اعتراف جذّاب من الفخر الرازی

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
آیـات الولایـة فی القرآن
الطریق الثانی : تفسیر الآیة فی ضوء الروایات الشریفةالمراد من إکمال الدین

 یقول الفخر الرازی المفسّر السنّی المعروف :

 «قال أصحاب الآثار انّه لمّا نزلت هذه الآیة على النبیّ (صلى الله علیه وآله) لم یعمر بعد نزولها إلاّ أحداً وثمانین یوماً أو اثنین وثمانین یوماً ولم یحصل فی الشریعة بعدها زیادة ولا نسخ(1)ولا تبدیل البتّة(2)».

 وعلى وفق مقولة الفخر الرازی هذه فإنّ الآیة الشریفة قد نزلت قبل رحلة النبی (صلى الله علیه وآله)بواحد وثمانین یوماً أو أثنین وثمانین یوماً، وعلى هذا الأساس فیمکن حدس وقت نزول الآیة الشریفة، ولإیضاح هذا المطلب یلزمنا التعرف على زمن رحلة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) فإنّ أهل السنّة یرون أنّ النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) قد ولد فی الیوم الثانی عشر من ربیع الأوّل واتفق أنّ وفاته کان فی الیوم الثانی عشر من ربیع الأوّل أیضاً.

 وبالطبع فإنّ بعض الشیعة أیّد هذا الرأی ومنهم الکلینی الذی یرى أن تاریخ وفاة النبی (صلى الله علیه وآله)کان فی الیوم الثانی عشر من ربیع الأوّل بالرغم من أنّه یرى أن ولادة رسول الله (صلى الله علیه وآله)کانت فی الیوم السابع عشر من ربیع الأوّل طبقاً لما هو المشهور من علماء الشیعة، وعلى هذا الأساس لابدّ من الرجوع واحداً وثمانین یوماً أو أثنین وثمانین یوماً من الثانی عشر من ربیع الأوّل، ومع الإلتفات إلى أن الأشهر القمریة لا تکون ثلاثین یوماً على التوالی فی ثلاثة أشهر وکذلک لا تکون تسعة وعشرین یوماً على ثلاثة أشهر متوالیة ینبغی أن یکون هناک شهران کاملان وبینهما شهر واحد منه تسعة وعشرین یوماً، أو بالعکس بأن یکون هناک شهران لتسعة وعشرین یوماً وشهر واحد لثلاثین یوماً.

 فلو أخذنا بنظر الإعتبار شهر محرم وصفر وفرضنا أنّ کلّ واحد منهما تسعة وعشرین یوماً، فالمجموع یکون ثمانیة وخمسین یوماً، ومع إضافة أثنى عشر یوماً من شهر ربیع الأوّل یکون المجموع سبعین یوماً، وبالالتفات إلى أن شهر ذی الحجّة لابدّ وأن یکون ثلاثین یوماً فلو توغلنا فیه اثنى عشر یوماً لیکون المجموع اثنین وثمانین یوماً یصادف هذا الیوم هو یوم عید الغدیر الثامن عشر من ذی الحجّة، وعلى هذا الأساس وطبقاً لنظریة علماء السنّة فإنّ الآیة الشریفة أعلاه تتعلّق بیوم الغدیر لا بیوم عرفة.

 وإذا کان المعیار هو واحداً وثمانین یوماً فإنّه یتفق مع الیوم الذی یتلو یوم الغدیر لا یوم عرفة حیث تفصله مع یوم عرفة فاصلة کبیرة.

 وإذا أخذنا شهر محرم وصفر لکلّ واحد منهما ثلاثون یوماً وشهر ذی الحجّة تسعة وعشرین یوماً فطبقاً لعدد اثنین وثمانین یوماً یکون الیوم التاسع عشر من ذی الحجّة هو المراد وطبقاً لواحد وثمانین یوماً فإنّ یوم عشرین ذی الحجّة یکون هو زمان الآیة الشریفة، أی أن الآیة الشریفة نزلت بعد یوم واحد أو یومین بعد واقعة الغدیر ونصب الإمام علی (علیه السلام)خلیفة على المسلمین وناظرة إلى هذه الحادثة التاریخیة المهمة ولا ترتبط إطلاقاً بیوم عرفة.

 والنتیجة هی أنّ القرائن المختلفة التی تحف بهذه الآیة الشریفة تشیر إلى أن هذه الآیة تتعلّق بواقعة الغدیر وأنها نزلت فی شأن خلافة أمیرالمؤمنین الإمام علیّ (علیه السلام).

 سؤال : إنّ بدایة الآیة الثالثة من سورة المائدة تتحدّث عن اللحوم المحرمة(3)، وفی آخرها تتحدّث عن الاضطرار والضرورة وأحکامه(4)، وفیما بینهما تتحدّث الآیة عن ولایة وإمامة أمیرالمؤمنین، فأیّ تناسب وانسجام بین مسألة الولایة والإمامة وخلافة النبی (صلى الله علیه وآله)مع مسألة اللحوم المحرمة وحکم الاضطرار والضرورة ؟ ألا یکون هذا شاهداً على أن العبارة مورد البحث فی هذه الآیة لا یرتبط بمسألة الولایة بل یشیر إلى مطلب آخر ؟

 الجواب : إنّ آیات القرآن الکریم لم ترد بصورة کتاب منظم کما هو الحال فی الکتب المتعارفة الکلاسیکیة بل نزلت متفرقة وعلى فترات مختلفة وقد تکون آیات سورة واحدة قد نزلت فی أوقات متباینة وکان النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) یوصی بکتابة کلّ آیة فی سورة معیّنة، وعلى هذا الأساس فیمکن أن یکون صدر الآیة مورد البحث الذی یتحدّث عن الأسئلة التی کان المسلمون یسألون النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)عنها وعن اللحوم المحرمة قد نزل قبل واقعة الغدیر، وبعد مدّة حدثت واقعة الغدیر ونزلت الآیة محل البحث وذکرها کتّاب الوحی بعد آیة تحریم اللحوم، ثمّ حدثت مسألة الاضطرار أو حدث مصداق من مصادیقها وحکم هذا الاضطرار، لذلک نجد أن ذیل الآیة الشریفة یتضمن هذا الحکم الشرعی وقد کتبه کتّاب الوحی بعد الحدیث عن واقعة الغدیر المذکور فی وسط الآیة، وبملاحظة النکتة أعلاه فلیس بالضرورة أن یکون هناک إنسجاماً معیناً فی سیاق الآیة الشریفة.

 ومع الإلتفات إلى هذه الملاحظة سوف تنحل کثیر من الشبهات والإشکالات المتعلّقة بآیات القرآن الکریم.

 سؤال آخر : رأینا فیما سبق أن الآیة الثالثة من سورة المائدة هی آخر الآیات التی نزلت على النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، ومع نزول هذه الآیة یکون الدین قد کمل وتکون الشریعة الإسلامیة بمجموع مقرراتها وقوانیها قد نزلت بصورة کاملة على النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، فإذا کان کذلک إذن فلماذا ورد بعد هذه الآیة مورد البحث وفی ذیلها حکم الاضطرار والضرورة ؟ أی إذا کانت آیة إکمال الدین هی آخر آیة وتخبرنا عن إکمال الدین والشریعة، إذن فماذا یعنی هذا القانون الجدید الذی نزل بعدها ؟

 الجواب : یمکن الإجابة عن هذا الإشکال بصورتین :

 الجواب الأوّل : إنّ مسألة الاضطرار فی زمان القحط والذی ورد فی هذه الآیة الشریفة لا یورد حکماً جدیداً بل هو حکم تأکیدی لما سبق من الأحکام الشرعیة، لأنّ هذا الحکم قد ورد قبل ذلک فی ثلاث آیات من القرآن الکریم :

 الف ) نقرأ فی آیة 145 من سورة الأنعام وهی سورة مکیة قوله تعالى :

 (قُلْ لاَ أَجِدُ فِی مَا اُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِم یَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزیر فَاِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً اُهِلَّ لِغَیْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ بَاغ وَلاَ عَاد فَاِنَّ رَبَّکَ غَفُورٌ رَحِیمٌ).

 فکما تلاحظون أنّ هذه الآیة الشریفة قد نزلت فی مکّة قبل هجرة النبی (صلى الله علیه وآله) إلى المدینة وتبین حکم الاضطرار أیضاً.

 ب ) نقرأ فی الآیة 115 من سورة النحل التی نزل قسم منها فی مکّة المکرّمة وقسم منها فی المدینة قوله تعالى :

 (اِنَّما حَرِّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزیرِ وَمَا اُهِلَّ لِغَیْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ بَاغ وَلاَ عَاد فَاِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ).

 ففی هذه الآیة الشریفة التی نزلت قبل الآیة مورد البحث قد ذکر فیها حکم الاضطرار.

 ج ) ونقرأ فی الآیة 173 من سورة البقرة والتی نزلت فی أوائل هجرة النبی (صلى الله علیه وآله)إلى المدینة الحکم الشرعی للاضطرار أیضاً وهی تشبه إلى حدّ کبیر الآیة التی ذکرناها آنفاً مع تفاوت یسیر ولذلک فلا نکررها.

 النتیجة : هی أن الحکم الشرعی للاضطرار قد ورد فی القرآن الکریم قبل هذه الآیة

مورد البحث فی ثلاث موارد اُخرى(5)، وعلیه فإنّ الحکم الشرعی فی الآیة المذکورة لا یعدّ حکماً جدیداً ولا یتنافى مع آیة إکمال الدین حیث لم ینزل أیّ قانون جدید بعد هذه الآیة على النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله).

 الجواب الثانی : إن آیات القرآن الکریم لم تجمع على حسب ترتیب نزولها بل طبقاً للأمر النبیّ الأکرم (صلى الله علیه وآله) وعلى سبیل المثال فالآیة 67 من سورة المائدة تقول : (یا اَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ اِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ...) ومن المعلوم أن هذه الآیة نزلت قبل الآیة مورد البحث «الآیة الثالثة من سورة المائدة».

 ولکنّها عند تدوینها قد کتبت بعد تلک الآیة، وعلیه فلا مانع أن یکون حکم الاضطرار قد نزل قبل آیة إکمال الدین ولکن فی حال تدوینها قد کتبت بعد الآیة الشریفة.


1 . وفی هذه الأیّام نرى بعض الجهال والمغرضین یطرحون شبهات مختلفة، وأحدها أن الإسلام لا یتحدد بما وصل إلینا من النصوص الدینیة فی تراثنا الدینی بل لابدّ من الاستعانة بالعقل والفکر لانتاج المزید من القوانین الشرعیة فی دائرة الدین وأن النبی (صلى الله علیه وآله) لو کان قد عاش أکثر ممّا عاش فإن الوحی سیرفده بقوانین وأحکام جدیدة أکثر ممّا هو موجود الآن، وبالتالی فإن الإسلام لیس دیناً کاملاً بل یجب العمل على إکماله.
الجواب : ویتّضح الجواب عن هذه الشبهة والمغالطة بالرجوع إلى ما ذکره الفخر الرازی فی  هذا المجال لأن النبی حسب الروایة المذکورة عاش بعد نزول آیة إکمال الدین ثمانین یوماً ونیفاً، ولو کانت هناک قوانین شرعیة لم تصل إلیه بعد لنزل الوحی بها علیه فی هذه المدّة، وهذا یعنی عدم وجود قوانین إلهیة وآیات قرآنیة لم تنزل على النبی (صلى الله علیه وآله) وأن مهمات المسائل والتعالیم السماویة قد بُیّنت بحیث لو فرض أن النبی کان یعیش أکثر من المدّة المقرّرة ما کان سیزداد شیئاً على قوانین الإسلام.
وهنا لابدّ من إظهار التأسف على أن بعض الأشخاص غیر المطلعین على المصادر الدینیة یبدون برأیهم من دون تحقیق، فلماذا یکون المرجع فی کلّ علم وفن هم أهل الخبرة والمتخصصین فی ذلک العلم والفن ویکون الحقّ معهم فیما یقولون ولیس کذلک فی المسائل الدینیة حیث نرى أن کل من هبّ ودبّ یدلی بدلوه ویصرّح برأیه فی هذا المیدان ؟ !
2 . التفسیر الکبیر : ج 11، ص 139.
3 . والآیة المذکورة هی : (حرّمت علیکم المیتة والدَّم ولحم الخنزیر وما اهلَّ لغیر الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردِّیة والنَّطیحة وما أکل السَّبع إلاّ ما ذکَّیتم وما ذبح على النُّصب وأن تستقسموا بالأزلاَم ذلکم فسق .
4 . یتحدث فی نهایة الآیة محل البحث من قوله تعالى : (فمن اضطرَّ فی مخمصة غیر متجانف لإثم فإنّ الله غفور رحیم.
5 . إن مضمون الآیات الکریمة الأربع فی بیان حکم الاضطرار هو أن الإنسان یمکنه أن یتناول من هذه اللحوم المحرّمة عند الضرورة بمقدار رفع الحاجة والاضطرار، وطبعاً فهذا الحکم قلیل المصادیق فی العصر الحاضر، ولکن بالنسبة إلى السفر إلى البلاد الأجنبیة حیث لا یوجد هناک لحم مذبوح بالطریقة الشرعیة، یواجه بعض الأشخاص حرجاً فیما لو انقطعوا عن تناول اللحوم وتکون صحتهم البدنیة مهددة. فهنا یجوز لهم تناول مقدار من هذه اللحوم من باب الاضطرار، ولکن بمقدار رفع هذا الاضطرار فقط لا أکثر.

 

الطریق الثانی : تفسیر الآیة فی ضوء الروایات الشریفةالمراد من إکمال الدین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma