من الذی حرم المتعة؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الشیعة شبهات و ردود
الطریق الأمثل للحلالزواج المؤقت فی الکتاب والسنّة وإجماع الأمة

یشیر الکلام المذکور الذی نقلناه عن جابر بن عبدالله الأنصاری إلى الحدیث المعروف الذی ینقله جمع کثیر من المحدثین والمفسرین والفقهاء من أهل السنّة فی کتبهم عن الخلیفة الثانی، ونص الحدیث هو: «متعتان کانتا مشروعتین فی عهد رسول الله(صلى الله علیه وآله) وأنا أنهى عنهما، متعة الحج ومتعة النساء». وجاء فی بعض الأحادیث «وأعاقب علیهما».

والمقصود من متعة الحج: هی العمرة الأولى التی یأتی بها الحاج للخروج من إحرامه، وبعد فترة طویلة أو قصیرة یجدد إحرامه استعداداً للحج.

هذا الحدیث من الأحادیث المشهورة التی نقلت عن عمر مع اختلاف یسیر، حیث قام ببیانه فی حضور الناس وهو على المنبر، وسنشیر إلى سبعة من المصادر الحدیثیة والفقهیة والتفسیریة التی ذکرت هذا الحدیث:

1. مسند أحمد، ج 3، ص 325.

2. سنن البیهقی، ج 7، ص 206.

3. المبسوط للسرخسی، ج 4، ص 27.

4. المغنی لابن قدامة، ج 7، ص 571.

5. المحلى لابن حزم، ج 7، ص 107.

6. کنز العمّال، ج 16، ص 521.

7. التفسیر الکبیر للفخر الرازی، ج 10، ص 52.

وهذا الحدیث یکشف الغطاء عن مسائل متعددة، منها:

أ) حلیة المتعة فی مرحلة الخلیفة الأوّل

إنّ المتعة أو الزواج المؤقت کانت مباحة طوال فترة حیاة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)وحتى فی فترة الخلیفة الأول، وقام الخلیفة الثانی بالنهی عنها.

ب) الاجتهاد فی مقابل النص

لقد أجاز الخلیفة الثانی لنفسه أن یضع قانوناً فی مقابل النص الصریح للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی الوقت الذی یقول تعالى فی القرآن: (وَمَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)(1).

فهل هناک شخص له الحق فی التصرف فی الأحکام الإلهیّة غیر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)؟ فهل یمکن لشخص أن یقول: إنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) فعل کذا، وأنا أفعل کذا؟

فهل یجوز الاجتهاد مقابل النص الصریح للنبی(صلى الله علیه وآله) والذی هو فی الواقع کلام الله؟

وفی الحقیقة إنّه لأمر محیر جدّاً أن یُترک قانون رسول الله(صلى الله علیه وآله) جانباً مع هذا التصریح والوضوح!!!

إضافة إلى أن باب الاجتهاد إذا فتح فی مقابل النص فبأی دلیل لا یحق للآخرین فعل ذلک؟

فهل الاجتهاد مختص بشخص واحد، والآخرون لیسوا مجتهدین؟ وهذه من المسائل المهمة; لأنه مع فتح باب الاجتهاد فی مقابل النص فلا تبقى للأحکام الإلهیّة أی حصانة، وستعُمّ الفوضى فی أحکام الإسلام الخالدة، وستتعرض الأحکام الإلهیّة للخطر.

ج) لماذا انبرى عمر لمخالفة هذین الحکمین؟

لقد کان تصوره فی حج التمتع هو أنّه یجب على المسلم عندما یأتی إلى الحج أن یتمّ حجّه وعمرته لیحلّ من إحرامه ویقارب زوجته، أمّا أنّه یأتی بعمرة التمتع، ویحلّ بعد أیّام من إحرامه ویصبح حرّ التصرف بعده. فهذا عمل غیر صحیح ولا یتناسب مع روح الحج.

والواقع إنّ هذا الرأی غیر صحیح; لأنّ أعمال الحج منفصلة عن أعمال العمرة، فمن الممکن أن یؤدی الإنسان العمرة قبل شهر من أعمال الحج، فالمسلمون فی شهر شوال أو ذی القعدة یتشرفون بزیارة مکة ویؤدون أعمال العمرة، وهم فی حِلِّ إلى الیوم الثامن من ذی الحجّة، وبعدها یُحرِمون لأعمال الحج ویذهبون إلى عرفات، فأین المشکلة فی هذا الأمر التی أثارت حفیظته.

وأمّا موضوع المتعة والزواج المؤقت فقد احتمل بعضهم أنّه إذا کان العقد المؤقت جائزاً فیصعب التفریق بین النکاح والزنا، لأنّ أی رجل بإمکانه أن یدعی عندما یضبط(2) مع امرأة أنّه متزوج منها زواجاً مؤقتاً، وهذا یؤدّی إلى انتشار الزنا.

وهذا التصور أکثر ضعفاً من الأول، لأنّه على العکس تماماً، لأنّ منع عقد المتعة هو الذی یساعد على انتشار الزنا وعدم العفاف; وذلک کما أشرنا إلیه سابقاً، فالکثیر من الشبّان لا یملکون القدرة على الزواج الدائم، أو أنّ أزواجهم بعیدات عنهم، فهم على مفترق طریقین، إمّا الزواج المؤقت أو الزنا، فصدهم عن الزواج المؤقت ـ المنظم والمخطط له بشکل صحیح ـ سیؤدّی إلى سقوطهم فی دائرة المعصیة والانغماس فی الزنا وعدم العفاف.

ولأجل هذا نقل عن الإمام علی(علیه السلام) الحدیث المعروف: «لولا أنّ عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلاّ شقی»(3).

د) الاختلاف الکبیر فی زمن التحریم

لقد روى مجموعة کبیرة من محدّثی ومفسّری وفقهاء أهل السنّة الحدیث المذکور، ویمکن أن نستفید منه وبشکل واضح أنّ تحریم المتعة کان فی عهد عمر، ولیس فی عصر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، وقد نقلت روایات أخرى متعددة فی نفس المصادر مؤیدة لذلک، ونذکر منها على سبیل المثال:

1. ینقل الترمذی المحدّث المعروف: «إنّ رجلاً من أهل الشام سأل عبد الله بن عمر عن متعة النساء، فقال: حلال، فقال السائل: إنّ أباک عمر قد نهى عنها، فقال عبد الله: أرأیت إن کان أبی قد نهى عنها وقد سنّها رسول الله(صلى الله علیه وآله)، أنترک السنّة ونتبع قول أبی»؟!(4)

2. ونقرأ فی حدیث آخر عن جابر بن عبد الله یقول: کنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقیق لأیّام على عهد رسول الله صلى الله علیه وسلم وأبى بکر حتى نهى عنه عمر فی شأن عمرو بن حریث(5).

3. وفی حدیث آخر من نفس الکتاب جاء: کنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبیر اختلفا فی المتعتین. فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله(صلى الله علیه وآله) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهم(6).

4. کان ابن عباس وهو «حبر هذه الأمّة» ومن المنکرین لنسخ حکم المتعة فی عصر رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وشاهداً على المشاجرة التی دارت بینه وبین عبد الله بن الزبیر، حیث جاء فی صحیح مسلم: «إنّ عبد الله بن الزبیر قام بمکة فقال: إنّ ناساً أعمى الله قلوبهم کما أعمى أبصارهم یفتون بالمتعة، یعرض برجل ]مقصوده ابن عباس[ فناداه فقال إنّک لجلف جاف فلعمری لقد کانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقین (یرید رسول الله(صلى الله علیه وآله)) فقال له ابن الزبیر: فجرب بنفسک فوالله لئن فعلتها لأرجمنک بأحجارک(7). وهذا منطق الظلم والتهدید.

ویحتمل أن یکون هذا الحوار قد حصل أیّام سیطرة عبد الله بن الزبیر على السلطة فی مکة، ولهذا تجرأ وتجاسر وتطاول على العالم الجلیل ابن عباس، وهو فی سن أبیه، ومن جهة العلم فغیر قابل للمقایسة، وعلى فرض أنّه على مستوى من العلم، فلا یحق له أن یتحدث معه بهذه الصورة، لأنّه إذا أقدم شخص على هذا العمل وفقاً لفتواه، فأقصى ما یمکن أن یقال: إنّه اشتبه، فیکون وطؤه «وطء شبهة»، ووطء الشبهة لا حدّ له، فتهدیده بالرجم لا معنى له، وکلام جهّال.

وطبعاً لا یستبعد صدور هذا الموقف القبیح من شاب جاهل وسیء الخلق مثل عبد الله بن الزبیر.

والملفت للنظر أنّ الراغب الاصفهانی فی کتابه (المحاضرات) نقل هذه الحادثة: عیّر عبد الله بن الزبیر عبد الله بن عباس بتحلیله المتعة، فقال له (ابن عباس): سل أمّک کیف سطعت المجامر بینها و بین أبیک؟! فسألها، فقالت: «ما ولدتک إلاّ فی المتعة». وقال ابن عباس: أول مجمر سطع فی المتعة مجمر آل الزبیر(8).

5. نقرأ فی مسند أحمد: إنّ «ابن الحصین» یقول: «نزلت آیة المتعة فی کتاب الله وعملنا بها، ولم تنزل أیة آیة ناسخة لها حتى أغمض النبی(صلى الله علیه وآله)عینیه عن الدنیا»(9).

هذه نماذج من الروایات التی تنفی بشکل صریح عدم نسخ حکم المتعة.

وفی مقابل هذه الروایات نقلوا روایات أخرى تشیر إلى أنّ حکم المتعة نسخ فی عصر رسول الله(صلى الله علیه وآله)، ولکن لیست على وتیرة واحدة ولیست متّفقة، ومع الأسف أنّها تختلف مع بعضها من ناحیة الزمان:

1. جاء فی بعض الروایات أنّ حکم تحریم المتعة صدر فی معرکة خیبر من السنة السابعة للهجرة(10).

2. وهناک روایات أخرى ذکرت أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) أجاز المتعة فی عام الفتح من السنة الثامنة للهجرة فی مکة، ونهى عنها بعد فترة وجیزة من نفس العام(11).

3. وجاء فی روایات أخرى أیضاً: أنّه(صلى الله علیه وآله) أجازها لمدّة ثلاثة أیّام فی غزوة أوطاس التی حدثت بعد فتح مکة فی منطقة هوازن التی تقع بالقرب من مکة، ونهى عنها بعد ذلک.

ولو کان لدینا سعة صدر لمناقشة الأقوال المختلفة فی هذا البحث، لکانت المسألة أوسع من ذلک; لأنّ الفقیه المعروف من أهل السنّة «النووی» فی شرح صحیح البخاری نقل ستة أقوال فی هذه المسألة، وذکر لکل رأی روایات تناسبه، والأقوال هی:

1. حللت المتعة فی معرکة خیبر وحرّمت بعد أیّام.

2. أجیزت فی عمرة القضاء وبعد ذلک حرّمت.

3. أجیزت فی یوم فتح مکة وحرّمت فیما بعد.

4. حرّمها رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی غزوة تبوک.

5. أجیزت فی معرکة أوطاس فی أرض هوازن.

6. کانت حلالاً فی حجّة الوداع، فی السنة الأخیرة من عمر النبی(صلى الله علیه وآله)(12).

والأکثر حیرة من ذلک کلام الشافعی حیث یقول: «لا أعلم شیئاً أحلّه اللهُ ثمّ حرّمه ثمّ أحلّه ثمّ حّرمه إلاّ المتعة»(13).

وکل محقّق حینما یرى هذا التناقض والتضاد فی الروایات یتأکد أنّ هذه الروایات وضعت لتحقیق أغراض سیاسیة.


1. سورة الحشر، الآیة 7 . 
2. یمسک متلبساً بالفعل.
3. التفسیر الکبیر للفخر الرازی، ج 10، ص 50 .
4. هذا الحدیث لیس موجوداً فی صحیح الترمذی المتوفر بین أیدینا الیوم، فقد جاء بدلاً من لفظ متعة النساء متعة الحج، ولکن ذکر کل من زین العابدین المعروف بالشهید الثانی من علماء القرن العاشر فی کتاب اللمعة الدمشقیة، والسید ابن طاووس من علماء القرن السابع الهجری فی کتاب الطرائف هذا الحدیث فی مورد متعة النساء، ویظهر أنّ الحدیث فی النسخ القدیمة لکتاب صحیح الترمذی کان بهذه الصورة، ولکن النسخ التی جاءت فیما بعد ولأسباب معلومة قد تغیرت و کم له من نظیر.
5. صحیح مسلم، ج 2، ص 131 .
6. نفس المصدر، ص 131.
7. صحیح مسلم، ج 2، ص 133.
8. المحاضرات، ج 2، ص 214. انظر شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید، ج 20، ص 130 .
9. مسند أحمد، ج 4، ص 436 .
10. تفسیر الدر المنثور، ج 2، ص 486 .
11. صحیح مسلم، ج 4، ص 133 .
12. شرح صحیح مسلم للنووی، ج 9، ص 191 .
13. المغنی لابن قدامه، ج 7، ص 572 .
الطریق الأمثل للحلالزواج المؤقت فی الکتاب والسنّة وإجماع الأمة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma