إنکار المعاد وآثاره المشؤومة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
1ـ تلخیص موضوعات سورة الماعونسورة الماعون / الآیة 1 ـ 7

هذه السّورة المبارکة تبدأ بسؤال موجّه للنّبی(صلى الله علیه وآله) عن الآثار المشؤومة لإنکار المعاد وتقول:

(أرأیت الذی یکذب بالدین).

وتجیب عن السؤال:

(فذلک الذی یدع الیتیم * ولا یحضّ على طعام المسکین)

«الدین» هنا «الجزاء» أو یوم الجزاء، وإنکار یوم الجزاء له عواقبه الوخیمة وانعکاسات على أعمال الإنسان، وفی هذه السّورة ذکرت خمسة آثار لهذا الإنکار منها: «طرد الیتیم، وعدم الحثّ على إطعام المسکین»، أی إنّ الشخص المنکر للمعاد لا یطعم المساکین، ولا یدعو الآخرین إلى إطعامهم.

واحتمل بعض أن یکون المقصود من الدین هنا القرآن أو الإسلام.

والمعنى الأوّل أنسب. ونظیره ورد فی قوله تعالى: (کلاّ بل تکذبون بالدین)(1) وقوله سبحانه: (فما یکذّبک بعد بالدین)(2)، وفی هذه الآیات ورد «الدین» بمعنى یوم الجزاء أیضاً بقرینة الآیات الاُخرى.

«یدع» أی یدفع دفعاً شدیداً، ویطرد بخشونة.

و«یحضّ» أی یحرضّ ویرغب الآخرین على شیء، والحضّ مثل الحثّ، إلاّ أنّ الحث ـ کما یقول الراغب ـ یکون بسوق وسیر، والحضّ لا یکون بذلک.

وصیغة المضارع فی الفعلین (یدع) و(یحضّ) تدل على استمرارهم على مثل هذا العمل فی حق الأیتام والمساکین.

ویلاحظ هنا بشأن الأیتام، أنّ العواطف الإنسانیة تجاه هؤلاء أکثر أهمیة من إطعامهم وإشباعهم، لأنّ آلام الیتیم تأتی من فقدانه مصدر العاطفة والغذاء الروحی والتغذیة الجسمیة تأتی فی المرحلة التالیة.

ومرّة اُخرى نرى القرآن یتحدث عن إطعام المساکین، وهو من أهم أعمال البرّ، وفی الآیة إشارة إلى أنّک إذا لم تستطع إطعام المساکین، فشجّع الآخرین على ذلک.

الفاء فی «فذلک» لها معنى السببیة، وتعنی أنّ التکذیب بالمعاد هو الذی یسبب هذه الإنحرافات، والحقّ أنّ المؤمن بالمعاد وبتلک المحکمة الإلهیة الکبرى وبالحساب والجزاء یوم القیامة، إیماناً راسخاً تظهر علیه الآثار الإیجابیة لهذا الإیمان فی کلّ أعماله، ولکن فاقد الإیمان والمکذب بیوم الدین تظهر آثار التکذیب علیه متمثلة فی الجرأة على ارتکاب الذنوب والجرائم بشکل محسوس.

ویتواصل وصف هؤلاء المکذبین بالدین فتقول الآیات التالیة: (فویل للمصلین * الّذین هم عن صلاتهم ساهون).

لا یقیمون للصلاة وزناً، ولا یهتمون بأوقاتها، ولا یراعون أرکانها وشروطها وآدابها.

«ساهون» من السهو، وهو فی الأصل الخطأ الذی یصدر من الإنسان عن غفلة، سواء کان مقصراً فی المقدمات أم لم یکن، فی الحالة الاُولى لا یکون الساهی معذوراً، وفی الحالة الثّانیة معذور، والمقصود فی الآیة السهو المقرون بالتقصیر.

ویلاحظ أنّ الآیة لم تقل «فی صلاتهم ساهون»، لأنّ السهو فی الصلاة یعرض لکلّ فرد، ولکنّها قالت: «عن صلاتهم ساهون»، فهم یسهون عن الصلاة بأجمعها.

واضح أنّ هذه الحالة لو إتفق وقوعها مرّة أو مرات لأمکن أن یکون ذلک عن قصور. لکن الذی یسهو عن صلاته دائماً فهو المهمل لصلاته، لعدم إیمانه بها وإذا صلى أحیاناً فلخوف من ألسن النّاس وأمثال ذلک.

إضافة لما ذکرناه من معانی لکلمة «ساهون» ذکر المفسّرون معانی اُخرى من ذلک تأخیر الصلاة عن وقت فضیلتها، أو إشارة إلى المنافقین الذین ما کانوا یؤمنون بثواب الصلاة ولا بعقاب ترکها، أو المقصود الذین یراؤون فی صلاتهم (بینما جاء ذکر هذا المعنى فی الآیة التالیة).

الجمع بین هذه التفاسیر ممکن طبعاً، وإن کان التّفسیر الأوّل أنسب.

على أی حال، حین یکون الساهون عن الصلاة مستحقین للویل، فما بالک بتارکی الصلاة؟!

الصفة الرابعة والخامسة للمکذبین بالدین تذکرها الآیتان الأخیرتان.

(الذین هم یراؤون * ویمنعون الماعون).

من المؤکّد أنّ أحد عوامل التظاهر والریاء عدم الإیمان بیوم القیامة، وعدم الرغبة بالثواب الإلهی. وإلاّ کیف یمکن للإنسان أن یترک مثوبة اللّه ویتجه إلى النّاس لیتزلف إلیهم؟!

«الماعون» من «المَعن» وهو الشیء القلیل. وکثیر من المفسّرین قالوا: إنّ المقصود من «الماعون» الاشیاء البسیطة التی یستعیرها أو یقتنیها النّاس وخاصّة الجیران من بعضهم، مثل حفنة الملح، والماء، والنّار (الثقاب)، والأوانی وأمثالها.

واضح أنّ الذی یبخل فی إعطاء مثل هذه الاشیاء إلى غیره إنسان دنیء عدیم الإیمان، أی إنّه بخیل إلى درجة الإباء عن إعطاء مثل هذه الأشیاء، بینما یمکن لهذه الأشیاء البسیطة أن تسدّ الإحتیاجات الکبیرة، ومنعها یؤدّی إلى بروز مشاکل کثیرة فی حیاة الأفراد.

وقیل: إنّ الماعون یعنی الزکاة. لأنّ الزکاة تشکل نسبة قلیلة من أصل المال قد تبلغ عشرة بالمائة وأحیاناً خمسة بالمائة وأحیاناً اثنین ونصف بالمائة.

منع الزکاة طبعاً من أفظع السیئات، لأنّ الزکاة تحل کثیراً من مشاکل المجتمع الاقتصادیة.

عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(علیه السلام) فی تفسیر الماعون قال: «هو القرض یقرضه، والمتاع یعیره، والمعروف یصنعه»(3).

وفی روایة اُخرى عن الصادق(علیه السلام) فسّر الماعون بنفس المعنى السابق، فسأله سائل قال: إنّ لنا جیراناً إذا أعرناهم متاعاً کسروه وأفسدوه، فعلینا جناح أن نمنعهم؟

فقال: «لا لیس علیکم جناح أن تمنعوهم إذا کانوا کذلک»(4).

وفی معنى الماعون ذکرت احتمالات اُخرى ذکر القرطبی منها اثنی عشر رأیاً یرجع کثیر منها إلى معنى مشترک والمهم ما ذکرناه أعلاه.

ذکر هاتین الصفتین بشکل متوال (الریاء ومنع الماعون) کأنه إشارة إلى أنّ هؤلاء المکذبین بالدین یؤدون ما للّه بنیة النّاس، وما للناس یمنعونه عنهم، ومن هنا لا یصیب أی ذی حقّ حقّه.

مسک الختام حدیث عن رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) قال: «من منع الماعون جاره منعه اللّه خیره یوم القیامة، ووکّله إلى نفسه، ومن وکّله إلى نفسه فما أسوأ حاله»؟!(5)


1. الإنفطار، 9.
2. التین، 7.
3. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 679، ح 18.
4. تفسیر نورالثّقلین، ج 5، ص 679، ح 19.
5. المصدر السابق، ح 20.
1ـ تلخیص موضوعات سورة الماعونسورة الماعون / الآیة 1 ـ 7
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma