عند انبلاج فجر النصر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأمثل 15
عند فتح مکّةسورة النّصر / الآیة 1 ـ 3

(إذا جاء نصراللّه والفتح * ورأیت النّاس یدخلون فی دین اللّه أفواجاً * فسبح بحمد ربّک واستغفره إنّه کان تواب).

هذه الآیات الثلاث القصار فی ألفاظها العمیقة فی محتواها تتضمّن مسائل دقیقة کثیرة نسلط علیها الضوء کی تساعدنا فی فهم معنى السّورة.

1ـ «النصر»: فی الآیة اُضیف إلى اللّه «نصر اللّه» وفی کثیر من المواضع القرآنیة نجد نسبة النصر إلى اللّه. یقول سبحانه: (ألا إنّ نصر اللّه قریب)(1)، ویقول: (وما النصر إلاّ من عند اللّه).(2)

وهذا یعنی أنّ النصر فی أی حال لا یکون إلاّ بإرادة اللّه، نعم، لابدّ من إعداد القوّة للغلبة على العدو، لکن الإنسان الموحّد یؤمن أنّ النصر من عند اللّه وحده، ولذلک لا یغتّر بالنصر، بل یتجه إلى شکر اللّه وحمده.

فی هذه السّورة دار الحدیث عن نصرة الله، ثمّ عن «الفتح»والإنتصار، وبعدها عن اتساع رقعة الإسلام ودخول النّاس فی دین الله زرافات ووحداناً.

و بین هذه الثلاثة إرتباط علة ومعلول، فبنصر الله یتحقق الفتح، وبالفتح تزال الموانع من الطریق ویدخل النّاس فی دین الله أفواجاً.

بعد هذه المراحل الثلاث ـ التی یشکل کل منها نعمة کبرى ـ تحّل المرحلة الرابعة وهی مرحلة الشکر والحمد.

من جهة اُخرى نصر الله والفتح هدفهما النهائی دخول النّاس فی دین الله وهدایة البشریة.

3ـ «الفتح» هنا مذکور بشکل مطلق، والقرائن تشیر ـ کما ذکرنا ـ أنه فتح مکّة الذی کان له ذلک الصدى الواسع المذکور فی الآیة.

«فتح مکّة» فتح فی الواقع صفحة جدیدة فی تاریخ الإسلام، لأن مرکز الشرک قد تلاشى بهذا الفتح، انهدمت الأصنام، وتبددت آمال المشرکین وأزیلت السدود والموانع من طریق إیمان النّاس بالإسلام.

من هنا، یجب أن نعتبر فتح مکّة بدایة مرحلة تثبیت أسس الإسلام واستقراره فی الجزیرة العربیة ثمّ فی العالم أجمع. لذلک لا نرى بعدفتح مکّة مقاومة من المشرکین (سوى مرّة واحدة قمعت بسرعة) وکان النّاس بعده یفدون على النّبی من کل أنحاء الجزیرة لیعلنوا إسلامهم.

فی نهایة السّورة یأمر الله سبحانه نبیّه (بل کل المؤمنین) بثلاثة اُمور لیجّسد آیات الشکر ولیتخذ الموقف الإیمانی المناسب من النصر الإلهی وهی :«التسبیح» و«الحمد» و«الإستغفار».

«التسبیح» تنزیه الله من کل عیب ونقص.

و «الحمد» لوصف الله بالصفات الکمالیة.

و «الإستغفار» إزاءتقصیر العبد.

هذا الإنتصار الکبیر أدى إلى تطهیر الساحة من أفکار الشرک، وإلى تجلی جمال الله وکماله أکثر من ذی قبل، وإلى اهتداء من ضلّ الطریق إلى الله.

هذا الفتح العظیم ینبغی أن لا یؤدّی بالإنسان إلى الظنّ بأنّ الله یترک أنصاره وحدهم (ولذلک جاء أمر التسبیح لتنزیهه من هذا النقص) و أن یعلم المؤمنون بأنّ وعده الحق (موصوف بهذا الکمال)، وأن یعترف العباد بنقصهم أمام عظمة الله.

أضف إلى ما سبق، أن الإنسان ـ عند النصر ـ قد تظهر علیه ردود فعل سلبیة فیقع فی الغرور والتعالی، أو یتخذ موقف الإنتقام وتصفیة الحسابات الشخصیة، وهذه الأوامر

الثلاثة تعلمه أن یکون فی لحظات النصر الحساسة ذاکراً لصفات جلال الله وجماله وأن یرى کل شیء منه سبحانه، ویتجه إلى الاستغفار کی یزول عنه غرور الغفلة ویبتعد عن الإنتقام.

رسول الله(صلى الله علیه وآله) مثل کل الأنبیاء معصوم، فلماذا الاستغفار؟

الجواب أن هذا تعلیم لکل الأمة لأنه :

أوّلا: خلال أیّام المواجهة بین الإسلام والشرک مرّت فترات عصیبة على المسلمین، وتفاقمت فی بعض المراحل مشاکل الدعوة، وضاقت صدور بعضهم وساور بعضهم الآخر شکوک فی وعد الله. کما قال سبحانه فیهم عند غزوة «الأحزاب» : (وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون)(3).

والآن إذ تحقق الإنتصار فقد اتضح خطل تلک الظنون، ولابدّ من «الاستغفار»

ثانیاً: الإنسان لا یستطیع أن یؤدّی حقّ الشکر، مهما حمد الله وأثنى علیه.

ولذلک لا بدّ له بعد الحمد والثناء أن یتجه إلى استغفاره سبحانه.

ثالثاً: بعد الانتصار تبدأ عادة وساوس الشیطان، فتبرز ظاهرة الغرور تارة وظاهرة الأنتقام تارة اُخرى. ولابدّ إذن من ذکر الله واستغفاره باستمرار حتى لا تظهر هذه الحالات، ولتزول إن ظهرت.

رابعاً: إعلام هذا النصر یعنی انتهاء مهمّة النّبی(صلى الله علیه وآله) تقریباً کما ذکرنا فی بدایة السّورة، وانتهاء عمره المبارک والتحاقه بالرفیق الأعلى. ولذا جاء فی الرّوایات أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) بعد نزول هذه السّورة کان یکثر من قول: «سبحانک اللّهم وبحمدک، اللّهم اغفرلی إنّک أنت التواب الرحیم».(4)

عبارة (إنّه کان تواب) تبیّن علّة الاستغفار، أی استغفره وتب إلیه لأنّه سبحانه تواب.

وقد تکون العبارة تستهدف تعلیم المسلمین العفو، فکما إنّ الله تواب کذلک أنتم ینبغی أن تقبلوا توبة المذنبین بعد الانتصار ما أمکنکم ذلک. وأن لا تطردوهم ما داموا منصرفین عن المخالفة والتآمر، ولذلک اتخذ رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی فتح مکّة ـ کما سنرى ـ موقف الرحمة والرأفة مقابل الأعداء الحقودین.

التسبیح والحمد والأستغفار دأب کل الأنبیاء الکرام عند تحقق النصر، یوسف(علیه السلام) حین جلس على سریر الحکم فی مصر وعاد إلیه والداه واخوته بعد فراق طویل قال: (ربّ قد آتیتنی من الملک وعلمتنی من تأویل الأحادیث فاطر السماوات والأرض أنت ولیی فی الدنیا والآخرة توفنی مسلماً والحقنی بالصالحین).(5)

وعندما حضر عرش ملکة سبأ أمام سلیمان(علیه السلام) قال: (هذا من فضل ربّی لیبلونی أأشکر أم أکفر).(6)


1. البقرة، 214.
2. آل عمران، 126; والأنفال، 10.
3. الأحزاب، 10.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 554.
5. یوسف، 101.
6. النمل، 40.
عند فتح مکّةسورة النّصر / الآیة 1 ـ 3
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma