائبون المغتابون یکسرون شخصیة الآخرین، ولذلک اُطلق علیهم اسم (الهمزة).

و«اللمزة» من اللمز، وهو اغتیاب الآخرین، والصاق العیوب بهم.

للمفسّرین آراء متعددة فی معانی هاتین الکلمتین، هل معناهما واحد، وهو المغتابون النّاس العائبون علیهم، أو إنّ معناهما مختلف. قال بعضهم إنّ معناهما واحد، وذکرهما معاً للتأکید.

وقیل: الهمزة هوالمغتاب، واللمزة: العائب.

وقیل: الهمزة هم العائبون بإشارة الید والرأس. واللمزة من یعیب بلسانه.

وقیل: الاُولى إشارة إلى العائب فی حضور الشخص، والثّانیة للعائب فی الغیبة.

وقیل: الاُولى تعنی العائب فی العلن، والثّانیة للعائب فی الخفاء، وبإشارة العین والحاجب.

وقیل: إنّ الإثنتین بمعنى الذی ینبز النّاس بالقاب قبیحة مستهجنة.

وعن ابن عباس فی تفسیر الکلمتین قال: «هم المشاؤون بالنمیمة، المفرقون بین الأحبة، الناعتون للناس بالعیب»(2).

یبدو أن ابن عباس استلهم هذا التّفسیر من کلام لرسول اللّه(صلى الله علیه وآله) حیث یقول: «ألا اُنبئکم بشرارکم؟ قالوا: بلى یارسول اللّه. قال: المشاؤون بالنمیمة، المفرقون بین الأحبّة، الباغون للبرآء المعایب»(3).

من مجموع آراء اللغویین فی الکلمتین یستفاد أنّهما بمعنى واحد. ولهما مفهوم واسع یشمل کلّ ألوان إلصاق العیوب بالنّاس وغیبتهم والطعن والاستهزاء بهم، باللسان والإشارة والنمیمة والذم.

التعبیر بکلمة (ویل) یحمل تهدیداً شدیداً لهذه الفئة. والقرآن یتشدّد تجاه هؤلاء الأفراد ویذکرهم بعبارات لا نظیر لها فی ذکر سائر المذنبین. فحین یذکر المنافقین الذین یسخرون من المؤمنین یتهددهم بعذاب ألیم ویقول: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعین مرّة فلن یغفر اللّه لهم)(4).

مثل ذلک ذکره القرآن بشأن المنافقین المستهزئین بالنّبی(صلى الله علیه وآله) فی الآیة 5 من سورة المنافقون.

الإسلام، أساساً، ینظر إلى شخصیة الإنسان وکرامته باحترام بالغ، ویعدّ أیّ عمل یؤدّی إلى إهانة الآخرین ذنباً کبیراً، وورد عن النّبی(صلى الله علیه وآله) قال: «أذل النّاس من أهان النّاس»(5).

فی هذا المجال ذکرنا شرحاً أوفى فی تفسیر الآیتین 11 و12 من سورة الحجرات.

ثمّ تذکر الآیة التالیة منبع ظاهرة اللمز والهمز فی الأفراد، وترى أنّها تنشأ غالباً من کبر وغرور ناشئین بدورهما من تراکم الثروة لدى هؤلاء الأفراد، وتقول: (الذی جمع مالاً وعدّده) بطریق مشروع أو غیر مشروع.

فهو انشدّ بالمال انشداداً جعله منشغلاً دائماً بعدّ المال والإلتذاذ ببریق الدرهم والدینار.

تحول الدرهم والدینار عنده إلى وثن ویرى فیه شخصیته وینظر من خلاله أیضاً إلى شخصیة الآخرین، ومن الطبیعی أن یکون تعامل مثل هذا الإنسان الضال الأبله بالسخریة والإستهزاء مع المؤمنین الفقراء.

«عدده» من (عدّ) بمعنى حَسَب. وقیل من (العُدّة) بمعنى تجهیز الأموال لیوم الشدّة.

وقیل: إنّها تعنی أمسکه وحفظه.

والمعنى الأوّل أظهر.

على أی حال، هذه الآیة تقصد الذین یدّخرون الأموال ولا ینظرون إلیها باعتبارها وسیلة بل هدفاً، ولا یحدّهم قید أو شرط فی جمعها، حتى ولو کان من طریق الحرام والإعتداء على حقوق الآخرین وارتکاب کلّ دنیئة ورذیلة، ویعتبرون ذلک دلیلاً على عظمتهم وشخصیتهم.

هؤلاء لا یریدون المال لسد حاجاتهم الحیاتیة، ولذلک یزداد حرصهم على جمع المال کلّما کثرت أموالهم، وإلاّ فإن المال فی الحدود المعقولة ومن الطرق المشروعة لیس بمذموم، بل إنّ القرآن الکریم عبّر عنه فی موضع بأنّه «فضل اللّه» حیث یقول تعالى: (وابتغوا من فضل اللّه)(6).

وفی موضع آخر یسمیه خیراً، کقوله سبحانه: (کتب علیکم إذا حضر أحدکم الموت إن ترک خیراً الوصیة).(7)

مثل هذا المال لیس بالتأکید مبعث طغیان، ولا وسیلة تفاخر، ولا دافع سخریة بالآخرین. لکن المال الذی یصبح معبوداً وهدفاً نهائیاً، ویدعو أصحابه من أمثال «قارون» إلى الطغیان، هو العار والذلة والمأساة ومبعث البعد عن اللّه والخلود فی النّار.

ومثل هذا المال لا یمکن جمعه وعدّه إلاّ بالسقوط فی أوحال الحرام. لذلک ورد عن الإمام علی بن موسى الرض(علیه السلام) قال: «لایجتمع المال إلاّ بخمس خصال: بخل شدید، وأمل طویل، وحرص غالب، وقطیعة رحم، وإیثار الدنیا على الآخرة»(8).

لأنّ الأفراد الأسخیاء البعیدین عن الآمال الوهمیة الطویلة یهتمون بحلال أموالهم وحرامها، ویساعدون الأقربین، ولا تتراکم الثروة عندهم غالباً، وإن زادت عائداتهم.

فی الآیة التالیة یقول سبحانه:

(یحسب أنّ ماله أخلده)(9).

«أخلده» جاء فی الآیة بصیغة الماضی، ویعنی أن هذا الهمزة اللمزة یحسب أنّ ماله قد صیّر منه موجوداً خالداً، لا یستطیع الموت أن یصل إلیه، ولا عوامل المرض والحوادث قادرة أن تنال منه، فالمال فی نظره هو المفتاح الوحید لحل کلّ مشکلة، وهو یملک هذا المفتاح.

ما أتفه هذا التفکیر!! قارون بکل ما کان یملکه من کنوز لا تستطیع العصبة أولو القوّة أن تحمل مفاتحها، لم یستطع أن یستخدم أمواله لتأخیر مصیره الأسود ساعة واحدة: (فخسفنا به وبداره الأرض)(10).

الأموال التی کان یمتلکها الفراعنة: (... من جنات وعیون * وزروع ومقام کریم * ونعمة کانوا فیها فاکهین)(11)، تحولت فی ساعة إلى غیرهم: (کذلک وأورثناها قوماً آخرین)(12).

لذلک فإنّ هؤلاء اللاهین بأموالهم، حین تزول من أمام أعینهم الحجب والأستار یوم القیامة یرفعون عقیرتهم بالقول: (ما أغنى عنّی مالیه * هلک عنی سلطانیه)(13).

الإنسان ـ أساساً ـ یهرب من الفناء والعدم ویمیل إلى الخلود، وهذه الرغبة الداخلیة هی من أدلة المعاد وأنّ الإنسان مخلوق للخلود، وإلاّ ما کانت فیه غریزة حبّ الخلود.

لکنّ الإنسان المغرور الأنانی الدنیوی یخال خلوده کامناً فی أشیاء هی ذاتها عامل فنائه وانعدامه. على سبیل المثال: المال والمقام اللذان هما غالباً من أعداء بقائه یحسبهما وسیلة لخلوده.

من هنا یتبیّن أنّ الظنّ بقدرة المال على الإخلاد، هو الذی یدفع إلى جمع المال، وجمع المال أیضاً عامل على الاستهزاء والسخریة بالآخرین عند هؤلاء الغافلین.

القرآن الکریم یردّ على هؤلاء ویقول:

(کلاّ لینبذنّ فی الحطمة) کلاّ، لیس الأمر کما یتصور، فسرعان ما یقذف باحتقار وذلّة فی نار محطّمة (وما أدراک ما الحطمة * نار اللّه الموقدة * التی تطّلع على الأفئدة).

«لینبذنّ» من نبذ، أی ـ کما یقول الراغب فی مفرداته ـ رمی الشیء لتفاهة قیمته.

أی إنّ اللّه سبحانه یرمی هؤلاء المغرورین المتعالین یوم القیامة فی نار جهنّم کموجودات تافهة لا قیمة لها، لیروا نتیجة کبرهم وغرورهم.

«الحطمة» صیغة مبالغة من «حطّم» أی هشّم. وهذا یعنی أنّ نار جهنّم تهشّم أعضاء هؤلاء. ویستفاد من بعض الرّوایات أن «الحطمة» لیست کلّ نار جهنّم، بل هی طبقة رهیبة فی حرارتها.(14)

مفهوم تهشّم الأعضاء بدل احتراقها فی نار جهنّم، ربّما صعب فهمه فی الماضی. ولکن المسألة الیوم لیست بعجیبة بعد أن إتضحت شدّة تأثیر أمواج الانفجار، وتبیّن أنّ الأمواج الناتجة عن انفجار کبیر قادرة على تهشیم الإنسان، بل تهشیم العمارات الضخمة باعمدتها الحدیدیة المستحکمة.

عبارة «نار اللّه» دلیل على عظمة هذه النّار، و«الموقدة» تعنی استعارها المستمر.

والعجیب أنّ هذه النّار لیست مثل نار الدنیا التی تحرق الجلد أوّلاً ثمّ تنفذ إلى الداخل، بل هی تبعث بلهبها أوّلاً إلى القلب، وتحرق الداخل وتبدأ أوّلاً بالقلب ثمّ بما یحیطه، ثمّ تنفذ إلى الخارج.

ما هذه النّار التی تبعث بشررها إلى قلب الإنسان أوّلاً؟! ما هذه النّار التی تحرق الداخل قبل الخارج؟! کلّ شیء فی القیامة عجیب، ومختلف کثیراً عن هذا العالم، حتّى إحراق نارها.

لماذا لا تکون کذلک، وقلوب هؤلاء الطاغین مرکز للکفر والکبر والغرور، وبؤرة حبّ الدنیا والثروة والمال؟!

لماذا لا تسیطر نار الغضب الإلهی على قلوب هؤلاء قبل أی شیء آخر وهم فی هذه الدنیا احرقوا قلوب المؤمنین بسخریتهم وهمزهم ولمزهم؟! العدالة الإلهیة تقتضی أن یرى هؤلاء جزاء یشبه أعمالهم.

الآیات الأخیرة من السّورة تقول:

(إنّها علیهم مؤصدة * فی عمد ممددّة).

و«مؤصدة» من الإیصاد، بمعنى الأحکام فی غلق الباب، ولذلک تسمى الغرف الکائنة فی داخل الجبال المخصصة لجمع الأموال «الوصید».

هؤلاء فی الحقیقة یقبعون فی غرف تعذیب مغلقة الأبواب لا طریق للخلاص منها، کما کانوا یجمعون أموالهم فی الخزانات المغلقة الموصدة.

و«العمد» جمع عمود و«ممددة» تعنی طویلة.

جمع من المفسّرین قال: إنّها الأوتاد الحدیدیة العظیمة التی تغلق بها أبواب جهنّم حتى لم یعد هناک طریق للخروج منها أبداً، وهی بذلک تأکید على الآیة السابقة التی تقول: (إنّها علیهم مؤصدة).

وقیل: إنّها إشارة إلى نوع من وسائل التعذیب والجزاء تشبه تلک التی یُغَلّ بها الشخص فی رجله فیفقد قدرة الحرکة وهذا جزاء ما کانوا یمارسونه من تعذیب للناس الأبریاء فی هذه الدنیا.

وبعضهم أضاف تفسیراً ثالثاً استمده من الاکتشافات العلمیة، وهو أن شعلة من نیران جهنّم تسلّط على هؤلاء مثل أعمدة طویلة. یقولون: إنّ الاکتشافات الأخیرة أثبتت أنّ أشعة اکس الخاصّة (اشعة رونتجن) تختلف عن سائر الأشعة الاُخرى التی تنتشر بشکل مخروطی، وذلک أنّها تنتشر بشکل عمودی، وقادرة على النفوذ فی جمیع الأجزاء الداخلیة

للإنسان بما فی ذلک القلب. ولذلک یستفاد منها فی تصویر الأعضاء الداخلیة. والأشعة التی تخرج من نار جهنّم شبیهة بالأشعة المذکورة(15).

ومن بین هذه التفاسیر، التّفسیر الأوّل أنسب. (واستناداً إلى بعض التفاسیر عبارة (فی عمد ممددة) تبیّن حالة جهنّم، وبعضها الآخر یرى أنّها بیان لحالة أهل جهنّم).


1. تأتی صیغة المبالغة بأوزان غیر الأوزان الستة المعروفة، منها هذا الوزن الذی له اشباه ونظائر فی اللغة العربیة من قبیل «ضحکة» وتعنی کثیر الضحک.
2. التفسیر الکبیر، ج 32، ص 92.
3. أصول الکافی، ج 2، ص 369، باب (النمیمة، ح 1).
4. التوبة، 80.
5. بحار الأنوار، ج75، ص142.
6. الجمعة، 10.
7. البقرة، 180.
8. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 668، ح 7.
9.«ماله» یمکن أن تکون مکونة من (مال) مضاف إلى ضمیر الغائب. ویمکن أن تکون (م) موصولة، وبعدها صلتها، جملة (أخلده) فعل ماض یتحمل معنى المضارع، أو بمعنى موجبات الخلود.
10. القصص، 81.
11. الدخان، 25 ـ 27.
12. الدخان، 28.
13. الحاقة، 28 و29.
14. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 17 و19، ح 60 و64.
15. تفسیر طنطاوی، ذیل الآیات مورد البحث. 
1ـ الکبر والغرور أساس الذنوب الکبیرةسبب النّزول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma